مصر تحذّر دول نهر النيل من تفعيل اتفاقية «عنتيبي»

قالت إنها تخالف القانون الدولي... وتشجّع على الانقسام

الوزير المصري سويلم يلتقي السفير الألماني بالقاهرة (وزارة الموارد المائية والري)
الوزير المصري سويلم يلتقي السفير الألماني بالقاهرة (وزارة الموارد المائية والري)
TT

مصر تحذّر دول نهر النيل من تفعيل اتفاقية «عنتيبي»

الوزير المصري سويلم يلتقي السفير الألماني بالقاهرة (وزارة الموارد المائية والري)
الوزير المصري سويلم يلتقي السفير الألماني بالقاهرة (وزارة الموارد المائية والري)

حذّرت مصر دول نهر النيل من تفعيل «الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل»، المعروفة باسم اتفاقية «عنتيبي»، مؤكّدةً أنها بشكلها الحالي «تُخالف قواعد القانون الدولي للمياه، وتشجّع على الانقسام بدول حوض النيل».

ويضم حوض نهر النيل 11 دولة أفريقية؛ بين دول المنبع: بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، وجنوب السودان، فضلاً عن دولتَي المصب (مصر والسودان).

واتفاقية «عنتيبي»، أُبرمت عام 2010، وتفرض إطاراً قانونياً لحل الخلافات والنزاعات، وتسمح لدول المنبع بإنشاء مشروعات مائية من دون التوافق مع دولتَي مصر والسودان، كما تعتمد مبدأ «الأغلبية» في التصويت على قراراتها.

وخلال لقائه سفير ألمانيا بالقاهرة، يورين شولز، الثلاثاء، شدّد وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، على ضرورة الالتزام بالقوانين الدولية فيما يخص الأنهار الدولية عند تنفيذ مشروعات تنموية في دول المنابع.

واستعرض سويلم، وفقاً لبيان وزارة الموارد المائية المصرية، مسار المفاوضات الخاصة بـ«سد النهضة» الإثيوبي، مؤكِّداً حرص دولتَي المصب (مصر والسودان) على «التوصل لاتفاق قانوني عادل ومُلزِم لملء وتشغيل السد الإثيوبي»، إلا أن «التعنّت الإثيوبي، وعدم وجود إرادة سياسية، أدّيا لعدم التوصل لاتفاق قانوني عادل ومُلزِم».

مباحثات مصرية - ألمانية موسّعة في القاهرة حول قضايا المياه (وزارة الموارد المائية والري)

وبشأن الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل أشار سويلم إلى أن «بعض الدول قامت بصورة منفردة بالتوقيع عليها، دون الانتهاء من التوافق حولها»، محذّراً من أن هذه الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل بشكلها الحالي «تخالف قواعد القانون الدولي للمياه، وتشجع على اتخاذ إجراءات أحادية، وتتجاهل مبدأ الإخطار المسبق، وتتجاهل حقوق دولتَي المصب (مصر والسودان)، وتشجّع على الانقسام بدول حوض النيل».

وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في 13 أكتوبر (تشرين الأول)، دخول اتفاقية «عنتيبي» حيز التنفيذ، بعد تصديق 6 دول عليها، هي: إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وجنوب السودان.

وتُعارض مصر ومعها السودان الاتفاقية، ويتمسّكان باتفاقات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدول المصب، كما تُقرّ 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان، ويرفضان أي مشروع مائي بمجرى النيل يُلحق أضراراً بالأمن المائي.

وأكّد سويلم في لقائه مع السفير الألماني «ضرورة إدارة الأنهار الدولية بشكل متكامل، من خلال منظمات أحواض الأنهار الدولية التي تعتمد مبادئ القانون الدولي للمياه، وتعتمد على مبدأ الشمولية، وأن تكون الدول كافةً ممثَّلة بها، وأن تكون آلية اتخاذ القرار بها بالإجماع؛ لعدم إهدار حقوق أي دولة من دول الحوض».

ولفت سويلم إلى دعم مصر الدائم للدول الأفريقية الشقيقة، وخصوصاً دول حوض النيل، من خلال تنفيذ عديد من المشروعات، في مجالات تطهير المجاري المائية، وإنشاء سدود حصاد مياه الأمطار، وحفر آبار مياه جوفية تعمل بالطاقة الشمسية في المناطق النائية، وإنشاء مراسي نهرية، ومراكز للتنبؤ بالأمطار.

وسبق أن أكّدت مصر والسودان أن اتفاقية «عنتيبي» غير مُلزِمة لأي منهما؛ لمخالفتها مبادئ القانون الدولي، وجدّدت الدولتان، خلال اجتماع للهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل، في 11 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على «ضرورة استعادة مبادرة حوض النيل (التي تأسست عام 1999)، بوصفها الطريقَ الأمثل والأشمل للتوافق والتعاون بين دول النهر».

وتُعدّ مصر من أكثر دول حوض النيل تضرراً من أي مشروعات مائية تُقام دون تنسيق على مجرى النهر، وفق تقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد الشاذلي، مشيراً إلى أن «نهر النيل المورد الرئيسي للمياه في دولتَي المصبّ (مصر والسودان)، على عكس باقي دول الحوض التي تعتمد عليه بشكل هامشي»، وعَدّ المساس بحصة مصر المائية «تهديداً للحياة والوجود على أرضها».

وتعتمد مصر على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات وزارة الري المصرية.

وحذّر الشاذلي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، من تفاقُم الخلاف بين مصر وإثيوبيا بسبب الأمن المائي، إلى مرحلة الصدام، مشيراً إلى أن «التصعيد، قد يُحوّل منطقة حوض النيل لحالة من عدم الاستقرار».

وقال: «يجب على الدول الالتزام بقواعد القانون الدولي، وخصوصاً مبدأي (عدم الضرر والتشاور) في أي مشروعات مائية».

وسبق للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن حذّر من «عدم استقرار المنطقة حال المساس بحصة مصر المائية»، وقال إن «حصة مصر في مياه النيل (خط أحمر) لن يقبل المساس بها».

وتفتقد اتفاقية «عنتيبي» لفاعليتها، في ظل غياب إجماع دول حوض النيل عليها، وفق خبير المياه الدولي، ضياء القوصي، الذي أشار إلى أن «القانون الدولي يؤكد مبدأ الإجماع في إدارة الأنهار الدولية، وفي ظل وجود انقسام حول الاتفاقية يصبح من الصعب تنفيذها، أو اعتماد قراراتها».

وأوضح القوصي لـ«الشرق الأوسط»، أن «القانون الدولي يعطى للدول المتشاركة في أحواض الأنهار الدولية (حق الفيتو)، للاعتراض على أي إجراءات تؤثر على مصالحها»، مشيراً إلى أن «الدول التي صدّقت على الاتفاقية لن تتمكّن من اعتمادها بالأمم المتحدة».


مقالات ذات صلة

تراجع حاد في مستويات المياه العذبة عالمياً

يوميات الشرق مهمة القمر الاصطناعي «GRACE-FO» استهدفت الكشف عن تغيرات كتلة المياه على سطح الأرض وتحتها (ناسا)

تراجع حاد في مستويات المياه العذبة عالمياً

كشفت بيانات الأقمار الاصطناعية التابعة لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) بالتعاون مع ألمانيا، عن تراجع حاد في إجمالي كميات المياه العذبة على كوكب الأرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
علوم «فقاعة المياه»... على وشك الانفجار

«فقاعة المياه»... على وشك الانفجار

بسبب البنية التحتية المتقادمة والإهدار

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم خلال حفل تخريج متدربين أفارقة (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

مصر تتمسك بقاعدة «الإجماع» لحل «الخلافات المائية» في حوض النيل

أكّدت مصر تمسكها بضرورة العمل وفق قاعدة «الإجماع» في إدارة وحل «الخلافات المائية» مع دول حوض النيل.

عصام فضل (القاهرة)
شمال افريقيا سويلم يلتقي سفيرة الإمارات في القاهرة (وزارة الموارد المائية)

مصر تطالب بتكاتف الجهود العربية لمواجهة «الشح المائي»

طالبت مصر بتكاتف الجهود العربية لمواجهة «الشح المائي» الذي تعاني منه المنطقة عبر إيجاد حلول مبتكرة للتعامل مع تحديات المياه الأمر الذي عدّه خبراء «ضرورة ملحة».

عصام فضل (القاهرة)
يوميات الشرق الطلب على المياه العذبة سوف يتجاوز العرض بنسبة 40 في المائة بحلول نهاية العقد (رويترز)

أزمة المياه العالمية تُعرض نصف إنتاج الغذاء للخطر

حذّر خبراء من أن أكثر من نصف إنتاج العالم من الغذاء سيكون معرضاً للخطر خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، مع تفاقم أزمة المياه العالمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

اجتماعات «المائدة المستديرة» بين الفرقاء السودانيين في جنيف لوقف الحرب

جانب من لقاء سابق لتنسيقية «تقدم» مع مسؤولي الآلية الأفريقية في أديس أبابا (صفحة «تقدم» على فيسبوك)
جانب من لقاء سابق لتنسيقية «تقدم» مع مسؤولي الآلية الأفريقية في أديس أبابا (صفحة «تقدم» على فيسبوك)
TT

اجتماعات «المائدة المستديرة» بين الفرقاء السودانيين في جنيف لوقف الحرب

جانب من لقاء سابق لتنسيقية «تقدم» مع مسؤولي الآلية الأفريقية في أديس أبابا (صفحة «تقدم» على فيسبوك)
جانب من لقاء سابق لتنسيقية «تقدم» مع مسؤولي الآلية الأفريقية في أديس أبابا (صفحة «تقدم» على فيسبوك)

للمرة الثالثة تستضيف مدينة جنيف السويسرية ما عرفت باجتماعات «المائدة المستديرة» بين القوى السياسية والمدنية السودانية، وتهدف لتقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة السودانية، مواصلة للاجتماعين السابقين اللذين نسقتهما منظمة «بروميديشن» الفرنسية، في القاهرة وجنيف، وتهدف الاجتماعات لتحقيق توافق على وقف الحرب عبر التفاوض وإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين.

وتشارك في الاجتماعات، التي بدأت يوم الاثنين وتستمر ليومين، كل من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، وتحالف «الكتلة الديمقراطية» الموالية للجيش، وحركات مسلحة تابعة للكتلة، مع إعلان بعض الأطراف مقاطعة هذه الاجتماعات.

وانشقت «الكتلة الديمقراطية» قبل سنوات عن تحالف «قوى الحرية والتغيير» الذي قاد الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بحكومة الرئيس عمر البشير.

وتتكون «الكتلة الديمقراطية» أساساً من حركات مسلحة وقوى سياسية أيدت انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي ناهضه التحالف الرئيس «الحرية والتغيير» الذي تطور بعد الحرب إلى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم».

وصدرت مواقف متضاربة بين أعضاء تحالف «الكتلة الديمقراطية» تراوحت بين الرفض والقبول للمشاركة في اجتماعات جنيف. وأعلن المتحدث باسم الكتلة، محمد زكريا، الذي ينتمي لـ«حركة العدل والمساواة»، اعتذار كتلته عن المشاركة، بينما

استنكر القيادي في الحزب «الاتحادي الديمقراطي» عمر خلف الله، وهو أيضاً ناطق رسمي باسم «الكتلة الديمقراطية» تصريح زكريا، قائلاً إن الموضوع لم يناقش في قيادة الكتلة، وأكد مشاركتهم في اجتماعات جنيف «من أجل رؤية تعزز المشروع الوطني».

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

تباين مواقف «الكتلة الديمقراطية»

وإزاء مواقف «الكتلة الديمقراطية»، قال قيادي في الكتلة لـ«الشرق الأوسط» إن المشاركة في اجتماعات جنيف كشفت تباينات حادة داخل الكتلة، وأن «حركة العدل والمساواة» بقيادة وزير المالية الحالي جبريل إبراهيم سنت لنفسها خطاً منفرداً يمكن وصفه بـ«الانشقاق» داخل الكتلة، مضيفاً أن «رفض المشاركة يعبر عن موقف الحركة وليس موقف الكتلة».

وقال القيادي في «تقدم» والأمين السياسي لحزب «المؤتمر السوداني» شريف محمد عثمان لـ«الشرق الأوسط» إن مدينة جنيف السويسرية شهدت صباح يوم الاثنين الاجتماع الرابع لسلسلة الاجتماعات التي تنسقها «بروميديشن»، وينتهي يوم الثلاثاء، ويهدف إلى تقريب المسافات بين القوى المناهضة للحرب وتلك التي انحازت لأحد طرفي القتال، في إشارة إلى الجيش.

ووفقاً للقيادي في «تقدم»، فإن الاجتماعات تعمل على تحقيق توافق على إنهاء الحرب عبر الحلول السلمية التفاوضية، والتي تبدأ بالوصول إلى وقف العدائيات بغرض إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين، وفتح مسارات آمنة، باعتبارها خطوات تمهيدية لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب سلمياً.

اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)

مشاركة واسعة

وأوضح عثمان أن طيفاً واسعاً من المدنيين يشارك في الاجتماع وعلى رأسهم قيادات تحالف القوى الديمقراطية المدنية الأكبر في البلاد «تقدم»، ويمثلها كل من رئيس حزب «المؤتمر السوداني» عمر الدقير، ورئيس حزب «التجمع الاتحادي» بابكر فيصل، ورئيس «حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي» الهادي إدريس. كما يشارك في الاجتماعات «حزب الأمة القومي»، و«الحزب الاتحادي الأصل» بقيادة جعفر الميرغني، و«التحالف الديمقراطي للعدالة» بقيادة مبارك أردول، و«حركة تحرير السودان - جناح مناوي»، ويمثلها علي ترايو، إضافة لممثلين عن حزب «المؤتمر الشعبي» الإسلامي المنشق عن حزب الرئيس المعزول عمر البشير، و«حزب الأمة – جناح مبارك الفاضل».

وتوقع عثمان توصل المجتمعين لبيان ختامي متوافق عليه بشأن قضيتي إنهاء الحرب سلمياً، ووقف عدائيات إنساني يسهل وصول المساعدات الإنسانية.

وكانت العاصمة المصرية القاهرة قد شهدت في أكتوبر (تشرين الأول) اجتماعاً مماثلاً، توصل إلى بيان ختامي وقعته القوى المشاركة، باستثناء حركة تحرير السودان – مناوي، وحركة العدل والمساواة – جبريل إبراهيم اللتين رفضتا توقيع بيان القاهرة رغم مشاركتهما في الاجتماعات.

و«بروميديشن» منظمة فرنسية مدعومة من الخارجية الفرنسية والخارجية السويسرية، ظلت تلعب أدواراً مستمرة في الشأن السوداني، وعقدت عدداً من اجتماعات المائدة المستديرة بين الفرقاء السودانيين، بدأتها منذ يونيو (حزيران) 2022 بمفاوضات بين حركات مسلحة دارفورية، ثم طورت اجتماعاتها لتشمل القوى السياسية والمدنية السودانية بعد الحرب.