مصر و«الجامعة العربية» تدينان «قوات الدعم السريع» السودانية

القاهرة وصفتها مجدداً بـ«الميليشيا»... وأبو الغيط ينتقد «انتهاكاتها» في «الجزيرة»

أعمدة الدخان في مناطق عدة من العاصمة السودانية من جراء قصف بالطيران (أرشيفية - رويترز)
أعمدة الدخان في مناطق عدة من العاصمة السودانية من جراء قصف بالطيران (أرشيفية - رويترز)
TT

مصر و«الجامعة العربية» تدينان «قوات الدعم السريع» السودانية

أعمدة الدخان في مناطق عدة من العاصمة السودانية من جراء قصف بالطيران (أرشيفية - رويترز)
أعمدة الدخان في مناطق عدة من العاصمة السودانية من جراء قصف بالطيران (أرشيفية - رويترز)

أدانت مصر وجامعة الدول العربية في بيانين، «قوات الدعم السريع» في السودان بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). وبينما وصفتها القاهرة مجدداً بـ«الميليشيا»، انتقدت «الجامعة»، «انتهاكاتها في ولاية الجزيرة».

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية، بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت نحو 13 مليون سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار، حسب تقديرات هيئة الأمم المتحدة.

وأدان الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الخميس، «الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها ولاية الجزيرة بالسودان على مدار الأيام السابقة، والتي شملت حسب تقارير الأمم المتحدة، عمليات قتل جماعي، واغتصاب نساء وفتيات، ونهب للأسواق والمنازل، وحرق للمزارع على نطاق واسع، ارتكبتها (قوات الدعم السريع)».

واعتبر المتحدث الرسمي باسم جامعة الدول العربية، جمال رشدي، في إفادة، أن «استمرار ارتكاب هذه الجرائم البشعة التي يصل بعضها إلى حد التطهير العرقي في دارفور ومناطق مختلفة بالسودان على الرغم من الإدانات الدولية المتكررة، دليل إضافي على الحاجة الماسة لتنسيق الجهود والتعاون الدولي والإقليمي لإيقاف الحرب ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وضرورة عدم السماح باستغلال تشتت الانتباه الدولي والعربي على خلفية جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة ولبنان، للسعي إلى إسقاط مؤسسات الدولة السودانية، وتهديد وحدة البلاد وسلامة أراضيها».

وأفاد بيان «الجامعة» بأنه بمبادرة من أمين عام جامعة الدول العربية، عقدت المنظمات العربية والأفريقية والدولية والأطراف ذات الصلة، اجتماعين في القاهرة وجيبوتي خلال يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) الماضيين، لتنسيق مبادرات دعم السلام والاستقرار في السودان.

آثار الدمار في العاصمة السودانية جراء الحرب (د.ب.أ)

ويصنف مجلس السيادة السوداني، «قوات الدعم السريع»، على أنها «ميليشيا متمردة»، ودعا قائد الجيش السوداني، في كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى تصنيفها «جماعة إرهابية».

وقالت القاهرة في بيان لوزارة الخارجية والهجرة، مساء الأربعاء، إنها تابعت بقلق بالغ أحداث شرق ولاية الجزيرة، والهجمات الشرسة التي قامت بها «ميليشيا الدعم السريع» في هذه المنطقة، والتي استهدفت المدنيين الأبرياء العزّل من أطفال ونساء وشيوخ.

وصعّدت «قوات الدعم السريع» خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) ضد القاهرة، وأصدرت قرارات إدارية، فرضت بموجبها حظراً تجارياً على تصدير السلع السودانية إلى مصر من المناطق التي تُسيطر عليها بالسودان. وجاء ذلك بعد بيان اتهمت فيه «قوات الدعم السريع» مصر بـ«عرقلة الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار والسلام في السودان»، سبقه اتهام «حميدتي» مصر بالمشاركة في «غارات جوية ضد قواته».

ولم تعلق القاهرة حينها على خطوات التصعيد المتكرر، مكتفية بإفادة رسمية واحدة حادة اللهجة، نفت فيها اتهامات «حميدتي»، واصفةً «قوات الدعم السريع» بـ«الميليشيا». وأكدت وزارة الخارجية والهجرة المصرية، حينها، أن «الاتهامات تأتي في وقت تبذل فيه مصر جهوداً مكثفة لوقف الحرب في السودان، وحماية المدنيين، وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية الهادفة لدعم المتضررين من النزاع».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه ممثلي القوى السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة يوليو الماضي (الرئاسة المصرية)

وأدانت مصر في بيانها، مساء الأربعاء، الاعتداءات السافرة على شرق ولاية الجزيرة، والتي أسفرت عن تهجير الآلاف من ديارهم، وشكلت انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني. وعاودت مصر التأكيد على «ضرورة الحفاظ على المؤسسات الوطنية السودانية باعتبارها عماد الدولة والطريق الوحيد للحفاظ على وحدة وسلامة السودان».

وتستضيف مصر آلاف السودانيين الذين فروا من الحرب الداخلية، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن «القاهرة استقبلت نحو مليون و200 ألف سوداني»، إلى جانب آلاف من السودانيين الذين يعيشون في مصر منذ سنوات، حسب السفير المصري بالسودان، هاني صلاح.

وكررت القاهرة، في بيانها، دعوتها إلى الوقف الفوري لإطلاق النار وتنفيذ مبادئ «إعلان جدة»؛ حفاظاً على مقدرات الشعب السوداني، بما يتيح الاستجابة الإنسانية الجادة من كافة أطراف المجتمع الدولي، والتوصل لحل سياسي شامل يحقق ما يصبو إليه الشعب السوداني الشقيق. وأضافت أنها «لا تألو جهداً بالتعاون مع الشركاء لحقن دماء الشعب السوداني الشقيق ومساعدته على الخروج من محنته».

واستضافت المملكة العربية السعودية «مفاوضات جدة» في مايو (أيار) 2023، كما استضافت مصر عدة اجتماعات بشأن الأزمة السودانية، كان آخرها مؤتمر «القوى السياسية والمدنية السودانية» في يوليو الماضي.


مقالات ذات صلة

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

دخل مجلس النواب المصري (البرلمان) على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات في البلاد.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

مصر تدعو إلى «حلول سلمية» للنزاعات في القارة السمراء

دعت مصر إلى ضرورة التوصل لحلول سلمية ومستدامة بشأن الأزمات والنزاعات القائمة في قارة أفريقيا. وأكدت تعاونها مع الاتحاد الأفريقي بشأن إعادة الإعمار والتنمية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

تشرع الحكومة المصرية في إعداد مساكن بديلة لأهالي مدينة «رأس الحكمة» الواقعة في محافظة مرسى مطروح (شمال البلاد).

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج بجنوب مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.