صالح يعوّل على واشنطن لحل أزمة ليبيا... ونائبه ينتقد سفارتها

المنفي يعدّ بيان «مجلس الأمن» مجسداً لرؤيته بشأن الموقف السياسي

صالح خلال زيارته واشنطن برفقة ريتشادر المبعوث الأميركي إلى ليبيا (مجلس النواب)
صالح خلال زيارته واشنطن برفقة ريتشادر المبعوث الأميركي إلى ليبيا (مجلس النواب)
TT

صالح يعوّل على واشنطن لحل أزمة ليبيا... ونائبه ينتقد سفارتها

صالح خلال زيارته واشنطن برفقة ريتشادر المبعوث الأميركي إلى ليبيا (مجلس النواب)
صالح خلال زيارته واشنطن برفقة ريتشادر المبعوث الأميركي إلى ليبيا (مجلس النواب)

انفتح المشهد السياسي الليبي على متغير جديد عدّه البعض متناقضاً، وذلك بعد أن استهجن النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، «تدخل السفارة الأميركية لدى البلاد، وإصرارها على فرض ترتيبات مالية على الليبيين»، في حين طالب عقيلة صالح، رئيس المجلس، واشنطن بحل أزمة الانقسام السياسي، وقال إن ليبيا «تعول عليها».

وعدّ النويري في بيان نادر، الخميس، أن هذا التدخل «أمر مستغرب ومستهجن، ويعد خرقاً للقوانين، فضلاً عن كونه إخلالاً بمبدأ عدم التدخل الذي يعد أساس سيادة أي دولة».

النويري النائب الأول لرئيس مجلس النواب الليبي (مجلس النواب)

وصعّد النويري لهجته، قائلاً: «نستغرب ونستهجن من يتبنّى ويرعى هذه اللقاءات المشبوهة، التي يرفضها المنطق والعقل، وقبلهما القانون المالي للدولة»، وحذّر من «تصرفات المؤسسات والشخصيات المنخرطة في ذلك، مثل المصرف المركزي، الذي هو بالأساس مؤسسة فنية تدير السياسة النقدية فقط، وفق التشريعات المالية للدولة، وليست مؤسسة سياسية».

وتأتي تصريحات النويري غداة لقاء محافظ المصرف المركزي الجديد، ناجي عيسى، مع القائم بالأعمال في السفارة الأميركية لدى ليبيا، جيريمي برنت، الذي شدد على «النزاهة والاستقلالية التكنوقراطية للمصرف المركزي»، وعَدّها «أمراً بالغ الأهمية لاستقرار ليبيا وازدهارها». مشدداً على أن «الموازنة العامة للدولة والترتيبات المالية فيها شأن سيادي بحت، وتقع ضمن النطاق المحفوظ لسلطانها؛ ما لم تكن خاضعة لترتيبات خارجية بسبب مساعدات، أو ملتزمة بقيود اقتراض».

النويري طالب بإبقاء المصرف المركزي «بعيداً عن تأثير السفارات» (رويترز)

وخاطب النويري أبناء شعبه عامة، ومَن يتولى منهم مناصب سيادية خاصة بـ«عدم الانجرار خلف هذا السمار والانخراط فيه»، داعياً محافظ المصرف المركزي ونائبه، مرعي البرعصي، بإبقاء المصرف المركزي «بعيداً عن تأثير السفارات»، كما طالب بـ«التركيز على أداء مهامهما عوضاً عن عقد اللقاءات مع السفراء، والالتزام بطبيعة مهامهما على رأس المصرف المركزي، كونه مؤسسة سيادية وليست سياسية».

بموازاة ذلك، رأى صالح أن الولايات المتحدة «قادرة على مساعدة بلده على تجاوز الانقسام والأزمة السياسية».

وقال صالح، الذي يزور واشنطن حالياً لقناة «الحرة»، بثته مساء الأربعاء: «إن ليبيا تعوّل على واشنطن لحل أزمة الانقسام في البلاد، التي تشهد وجود حكومتين»، متحدثاً عن وجود مجموعات عسكرية مختلفة، بما فيها إيطالية وتركية.

وفيما نفى وجود أي قوات روسية في ليبيا بموافقة رسمية من البرلمان، أكد صالح «أنه لا وجود لمعاهدة رسمية مع روسيا بشأن وجود قوات عسكرية في ليبيا»، ورأى أن «الفوضى في البلاد هي سبب وجود عدة تشكيلات عسكرية مختلفة ومخابرات أجنبية». لكنه توقّع في المقابل أن تنتهي الفوضى والانقسام «بمجرد تشكيل حكومة موحدة، وهو ما نسعى إليه»، مجدِّداً التأكيد على أن واشنطن «تستطيع التأثير لإنهاء الأزمة؛ لأن هناك تدخلاً من بعض الدول، وهو سبب التأخر في إنجاز قضية الانتخابات».

وعَدّ مراقبون ليبيون تصريحات صالح ونائبه النويري بشأن المواقف الأميركية «متناقضة»، مشيرين إلى أن الدبلوماسية الأميركية «متداخلة في الملف الليبي منذ عقد من الزمن»، وتساءلوا: «كيف يطلب من أميركا لعب دور في حل الأزمة السياسية، وتنتقد سفارتها في الوقت نفسه؟».

في شأن متصل، رحّبت سلطات طرابلس بالدعوة التي وجهها مجلس الأمن الدولي للأطراف السياسية في ليبيا بالتعاون لمعالجة القضايا العالقة.

سلطات طرابلس رحبت بالدعوة التي وجهها مجلس الأمن الدولي للأطراف السياسية في ليبيا بالتعاون لمعالجة القضايا العالقة (البعثة)

وغداة دعوة أعضاء جلسة مجلس الأمن للأطراف الليبية، مساء الأربعاء، بـ«مزيد من الالتزام بعملية سياسية شاملة، يقودها ويمتلكها الليبيون (...)»، سارع محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، للترحيب ببيان مجلس الأمن، وقال: «إنه جاء مجسداً لرؤيتنا الشاملة للحل السياسي، القائم على الملكية الليبية والتوافق، وإنجاز الاستحقاقات بمرجعية الاتفاق السياسي وخريطة الطريق».

وأضاف المنفي في ردّه على بيان مجلس الأمن: «في كل مشاركاتنا السابقة بالمسار الاقتصادي المنبثق من (مؤتمر برلين)؛ تمسكنا بسيادتنا على مواردنا، وبالملكية الوطنية لإدارة عوائد النفط، عبر تشكيل لجنة ترتيبات مالية تؤسس لميزانية موحدة».

واستبق القائم بالأعمال في السفارة الأميركية لدى ليبيا، جيريمي برنت، تصريحات النويري، بلقاء رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، وناقش معه في اجتماع وصفه بـ«الجيد»، «أهمية تعزيز تدابير الشفافية والمساءلة في ليبيا»؛ ورأى أن «النزاهة التقنية، واستقلالية ديوان المحاسبة وغيرها من المؤسسات السيادية، أمران حاسمان لاستقرار ليبيا وازدهارها».

في سياق متصل، يتوقع أن تستضيف تونس حواراً اقتصادياً، الجمعة، يتمحور حول الأوضاع الاقتصادية في ليبيا، برعاية السفارة الأميركية، على أن يحضره محافظ المركزي الجديد ناجي عيسى، وممثلون عن حكومة الدبيبة ومجلس النواب.

ولم تعلن السلطات الرسمية أي معلومات بشأن الحوار الاقتصادي، لكن وسائل إعلام محلية توقعت أن عدداً من المسؤولين الليبيين الاقتصاديين من شرق ليبيا وغربها سيشاركون في الاجتماع، الذي يستهدف الحوار والتشاور حول استكمال خطوات الاتفاق ما بعد أزمة المصرف المركزي.

وفد إيطالي يزور مطار معيتيقة بطرابلس (مصلحة الطيران)

في شأن مختلف، زار وفد رفيع المستوى من سلطة الطيران المدني الإيطالي مطار معيتيقة بطرابلس، وذلك في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين ليبيا وإيطاليا.

وقالت مصلحة المطارات، في بيان مساء الأربعاء، إن الوفد الذي قاده رئيس سلطة الطيران المدني الإيطالي، مصحوباً بوفد من شركة «الخطوط الجوية الإيطالية» (آيتا)، أجرى جولة شاملة في المطار للاطلاع على الإجراءات المتبعة، مع التركيز على الجهود المبذولة لضمان سلامة وأمن الطيران.

ونقلت مصلحة الطيران الليبية عن شركة «آيتا» عن استعدادها للعودة إلى فتح الخط الجوي بين ليبيا وإيطاليا، «ما يعكس رغبتها في تعزيز الروابط الجوية، وتسهيل حركة السفر بين البلدين».

وتأتي هذه الزيارة، وفق مصلحة المطارات الليبية «في إطار جهود تحسين الخدمات الجوية، وتبادل الخبرات في مجال الطيران المدني، ما يسهم في رفع الحظر الجوي الأوروبي المفروض على المطارات الليبية».


مقالات ذات صلة

«الوحدة» الليبية تؤكد استمرار العمل على «مسار السلام»

شمال افريقيا الباعور مستقبلاً وزير خارجية الكونغو برازافيل جان كلود جاكوسو (وزارة الخارجية بحكومة الوحدة)

«الوحدة» الليبية تؤكد استمرار العمل على «مسار السلام»

تمسكت حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، باستمرار العمل على «مسار السلام والمصالحة الوطنية»، مع المجلس الرئاسي والأجسام والجهات الأخرى المختصة بهذا الشأن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا من أشغال الجلسة المخصصة لمناقشة الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

خوري تحذر من «التدابير الأحادية» لأفرقاء الأزمة في ليبيا

ستيفاني خوري ترى أن هناك «تطوراً إيجابياً» طرأ في الأزمة الليبية، بعد التوصل إلى اتفاق بين القيادات على تعيين محافظ للبنك المركزي، واستئناف الصادرات النفطية.

علي بردى (واشنطن)
شمال افريقيا من اجتماع سابق في مقر هيئة الرقابة الإدارية بليبيا (الهيئة)

زيادة «الإنفاق العام» خلال العقد الماضي تثير شكوك وتساؤلات الليبيين

أثار تقرير أصدرته هيئة الرقابة الإدارية في ليبيا يتحدث عن ارتفاع الإنفاق العام خلال العقد الماضي موجة من التساؤلات والانتقادات.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا الاجتماع الذي نظمته البعثة الأممية لعدد من الدبلوماسيين في طرابلس (البعثة)

«النواب» يعوّل على دور أميركي لإنهاء الانقسام في ليبيا

قال رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، إن «بلاده تعول على الدور الأميركي لحل أزمة الانقسام في ليبيا».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا صورة أرشيفية للعجمي العتيري (الشرق الأوسط)

ليبيا: غموض بشأن مصير «سجَّان» نجل القذافي

شهدت مدينة الزنتان الليبية (جنوب غربي طرابلس) توتراً أمنياً، بعد توقيف العجمي العتيري، قائد «كتيبة أبو بكر الصديق».

خالد محمود (القاهرة )

بعد خطاب «حميدتي»... هل بدأت الموجة الثانية من الحرب السودانية؟

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
TT

بعد خطاب «حميدتي»... هل بدأت الموجة الثانية من الحرب السودانية؟

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

رأى محللون سياسيون في خطاب قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ليل الأربعاء - الخميس، الذي دعا فيه قواته إلى تنظيم وترتيب صفوفها استعداداً لمعارك قد تستمر لسنوات، بمثابة إعلان عن موجة جديدة من الحرب ستكون أكثر «شراسة وعنفاً»، يسعى من خلالها إلى نقل القتال إلى ولايات شمال البلاد.

وأمر «حميدتي» في تسجيل مصور جميع قواته من الضباط وضباط الصف والجنود في الاحتياط و«الأذونات» بالتبليغ فوراً إلى وحداتهم العسكرية، مشدداً على منع التصوير خلال المعارك. وتعهد بحشد مليون جندي لـ«تحقيق الانتصار» على الجيش السوداني. وبارك انتصارات قواته في مناطق شمال دارفور (غرب البلاد)، داعياً إياها إلى القضاء على «مرتزقة الحركات المسلحة» التي تقاتل في صفوف الجيش.

مسلّحون من «قوات الدعم السريع» في ولاية سنار بوسط السودان (مواقع التواصل)

وأشار إلى أن الجيش السوداني والمجموعات الإسلامية التي تقاتل في صفوفه انتقلوا إلى الخطة «ج»، مؤكداً أنه انتقل إلى الخطة «ب».

وقال المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ لـ«الشرق الأوسط»، إن العنوان الأبرز لخطاب قائد «قوات الدعم السريع»، هو «الانتقال للحرب الشاملة، على عكس ما ذهب البعض لتفسيره بأنه إقرار بالهزيمة».

وأضاف: «الجزء المهم من تصريحاته هو أنه يحاول ممارسة أقصى ضغوط على الأطراف السياسية المدنية، واستمالتها إلى جانبه في المعركة التي يخوضها ضد (النظام الإسلاموي) المعزول الذي أشعل الحرب في البلاد للعودة إلى السلطة مرة أخرى».

وذكر أن «(حميدتي) سعى من خلال إرسال اتهامات مباشرة إلى بعض الدول في الإقليم بالتدخل في الحرب إلى جانب الجيش السوداني، إلى تحجيم دورها، وتنبيه المجتمع الدولي إلى أن هذه التدخلات قد تحول السودان إلى ساحة صراع إقليمي ودولي».

وقال أبو الجوخ: «يبدو واضحاً أن (حميدتي) يمضي في اتجاه استنفار وحشد المكونات الاجتماعية التي تتحدر منها الغالبية العظمى من مقاتلي (الدعم السريع) في غرب البلاد، لخوض موجة جديدة من القتال قد تكون الأكثر شراسة».

وأضاف: «يبدو أن الطرفين قررا المضي نحو حرب عنيفة، وبلا سقوفات؛ الكل ضد الكل، والخطورة فيها أن يسعى كل طرف إلى إيقاع أكبر ضرر بالآخر بغض النظر عن الأضرار الكبيرة التي سترتب على المدنيين».

قائدا الجيش عبد الفتاح البرهان (يسار) و«الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) عام 2019 (أ.ف.ب)

ورأى أبو الجوخ أن «الموجة الثانية من الحرب مع تصاعد الخطاب الإثني والجهوي، قد تؤدي إلى حرب أهلية طاحنة، وتعزز من سيناريو تقسيم البلاد».

وتذهب التوقعات إلى أن قائد «الدعم السريع» ألمح بشكل واضح، إلى أنه سيتجه إلى نقل الحرب إلى ولايات شمال البلاد، بدعوى أنها «تمثل الحواضن الاجتماعية لمركز ثقل الجيش السوداني وحلفائه من المجموعات الإسلامية».

بدوره، قال المتحدث باسم «تحالف القوى المدنية بشرق السودان»، صالح عمار، إن «خروج (حميدتي) للحديث في هذا التوقيت كان متوقعاً بعد الهجوم العسكري الذي شنه الجيش السوداني في عدة محاور».

وأضاف أن «مجمل الخطاب مؤشر نحو تصعيد الحرب واشتداد أوارها من جديد، خصوصاً انتهاء موسم الخريف الذي حد من قدرات (قوات الدعم السريع) على التوغل إلى بعض المناطق».

أرشيفية لـ«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)

وأشار إلى أن «التصعيد ضربة بداية لموجة جديدة للحرب؛ إذ حاول قائد (الدعم السريع) تقديم مبررات للشعب السوداني والعالم، بأن قادة الإسلاميين المتحالفين مع الجيش هم وراء إشعال وإطالة أمد الحرب، وأن قواته تدافع عن نفسها».

وذكر عمار أن «البلاد في حاجة قصوى إلى وقف لإطلاق النار وعملية سياسية، وليس تصعيداً جديداً يتضرر منه ملايين السودانيين، وهو ما حتم على السودانيين جميعاً التوحد ضد الحرب، في مقابل أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل وسريع لوقف الموجة الجديدة من القتال التي قد تؤدي إلى المزيد من الانتهاكات وتفاقم الأوضاع الإنسانية خلال المرحلة المقبلة».