تصاعد المطالبة بقوات حفظ سلام في السودان وفرض حظر تسلح

دعوات محلية ودولية لاتخاذ مواقف أكثر صرامة ضد أطراف النزاع

نازحون من ولاية الجزيرة في وسط السودان لدى وصولهم إلى مدينة القضارف شرقاً 27 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
نازحون من ولاية الجزيرة في وسط السودان لدى وصولهم إلى مدينة القضارف شرقاً 27 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

تصاعد المطالبة بقوات حفظ سلام في السودان وفرض حظر تسلح

نازحون من ولاية الجزيرة في وسط السودان لدى وصولهم إلى مدينة القضارف شرقاً 27 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
نازحون من ولاية الجزيرة في وسط السودان لدى وصولهم إلى مدينة القضارف شرقاً 27 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

علت الأصوات المحلية والدولية المطالبة بتدخل أممي في السودان، وإرسال قوات حفظ سلام دولية لحماية المدنيين، بعد الأحداث الدامية التي شهدتها مؤخراً ولاية الجزيرة الزراعية، جنوب الخرطوم، وذلك قبل ساعات من جلسة مجلس الأمن الدولي، يوم الاثنين، التي ينتظر أن تبحث تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لإيجاد سبل حماية المدنيين، وسط مطالبات من منظمات حقوقية ومدنية دولية ومحلية باتخاذ مواقف أكثر حسماً لوقف حرب السودان.

وطالبت منظمة حقوق الإنسان «هيومان رايتس ووتش» الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، ببدء الاستعدادات لإرسال بعثة أممية لحماية المدنيين في السودان. وقالت على صفحتها الرسمية: «يتعين على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي أن تبدأ في التخطيط لنشر بعثة لحماية المدنيين في السودان، حيث يواجه ملايين النازحين خطر المجاعة بعد عام ونصف عام من اندلاع النزاع المسلح العنيف».

وأعربت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان، يوم الأحد، عن «صدمتها» من «الجرائم الفظيعة» المرتكبة في ولاية الجزيرة، حيث أبلغ ناشطون عن مقتل 50 شخصاً على الأقل، وإصابة أكثر من 200، في هجوم شنته «قوات الدعم السريع».

«صُدمت وذُهلت»

سكان شرق ولاية الجزيرة يفرون منها بسبب اندلاع قتال عنيف بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

وقال منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، كليمنتاين سلامي، في بيان: «لقد صدمت وذهلت بشدة من تكرار انتهاكات حقوق الإنسان من النوع الذي شهدناه في إقليم دارفور العام الماضي، مثل الاغتصاب والهجمات المستهدفة والعنف الجنسي والقتل الجماعي، فهذه جرائم فظيعة». وأضافت: «تتحمل النساء والأطفال والفئات الأكثر ضعفاً وطأة الصراع الذي أودى بالفعل بحياة كثير من الناس».

وكانت «البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان» قد طالبت هي الأخرى بنشر بعثة دولية لحماية المدنيين، قائلة إن حجم الأزمة السودانية وعناد الطرفين المتحاربين يتطلب ذلك، وعدّت نشر بعثة لحماية المدنيين في السودان أمراً «لا يحتمل التأجيل».

من جانبها، دعت «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية، المعروفة اختصاراً بـ«تقدم»، في بيان، يوم الأحد، كلاً من «مجلس السلم والأمن الأفريقي» و«مجلس الأمن الدولي» لاتخاذ موقف دولي أكثر صرامة تجاه أطراف النزاع الداخلية والخارجية، واتخاذ «التدابير الضرورية لتوفير الحماية للمدنيين في كافة أنحاء السودان».

كما وجّهت «تقدم» رسالتين إلى كل من قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تطالبهما باتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين، ودعت إلى عقد اجتماع للقيادات المدنية والدينية والأهلية وصناع الرأي للتشاور حول سبل محاربة خطاب الكراهية، الذي زادت حدته في البلاد منذ اندلاع الحرب بين الطرفين في منتصف أبريل (نيسان) 2023.

ووفقاً لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، يحدد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لمجلس الأمن بشأن الأزمة السودانية، الخطوات التي ينبغي على الدول الأعضاء اتخاذها لحماية المدنيين في السودان، والضغط على الجيش و«قوات الدعم السريع» المتحاربين للتوقف عن ارتكاب الجرائم ضد المدنيين.

أعمدة الدخان تتصاعد خلال اشتباكات بين «قوات الدعم السريع» والجيش في الخرطوم 26 سبتمبر (رويترز)

تقرير غوتيريش

ويتضمن تقرير غوتيريش كذلك المطالبة بوقف إمدادات الأسلحة للطرفين، فيما قالت «هيومان رايتس ووتش» إنها تأكدت أن كلا الطرفين حصل على أسلحة وعتاد عسكري جديد من شركات مسجلة في عدد من البلدان، من بينها الصين وإيران وروسيا وصربيا، وهي أسلحة يمكن استخدامها في ارتكاب مزيد من الفظائع وتطيل أمد الحرب.

وأبدت المنظمة المعنية بمراقبة حقوق الإنسان، في بيانها، أسفها على أن تقرير غوتيريش يعلن أن «الظروف لا تسمح بنشر قوة أممية بنجاح»، موضحة أن «انتظار نتائج مفاوضات وقف إطلاق النار أو الظروف المثالية لنشر البعثة ليس خياراً لأن المدنيين يحتاجون إلى الحماية الآن».

ودعت المنظمة مجلس الأمن الدولي إلى توسيع نطاق حظر الأسلحة الأممي المفروض حالياً على إقليم دارفور في غرب السودان، لكي يشمل البلد بكامله، وأيضاً لفرض عقوبات على المسؤولين عن الانتهاكات والتجاوزات، مع التأكيد على محاسبتهم. وقالت: «ينبغي أن ينتهي إهمال معاناة المدنيين السودانيين، وإن وقت العمل قد حان الآن».

وتصاعدت أحداث العنف بصورة ملحوظة الأسبوع الماضي، في شرق ولاية الجزيرة بوسط السودان، إثر انشقاق القائد في «قوات الدعم السريع»، أبو عاقلة كيكل، وإعلان انضمامه للجيش، ما أدى إلى مقتل العشرات، وجرح مئات، وتشريد ونزوح آلاف المدنيين في عدد من المدن والبلدات في تلك الولاية، وعلى رأسها مدن تمبول ورفاعة والهلالية.

وما زالت المنطقة تشهد حالة من التوتر الحاد، وسط دعوات للتحشيد والتسلح بين المجتمعات الأهلية المدنية، ما ينذر بمواجهات طاحنة بين الأهالي الذين سلّحهم الجيش ضد «قوات الدعم السريع». وكان قائد الجيش الفريق البرهان قد وعد بتسليح القبائل في منطقة البطانة التي تقطنها عشائر الشكرية والبطاحين، لمواجهة «قوات الدعم السريع» التي تسيطر على ولاية الجزيرة، ويخشى على نطاق واسع من انتقال الحرب إلى حرب أهلية بين العشائر المختلفة.


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».