بعد 13 عاماً من رحيله... كيف يتذكر الليبيون فترة حكم القذافي؟

بيت المال: الحديث عن سيرته اليوم بات يجلب حسرة غالبية المواطنين

الرئيس الراحل معمر القذافي (أرشيفية)
الرئيس الراحل معمر القذافي (أرشيفية)
TT

بعد 13 عاماً من رحيله... كيف يتذكر الليبيون فترة حكم القذافي؟

الرئيس الراحل معمر القذافي (أرشيفية)
الرئيس الراحل معمر القذافي (أرشيفية)

تدفع الظروف الحياتية الصعبة أحياناً بعض الليبيين إلى «الحنين» لفترة حكم نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، باعتبارها فترة أمن وسلام في صفوف المواطنين؛ لكنها لم تمنع آخرين من تذكر ما شهدته حقبته -التي دامت 42 عاماً- من «تنكيل وإعدامات». وهذا التباين حول شخص الرئيس -الذي انتهى مقتولاً، وألقي جثة هامدة في ثلاجة تبريد للخضراوات بمدينة مصراتة- لا يزال حاضراً في ذاكرة خصومه ومؤيديه، بعد مرور 13 عاماً على هذا الرحيل المأساوي.

القذافي وبوتين في طرابلس شهر أبريل 2008 (رويترز)

اتهامات بالجملة لنظام القذافي

بالنسبة لخصوم القذافي، فإنهم يتهمون نظام حكمه بالتسبب فيما آلت إليه الأمور في ليبيا من أزمات سياسية وأوضاع معيشية صعبة، وهو ما يعبِّر عنه القيادي بحزب «ليبيا النماء»، عبد الرؤوف بيت المال، الذي يرى أن الحديث عن سيرة القذافي اليوم «بات يجلب حسرة غالبية الليبيين على ما تبدد من أعمارهم، دون أن يتمتعوا بعوائد ثرواتهم النفطية خلال حكمه». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن القذافي «لم يخلف وراءه أي نهضة عمرانية ولا مشروعات كبرى، كما لم يؤسس كوادر سياسية وإدارية؛ بل جرَّف ليبيا من مختلف الجوانب؛ وبالتالي لا يجد الليبيون شيئاً جيداً يتذكرونه به».

ورداً على كثير من الليبيين الذين يؤكدون أن أسعار السلع كانت رخيصة ومتوفرة في عهد القذافي، انتقد بيت المال هذه المقارنة، بقوله: «هم يتجاهلون مسؤوليته عن انتشار السلاح، مع قيامه بفتح مخازنه في الشهور الأخيرة من حكمه، أملاً في قمع الثورة التي اندلعت ضده».

من احتفال سابق بذكرى «الفاتح من سبتمبر» (أ.ف.ب)

حسنات العقيد

في المقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي -وهو من مؤيدي حقبة القذافي- أن «هناك أسباباً عديدة تدفع الليبيين لتذكر عهد الرئيس الراحل والترحم عليه؛ من بينها إشعار الليبيين بسيادة بلادهم». وقال السويعدي لـ«الشرق الأوسط» مدافعاً عن النظام السابق: «بعد أشهر قليلة من ثورة (الفاتح من سبتمبر) 1969، تم إجلاء قوات المملكة المتحدة والولايات المتحدة عن ليبيا، ومن قبلها إخراج أكثر من 30 ألف إيطالي، كانوا يسيطروا على كثير من الأراضي الزراعية».

بعض الليبيين يؤكدون أن أسعار جُل المواد الغذائية كانت أرخص وأوفر في عهد القذافي (أ.ف.ب)

واستهجن السويعدي ما يردده البعض من أن سيرة القذافي والحنين لعهده تنحصر أساساً في انخفاض أسعار السلع الغذائية في حقبته، ورأى أن الأمر لا يتعلق بهذه النقطة فقط «رغم كونها حقيقة؛ بل هناك أيضاً ارتفاع متوسط دخل الفرد في عهده»، مضيفاً أن ذكرى القذافي «تتردد اليوم عندما تتم الإشارة لكثير من الوزراء الذين تستعين بهم الحكومتان المتنازعتان على السلطة في شرق البلاد وغربها، ويتم تعريفهم بأنهم كانوا وزراء خدموا في نظامه»؛ معتبراً أن هذا الأمر «يجهض أي حديث عن عدم اهتمام القذافي ببناء الكوادر القيادية والنهوض بالتعليم».

صورة أرشيفية لاحتفالات ليبيين في طرابلس بذكرى «الفاتح من سبتمبر» (الشرق الأوسط)

مشانق للمعارضين

بالعودة للحديث عن انخفاض الأسعار في حقبة القذافي، انتقد رئيس مجموعة العمل الوطني للدراسات الاستراتيجية، خالد الترجمان، التركيز على هذه النقطة تحديداً، بينما يتم «تجاهل الانتهاكات التي ارتكبت في عهده، بالإضافة إلى قمع المعارضة السياسية، والإعدامات العلنية لعدد من قياداتها».

وقال الترجمان لـ«الشرق الأوسط» موضحاً: «في عام 2011 ثار شبان كانوا في العقد الثاني من أعمارهم، لشعورهم بأن القذافي بدد ثروات بلادهم؛ كما ثار عليه آباؤهم لأنهم عاصروا فترة تعليق المشانق للمعارضين في الجامعات والساحات العامة»، لافتاً إلى «القوانين المجحفة التي كان يتم العمل بها، ومنها القانون رقم (4) لعام 1978، والمعروف بـ(البيت لساكنه)».

فبموجب هذا القانون تم تجريد قطاع كبير من أملاك المواطنين، باستثناء ما يعيشون عليه، أي منزل أو قطعة أرض واحدة فقط، وتم نقل ملكية بقية الممتلكات للمستأجرين دون أي مقابل.

وتحدث الترجمان الذي كان أحد قيادات الحركة الطلابية في سبعينات القرن الماضي عن تفاصيل «وقائع الإعدام» التي تمت في تلك الفترة، وطالت طلبة الجامعات والقيادات الوطنية «عقاباً لهم على تطلعهم لدولة مدنية، ورفضهم لممارسة القذافي قمع الحريات». وبهذا الخصوص قال الترجمان إن القذافي «لم يترك سوى المآسي ليتذكره الليبيون بها»، وذكر من بينها «الإعدامات، ومن سقطوا تحت التعذيب في السجون، مثل أحداث (أبو سليم) بطرابلس التي قتل فيها أكثر من 1200 من المعارضين عام 1996».

صورة أرشيفية للرئيس الراحل مع بعض أفراد عائلته (الشرق الأوسط)

غير أن السويعدي يرى في المقابل أن حقبة القذافي حملت الخير لليبيين، داعياً خصوم النظام لرصد ما سمَّاه «ازدياد أعداد المشاركين في ذكرى (ثورة الفاتح) كل عام، ليدركوا كيف يجتذب هذا التيار كثيراً من الأنصار كل يوم، بما في ذلك من شاركوا في الثورة ضده»، حسب تعبيره.

بالموازاة مع احتفالات مؤيدي القذافي بثورته التي أطاحت بالنظام الملكي عام 1969، تنشط أصوات سياسية لتذكير الليبيين بإقحام العقيد لليبيا في قضايا بصمت تاريخها الحديث، كقضية تفجير طائرة «لوكربي»، و«حرب تشاد».

أما الناشط السياسي فايز العريبي، فيرى أن القذافي: «باعتباره كان حاكماً لدولة أفريقية، ولإدراكه بأهمية القارة السمراء التي تتصارع عواصم كبرى اليوم للسيطرة عليها، مثل موسكو وواشنطن وبكين، فقد أسس كثيراً من المشاريع الاستثمارية بعدد من دولها، بالإضافة لشركات وفنادق مملوكة للدولة الليبية».

العريبي أكد أن الحملات ضد نظام القذافي «تستهدف قطع الطريق على إمكانية ترشح ابنه سيف للانتخابات الرئاسية» (الشرق الأوسط)

وقال العريبي إن كثيراً من الحملات التي لا تزال تثار في وجه نظام القذافي «تستهدف التشويش على الشعبية الواسعة التي يتمتع بها نجله سيف الإسلام، وقطع الطريق على إمكانية ترشحه في الانتخابات الرئاسية».


مقالات ذات صلة

تأكيد فرنسي وأممي على ضرورة حلحلة الأزمة الليبية

شمال افريقيا اجتماع مسؤولي حكومة «الوحدة» لبحث ملف القروض الخارجية (خارجية الوحدة)

تأكيد فرنسي وأممي على ضرورة حلحلة الأزمة الليبية

قالت وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة» المؤقتة إنها تابعت، السبت، بطرابلس في اجتماع مشترك بحضور مسؤولي المصرفين المركزي والخارجي، ملف القروض الليبية.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا خوري والأمين العام بمقر الأمم المتحدة في نيويورك 8 أكتوبر الحالي (البعثة الأممية)

ليبيا: عودة المطالب بتعيين مبعوث أممي جديد خلفاً لباتيلي

عادت الأصوات الليبية المطالبة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بتسمية مبعوث جديد له في البلاد خلفاً للمبعوث السابق عبد الله باتيلي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ستيفاني خوري في صورة مع أعضاء «مجموعة العمل الأمنية» (البعثة الأممية)

ليبيا: 4 سنوات مرت على «اتفاق وقف النار» وسط «تكلس سياسي»

لا تزال ليبيا تتخبط في دروب السياسية الملتوية، فيما تحل ذكرى مرور 4 سنوات على اتفاق «وقف إطلاق النار» الذي وقّع بجنيف دون تقدم باتجاه استقرار البلاد.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع «مجموعة العمل الأمنية الدولية» في سرت (البعثة الأممية)

«مجموعة العمل الدولية» تدعو الليبيين لـ«تسوية سياسية»

وسط غياب الحل السياسي في ليبيا، وسعي أممي لإيجاد توافق بين الأطراف المتنازعة، عقدت «مجموعة العمل الأمنية الدولية» المعنية بليبيا اجتماعها في سرت للمرة الأولى.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من ترحيل مهاجرين ينتمون إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا)

ليبيا ترحّل 165 نيجيرياً إلى بلدهم... وتتأهب للمزيد

أعلن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا أنه رحّل 165 مهاجراً نيجيرياً عن طريق مطار بنينا الدولي في بنغازي إلى بلدانهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجيش يتقدم شرق ولاية الجزيرة وفي الخرطوم

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري أُقيم بمناسبة يوم الجيش في القضارف مؤخراً (أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري أُقيم بمناسبة يوم الجيش في القضارف مؤخراً (أ.ف.ب)
TT

الجيش يتقدم شرق ولاية الجزيرة وفي الخرطوم

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري أُقيم بمناسبة يوم الجيش في القضارف مؤخراً (أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري أُقيم بمناسبة يوم الجيش في القضارف مؤخراً (أ.ف.ب)

دارت معارك طاحنة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» بالقرب من مدينة الفاو في ولاية القضارف، شنت خلالها قوات الجيش هجوماً من 4 محاور، حققت خلاله تقدماً لافتاً، اضطرت «قوات الدعم السريع» للتراجع، قبل أن ينسحب الجيش ويعود إلى مناطقه السابقة، حسب تقارير لمواقع على شبكة الإنترنت قريبة من الجيش السوداني، لكن قادة في «الدعم السريع» قللوا من تلك الأنباء، وعدوها «مجرد تضليل إعلامي».

وفي الخرطوم، واصلت قوات سلاح المدرعات التابعة للجيش التقدم في بعض المناطق، لكنها مُنيت بهزيمة في ولاية سنار؛ حيث نصبت لها «قوات الدعم السريع» كميناً محكماً، وألحقت بها خسائر فادحة. كما دارت معارك كبيرة في الفاشر بعد توقف لأسابيع.

وقال شهود عيان إن قوات الجيش، المتمركزة بمنطقة الفاو في ولاية القضارف، شنت هجوماً كبيراً من 4 محاور، مستهدفة طرد «قوات الدعم السريع» التي تسيطر على ولاية الجزيرة والفاو وجسر دوبا والخياري وميجر خمسة، وأفلحت في إجبار القوات المدافعة على التراجع، وسيطرت على عدة بلدات، منها حفيرة والنفيدية والبويضاء، وغيرها، واقتربت كثيراً من بلدة شبارقة الاستراتيجية.

الفريق كباشي لدى تفقده الجمعة ضباط وجنود قيادة المنطقة الشرقية بالفاو (موقع مجلس السيادة السوداني - فيسبوك)

ولم يتسنَّ الحصول على معلومات من «قوات الدعم السريع» التي اعتادت بث مقاطع فيديو للعمليات العسكرية، إثر إصدار قائد القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) تعليمات مشددة إلى قواته بمنع التصوير وبث مقاطع فيديو للعمليات العسكرية التي درجوا على ترويجها في منصاتهم.

«إكس» توقف حسابات لـ«الدعم»

وأوقفت منصة «إكس» (تويتر سابقاً) حسابات «قوات الدعم السريع» الرسمية، بما فيها حساب قائد القوة، وهي الحسابات الرئيسية التي تعتمد عليها هذه القوات في نشر أخبارها، دون إبداء الأسباب، واكتفت بالقول إنها «تنتهك القوانين»، وذلك بعد عدة أشهر من حذف منصة «فيسبوك» حسابات «الدعم السريع» للأسباب نفسها.

وفي السياق نفسه، شهدت مدينة الفاشر، في ولاية شمال دارفور، معارك عنيفة بين الجيش والقوات المشتركة الحليفة له من جهة، و«قوات الدعم السريع» في جنوب وشرق المدينة من جهة ثانية، من دون حدوث اختراق لافت من قبل الطرفين، فيما استمر تبادل القصف المدفعي بين القوتين المتقاتلتين.

وفي الخرطوم، يتداول نشطاء موالون للجيش أنباء عن تقدم لقوات سلاح المدرعات على حساب «قوات الدعم السريع» في جنوب الخرطوم، وعن أنها استولت على مناطق جديدة في ضاحية اللاماب، واستولت على كمية كبيرة من عتاد «قوات الدعم السريع» التي انسحبت شمالاً.

الدخان يتصاعد نتيجة القتال في العاصمة السودانية (أرشيفية - أ.ف.ب)

وفي جنوب ولاية سنار، وقرب الحدود مع ولاية النيل الأزرق بالقرب من بلدة قربين، أوقعت «قوات الدعم السريع» قوات مكونة من الجيش وقوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة مالك عقار و«المستنفرين»، كانت قادمة من الفرقة الرابعة مشاة في الدمازين، في كمين محكم، قتلت خلاله عدداً كبيراً من جنود القوة المهاجمة التي اضطرت للتراجع جنوباً.

ونقل الناشط محمد خليفة، الشهير بلقب «خال الغلابة»، عبر صفحته على «فيسبوك»، أن الجيش والقوات المشتركة التي هاجمت «قوات الدعم السريع» في محور الفاو انسحبت من المناطق التي سيطرت عليها، الجمعة، إلى منطقة الخياري، فيما استمر القصف المدفعي المتبادل بين قوات الطرفين.

«الدعم السريع»: ألحقنا هزيمة كبيرة بالجيش

وتداولت منصات تابعة لمؤيدين لـ«قوات الدعم السريع» أن «قوات الدعم» ألحقت هزائم كبيرة بالجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه.

وفي مقابلة تلفزيونية مع «الشرق»، قال مستشار «قوات الدعم السريع»، الباشا طبيق، إن قواته لا تزال بكامل قوتها، وإنها ألحقت هزائم كبيرة بما أطلق عليها «العصابات» في منطقة جبل أوم في ولاية غرب دارفور، واضطرتها لعبور الحدود إلى تشاد وتسليم أسلحتها للقوات التشادية.

وقال طبيق إن قواته أفشلت أيضاً «مغامرة» قامت بها قوات الجيش بعد زيارة نائب القائد العام الفريق شمس الدين الكباشي لولاية القضارف، وألحقت بها خسائر فادحة في الأفراد والعتاد في منطقة الفاو. وأضاف ساخراً: «إننا نسمع بانتصارات الجيش على مواقع التواصل الاجتماعي، لإرضاء حلفائه من الإسلاميين، ودعاة استمرار الحرب»، متوعداً بتحقيق انتصارات قريبة على الجيش في المحاور كافة.

«مجرد تضليل وخداع»

وقال شاهد من «قوات الدعم السريع» في الخرطوم، لـ«الشرق الأوسط»، إن ما يردده الموالون للجيش من انتصارات «مجرد تضليل وخداع»، وإن «قوات الدعم» في محاور القتال كافة على أهبة الاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات. وتابع: «القوات التي دخلت منطقة المقرن أُلحقت بها خسائر كبيرة، وما تزال جثثهم على الطرقات، وإن تحرك قوات المدرعات بمنطقة الشجرة مجرد مزاعم، وإنهم ما زالوا محاصرين، وما يتناقلونه مجرد (فرفرة مذبوح)». وعادة، لا يمكن التحقق من صحة أخبار المعارك؛ لأن كلا الطرفين يزعم انتصارات على الآخر. لكن المؤكد أن قوات الجيش والقوات الموالية له و«المستنفرين» وأنصارهم الإسلاميين، لجأوا إلى تكتيكات هجومية، بعد أن ظلت في حالة دفاع طوال عام ونصف العام، واستطاعت عبور 3 جسور في الخرطوم، واستردت منطقة جبل موية الاستراتيجية بولاية سنار.