عشرات المفقودين جراء القتال في ولاية الجزيرة السودانية

سودانيون فارون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف بشرق البلاد في 31 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
سودانيون فارون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف بشرق البلاد في 31 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

عشرات المفقودين جراء القتال في ولاية الجزيرة السودانية

سودانيون فارون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف بشرق البلاد في 31 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
سودانيون فارون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف بشرق البلاد في 31 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

نجح الموظف الحكومي، خضر علي، في الهرب وعائلته من هجوم «قوات الدعم السريع» على مدينته في ولاية الجزيرة وسط رصاص متطاير وفوضى عارمة، لكن ما أن أصبح بأمان، اكتشف أنّه فقد أثر ابن أخيه المريض، محمد.

ويبلغ ابن شقيقه 17 عاماً، وهو مصاب بمرض جلدي يحتاج لرعاية طبية خاصة، وهو واحدٌ من عشرات الأشخاص الذين أبلغ ذووهم عن فقدانهم مع تصاعد العنف في الولاية، الذي دفع أكثر من 47 ألف شخص للنزوح.

ويروي علي (47 عاماً) بتوتّر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «خرجنا في حالة من الفوضى، وكان إطلاق النار في كل اتجاه... بعد أن أصبحنا خارج المدينة اكتشفنا أن ابن أخي غير موجود».

وتابع: «هو مريض بعيب خلقي في خلايا الجلد، لا يتحمّل الجفاف لأكثر من ساعة، ويحتاج لرعاية خاصة».

واندلعت المعارك في السودان منتصف أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة حليفه ونائبه السابق محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي».

وخلّفت الحرب عشرات آلاف القتلى، وشرّدت أكثر من 11 مليون شخص، من بينهم 3.1 مليون نزحوا خارج البلاد، حسب المنظمة الدوليّة للهجرة، وتسبّبت الحرب، وفقاً للأمم المتحدة، في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث.

سودانيون فارون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف بشرق البلاد في 31 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ويخوض الطرفان راهناً معارك عنيفة في ولاية الجزيرة التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» منذ أواخر العام الماضي. لكن بعد انشقاق أحد قادتها في الولاية وانضمامه إلى الجيش، شنّت «قوات الدعم السريع» هجمات على بعض المناطق، وحصلت مواجهات؛ ما تسبّب بمقتل نحو 200 شخص خلال 10 أيام، حسب السلطات ومسعفين.

وكان علي يعيش في مدينة رفاعة التي تعرّضت لهجوم من «قوات الدعم السريع» في 22 أكتوبر (تشرين الأول) دَفَعَه للنزوح مع أسرته وأسرة شقيقه الراحل. ووصل إلى مدينة حلفا في ولاية كسلا (150 كيلومتراً شرق رفاعة) بعد رحلة مضنية استغرقت 3 أيام.

ويقول بقلق بالغ: «قضينا حتى الآن 6 أيام، ولا نعرف عنه شيئاً».

«أحياء أم أموات؟»

وأدت موجة العنف في الجزيرة إلى نزوح عشرات الآلاف. ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن أكثر من 47 ألف شخص نزحوا إلى ولايتَي كسلا والقضارف.

إلى مدينة حلفا، وصل أيضاً محمد العبيد من قرية الهجليج. ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «حتى الآن أحصينا 170 مفقوداً من قريتنا. هناك أسر بأكملها لا يُعرف لها أثر».

ويوضح أن بعض الأطفال يصلون من دون ذويهم.

ومنذ فبراير (شباط) الماضي، انقطعت شبكات الاتصالات وخدمات الإنترنت عن الولاية بصورة شبه كاملة، ما يعوق التواصل.

ويقول الناشط علي بشير الذي ينظّم عملية النزوح من قرى شرق ولاية الجزيرة: «انقطاع الاتصالات يفاقم مسألة المفقودين».

وتعجّ مواقع التواصل الاجتماعي في السودان بمنشورات تبلّغ عن مفقودين. وأطلق ناشطون صفحات لنشر صور وأسماء المفقودين، وغالبيتهم من كبار السن والأطفال.

سودانيون فارون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف بشرق البلاد في 31 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

وشهدت مدينة تمبول، في ولاية الجزيرة، مواجهات عنيفة قبل أسبوعين بين الجيش و«قوات الدعم السريع».

بعد ساعات فقط من إعلان الجيش سيطرته على تمبول، أفاد شهود بأنّ «قوات الدعم السريع» عادت «لتشنّ عمليات» في المدينة؛ ما دفع بآلاف المدنيين للنزوح.

من بين هؤلاء التاجر عثمان عبد الكريم، الذي فقد أثر اثنين من أبنائه.

ويقول عبد الكريم (43 عاماً): «كان اثنان من أبنائي، أحدهما في الـ13 والثاني في الـ15، خارج المنزل لحظة بداية الهجوم، مساء السبت (19 أكتوبر)... فاضطررنا لنغادر من دونهما».

وتابع: «مضت الآن 10 أيام، ولا نعرف إن كانا ضمن الأحياء أم الأموات».


مقالات ذات صلة

مصر و«الجامعة العربية» تدينان «قوات الدعم السريع» السودانية

شمال افريقيا أعمدة الدخان في مناطق عدة من العاصمة السودانية من جراء قصف بالطيران (أرشيفية - رويترز)

مصر و«الجامعة العربية» تدينان «قوات الدعم السريع» السودانية

أدانت مصر وجامعة الدول العربية في بيانين، «قوات الدعم السريع» في السودان بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ووصفتها القاهرة مجدداً بـ«الميليشيا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الحرب أجبرت الآلاف على الفرار من ولاية الجزيرة إلى ولايات مجاورة (أرشيفية - أ.ف.ب)

«رحلة الهروب من الموت»... من حرب في ولاية الجزيرة

روى شهود هربوا من المعارك الدائرة في شرق ولاية الجزيرة لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل «مرعبة ومأساوية» لما شاهدوه من جرائم يندى لها الجبين وانتهاكات لحقوق الإنسان.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا مئات الأشخاص يفرون يومياً من دارفور إلى مخيم أدري الحدودي في تشاد (رويترز)

«بعثة تقصي الحقائق الأممية»: حجم العنف الجنسي في السودان «مهول»

حمّلت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان «قوات الدعم السريع» في السودان، المسؤولية عن ارتكاب عنف جنسي على نطاق واسع و«بدرجة مهولة».

شمال افريقيا عناصر من قوات الأمن السودانية يشاركون في حفل افتتاح مقر في مدينة بورتسودان التي يسيطر عليها الجيش السوداني 28 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ميليشيا «الأورطة الشرقية» تعلن نشر قواتها في شرق السودان

أعلنت ميليشيا «الأورطة الشرقية»، الثلاثاء، نشر قواتها في شرق السودان، بالتنسيق مع قوات الجيش الذي يخوض حرباً طاحنة مع «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
العالم العربي نازحون من المناطق الشرقية لولاية الجزيرة السودانية يصلون إلى مدينة القضارف أول من أمس (أ.ف.ب)

أكثر من 14 مليون نازح في السودان

نزوح أكثر من 14 مليون شخص من منازلهم في السودان.

«الشرق الأوسط» (جنيف )

اتهامات للجيش السوداني بقتل مئات المدنيين في جنوب سنار

جنود من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
جنود من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

اتهامات للجيش السوداني بقتل مئات المدنيين في جنوب سنار

جنود من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
جنود من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

قالت شخصية قبلية سودانية، الخميس، إن الجيش السوداني ارتكب مجازر بشعة جنوب ولاية سنار، وقتل مئات المدنيين وسجن العشرات، تحت ذريعة التعاون مع «قوات الدعم السريع» وأنهم حواضن قبلية في بلدتي الدندر والسوكي، وذلك وسط تكتم شديد وقطع شامل للاتصالات في المنطقة.

وقال ناظر «قبيلة رفاعة»، مالك الحسن أبوروف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش السوداني قتل أكثر من 460، واعتقل نحو 150 آخرين. و(قوات العمل الخاص) و(كتائب الإسلاميين) ارتكبوا مجزرة في حق المجموعات السكانية التي تعدّ حواضن لـ(قوات الدعم السريع)».

أفراد من الجيش السوداني (أرشيفية - أ.ف.ب)

واسترد الجيش السوداني في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بلدَتي الدندر والسوكي بولاية سنار من «قوات الدعم السريع» التي كانت قد سيطرت عليهما في يوليو (تموز) الماضي ثم انسحبت أخيراً من البلدتين «تكتيكياً»، على ما أعلنت.

وأوضح الناظر أبوروف أنه حصل على معلومات من ذوي ضحايا في مدينة سنجة (حاضرة ولاية سنار) التي لا تزال تحت سيطرة «قوات الدعم السريع»، مفادها بأن «وحدات الجيش والميليشيات الموالية له من (كتائب الإسلاميين) و(القوات المشتركة)، استهدفت المجموعات ذات الجذور الدارفورية، وقتلت العشرات منهم، وعذبت كل من تعايش مع (قوات الدعم)؛ بمن فيهم النساء، ولم تستثن حتى بائعات الشاي اللاتي تعرضن لتعذيب؛ ما أدى لمقتل اثنتين منهن على الأقل».

وأضاف: «استهدفت تلك القوات القبائل ذات الجذور الدارفورية، وقتلت أكثر من 460 في بلدة الدندر وضواحيها... وما حدث في الدندر يعدّ إبادة جماعية».

وناشد الزعيم العشائري المجتمع الدولي «وضع حد للانتهاكات، والضغط من أجل وقف إطلاق النار»، وقال: «من يدفع ثمن هذه الحرب هو المواطن المسكين، لذا على المجتمع الدولي اتخاذ قرارات حاسمة لوقف إطلاق النار، والتفاوض من أجل إنهاء الحرب».

عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

وتداولت الوسائط الإعلامية بكثافة مقاطع فيديو لجثثت عدد من القتلى ملقاة على الأرض، بينما يظهر جنود بأزياء الجيش وهم يهللون ويكبرون ويستعرضون ملابس لـ«قوات الدعم السريع» وهم يهتفون: «دعامة... دعامة»، ومقاطع أخرى لأشخاص يُضربون بالعصي والسياط.

وقالت مجموعة مدنية باسم «تجمع شباب قبيلة الهوسا»، في بيان، إن «الأحداث المؤسفة التي رافقت دخول الجيش مدينة الدندر وبلدات شرق سنار، وخروج (قوات الدعم السريع)، أسفرت عن قتل أكثر 350 شخصاً، معظمهم من أبناء قبيلة الهوسا» وفقاً لإحصائية أولية.

وحمّل بيان قبيلة «الهوسا» الجيش السوداني «المسؤولية الكاملة عن المجازر»، وأدان «تواطؤ (كتائب البراء بن مالك)»، التي تعمل تحت عباءة الجيش، و«كتائب العمل الخاص»، وتابع: «نعبر عن دهشتنا واستنكارنا تجاه هذه التصرفات الطائشة التي تحمل المواطنين الأبرياء تبعات سقوط الدندر في أيدي ميليشيا (الدعم السريع)».

ووجه التجمع الشبابي نداء عاجلاً إلى منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية، والأمم المتحدة، لتكوين «لجنة تحقيق عاجلة من أجل التحقيق في جرائم بلدتَي الدندر والسوكي وقُرى شرق سنار، وتقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى محاكم عادلة تضمن إنصاف الضحايا».

وذكر بيان آخر صادر عن «تنسيقية أبناء الدندر بالخارج» أن «(قوات العمل الخاص)، التابعة للجيش، ارتكبت مجازر بشعة في بلدة الدندر، وقتلت 462 شخصاً، وفق إحصائية أولية؛ بينهم نساء وأطفال».

امرأة وطفلها في مخيم «زمزم» للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان (أرشيفية - رويترز)

وأوضح البيان أن «ما يحدث يُعدّ جريمة ضد الإنسانية، ولا يمكن تجاهل تبعاتها على السلم الاجتماعي»، واستطرد: «ما يُعرف (من يعرفون) بـ(العمل الخاص) يحاولون دفن الحقيقة مع أجساد الضحايا من أهلنا، لكنّ الدماء الطاهرة التي سفكوها في الدندر ستظل شاهدة على جرائمهم وإرهابهم».

وتعهد البيان بعدم السماح بطمس معالم ما سماها «المأساة»، وتوعد بالعمل مع الفاعلين الحقوقيين «من أجل القصاص للشهداء، وحماية من تبقى من الأهل»، وحذر مما سماه «التصعيد الوحشي»، ووصفه بأنه «استراتيجية مدروسة لتفكيك النسيج الاجتماعي في الدندر وإحداث فوضى تسهل تنفيذ تلك الأجندات القمعية».

وقال البيان: «التشكيلات العسكرية التابعة للجيش التي دخلت الدندر نفذت حملات انتقامية ضد المواطنين، تحت دعاوى التعاون مع (الدعم السريع)»، وتابع: «هذه الادعاءات لا تبرر بأي حال من الأحوال الجرائم المرتكبة بحق الأبرياء، بل تكشف عن النيات المبيتة لفرض السيطرة عبر الإرهاب».