تفاقم التوترات بين طلاب الطب والحكومة الجزائرية

توقف أطباء بسبب ضعف الأجور وظروف العمل

احتجاج طلاب الطب في كلية ورقلة بجنوب البلاد (حسابات مضربين)
احتجاج طلاب الطب في كلية ورقلة بجنوب البلاد (حسابات مضربين)
TT

تفاقم التوترات بين طلاب الطب والحكومة الجزائرية

احتجاج طلاب الطب في كلية ورقلة بجنوب البلاد (حسابات مضربين)
احتجاج طلاب الطب في كلية ورقلة بجنوب البلاد (حسابات مضربين)

تجددت المواجهة بين الحكومة الجزائرية وطلاب الطب، منذ أسبوعين، إذ شهدت المراكز الاستشفائية الجامعية بالمدن الكبرى شللاً جزئياً طوال الأسبوعين الماضيين؛ بسبب توقف الأطباء الداخليين المقبلين على مختلف التخصصات عن العمل، لأسباب متصلة بالأجور، وظروف العمل، وبإجراءات رسمية تعوق التنقل إلى الخارج للعمل.

من إضراب طلاب الطب (متداولة)

لم يسفر اللقاء، الذي جمع وزير التعليم كمال بداري مع ممثلي الأطباء المضربين، في 20 من الشهر الحالي، عن أي نتيجة تشجّع المضربين على العودة إلى العمل، وفق ما ذكره ممثلوهم بحساباتهم بالإعلام الاجتماعي؛ حيث ينقلون يومياً تطورات الإضراب، بالنظر لعدم اهتمام وسائل الإعلام بالأزمة.

وأعلنت الوزارة بعد انتهاء اللقاء أنها طالبت المؤسسات الجامعية بتفعيل نظام التعويضات المالية، الخاصة بالتدريبات الميدانية في المستشفيات، لفائدة طلاب السنة الأخيرة للعلوم الطبية، وأن يبدأ صرف العلاوات في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. كما تعهد الوزير بحل مشكلة الاكتظاظ في كليات الطب.

وزير التعليم العالي كمال بداري (الوزارة)

وبخصوص رفع عدد المناصب الخاصة بالالتحاق بالتكوين لنيل «شهادة الدراسات الطبية الخاصة»، المعروفة بـ«الأطباء المقيمين»، وعد عضو الحكومة برفعه من 3045 منصباً إلى 4045، لكن ذلك لن يكون قبل بداية السنة الجامعية المقبلة، وهذه الوعود غير كافية في نظر الطلاب، الذين يطالبون بإصلاحات هيكلية في التدريب وزيادة الدعم المالي.

ويقول المضربون إن مشاكلهم «تراكمت في السنين الأخيرة»، وإن الحكومة «لم تهتم بحلها». ويأتي على رأس هذه المشاكل «ضعف التكوين والتدريبات اللازمة في المستشفيات، مما ينعكس سلباً على جودة المسار التعليمي». كما يحتج طلاب الطب على قرارات الحكومة بفتح عشرات الملحقات لكلية الطب في عدد كبير من الولايات، بغرض تخفيف الضغط عن الكليات في المراكز الحضرية الكبيرة، وتم ذلك في مناطق لا توجد فيها مستشفيات، ما يعني - حسبهم - أنهم سيواجهون صعوبات في التوظيف بعد التخرج.

كما يطالب المضربون بتوفير مقاعد بيداغوجية في التخصصات الطبية بالمقدار الذي يفي بالطلب عليها، وتحسين ظروف التدريب، والاعتراف الكامل بشهاداتهم، بشكل يسهل عليهم العمل في القطاع الصحي داخل الجزائر وخارجها.

ويمثل «امتحان الإقامة»، وهو مرحلة أساسية في مسيرة طلاب الطب في الجزائر، بؤرة التوتر الحالية؛ لأنه يكشف عن العيوب العميقة لنظام تدريب يعاني من أزمة مستمرة، تتمثل في نقص مناصب الشغل، والهجرة الكبيرة لأفضل الأطباء المتخرجين إلى الخارج، وخصوصاً إلى فرنسا.

صورة أرشيفية لمظاهرة أطباء في العاصمة عام 2011 (الشرق الأوسط)

وفي مقابلة مع الصحيفة الإلكترونية المتخصصة «الصحة»، قدم رئيس «النقابة الوطنية للأساتذة الباحثين في المستشفيات»، رشيد بلحاج، تشخيصاً مقلقاً لحالة الأطباء، وذكر بأن «الفجوة بين عدد المتقدمين للإقامة والمناصب المتاحة، تمثل مشكلة جدية». مشيراً إلى أنه «من غير المقبول أن يتنافس 5 آلاف مرشح في الجزائر على 850 منصب إقامة فقط». كما أكد أن امتحان الإقامة «يجب ألا يكون وسيلة توظيف فقط، بل أداة لتكوين متخصصين بما يلبي احتياجات البلاد».

ويبدي الأطباء المتدربون قلقاً متزايداً من رفض الحكومة طلبهم رفع تجميد اعتماد الشهادات، وهو ما اعتبره الطلاب المضربون «انتهاكاً لحقوقهم الفردية». وقد لجأت وزارة الصحة إلى هذا القرار منذ أشهر قليلة لمنع ظاهرة الهجرات الجماعية للأطباء الشباب إلى الخارج؛ حيث تتوفر لهم ظروف عمل أفضل ورواتب أكثر جاذبية. وقد أشار بعض الناشطين في القطاع إلى اتجاه غير مألوف، يتمثل في تعلم الأطباء الجزائريين اللغة الألمانية؛ مما يدل على أن ألمانيا باتت مثل فرنسا وجهة جذابة بالنسبة لهم.


مقالات ذات صلة

سلطات الجزائر تتكتم على قتل سائحة سويسرية جنوب البلاد

شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون (الشرق الأوسط)

سلطات الجزائر تتكتم على قتل سائحة سويسرية جنوب البلاد

قُتلت سائحة سويسرية في الجزائر هذا الشهر خلال وجودها بأحد المقاهي عندما هاجمها رجل بسكين وأقدم على ذبحها أمام أطفالها.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا صورة لمدير البروتوكول بالرئاسة المسجون مع الرئيسين الجزائري والموريتاني (أرشيف الرئاسة الجزائرية)

سجن مدير التشريفات في الرئاسة الجزائرية بتهم «فساد»

حكم قاضي التحقيق بمحكمة في العاصمة الجزائرية، بإيداع مدير التشريفات بالرئاسة سابقاً، محمد بوعكاز، الحبس الاحتياطي بعد اتهامه بـ«الفساد».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا ملك المغرب محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة الأخير للمغرب في نوفمبر من عام 2018 (رويترز)

ماكرون يزور الرباط بدعوة من العاهل المغربي

بينما بلغت علاقات فرنسا والجزائر حدود القطيعة، بسبب إرث المرحلة الاستعمارية ومشكلة الهجرة ونزاع الصحراء الغربية، يزور ماكرون المغرب أواخر الشهر الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرباط) «الشرق الأوسط» (الجزائر) «الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا من الاجتماع التشاوري بتونس في 22 أبريل 2024 (الرئاسة التونسية)

ترتيب تونسي - جزائري للقمة المغاربية «المصغّرة» في غياب المغرب وموريتانيا

بحث وزيرا خارجية الجزائر وتونس «القمة المغاربية المصغّرة» المرتقبة في طرابلس، في غياب المغرب وموريتانيا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا قائدا الجيشين الجزائري والموريتاني يوقعان على اتفاق استخباري بنواكشوط (وزارة الدفاع الجزائرية)

اتفاق استخباري بين الجزائر وموريتانيا لتعزيز أمن الحدود

الجزائر وموريتانيا توقعان على اتفاق تعاون وتنسيق في مجال الاستخبارات، توج مساراً طويلاً من التعاون وتبادل الخبرات.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

دفاع الساعدي القذافي عن الوجود التركي في ليبيا يفجر انتقادات

الساعدي القذافي (أرشيفة من أ.ف.ب)
الساعدي القذافي (أرشيفة من أ.ف.ب)
TT

دفاع الساعدي القذافي عن الوجود التركي في ليبيا يفجر انتقادات

الساعدي القذافي (أرشيفة من أ.ف.ب)
الساعدي القذافي (أرشيفة من أ.ف.ب)

أثار دفاع الساعدي، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، عن الوجود التركي في ليبيا منذ مئات السنين «موجة انتقادات واسعة في البلاد، ولا سيما بين أنصار النظام السابق، الذين عدوا حديثه تكريساً للاحتلال».

والساعدي، الذي يقيم منذ خروجه من بلده على ما يبدو في تركيا، بدأ ينشط في التدوين على حساب منسوب له عبر منصة «إكس» في قضايا تتعلق بالشأن الداخلي، وبعض القضايا العربية.

وقال الساعدي إن «إخوتنا الأتراك كانوا معنا عبر التاريخ، يدافعون عن الإسلام والعرب والمسلمين منذ مئات السنين، وعندما ضعفت الدولة العثمانية احتُلت فلسطين وتشققت الكتلة الإسلامية، وجاءت (سايكس بيكو)، ووضعت حدودها».

من لقاء سابق بين رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة والرئيس التركي (الوحدة)

وعدّ الساعدي عبر منصة «إكس» أن «وجود الأتراك أو المصريين، أو أي دولة مسلمة في ليبيا؛ بشرط التنسيق مع السلطات، أمر محمود ومفيد استراتيجياً ودينياً».

وعدّ ليبيون الحديث المنسوب للساعدي «تبريراً غير مقبول» للوجود التركي في ليبيا عبر عناصر (المرتزقة) السوريين، الموجودين في البلاد منذ عام 2019.

ووقعت اتفاقية «سايكس بيكو» بين فرنسا وبريطانيا بشكل سري على اقتسام تركة «الدولة العثمانية» على الأراضي العربية الواقعة شرق المتوسط عام 1916.

وسبق أن برّأت دائرة الجنايات بمحكمة استئناف طرابلس الساعدي في أبريل (نيسان) 2018، من تهمة قتل وتعذيب لاعب كرة القدم عام 2005. وظل النجل الثالث للرئيس الراحل قابعاً في السجن إلى أن أطلق سراحه في 6 من سبتمبر (أيلول) 2021، ليغادر البلاد متوجهاً إلى تركيا، وسط تباين الآراء حول إقامته راهناً.

فريق عسكري تركي خلال إشرافه على تدريب عسكريين بمدرسة عسكرية ضواحي طرابلس (الشرق الأوسط)

وعدّ مصطفي الفيتوري، الكاتب والأكاديمي الليبي، حديث الساعدي «تبريراً للاحتلال التركي السابق لقرون متواصلة بحجة نصر الإسلام وحماية المسلمين»، ورأى أن «الأخطر من هذا؛ التبرير لاتفاقية فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي السابق، مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عام 2019، التي أعطت لبلاده الحق في إقامة قواعد عسكرية في ليبيا، بالإضافة لجلب عساكرها ومرتزقتها، بعد أن كان بلدنا محرّماً على القواعد والقوات الأجنبية».

وجاءت تصريحات الساعدي في أعقاب انطلاق «حراك اجتماعي ليبي» يطالب بإخراج عناصر «المرتزقة» من البلاد، يتزعمه موالون للنظام السابق، الأمر الذي أثار استغرابهم. و«للعلم لا توجد قوات مصرية في أي منطقة بالأراضي الليبية».

ووجه الفيتوري حديثه للساعدي، قائلاً: «إن كنت تعني بالتنسيق توقيع الاتفاقيات مثلاً فذلك هو الضلال بعينه؛ ومن هذا المنطلق، فإنه إذا وقعت السلطة الليبية اتفاقية تطبيع مع الصهاينة فعلينا أن نقبلها لأنها تمت وفق اتفاق».

رئيس الأركان التركي خلال زيارة سابقة لمركز قيادة العمليات التركي الليبي في طرابلس (وزارة الدفاع التركية)

وبعدما قال الفيتوري إن هذا هو حساب الساعدي على «إكس»، أكد على ضرورة «رفض أي اتفاق يأتينا بالقواعد والقوات الأجنبية»؛ وأرجع أسباب الرفض لأن ذلك «يعد انتقاصاً من السيادة الليبية الوطنية، ويعني تراجعاً عن أهم درس تعلمناه عبر 42 عاماً؛ وهو رفض الوجود الأجنبي المسلح، وبأي صيغة على الأرض الليبية». في إشارة إلى عهد القذافي.

وكان العجمي العتيري، قائد كتيبة «أبو بكر الصديق»، والمسؤول السابق عن تأمين سيف الإسلام، نجل العقيد الراحل معمر القذافي، إبان فترة احتجازه بمدينة الزنتان، قد دعا لإطلاق حملة شعبية لإخراج القوات التركية من ليبيا.

واستدعت تصريحات الساعدي انتقادات عدة من أطراف مختلفة، بينا التمس له البعض الأعذار، وهو ما أقدم عليه صاحب حساب «سيفيون ونفتخر» على موقع التواصل «فيسبوك»، بقوله: «تصريحات الساعدي القذافي لا تعني بالضرورة أنها صحيحة، أو هو من كتبها. الإشارة واضحة إلى أنه تحت الإقامة الجبرية».

بينما رأى صاحب حساب آخر يدعى «القاضي المعلم» أن «من حكموا ليبيا لا يهمهم إلا مصلحتهم فقط»؛ مستغرباً وصف الساعدي للأتراك الذين يحتلون طرابلس بـ«الإخوة».

والساعدي الذي يبدأ عقده السادس، كان لاعب كرة قدم سابقاً، وحاول من دون جدوى أن يؤسس مسيرة كروية في الدوري الإيطالي، قبل أن يقود وحدة نخبة عسكرية في ليبيا.