الجزائر: جدل حول حظر رواية تستحضر أحداث «العشرية السوداء»

سلطات البلاد منعت دار النشر الفرنسية من حضور «صالون الجزائر للكتاب»

الروائي الجزائري كمال داود (من حسابه بالإعلام الاجتماعي)
الروائي الجزائري كمال داود (من حسابه بالإعلام الاجتماعي)
TT

الجزائر: جدل حول حظر رواية تستحضر أحداث «العشرية السوداء»

الروائي الجزائري كمال داود (من حسابه بالإعلام الاجتماعي)
الروائي الجزائري كمال داود (من حسابه بالإعلام الاجتماعي)

تحرص السلطات الجزائرية على إغلاق ملف مؤلم، ومنعه من التداول السياسي والإعلامي، يتعلق بالاقتتال مع الجماعات المتطرفة في تسعينات القرن الماضي. وتسمَّى هذه الفترة «المأساة الوطنية» التي تميزت بحوادث الإرهاب، أو «العشرية السوداء». وضمن هذا المسعى حظرت مشاركة رواية ودار النشر الفرنسية التي أصدرتها في «الصالون الدولي للكتاب» الذي تنظمه سنوياً؛ لأنها تتناول موضوع الحرب الأهلية التي خلَّفت نحو 150 ألف قتيل.

الرواية التي تثير جدلاً تحمل عنوان «حور العين»، ألفها بالفرنسية الكاتب الصحافي الجزائري كمال داود الذي يقيم بفرنسا، وحصل على جنسيتها منذ 4 سنوات، وهي مرشحة لنيل «جائزة غونكور» الأدبية المرموقة، ضمن 16 عملاً أدبياً آخر.

غلاف رواية «حور العين» المثيرة للجدل (متداولة)

وقالت دار النشر الفرنسية الشهيرة «غاليمار» التي طبعت الرواية، في بيان، إنها أُبلغت بعدم المشاركة في «صالون الكتاب» المقرر بين 6 و16 من الشهر المقبل، مؤكدة أنها «مُنعت من الحضور دون أن ذكر سبب»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مسؤولي «غاليمار»، علماً بأن رواية «حور العين» تعد العنوان الأبرز للدخول الأدبي في فرنسا لهذا الموسم بالنسبة لدار النشر.

وأكد ناشطون ثقافيون جزائريون مهتمون بالتحضير لـ«صالون الكتاب»، تحفظوا على نشر أسمائهم، لـ«الشرق الأوسط»، أن الحكومة «فعَّلت -على ما يبدو وبشكل مسبق- تدابير قانون السلم والمصالحة الوطنية، ضد الرواية والمؤسسة الناشرة».

صورة شهيرة متداولة لناجية من مجزرة وقعت عام 1997 جنوب العاصمة الجزائرية

وصدر القانون عام 2006، بإرادة من الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999- 2019)، بهدف وضع حد لحرب مدمرة بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة، عن طريق إجراءات تهدئة، أعطت الأفضلية للحلول السياسية بدل السياسة الأمنية المشددة المتبعة ضد المتشددين. وتضمن النص مجموعة من الممنوعات، أهمهما شملته «المادة 46» التي تتناول عقوبة سجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ، ضد «كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية أو يعتد بها للمساس بمؤسسات الجمهورية، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية». وفي حال وجود شبهة تخص هذه الأفعال «تباشر النيابة العامة المتابعات الجزائية تلقائياً»، وفق المادة نفسها.

الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (متداولة)

وينطوي النص على معنيين أساسيين: عدم تحميل قوات الأمن مسؤولية الدماء التي سالت، وعدم التعرض للمسلحين بأي تصرف يفهم منه أنهم ضالعون في الإرهاب، عندما يعودون إلى الحياة العادية. وقد تقيدت وسائل الإعلام بهذه المحظورات، منذ بدء تنفيذ القانون الذي انتقدته تنظيمات ضحايا الإرهاب وضحايا الاختفاء القسري، بحجة أنه «يتجنى على مبدأ الحقيقة والعدالة».

ويغوص كاتب «حور العين»، من خلال عمله، في أهوال «العشرية السوداء»، مستعرضاً قصة امرأة حامل نجت من مجزرة نفذها مسلحون متطرفون. وتتعرض بطلة الرواية للمطاردة في المجتمع بسبب ماضيها. ويستحضر الروائي الذي يتحدر من غرب الجزائر الصدمات المرتبطة بالعنف الذي عاشته الجزائر في تلك الفترة العصيبة.

وعبر داود (54 سنة)، في تصريحات نقلتها صحف فرنسية عن «أسفه» لحظر كتابه في الجزائر. وقال موضحاً: «كتابي يُقرأ في الجزائر لأنه مهرَّب. للأسف، لم يُنشر؛ لكنه مُنتقد ومُعلَّق عليه، وهذا عيب من عيوب عصرنا، حتى أن أشخاصاً علَّقوا عليه رغم أنهم لم يقرأوه».

كمال داود قال إنه كان إسلامياً متشدداً خلال أيام الجامعة بمدينة وهران (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

يشار إلى أن داود اقترب من نيل «جائزة غونكور» لعام 2014، عن روايته «ميرسو تحقيق مضاد». وقال في تصريحات تلفزيونية إنه كان إسلامياً متشدداً خلال أيام الجامعة بمدينة وهران، كبرى حواضر الغرب.

وبرز داود في الأشهر الأخيرة بتصريحات معارضة لـ«حماس» الفلسطينية، إثر عملية «طوفان الأقصى». كما أظهر ميلاً لمواقف اليمين الفرنسي من قضايا الهجرة، وما يعرف بـ«إسلام فرنسا»، ما جلب له سخط قطاع من الجزائريين.


مقالات ذات صلة

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

شمال افريقيا الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

عقوبة سجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ ضد «كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية، أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهورية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش (وزارة الدفاع)

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

أطلق قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، تحذيرات شديدة اللهجة، في أول ظهور إعلامي له.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس وقائد الجيش في آخر نشاط لهما معاً في 14 نوفمبر الحالي (وزارة الدفاع)

الجزائر: إقصاء الأحزاب الموالية للرئيس من الحكومة الجديدة

لاحظ مراقبون في الجزائر غياب «العمق السياسي» عن التعديل الحكومي الذي أحدثه الرئيس عبد المجيد تبون في حكومته.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي واسع يبقي الوزراء السياديين

أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الاثنين، تعديلاً حكومياً احتفظ فيه وزراء الحقائب السيادية بمناصبهم، بعد أن كان الوزير الأول نذير عرباوي قدم استقالة…

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي يُبقي على وزراء الحقائب السيادية والمقربين من تبون

ذكرت «وكالة الأنباء الجزائرية» أن رئيس الوزراء محمد النذير العرباوي قدّم، اليوم الاثنين، استقالة الحكومة إلى الرئيس عبد المجيد تبون.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
TT

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)

تسعى الحكومة المصرية للحد من «فوضى» الاعتداءات على الطواقم الطبية بالمستشفيات، عبر إقرار قانون «تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض»، الذي وافق عليه مجلس الوزراء أخيراً، وسوف يحيله لمجلس النواب (البرلمان) للموافقة عليه.

وأوضح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة المصري، خالد عبد الغفار، أن مشروع القانون يهدف إلى «تحسين بيئة العمل الخاصة بالأطباء والفريق الصحي، ويرتكز على ضمان توفير حق المواطن في تلقي الخدمات الطبية المختلفة بالمنشآت الصحية، وتوحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بما يضمن عملهم في بيئة عمل جاذبة ومستقرة»، وفق إفادة وزارة «الصحة» المصرية، الجمعة.

وأشار الوزير المصري إلى تضمن القانون «توحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بما يكفل الوضوح في هذا الشأن ويراعي صعوبات العمل في المجال الطبي»، مع الحرص على «منع الاعتداء على مقدمي الخدمة الصحية، وتقرير العقوبات اللازمة في حال التعدي اللفظي أو الجسدي أو إهانة مقدمي الخدمات الطبية، أو إتلاف المنشآت، وتشديد العقوبة حال استعمال أي أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أخرى».

جانب من العمل داخل أحد المستشفيات (وزارة الصحة المصرية)

وحسب عضوة «لجنة الصحة» بمجلس النواب، النائبة إيرين سعيد، فإن «هذه الخطوة تأخرت كثيراً»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن مشروع القانون كان يفترض جاهزيته منذ عامين في ظل مناقشات مستفيضة جرت بشأنه، لافتة إلى أن القانون سيكون على رأس أولويات «لجنة الصحة» فور وصوله البرلمان من الحكومة تمهيداً للانتهاء منه خلال دور الانعقاد الحالي.

لكن وكيل نقابة الأطباء المصرية، جمال عميرة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن مشروع القانون «لا يوفر الحماية المطلوبة للأطباء في مقابل مضاعفة العقوبات عليهم حال الاشتباه بارتكابهم أخطاء»، مشيراً إلى أن المطلوب قانون يوفر «بيئة عمل غير ضاغطة على الطواقم الطبية».

وأضاف أن الطبيب حال تعرض المريض لأي مضاعفات عند وصوله إلى المستشفى تتسبب في وفاته، يحول الطبيب إلى قسم الشرطة ويواجه اتهامات بـ«ارتكاب جنحة وتقصير بعمله»، على الرغم من احتمالية عدم ارتكابه أي خطأ طبي، لافتاً إلى أن النقابة تنتظر النسخة الأخيرة من مشروع القانون لإصدار ملاحظات متكاملة بشأنه.

وشهدت مصر في الشهور الماضية تعرض عدد من الأطباء لاعتداءات خلال عملهم بالمستشفيات من أقارب المرضى، من بينها واقعة تعدي الفنان محمد فؤاد على طبيب مستشفى «جامعة عين شمس»، خلال مرافقته شقيقه الذي أصيب بأزمة قلبية الصيف الماضي، والاعتداء على طبيب بمستشفى «الشيخ زايد» في القاهرة من أقارب مريض نهاية الشهر الماضي، وهي الوقائع التي يجري التحقيق فيها قضائياً.

وقائع الاعتداء على الطواقم الطبية بالمستشفيات المصرية تكررت خلال الفترة الأخيرة (وزارة الصحة المصرية)

وينص مشروع القانون الجديد، وفق مقترح الحكومة، على تشكيل «لجنة عليا» تتبع رئيس مجلس الوزراء، وتعد «جهة الخبرة الاستشارية المتعلقة بالأخطاء الطبية، والمعنية بالنظر في الشكاوى، وإصدار الأدلة الإرشادية للتوعية بحقوق متلقي الخدمة بالتنسيق مع النقابات والجهات المعنية»، حسب بيان «الصحة».

وتعوّل إيرين سعيد على «اللجنة العليا الجديدة» باعتبارها ستكون أداة الفصل بين مقدم الخدمة سواء كان طبيباً أو صيدلياً أو من التمريض، ومتلقي الخدمة المتمثل في المواطن، لافتةً إلى أن تشكيل اللجنة من أطباء وقانونيين «سيُنهي غياب التعامل مع الوقائع وفق القوانين الحالية، ومحاسبة الأطباء وفق قانون (العقوبات)».

وأضافت أن مشروع القانون الجديد سيجعل هناك تعريفاً للمريض بطبيعة الإجراءات الطبية التي ستُتخذ معه وتداعياتها المحتملة عليه، مع منحه حرية القبول أو الرفض للإجراءات التي سيبلغه بها الأطباء، وهو «أمر لم يكن موجوداً من قبل بشكل إلزامي في المستشفيات المختلفة».

وهنا يشير وكيل نقابة الأطباء إلى ضرورة وجود ممثلين لمختلف التخصصات الطبية في «اللجنة العليا» وليس فقط الأطباء الشرعيين، مؤكداً تفهم أعضاء لجنة «الصحة» بالبرلمان لما تريده النقابة، وتوافقهم حول التفاصيل التي تستهدف حلاً جذرياً للمشكلات القائمة في الوقت الحالي.