الجزائر تهاجم اليمين الفرنسي بسبب «اتفاق الهجرة»

قوجيل قال إن فرنسا كانت دائماً «هي المستفيد الأول من جهود الوافدين الجزائريين»

صورة أرشيفية للرئيسين الجزائري والفرنسي قبل تجدد توتر العلاقات بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)
صورة أرشيفية للرئيسين الجزائري والفرنسي قبل تجدد توتر العلاقات بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)
TT

الجزائر تهاجم اليمين الفرنسي بسبب «اتفاق الهجرة»

صورة أرشيفية للرئيسين الجزائري والفرنسي قبل تجدد توتر العلاقات بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)
صورة أرشيفية للرئيسين الجزائري والفرنسي قبل تجدد توتر العلاقات بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)

انتقد مسؤول جزائري بارز، بشدة، مبررات ساقتها الحكومة الفرنسية لإلغاء «اتفاق الهجرة» المشترك، الجاري العمل به منذ 56 سنة، عادّاً أنه «يخدم الجانب الفرنسي وحده»، في وقت يشهد فيه هذا الاتفاق ضغطاً متزايداً من طرف وزير الداخلية الفرنسي بهدف إبطاله، بذريعة أنه «يعوق تنفيذ خطط الحد من الهجرة النظامية والسرية إلى فرنسا».

ونشرت عدة صحف جزائرية، حكومية وخاصة، أمس الخميس، مقالاً طويلاً لصالح قوجيل، رئيس «مجلس الأمة» (الغرفة الثانية للبرلمان)، وهو الرجل الثاني في الدولة، بحسب الدستور، تناول فيه جدلاً حاداً يحتدم في فرنسا حالياً حول مصير الوثيقة القديمة التي تحدد وتسير قضايا الإقامة و«لمّ الشمل العائلي»، والدراسة في الجامعات والتجارة، بالنسبة للجزائريين في فرنسا.

رئيس مجلس الأمة الجزائري صالح قوجيل (البرلمان)

وكتب قوجيل (91 سنة) أن «الواقع مغاير تماماً (بخلاف ما يدعيه الفرنسيون)، والعكس هو الصحيح. فالاتفاق منذ توقيعه إلى اليوم لم يخدم إلا الجانب الفرنسي، وقد تم التوصل إليه بناء على طلب ملحّ منه، وكان دائماً المستفيد الأول من جهود الجزائريات والجزائريين، منذ هجرتهم إلى فرنسا عمّالاً إلى غاية ما يسمى بالهجرة المنتقاة التي تم الترويج لها في السنوات الأخيرة في فرنسا بشكل انتقائي لتشجيع التحاق المواهب وخريجي الجامعات الجزائرية من الكفاءات الرفيعة المستوى، دون أي مقابل يعود على الجزائر».

ووفق قوجيل، فإن «بعض الدوائر السياسية الفرنسية ترى أن هذا الاتفاق يخدم الجانب الجزائري أكثر بسبب طابعه المستثنى عن الإطار القانوني العام، الذي يضبط مسألة الهجرة في فرنسا. ويوجد من بين هؤلاء من يطالب بمراجعته أو إلغائه، لكنهم جميعاً لم يشيروا إلى أن هذا الاتفاق قد تم تعديله في الأعوام 1985 و1994 و2001، مما أزال سبب وجوده أصلاً».

وزير داخلية فرنسا برونو روتايو (رويترز)

ويقصد قوجيل، ضمناً، وزير الداخلية في الحكومة الفرنسية الجديدة برونو روتايو، الذي ينتمي سياسياً لعائلة اليمين المحافظ، الذي يتعامل بحساسية بالغة مع مسائل الهجرة و«اندماج المهاجرين، وأبنائهم في المجتمع الفرنسي». ويضع روتايو نصب عينيه الاتفاق الجزائري - الفرنسي، وقد صرح بأنه يشجع الحكومة على مراجعته جذرياً.

ومن الأسباب التي ساقها لدعم هذا الموقف، قال روتايو إن الجزائر «لا تبدي أي تعاون» في قضية المهاجرين السريين، الذين صدرت بحقهم أوامر إدارية بالترحيل من التراب الفرنسي. كما أبدى رئيس الوزراء ميشال بارنييه رغبة في التخلي عن هذا الاتفاق، فيما لم يصدر عن الرئيس إيمانويل ماكرون أي موقف حول هذا الموضوع. يشار إلى أن والد روتايو عاش في الجزائر عضواً في الجيش الفرنسي المحتل.

وكان البرلمان الفرنسي قد رفض نهاية 2023 لائحة تطالب السلطات بإعادة النظر في الاتفاق. وقدم اللائحة يومها برونو روتايو بصفته رئيساً للمجموعة البرلمانية لحزب «الجمهوريون»، الذي تحول إلى «اليمين الجمهوري» منذ يوليو (تموز) الماضي.

رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه (رويترز)

وشدد قوجيل في مقاله على أنه «لا يمكن لأحد أن يجادل في مساهمة موجات الهجرة الجزائرية لصالح فرنسا، والقول بخلاف ذلك سيكون إهانة للتاريخ، وتنكراً لأرواح آلاف الجزائريين، الذين دفعوا حياتهم في ميادين المعارك خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية». مؤكداً أنه «تم تجنيدهم إجبارياً، وتعبئتهم بالقوة في الجيش الفرنسي لمحاربة ألمانيا، وقد تكرر سيناريو التهجير القسري عشية الحرب العالمية الثانية، عبر حشد عدد كبير من الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي، ودفعهم إلى محاربة ألمانيا النازية».

الرئيس الجزائري يهاجم اليمين الفرنسي في لقاء صحافي بسبب ضغوط لإلغاء اتفاق الهجرة (الرئاسة)

وخلال مقابلة مع التلفزيون العمومي، بثها السبت الماضي، انتقد الرئيس عبد المجيد تبون بشدة ما سماه «فزاعة يسير خلفها جيش من المتطرفين في فرنسا»، تعبيراً عن استيائه من الدعوات الملحة لإلغاء الاتفاق. واتهم «أقلية حاقدة» في فرنسا بـ«عرقلة أي تقدم في ملف الذاكرة»، وهو مسعى أطلقه رئيسا البلدين منذ عامين لمحاولة تجاوز المشكلات المترتبة على الاستعمار.



مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»
TT

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

حمّلت مصر مجدداً «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»، الذي تقيمه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويواجه باعتراضات دولتي المصب (مصر والسودان). وقال وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، الاثنين، إن «التصرفات الأحادية الإثيوبية تتسبب في تخبط كبير في منظومة إدارة المياه بنظام النهر، وارتباك في منظومة إدارة السدود».

واستعرض سويلم، خلال لقائه عدداً من أعضاء دورة التمثيل الدبلوماسي العسكري المصري بالخارج، رؤية مصر للتعامل مع قضية «سد النهضة»، وتاريخ المفاوضات، ونقاط الاختلاف مع إثيوبيا، مع «إبراز أوجه التعنت الإثيوبي خلال العملية التفاوضية، وخطورة التصرفات الإثيوبية الأحادية».

سويلم يلتقي عدداً من أعضاء دورة التمثيل الدبلوماسي العسكري المصري بالخارج (وزارة الري المصرية)

وفشلت آخر جولة مفاوضات بشأن «سد النهضة» بين مصر وإثيوبيا والسودان في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي دون التوصل لاتفاق.

وقال الوزير المصري إن «دول منابع حوض النيل تتمتع بوفرة في مواردها المائية، إذ يصل حجم الأمطار المتساقطة على حوض نهر النيل إلى حوالى 1600 مليار متر مكعب سنوياً، بينما يصل حجم الأمطار المتساقطة على دول حوض النيل - داخل حوض نهر النيل أو غيره من الأحواض بهذه الدول - إلى حوالي 7000 مليار متر مكعب سنوياً، في وقت تصل حصة مصر من المياه إلى 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، تعتمد عليها مصر بنسبة 98 في المائة لتوفير مواردها المائية».

وحذر خبراء مصريون من عدم التوصل لاتفاق قانوني بشأن «سد النهضة» يضمن حقوق دولتي المصب، وقال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي لـ«الشرق الأوسط»، إن «خطورة عدم التوصل لاتفاق بشأن سد النهضة لا تتوقف عند ما يثيره السد من مخاوف، إذ إنه قد يتحول لسابقة تدفع دولاً أخرى من دول المصب إلى إنشاء سدود دون اتفاقيات ودون التشاور مع دولتي المصب».

وأكد شراقي أن «النهج الإثيوبي في بناء سد النهضة في كل مراحله ينطوي على قدر كبير من التخبط وعدم الوضوح، ففي الوقت الراهن مثلاً لا نعرف متى تعمل توربينات توليد الكهرباء ومتى تتوقف». وحسب شراقي، فإن «الممارسات الإثيوبية بشأن سد النهضة تعمق الخلافات بين دول حوض النيل وتتسبب في توترات».

وتحرص مصر، وفق وزير الري، على دعم جهود التنمية المستدامة في دول حوض النيل بتنفيذ «العديد من المشروعات في مجال المياه لخدمة المواطنين في هذه الدول مثل مشروعات تطهير المجاري المائية من الحشائش، وإنشاء سدود لحصاد مياه الأمطار، وآبار جوفية تعمل بالطاقة الشمسية بالمناطق النائية، وإنشاء مراكز للتنبؤ بالأمطار وقياس نوعية المياه بتكلفة إجمالية 100 مليون دولار لكافة المشروعات».

وزير الموارد المائية والري المصري يلقي كلمة عن التحديات المائية لبلاده (وزارة الري المصرية)

ويرى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر الدكتور أيمن عبد الوهاب أن «استمرار السياسات الإثيوبية الأحادية يزيد مخاطر توتر العلاقات بين دول حوض النيل، ويحول قضية المياه إلى أداة للصراع، خصوصاً مع ازدياد متطلبات التنمية بالعديد من دول الحوض»، وحسب تصريحات عبد الوهاب لـ«الشرق الأوسط»، فإنه «لا يمكن إدارة ملف المياه بين دول حوض النيل دون اتفاق قانوني بشأن سد النهضة».

بدورها، أشارت مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، الدكتورة أماني الطويل، إلى خلاف آخر بين مصر وإثيوبيا يتعلق بما يعرف بـ«اتفاقية عنتيبي»، وهي الاتفاقية التي أبرمت عام 2010، وتعارضها مصر والسودان، وتسمح لدول المنبع بإنشاء مشروعات مائية دون التوافق مع دولتي المصب.

وقالت الطويل لـ«الشرق الأوسط» إن «الاتفاقية أحدثت شرخاً في العلاقات بين دول المنابع والمصب، وهو ما سيؤدي إلى عرقلة أي جهود تنموية أو مشروعات مائية بدول حوض النيل، لأن الشرط الأساسي للمؤسسات الدولية المانحة هو وجود توافق وإجماع بين دول الحوض حول هذه المشروعات».

ووفق الطويل، فإن «السياسات الإثيوبية الإقليمية في مجملها تؤثر سلباً على العلاقات بين دول حوض النيل».