وزير الخارجية السوداني يعلن الاستعداد للتفاوض «سعياً للسلام»

استمرار المعارك في بعض أنحاء الخرطوم

أرشيفية لقوة من الجيش السوداني في أحد شوارع العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)
أرشيفية لقوة من الجيش السوداني في أحد شوارع العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

وزير الخارجية السوداني يعلن الاستعداد للتفاوض «سعياً للسلام»

أرشيفية لقوة من الجيش السوداني في أحد شوارع العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)
أرشيفية لقوة من الجيش السوداني في أحد شوارع العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة السودانية استعدادها للتفاوض والجلوس مع أي جهة سعياً للسلام العادل، مشترطة في ذلك «الالتزام بأحكام منبر جدة، وتكوين حكومة مدنية متوافق عليها من الطيف السياسي كافة»، ونفت مجدداً قصف مقر سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في الخرطوم، وقالت إنها تملك «أدلة» على عدم تعرض المقر لاعتداء من قبلها.

وفي الأثناء، كثف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني غاراته وطلعاته الجوية، ملحقاً خسائر فادحة بالمدنيين، بينما ازدادت هجمات قوات «الدعم السريع» في عدد من المناطق.

الوزير حسين عوض خلال مؤتمره الصحافي في بورتسودان (أ.ف.ب)

وقال وزير الخارجية المكلف حسين عوض في مؤتمر صحافي عقد بمدينة بورتسودان الاثنين: «إننا مستعدون للجلوس من أجل السلام، لكن شرطنا الوحيد، هو استصحاب ما توصلنا إليه في منبر جدة».

وأوضح الوزير أن حكومته «تملك الاستعداد للتواصل مع الشعب السوداني بأطيافه وأحزابه كافة، للوصول إلى رؤية واضحة تهيئ الأوضاع للمرحلة المقبلة، وتكوين حكومة مدنية برئاسة رئيس وزراء». وقال: «الحكومة راغبة في ذلك، وصولاً إلى تلاقي الأطراف السودانية السياسية والفئوية والقاعدة الجماهيرية كافة، على أن تكون الحكومة المؤقتة بر أمان يوصل إلى انتخابات تشريعية قومية، يختار فيها الشعب من يمثله، وستكون المؤسسة العسكرية هي الضامن لذلك».

وقال عوض: «سفارة الإمارات هي الوحيدة من بين المقرات الدبلوماسية التي لم تتعرض لها ميليشيا (الدعم السريع)، ولم يطالها تخريب ولا سرقة، كما حدث لبقية المقار الدبلوماسية على يد الميليشيا».

وتعهد الوزير بحماية بعثة دولة الإمارات العربية المتحدة الدبلوماسية في بورتسودان.

ميدانياً، ذكر شهود عيان أن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، شن صباح الاثنين، غارة جوية على بلدة أبو حجار بولاية سنار، أدت لـ«مجزرة جديدة»، حصدت أرواح عشرات الأطفال والنساء وكبار السن، وفي الوقت ذاته، تواصلت هجمات قوات «الدعم السريع» على منطقة حجر العسل بولاية نهر النيل. واتهمت «لجان مقاومة حجر العسل»، قوات «الدعم السريع»، بارتكاب «سلسلة انتهاكات ضد المواطنين، بما في ذلك القتل والنهب».

ودعت المواطنين لإخلاء المنطقة، وقالت في نشرة على منصة «فيسبوك»: «بكل أسف وغصة وألم، ندعو مواطني وسط حجر العسل بالنزوح وإخلاء المنطقة فوراً».

وفي الخرطوم، تواصلت الاشتباكات في محور منطقة المقرن، دون أن يحقق أي من الطرفين اختراقاً كبيراً، وشهدت الحلفايا بمدينة بحري اشتباكات متقطعة يوم الأحد، تخللها قصف مدفعي متبادل، وحافظت قوات الطرفين على مواقعها دون تقدم يذكر.

ونقلت منصات على «فيسبوك»، أبرزها منصة «محمد خليفة» التي تتابع بدقة الأوضاع الميدانية، أن قوات سلاح المدرعات واستمراراً لتقدمها الأيام الماضية، وسعت مناطق سيطرتها في منطقة اللاماب جنوب الخرطوم.

ولم تحدث مواجهات كبيرة في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، بيد أن قوات «الدعم السريع» واصلت قصف معسكرات الفرقة السادسة التابعة للجيش، بينما واصل الطيران استهداف تجمعات «الدعم السريع» في أطراف المدينة، وعدد من المناطق في العاصمة والولايات.

وعادة يزعم كل من الجيش وقوات «الدعم السريع» استهداف تمركزات بعضهم، لكن «في الغالب» تسقط القنابل والمقذوفات على المواطنين المدنيين، وتحدث خسائر كبيرة في الأرواح والبنى المدنية.


مقالات ذات صلة

تكتم شديد على المعارك في وسط العاصمة الخرطوم

شمال افريقيا أعمدة الدخان تتصاعد خلال اشتباكات بين «قوات الدعم السريع» والجيش في الخرطوم 26 سبتمبر (رويترز)

تكتم شديد على المعارك في وسط العاصمة الخرطوم

اعترف قائد قوات «الدعم السريع» بهزيمة قواته في جبل موية، متهماً الجيش المصري بمساندة الجيش السوداني عبر الطيران الحربي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا الدخان يتصاعد نتيجة القتال في العاصمة السودانية (أرشيفية - أ.ف.ب)

23 قتيلاً في قصف جوي للجيش السوداني على سوق بالخرطوم

23 حالة وفاة مؤكدة، وأكثر من 40 جريحاً تم نقلهم إلى ثلاثة مستشفيات بعد قصف الطيران الحربي، ظهر السبت، للسوق المركزية في جنوب الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) «الشرق الأوسط»

«الدعم السريع» تعلن حظراً للصادرات السودانية إلى مصر

أصدرت «قوات الدعم السريع» قرارات إدارية فرضت بموجبها حظراً تجارياً على تصدير السلع السودانية إلى مصر من المناطق التي تسيطر عليها في السودان.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة في بداية يوليو 2024 (الخارجية المصرية)

الخلاف بين القاهرة و«الدعم السريع» مرشح لمزيد من التصعيد

يتجه الخلافُ بين القاهرة و«قوات الدعم السريع» في السودان إلى «مزيدٍ من التصعيد» عقب دعوة مستشار قائد «الدعم السريع»، الباشا طبيق، لإيقاف صادرات بلاده إلى مصر.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا جنود من «قوات الدعم السريع» خلال دورية بمنطقة شرق النيل (أ.ب)

«الدعم السريع» تعلن الاستيلاء على عشرات السيارات القتالية في دارفور

أعلنت «قوات الدعم السريع» أنها ألحقت هزيمة كبرى في الأرواح والعتاد بـ«القوات المشتركة» التابعة للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني شمال دارفور.

أحمد يونس (كامبالا)

«اتفاقية عنتيبي»... تصريحات مصرية - إثيوبية تعمّق الخلافات

مقر وزارة الخارجية المصرية وسط القاهرة على ضفاف نهر النيل (أ.ف.ب)
مقر وزارة الخارجية المصرية وسط القاهرة على ضفاف نهر النيل (أ.ف.ب)
TT

«اتفاقية عنتيبي»... تصريحات مصرية - إثيوبية تعمّق الخلافات

مقر وزارة الخارجية المصرية وسط القاهرة على ضفاف نهر النيل (أ.ف.ب)
مقر وزارة الخارجية المصرية وسط القاهرة على ضفاف نهر النيل (أ.ف.ب)

خلافات تتصاعد بين مصر وإثيوبيا زاد من وتيرتها الإعلان عن تفعيل اتفاقية «عنتيبي» على غير رغبة القاهرة، التي تأتي وسط تبادل الاتهامات بشأن عرقلة مفاوضات «سد النهضة» الإثيوبي وتحفّظ أديس أبابا على الوجود المصري بالصومال، في فصل جديد يحمل مسارات عديدة بشأن التعاون بين دول حوض النيل.

تلك الخلافات الجديدة التي كشفتها تصريحات وزارية مصرية - إثيوبية مرتبطة بملف المياه، حسب خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» ستعمّق مسار الخلاف بين أديس أبابا والقاهرة في منحنى خطير بمنطقة القرن الأفريقي وتعقد مسار التعاون بين دول حوض النيل، لافتين إلى أن النهج الإثيوبي يحتاج لـ«مراجعة سريعة» لتحركاتها ضد مصر، فيما عدها برلماني إثيوبي بمثابة «اتفاقية عادلة لن تسبب ضرراً لأي طرف».

وتضم دول حوض نهر النيل 12 دولة أفريقية: (منبع النهر) بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، والسودان، وجنوب السودان وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، فضلاً عن دولتي المصب «مصر والسودان»، وسط تجاذبات تقودها أديس أبابا تجاه اتفاقيات المياه التاريخية، وظهر ذلك بصورة جلية بعد بناء «سد النهضة»، قبل نحو عقد، والحديث عن اتفاقيات ما تسميها «الحقب الاستعمارية» والدعوة لإلغائها.

وطفت الخلافات على السطح من جديد بين مصر وإثيوبيا، إثر إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد «دخول اتفاقية إطار حوض نهر النيل (CFA) حيز النفاذ»، داعياً الدول غير الموقعة على الاتفاقية إلى «الانضمام إليها»، دون أن يسمي دولتي مصر والسودان أبرز الرافضين لدخول الاتفاقية بعدّها تمس حصصهما التاريخية في مياه نهر النيل.

وعلى عكس موقف القاهرة، عادت «الخارجية الإثيوبية»، الاثنين، في بيان صحافي، للتأكيد على أن «المبادئ المنصوص عليها في اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل تصحّح أخطاء تاريخية وتضمن الاستخدام العادل وتعزز التفاهم المتبادل والمسؤولية المشتركة».

ذلك المسار الإثيوبي الجديد أكده وزير المياه والطاقة، هابتامو إيتيفا، في بيان صحافي، الاثنين، قائلاً إن الاتفاقية «لن تنتهك حقوق الآخرين وستمكن من إنشاء لجنة حوض نهر النيل التي ستكون مسؤولة عن إدارة وحماية نهر النيل لصالح الجميع وتكون بمثابة حجر الزاوية للتعاون»، داعياً جميع دول الحوض إلى الانضمام إلى الاتفاقية وتنفيذ مبادئها.

وزير المياه والطاقة الإثيوبي هابتامو إيتيفا (وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية)

وتعارض مصر والسودان الاتفاقية، وتتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدولتي المصب، كما تقرّ نسبة 55.5 مليار متر مكعّب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان، وترفض أي مشروع مائي بمجرى النيل يُلحق أضراراً بالأمن المائي، بخلاف اتفاقية «عنتيبي»، التي تُعرف أيضاً بـ«الإطار التعاوني لحوض نهر النيل»، وأبرمت عام 2010، والتي تُنهي الحصص التاريخية لمصر والسودان، وتفرض إعادة تقسيم المياه، وتسمح لدول المنبع بإنشاء مشروعات مائية من دون التوافق مع دولتَي المصب.

ووفق عميد معهد «الدراسات الأفريقية» الأسبق في مصر، رئيس «لجنة الشؤون الأفريقية السابق» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، الدكتور السيد فليفل، فإن «التصريحات الإثيوبية ضمن خط تصعيدي واستخدام من رئيس الوزراء الإثيوبي لملف دول حوض النيل، في محاولة لفت الأنظار بعيداً عن الأزمات الداخلية وصناعة عدو خارجي يكسب به تعاطفاً».

أمّا البرلماني الإثيوبي، محمد نور أحمد، فيرى أن الاتفاقية راجعها خبراء مختصون، وهي وعادلة وتراعي مصالح الجميع ولا تُلحق الضرر بأحد، مؤكداً أن إثيوبيا تلقّت اتهامات مصرية بالإضرار بها وحتى الآن «لم يحدث أي ضرر».

لكن فليفل يرى أن تلك الاتفاقية «مجحفة بحقوق القاهرة، وتثير أزمات مرتبطة بملف نهر النيل»، مؤكداً أن هناك شكاوى أيضاً من كينيا والصومال من تدخلات إثيوبيا في الأنهار المشتركة، متوقعاً أن الخلافات بين إثيوبيا ومصر «ستتعمق» بعد تفعيل الاتفاقية.

ويتفق معه الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، قائلاً: «قطعاً سيعمّق ذلك الخلاف بين مصر ودول المنبع وخصوصاً إثيوبيا»، مؤكداً أن «دولتَي المصب مصر والسودان لم يُصادقا على الاتفاقية لأنها تلغي حقوقهما التاريخية».

وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

وكان الموقف المصري المتمسك برفض الاتفاقية قد دعا لمراجعتها، الأحد، حيث طالب وزير الري المصري، الدكتور هاني سويلم، في مؤتمر صحافي، دول حوض النيل الموقّعة على الاتفاقية الإطارية «عنتيبي» بمراجعة موقفها والعودة مرة أخرى للنقاش حول التعاون بين الدول بما لا يُلحق ضرراً بأي من دول النهر، مؤكداً أن «مصر سوف تشارك في النقاش حول الاتفاقية الإطارية؛ لأن موقف مصر عادل ويتسق مع اتفاقيات الأنهار الدولية المعمول بها دولياً».

الوزير المصري شدد على أن «مصر لديها استخدامات حقيقية والمياه الحالية لا تكفي، وبالتالي لا تسمح مصر بالتنازل عن متر واحد من مياه النيل، وترفض بشكل قاطع اتفاقية (عنتيبي) بوضعها الحالي».

وجدد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في كلمته بافتتاحية «أسبوع القاهرة للمياه»، الأحد، «رفض مصر الكامل لأي أفعال أحادية مخالفة للقانون الدولي في إدارة المياه، ورفض الادعاء الباطل بسيطرة أي طرف على المياه في نهر النيل»، مشدداً على أنه «لا سبيل سوى تعزيز التعاون الدولي والإقليمي الفعّال في إدارة المياه العذبة لتحقيق التنمية للجميع، والعمل مع دول حوض النيل معاً من أجل وضع آلية جامعة لتحقيق مصالح شعوب هذا النهر».

وحسب فليفل فإن «الموقف المصري ملتزم بالقانون الدولي، الذي بكل تأكيد إثيوبيا تخرقه وتستعدي الجميع»، لافتاً إلى أن القاهرة أنهت كل فرص التفاوض ولا يحمل الأفق القريب أي تراجع إثيوبي عن تلك الخطوة، خصوصاً مع التصريحات الإثيوبية الجديدة، وإلا لكان تم التراجع قبلها.

والتصريحات الإثيوبية تؤكد على عدم قبول أي مراجعة للاتفاقية، وفق أبو إدريس، لافتاً إلى أن «الاتفاقية صارت سارية، وسيتم التوقيع عليها في قمة ستُعقد بمدينة عنتيبي الأوغندية يومي 16 و17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي».

منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا في فبراير 2024 (أ.ف.ب)

الخلاف بشأن اتفاقية «عنتيبي» يأتي امتداداً لخلافات سابقة بين مصر وإثيوبيا، أقدمها ملف «سد النهضة»، الذي تبنيه أديس أبابا منذ أكثر من عقد، ولا تريد الالتزام بتوقيع اتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل السد في أوقات الجفاف مع مصر والسودان، وأحدثها قلق إثيوبي من الوجود العسكري المصري في الدولة الجارة الصومال، تنفيذاً لاتفاق عسكري بينهما وُقّع في أغسطس (آب) لدعم الجيش الصومالي، والمشاركة المصرية في قوات حفظ السلام بمقديشو مطلع 2025، وهو ما تراه أديس أبابا تهديداً لها، على الرغم من نفي مصر المتكرر.

وقال السيد فليفل إن «استمرار تهديد إثيوبيا لمنطقة القرن الأفريقي وحقوق الأمن المائي لدول حوض النيل يستدعي مراجعة سريعة منها؛ حتى لا تتفاقم الأزمات وستكون أديس أبابا أول المتضررين».

بينما يرى البرلماني الإثيوبي أنه «لا بد من التقارب والتفاهم والاتفاق على تنفيذ الاتفاقية بنية طيبة»، مؤكداً أنه «تكفي سنوات الاتهامات والشكوك، ويجب أن نمضي للتقارب».

مستقبل تلك الخلافات المصرية - الإثيوبية يحمل، حسب أبو إدريس، «استمراراً لاستخدام كل من الدولتين ما لديهما من كروت للضغط على الآخر»، مضيفاً: «لكن الخلاف الجديد الذي يهدّد الأمن المصري المائي قضيّة استراتيجية، وقد قُضي الأمر فيه ولا مجال للتفاوض بشأنه ويفتح مسارات للضغط بشكل أكبر ومختلف».