القاهرة تتفادى تصعيداً كلامياً مع «قوات الدعم السريع» السودانية

مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)
مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)
TT

القاهرة تتفادى تصعيداً كلامياً مع «قوات الدعم السريع» السودانية

مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)
مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)

تفادت مصر الانخراط في تصعيد كلامي مع «قوات الدعم السريع»، التي اتهمتها، في بيان، مساء الجمعة، بـ«عرقلة الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار والسلام في السودان». وقالت إن «القاهرة تعارض في السر والعلن أي خطوات لا تحقق بقاء الجيش السوداني في السلطة».

التصعيد الجديد يأتي بعد أيام من اتهام قائد «قوات الدعم السريع» في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مساء الأربعاء، مصر، بالمشاركة في «غارات جوية ضده». الأمر الذي نفته القاهرة عبر إفادة رسمية حادة اللهجة في حينه، وصفت فيها قوات «حميدتي» بـ«الميليشيا».

وأكدت وزارة الخارجية المصرية أن «الاتهامات تأتي في وقت تبذل فيه مصر جهوداً مكثفة لوقف الحرب في السودان، وحماية المدنيين، وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية الهادفة لدعم المتضررين من النزاع». وشددت على أن «القاهرة سوف تواصل تقديم أشكال الدعم الممكنة لكل السودانيين، لمواجهة التحديات الناتجة عن هذه الحرب الغاشمة».

وسعت «الشرق الأوسط» للحصول على تعليق من إحدى الجهات الرسمية المصرية؛ لكن لم يتسن لها ذلك، وهو ما فسره دبلوماسيون سابقون بأن القاهرة لا ترغب في الانجرار إلى تصعيد كلامي مع «ميليشيا الدعم السريع».

آثار الدمار في العاصمة السودانية جراء الصراع المسلّح (د.ب.أ)

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية، بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع»، بقيادة «حميدتي»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت نحو 13 مليون سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار، حسب تقديرات هيئة الأمم المتحدة.

وقالت «قوات الدعم السريع»، في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على «فيسبوك»، إنها «كانت أكثر تحفظاً وصمتاً عن إبداء رأيها علانية إزاء كثير من المواقف المصرية المتصلة بالشأن السوداني منذ أوقات سابقة للحرب الحالية»، مشيرة إلى أن «هذا الصمت جاء حرصاً منها على خصوصية العلاقة التي تربط شعبي البلدين». وأضافت أنه «منذ تفجُّر الحرب الحالية في أبريل 2023 كانت مصر شريكاً أساسياً للحركة الإسلامية والجيش في إشعال الحرب». وتابعت أنها «حذرت مصر مراراً، وطالبتها الكف عن الدعم والتدخل في الشؤون السودانية».

واتهمت «قوات الدعم السريع»، سلاح الجو المصري بـ«المشاركة في القتال إلى جانب الجيش السوداني، وقصف معسكرات تابعة لها». وقالت: «لم تتوقف الحكومة المصرية أبداً عن تقديم الدعم العسكري للجيش السوداني». كما رفضت وصفها من جانب مصر بـ«الميليشيا»، وعدَّت ذلك «دليلاً آخر على عدم حياد القاهرة»، محذرة «الحكومة المصرية وأجهزتها من التمادي في التدخل السافر في الشؤون السودانية».

ويصنف مجلس السيادة السوداني، «قوات الدعم السريع»، على أنها «ميليشيا متمردة»، ودعا قائد الجيش السوداني، في كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى تصنيفها «جماعة إرهابية».

ويرى وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد العرابي، أن «القاهرة لن تتوقف عند هذه التصريحات من جانب (الدعم السريع)»، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذا التصعيد «لن يؤثر في موقف مصر الرامي للحفاظ على وحدة أراضي السودان، وأن تقوم السلطة المركزية بواجبها في حماية سلامة الشعب، وضمان تمرير المساعدات إليه».

وقال العرابي: «موقف مصر معروف، ولا يمكن لأحد أن يقيِّمه أو يزايد عليه، ومثل هذه التصريحات لن تؤثر في جهودها والتزامها القاطع بدعم السلام في السودان»، مشدداً: «القاهرة تدعم المؤسسات الوطنية الرسمية ليس في السودان فقط، بل في جميع دول العالم».

وهو ما أكده مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه التصريحات من جانب (الدعم السريع) لن توثر في مصر، وهدفها لا يتجاوز التشويش على الدور المصري في القرن الأفريقي وفي السودان».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه ممثلي القوى السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة في يوليو الماضي (الرئاسة المصرية)

وكانت مصر قد استضافت في يوليو (تموز) من العام الماضي، قمة دول جوار السودان بمشاركة 7 دول أفريقية، هي: مصر، وليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإريتريا، وإثيوبيا. كما استضافت اجتماعات «المجلس المركزي لائتلاف قوى الحرية والتغيير»، التي استهدفت بلورة إطار سياسي من جانب القوى المدنية لوقف الحرب السودانية، وبحث قضايا الانتقال الديمقراطي في البلاد. كما نظمت في يوليو الماضي «مؤتمراً للفصائل السياسية والمدنية المتنازعة» لبحث التوافق على مسار حل سياسي.

متطوع يوزّع الطعام على النازحين في أحد أحياء أم درمان بالسودان (أرشيفية - رويترز)

وأرجع العرابي ادعاءات «قوات الدعم السريع» في هذا التوقيت إلى ما وصفه بـ«تراجُع قدراتها على الأرض؛ ما دفعها لإلقاء اللوم على القاهرة».

واتفق معه هريدي، وقال: إن «الأزمة في السودان مستمرة منذ أكثر من عام، وتوجيه اتهامات لمصر الآن غير مقنع، ولا يتسق مع تسلسل الأحداث، لكنه يأتي عقب هزائم مُنيت بها (قوات الدعم السريع) على يد الجيش السوداني». وأكد أن «مصر تدعم الشرعية ومؤسسات الدولة الوطنية السودانية، وهذا مبدأ راسخ في عقيدة الدبلوماسية والسياسة الخارجية المصرية»، موضحاً أن «القاهرة لا تدعم شخص البرهان؛ بل تدعم الجيش الوطني السوداني بوصفه مؤسسة وطنية رسمية، وفي المقابل لا يمكن لمصر أن تدعم أي جماعة تنشق على مؤسسات الدولة».

وربط هريدي بين «ادعاءات (الدعم السريع) في هذا التوقيت وبين التحركات المصرية في منطقة القرن الأفريقي»، وقال إن «(حميدتي) يستهدف الشوشرة على الدور المصري في السودان والقرن الأفريقي، وتحركاته مرتبطة بشكل أو بآخر بإثيوبيا، التي يخدمها توجيه اتهامات لدور القاهرة».

وشهدت الفترة الأخيرة تحركات مصرية مكثفة في منطقة القرن الأفريقي، كان أحدثها القمة الثلاثية بين قادة مصر وإريتريا والصومال.


مقالات ذات صلة

20 مصاباً في حادث تصادم قطارين بجنوب مصر

شمال افريقيا جانب من حادث تصادم قطارني في محافظة المنيا بصعيد مصر (وسائل إعلام محلية)

20 مصاباً في حادث تصادم قطارين بجنوب مصر

وقع حادث تصادم قطارين في محافظة المنيا بصعيد مصر (240 كم جنوب القاهرة)، وأدى الحادث إلى انقلاب عربتين في ترعة الإبراهيمية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) «الشرق الأوسط»

«الدعم السريع» تعلن حظراً للصادرات السودانية إلى مصر

أصدرت «قوات الدعم السريع» قرارات إدارية فرضت بموجبها حظراً تجارياً على تصدير السلع السودانية إلى مصر من المناطق التي تسيطر عليها في السودان.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا السيسي تحدّث عن السادات خلال افتتاح محطة قطارات «بشتيل» بالجيزة (الرئاسة المصرية)

السيسي مستعيداً سيرة السادات: يهزم خصومه في الغياب

السيسي قال في كلمته خلال افتتاح محطة قطارات «بشتيل» بالجيزة، السبت، إن «السادات كانت لديه رؤية ثاقبة، وأثبت لخصومه في هذا الوقت أن ما فعله كان الصواب».

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الري المصري خلال اجتماع «اللجنة الاستشارية لمجلس وزراء المياه الأفارقة» في القاهرة  (الري المصرية)

مصر لطرح قضايا «ندرة المياه» دولياً وأفريقياً خلال «أسبوع القاهرة»

تعاني مصر عجزاً مائياً يبلغ 55 في المائة، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة في بداية يوليو 2024 (الخارجية المصرية)

الخلاف بين القاهرة و«الدعم السريع» مرشح لمزيد من التصعيد

يتجه الخلافُ بين القاهرة و«قوات الدعم السريع» في السودان إلى «مزيدٍ من التصعيد» عقب دعوة مستشار قائد «الدعم السريع»، الباشا طبيق، لإيقاف صادرات بلاده إلى مصر.

أحمد إمبابي (القاهرة)

مثول أفغاني أمام قاضي تحقيق في فرنسا بشبهة «التخطيط لعمل عنفي»

عنصر أمن فرنسي في العاصمة باريس (أ.ف.ب)
عنصر أمن فرنسي في العاصمة باريس (أ.ف.ب)
TT

مثول أفغاني أمام قاضي تحقيق في فرنسا بشبهة «التخطيط لعمل عنفي»

عنصر أمن فرنسي في العاصمة باريس (أ.ف.ب)
عنصر أمن فرنسي في العاصمة باريس (أ.ف.ب)

مثل شاب أفغاني يبلغ من العمر 22 عاماً، تقول النيابة العامة لمكافحة الإرهاب في فرنسا إنه يتّبع عقيدة تنظيم «داعش» المتشدد، أمام قاضي تحقيق، اليوم السبت، للاشتباه بـ«تحريضه» على «مخطط لعمل عنفي» في ملعب لكرة القدم أو مركز تجاري، حسب ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

تم اعتقال الأفغاني مع رجلين آخرين، الثلاثاء، في جنوب فرنسا، في إطار تحقيق أولي فتحته في 27 من سبتمبر (أيلول) الماضي النيابة العامة الفرنسية لمكافحة الإرهاب، بشبهة «تكوين عصابة إجرامية إرهابية بغية التحضير لجريمة أو أكثر ضد أشخاص».

الرجال الثلاثة، الذين تراوح أعمارهم بين 20 و31 عاماً، وبينهم شقيقان، تم اعتقالهم صباح الثلاثاء الماضي في مدينة تولوز (جنوب) وضواحيها من طرف محققي المديرية العامة للأمن الداخلي، بمؤازرة وحدة تدخل تابعة للشرطة. ووفق مصدر مقرب من الملف، فقد جاء اعتقالهم بناءً على معلومة استخبارية. وأفادت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب لوكالة الصحافة الفرنسية، اليوم السبت، بأن «التحقيقات التي أجريت بيّنت وجود مخطط لعمل عنفي، يستهدف أشخاصاً في ملعب لكرة القدم أو مركز تجاري، بتحريض من واحد منهم يبلغ 22 عاماً ويحمل الجنسية الأفغانية وتصريح إقامة، وتبيّن عناصر عدة تطرّفه واتّباعه عقيدة تنظيم (داعش)».

وفتحت النيابة العامة بحق هذا الأفغاني تحقيقاً قضائياً، بشبهة تكوين عصابة إجرامية إرهابية، بغية الإعداد لجريمة أو أكثر ضد أشخاص، وطلبت إيداعه الحجز الاحتياطي. وأخلي سبيل الرجلين الآخرين اللذين كانا قيد التوقيف، فيما أشارت النيابة العامة إلى أن «التحقيقات ستتواصل».