الجنيه السوداني يدخل ساحة الحرب بين الجيش و«الدعم السريع»

مسؤول رفيع سابق بالبنك المركزي لــ«الشرق الأوسط»: تبعات القرار كارثية

التعميم الذي أصدره البنك المركزي (الشرق الأوسط)
التعميم الذي أصدره البنك المركزي (الشرق الأوسط)
TT

الجنيه السوداني يدخل ساحة الحرب بين الجيش و«الدعم السريع»

التعميم الذي أصدره البنك المركزي (الشرق الأوسط)
التعميم الذي أصدره البنك المركزي (الشرق الأوسط)

 

 

تصاعد الجدل حول قرار السلطات السودانية في بورتسودان تغيير الفئات الكبيرة من العملة بعد مرور أكثر من 18 شهراً على اندلاع الحرب في البلاد، حيث تذهب تحليلات إلى أن الهدف من القرار هو استخدامه سلاحاً في الحرب لتجفيف الكتلة النقدية في المناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»، وإعادتها للنظام المصرفي الرسمي في البلاد.

 

وأعلن البنك المركزي السبت الماضي طرح ورقة جديدة لفئة الألف جنيه في الفترة المقبلة، وهي أكبر ورقة مالية متداولة، مع تغيير شكلها وزيادة تأمينها لتصعيب تزويرها.

وعزا تلك التغييرات «لحماية العملة الوطنية وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف والاستقرار الاقتصادي، ومعالجة الآثار السلبية للحرب»، لا سيما عمليات النهب الواسعة التي قامت بها «ميليشيا الدعم السريع المتمردة» لمقار بنك السودان المركزي، وشركات مطابع العملة في العاصمة الخرطوم.

مبنى البنك المركزي في الخرطوم (متداولة)

ووفقاً للبنك المركزي، نتج عن ذلك «انتشار كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات الفنية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه الأمر الذي أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح وكان له الأثر السالب على استقرار المستوى العام للأسعار».

لكن «قوات الدعم السريع» قالت في بيان إن قرار تغيير العملة «ينطوي على أجندة سياسية، وخطوة في سياق مخطط تقسيم السودان وفصل أقاليمه».

وأضافت أن «القرار غير مسنود بأي مسوغ قانوني، وتبطله نظم الحماية المالية للأفراد في ظل الكوارث والحروب، واختلال النظام المصرفي وتعطله في غالب ولايات البلاد». ودعت المواطنين إلى «عدم الاستجابة للقرار والتعامل بالعملة الجديدة باعتبارها غير مبرئة للذمة».

ويشكل القرار عبئاً على ملايين المواطنين لجهة تغيير العملة القديمة إلى العملة الجديدة، وخصوصاً في مناطق سيطرة قوات «الدعم السريع» في دارفور والخرطوم والجزيرة وعدد من مدن ولاية كردفان.

وقال المواطن عمر عبد السلام، الذي يسكن في أحد أحياء جنوب العاصمة الخرطوم، «لا توجد بنوك أو مصارف تعمل في الخرطوم لاستبدال الأموال، وغالبية المواطنين لا يملكون الكاش، ويعتمدون على التحويلات المالية عبر تطبيقات البنوك في الهواتف الجوالة».

وأضاف: «في ظل تذبذب وانقطاع الاتصالات وخدمات الإنترنت لفترات طويلة، فإن غالب التحويلات تتم عبر عناصر (الدعم السريع) التي تمتلك أجهزة الاتصالات عبر (ستارلينك) التي تعمل بالأقمار الاصطناعية، وبالتالي هم يتحكمون في تدفق الأموال».

العملة السودانية (مواقع التواصل)

وقال خبراء مصرفيون واقتصاديون إن تغيير العملة «خطوة تأخرت كثيراً»، بعدما استفادت قوات «الدعم السريع» من الأموال التي تحصلت عليها، وأن هدفه الأساسي إعادة الأوراق النقدية إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

 

تبعات كارثية

 

وقال مسؤول رفيع سابق بالبنك المركزي السوداني، فضّل حجب هويته، إنه «ليس للقرار له أي علاقة بالدوافع التي تتبعها أي دولة لتغيير العملة... هو قرار سياسي، الغرض منه خدمة أهداف عسكرية في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، وهي إجراءات حرب عسكرية».

ووصف المسؤول، الذي عاصر عدة فترات جرت فيها عمليات تغيير العملة بالبلاد، القرار بأنه «أولى الخطوات التي ستقود إلى تقسيم البلاد».

وبحسب المعلومات المتوفرة لديه: «تم الانتهاء من تصميم شكل الورقة النقدية الجديدة والتوقيع عليها من قبل المسؤول الأول في البنك، وهي في طريقها إلى مرحلة الطباعة على الورق».

عناصر من الجيش السوداني في مدينة القضارف (أ.ف.ب)

وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن قوات «الدعم السريع» قد تلجأ إلى التعامل التجاري والتبادل السلعي عبر الدولار في الولايات الحدودية المتاخمة لدول الجوار (تشاد، أفريقيا الوسطى، ليبيا أو دولة جنوب السودان) التي يدخل فيها الدولار عاملاً رئيسياً لتحديد قيمة العملة المستخدمة في تلك البلدان.

وأضاف: «المشكلة الأكبر هي أن يخلق تطبيق هذا القرار حاجزاً وجدانياً لدى الشعب السوداني، يعززه انتشار خطاب الكراهية والعنصرية والانتهاكات التي يرتكبها طرفا القتال».

وقال: «إن تبعات القرار كارثية ما قد يؤدي إلى نظامين نقديين في البلاد، وانقسام في السياسة النقدية في ظل عدم اعتراف أي طرف بالآخر».

وأشار إلى ما حدث بعد انفصال جنوب السودان في 2011 «حيث جرى تبديل العملة في سرية تامة من دون علم ومعرفة كبار الموظفين في البنك المركزي».

وتوقع «أن تقوم قوات (الدعم السريع) باتخاذ خطوات أخرى مقابلة بتقنين التعامل بالعملات الأجنبية، وعلى وجه الخصوص في تجارة العملات الحدودية، ما يؤدي إلى توسيع سوق التعامل وأخذه شكلاً رسمياً».

وأوضح: «هناك أسباب رئيسية قد تجبر الدولة على تغيير عملتها، أبرزها جذب العملة خارج الجهاز المصرفي وإحكام سيطرتها المالية على الكاش لدى الجمهور، أو لمعالجة انفلات التضخم، بالإضافة إلى عجز الدولة عن الالتزام بالوفاء بالبند الأول في الميزانية بخصوص صرف المرتبات أو أموال التسيير والخدمات الأخرى».

جنود من «قوات الدعم السريع» خلال دورية بمنطقة شرق النيل (أرشيفية - أ.ب)

واستبعد المسؤول المصرفي «أن تتم طباعة العملة السودانية الجديدة من قبل شركات في بعض الدول الكبرى لا تخضع للنظام المصرفي العالمي».

وبدوره، ذكر الخبير المصرفي، هاشم عبد الله رحمة، لـ«الشرق الأوسط» أن تغيير العملة في الوقت الحالي «لا فائدة منه، وإن كان يمكن أن يؤدي إلى إصلاحات اقتصادية لو تم اتخاذه مباشرة بعد استيلاء قوات (الدعم السريع) على مخزون العملة المحلية والأجنبية وسبائك الذهب من مقر سك العملة، إضافة إلى الأموال التي سرقت من البنوك المحلية في ولاية الخرطوم وبعض الولايات الأخرى».

 

توقيت غير مناسب

 

وذكر بنك السودان المركزي في تعميمه للجمهور «أن المصارف التجارية ستعمل على تسهيل فتح المزيد من الحسابات البنكية للمواطنين لتمكينهم من توريد ما لديهم من العملات من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه والفئات الأخرى، للاستفادة من الخدمات المصرفية بما فيها خدمات الدفع الإلكتروني».

وقال الخبير الاقتصادي، إبراهيم أونور، إن توقيت إصدار قرار تغيير العملة «غير مناسب على الإطلاق، ولا أتوقع أن يؤدي إلى خفض التضخم»، وأشار إلى أن من الصعوبات التي ستواجه المواطن في تبديل أمواله من العملة القديمة إلى الجديدة «أن بعض الولايات خارج سلطة الحكومة وتسيطر عليها قوات (الدعم السريع)، ولا توجد فيها بنوك ومصارف».

أعمدة الدخان تتصاعد خلال اشتباكات بين «قوات الدعم السريع» والجيش في الخرطوم 26 سبتمبر (رويترز)

ورأى الخبير المصرفي، هشام عبد الله، أنه «إذا كان الهدف من قرار تغيير العملة تجفيف الكتلة النقدية في مناطق (الدعم السريع)، فيمكن أن يحدث ذلك إذا حدد البنك المركزي فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الأسبوعين لتسلم الأموال من المواطنين... المسؤولون في الدولة ارتبكوا خطأ استراتيجياً، ففي حالة اندلاع تمرد أو حروب داخلية وخارجية، هنالك مجموعة من الإجراءات التي يجب اتخاذها في وقتها، مثل تكوين حكومة حرب من كفاءات تدير الشأن الاقتصادي بصورة مقتدرة لزيادة الإنتاج والإنتاجية في الولايات الآمنة لمقابلة التزامات واحتياجات المواطنين».

وبسبب الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها العاصمة الخرطوم، أعلن البنك المركزي السوداني في مايو (أيار) 2023 نقل أنشطته إلى العاصمة المؤقتة في مدينة بورتسودان في شرق البلاد.

ومنذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) العام الماضي، تراجع التعامل بالعملات الورقية في مناطق الاشتباكات الساخنة بشكل ملحوظ، وأصبح الملايين من المواطنين يعتمدون بشكل كبير على التحويلات المصرفية عبر التطبيقات البنكية.

 


مقالات ذات صلة

​ما سر خلاف الجيش السوداني و«الدعم السريع» حول معبر «أدري»؟

شمال افريقيا سودانيات ينتظرن في طابور للحصول على مساعدات بمدينة أدري التشادية بعد فرارهن من دارفور (رويترز)

​ما سر خلاف الجيش السوداني و«الدعم السريع» حول معبر «أدري»؟

أعلنت الحكومة السودانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان الساحلية عاصمة مؤقتة الاستجابة لمطلب تمديد فتح معبر «أدري» الحدودي مع تشاد

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أفريقيا مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

اتهمت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، حلفاء القوى المتحاربة في السودان بـ«تمكين المجازر» بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
شمال افريقيا مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

انخرط مجلس الأمن في نقاشات حول مشروع قرار بريطاني لمطالبة القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» بوقف القتال فوراً والسماح بتسليم المساعدات الإنسانية.

علي بردى (واشنطن) محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

مصدر مصري مسؤول قال لـ«الشرق الأوسط» إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة ضمن آلية رباعية لتنسيق مساعٍ لحلحلة الأزمة السودانية»

أحمد إمبابي (القاهرة)

تكرر تأخر الرواتب... كابوس «ينغّص حياة» الليبيين

محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى يلتقي بمكتبه عبد الحميد الدبيبة (المصرف)
محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى يلتقي بمكتبه عبد الحميد الدبيبة (المصرف)
TT

تكرر تأخر الرواتب... كابوس «ينغّص حياة» الليبيين

محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى يلتقي بمكتبه عبد الحميد الدبيبة (المصرف)
محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى يلتقي بمكتبه عبد الحميد الدبيبة (المصرف)

بعد أن تجددت أزمة تأخّر صرف الرواتب في ليبيا، وعد عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، بحل الأزمة المتعلقة بصرف راتب شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قبل نهاية الأسبوع.

ويرى سياسيون ليبيون أن هذه الأزمة تتكرر باستمرار في البلاد، وفي هذا السياق أوضح عضو مجلس النواب الليبي، عبد السلام نصية، أنها «مشكلة باتت مزمنة، خصوصاً في السنوات الماضية»، وأرجع في تصريح لـ«الشرق الأوسط» مسؤولية ظهور هذه الأزمة لعدة عوامل، أبرزها «ارتفاع أعداد العاملين بالدولة؛ مما رفع بند الرواتب التي أصبحت تشكل أكثر من 65 في المائة من دخل البلاد».

الدبيبة وعد بحل الأزمة المتعلقة بصرف راتب شهر أكتوبر الماضي (الشرق الأوسط)

وفي تقريرها لعام 2023، قدرت هيئة الرقابة الإدارية أعداد العاملين بالجهات الممولة من خزانة الدولة بمليونين و99 ألفاً و200 موظف. وحذر التقرير من تضخم عدد العاملين بالجهاز الإداري للدولة، لما له من تأثير مباشر على التنمية والإنتاج، إذ بلغ إجمالي رواتبهم خلال الفترة الممتدة من سنة 2012 إلى 2023 نحو 372 ملياراً و759 مليوناً و500 ألف دينار. (الدولار يساوي 4.86 دينار في السوق الرسمية).

مرتبات عشوائية

أوضح عبد السلام نصية أن «التوسع في التعيينات بالقطاع العام، وأيضاً قرارات زيادة الرواتب العشوائية، لم يقابلهما زيادة في الدخل العام، كما أنهما تمّا في إطار التنافس بين الحكومات والأفراد بهدف كسب الولاءات».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى هي «الوحدة الوطنية» التي يرأسها الدبيبة، وتتخذ من العاصمة طرابلس غرب البلاد مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب.

ويرى نصية أن اعتماد البلاد على النفط بوصفه مورداً رئيسياً للدخل يعد «سبباً إضافياً للأزمة»، وقال موضحاً: «بات أي تذبذب في أسعار النفط وكميته المستخرجة ينعكس سلباً على الدخل العام، وبالتبعية تتأثر رواتب العاملين من حيث القيمة، وأيضاً توقيت صرفها».

بات جل الليبيين يجدون صعوبة في شراء مستلزمات حياتهم بسبب تأخر الرواتب (أ.ف.ب)

وأضاف نصية سبباً آخر، يتمثل في «ظهور سياسات غريبة للمالية العامة»، من أهمها ما يسمى بـ«الإفراجات» التي يشوبها الكثير من الفساد، فضلاً عن انهيار ما يعرف بـ«الدورة المستندية» للدخل، من خلال قيام المؤسسة الوطنية للنفط بحجب الإيرادات والتصرف فيها قبل توريدها.

وانتهى نصية إلى أن كل الأسباب السابقة، مع زيادة سعر الصرف نتيجة التوسع في الإنفاق الناتج عن الانقسام المؤسساتي «سيظل من الأسباب التي تؤدي إلى استمرار وتفاقم أزمة الرواتب».

أزمة قديمة

من جانبه، عبر عبد العزيز الحاج (اسم مستعار) عن استيائه من تأخر صرف الرواتب طوال السنوات الماضية، ورأى أن المسؤولين «لا يشعرون بتزايد الأعباء المعيشية» عليه، وعلى زملائه من العاملين بالقطاع الحكومي.

يقول الحاج، وهو من قاطني الجنوب الليبي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأزمة ليست جديدة، لكنها تضغط على كثير من الأسر، وخصوصاً مَن لا يملكون دخلاً إضافياً».

بدورها، حمَّلت الأكاديمية الليبية، فيروز النعاس، أزمة الرواتب «للصراع والانقسام السياسي والحكومي والمؤسسي الراهن في البلاد». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنه «في ظل أجواء الخصومة ما بين حكومة الدبيبة والبرلمان، فإن هذا الأخير يعتمد الميزانية للحكومة المكلفة من قِبَله برئاسة أسامة حماد، ثم لا يتعامل المصرف المركزي المسؤول عن السياسة النقدية مع تلك الحكومة؛ بسبب عدم حصولها على الشرعية الأممية».

وتساءلت فيروز النعاس عن غياب اللجان والدراسات المتخصصة لتحديد الأولويات التي تحتاج إليها البلاد، معربة عن قناعتها بأن كل «المشاريع التي ينفذها المسؤولون، شرقاً وغرباً، تأتي في إطار المنافسة بينهم في حصد إنجازات تنسب لهم، رغم تمويلها من الخزينة العامة».

واجهة البنك المركزي في طرابلس (رويترز)

ولم يبتعد الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، عن الآراء السابقة، حيث أوضح أن ليبيا هي «الدولة الوحيدة التي يعد فيها صرف الراتب إنجازاً تتباهى الحكومات بتحقيقه». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم معايشة الليبيين لأزمات اقتصادية كثيرة خلال السنوات الأخيرة، فإنهم يشعرون بالاستياء تجاه عجز دولتهم النفطية عن الوفاء بالتزاماتها تجاههم فيما يتعلق بأبسط حقوقهم، أي الراتب يكون مضاعفاً».

وتحدث القماطي عن «سوء التنظيم بين المؤسسات المالية بالبلاد، وسوء الإدارة وكثرة تغيير السياسات، جراء تعاقب الحكومات بعد (ثورة فبراير)، ومعوقات البيروقراطية». وتساءل في هذا السياق عن «عدم انتباه المسؤولين لعدم وجود أموال في حسابات المؤسسة الوطنية للنفط تكفي لتغطية الرواتب، وهذا هو سبب الأزمة الشهر الحالي».

كما تساءل القماطي مستنكراً: «كيف يتم حرمان أغلب الموظفين البسطاء من رواتبهم، التي ربما لا ترتفع عن ألفي دينار، فيما سجلت تقارير المصرف المركزي إنفاق أكثر من ملياري دينار منذ بداية العام الحالي على وزارة الخارجية، التي يذهب أغلبها بوصفه رواتب تصرف بالعملة الأجنبية لموظفي البعثات والسفارات الليبية بالخارج».

أما الناشط السياسي الليبي، بشير الشيخ، فيؤكد من جانبه، أن أزمة تأخر الرواتب عرفها المجتمع الليبي خلال نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، لكنها لم تتكرر كثيراً، مقارنة بالسنوات الأخيرة، وتحديداً مع حدوث الانقسام السياسي والحكومي. وأوضح الشيخ لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير من الموظفين يلجأ للاستدانة للتغلب على معضلة تأخر الرواتب، فيما يضطر بعضهم للعمل في وظيفة إضافية بالقطاع الخاص».