عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

عقبات عديدة على مدار عام حاصرت جهود الوسطاء خلال مساعيهم لوقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء أطول حرب بين إسرائيل و«حماس» التي بدأت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولا تزال مستمرة، وسط ترقب لانفراجة تنهي الأزمة التي طالت شظاياها دول أخرى في المنطقة، ومخاوف من اتساعها لحرب إقليمية.

الوساطة التي بدأت مع الساعات الأولى للحرب، تراوح مكانها منذ عدة أسابيع مع استمرار «التعنت الإسرائيلي»، ورغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في استمرار الحرب التي حوّلت مساحات شاسعة من القطاع الفلسطيني المحاصر إلى ركام.

وبحسب رصد «الشرق الأوسط» واجهت جهود الوسطاء عدة «تعقيدات» على مدار العام أبرزها، تمسك «حماس» في الأشهر الأولى من المفاوضات بوقف دائم لإطلاق النار، بجانب إصرار نتنياهو على السيطرة على «محور فيلادليفا» والجانب الفلسطيني من معبر رفح المتاخمين لحدود مصر بخلاف الرغبة المصرية، فضلاً على وضع شروط بخصوص عودة النازحين من الجنوب للشمال لم تقبلها «حماس».

تلك العقبات التي لم تحلها 4 مقترحات رئيسية قدمها الوسطاء على مدار عام، يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها قادت إلى «مسار معقد» بسبب تراخٍ أميركي في الضغط على نتنياهو. وتوقع الخبراء أن تستمر الأزمة بانتظار ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

دبابة إسرائيلية تعمل بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة (رويترز)

وبعد أن تسلمت إسرائيل 109 من رهائن كانوا لدى «حماس» بموجب هدنة أبرمها الوسطاء في 24 نوفمبر 2024 استمرت أسبوعاً، قلب نتنياهو الطاولة وعاد للحرب، «وكان كلما يقترب (الوسطاء) من اتفاق في غزة يواجهون سياسات إسرائيلية استفزازية لا تستهدف سوى مزيد من التصعيد»، وفق تصريحات صحافية لوزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، قبل شهر.

ومع قرب إبرام اتفاق تهدئة ثانٍ خلال محادثات شهدتها باريس في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، رفض نتنياهو الاتفاق بدعوى «وجود فجوات كبيرة» لم يحددها، وفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية وقتها، قبل أن يعتبر مطالب «حماس» «وهمية وغير جادة في حل وسط»، وذلك عقب مفاوضات استضافتها القاهرة في 13 فبراير (شباط) الماضي. كما لم تسفر محادثات «باريس 2» في نهاية فبراير الماضي، عن جديد، مع حديث إذاعة الجيش الإسرائيلي عن أن «(حماس) بعيدة عما ترغب إسرائيل بقبوله»، وكذلك لم تصل مفاوضات بالدوحة في 18 مارس (آذار) الماضي، لانفراجة، وتكرر التعثر في محادثات القاهرة في 7 أبريل (نيسان) 2024، مع تمسك «حماس» بوقف إطلاق دائم لإطلاق النار قبل إبرام أي تهدئة.

وباعتقاد الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، فإن «نتنياهو كان واضحاً منذ الشهور الأولى، في عرقلة المفاوضات تحت أي ذريعة، غير عابئ بوساطة واشنطن»، لافتاً إلى أن عدم الضغط الحقيقي من إدارة بايدن شجعه على الاستمرار في إشعال الحرب.

رد فعل فتاة فلسطينية بعد غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين قرب مخيم جباليا (أ.ف.ب)

ويتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، والمحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، قائلاً: «ما أوصلنا لهذا المسار المعقد، هو التراخي الأميركي في الضغط على نتنياهو، الذي حرص على مواصلة الحرب لضمان البقاء السياسي، مما جعل التوصل لاتفاق صعباً، لا سيما بالأشهر الأولى».

وكان مايو (أيار) الماضي الأقرب لإبرام اتفاق، مع طرح الوسيط المصري مقترحاً يفضي لوقف دائم لإطلاق النار، غير أن نتنياهو هدد باجتياح رفح الفلسطينية، ومع قبول «حماس» بالمقترح المصري في الـ6 من الشهر ذاته، وحديث الرئاسة المصرية عن «تطورات إيجابية»، نفذ نتنياهو تهديده، واتهمته الدوحة في 14 من الشهر ذاته بـ«إدخال المفاوضات في طريق مسدود».

وعاد مسار المفاوضات سريعاً في 31 مايو الماضي بإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن خريطة طريق لوقف كامل وتام لإطلاق النار، وسط ترحيب من «حماس»، وتمسك نتنياهو باستمرار الحرب.

وتحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في أغسطس (آب) الماضي، عن أنها اطلعت على وثائق غير منشورة تظهر أن نتنياهو «يعرقل المفاوضات ووضع شروطاً جديدة قبل انعقاد محادثات روما، منها السيطرة على (محور فيلادلفيا)»، بينما نفى مكتب نتنياهو ذلك، وأرسل وفداً في محادثات استضافتها الدوحة في 16 من الشهر ذاته، أسفرت عن تقديم واشنطن مقترحاً جديداً بهدف سد الفجوات المتبقية، على أن تبحث في جولة بالقاهرة، ولم تذهب هي الأخرى لانفراجة.

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم نور شمس للاجئين بالقرب من مدينة طولكرم بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

وكانت تلك الشهور الأخرى، بحسب أنور، «دليلاً جديداً للتأكيد على مواصلة حكومة نتنياهو إفساد المفاوضات وانتهاج سياسة حافة الهاوية»، و«نتيجة تلك السياسة الإسرائيلية، تزايدت العقبات أمام التوصل لاتفاق»، وفق الرقب.

وأمام كل هذه المعوقات كان الدوران المصري والقطري بالمقابل يتمسكان باستمرار المفاوضات، وفق تأكيد وزير الخارجية المصري، في كلمة بالأمم المتحدة أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي تصريحات صحافية لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قبل أيام.

هذا التمسك بمواصلة المفاوضات، لا سيما من الوسيطين المصري والقطري، يعني أن «هناك ترقباً لانفراجة قد تأتي مع رفض جبهة لبنان فصل غزة عن أي اتفاق أو تسوية قد تتم، ومع تزايد الضغوط على نتنياهو لمنع اتساع الحرب»، بحسب أنور، الذي أشار إلى أن «فرص الانفراجة الكبرى ستكون بعد انتهاء الانتخابات الأميركية».

في المقابل، يعتقد الرقب أن فرص عقد اتفاق بغزة قبل الانتخابات الأميركية لا تتجاوز 10 في المائة، مع سعي نتنياهو للبقاء في «محور فيلادلفيا»، مرجحاً أن «تستمر الحرب عاماً جديداً حتى لو وصل رئيس أميركي جديد للحكم».


مقالات ذات صلة

غزة بعد عام من الحرب... إعادة الإعمار قد تستغرق عقوداً من الزمن

المشرق العربي جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب)

غزة بعد عام من الحرب... إعادة الإعمار قد تستغرق عقوداً من الزمن

تحول قطاع غزة إلى خراب مع مرور الذكرى السنوية الأولى لهجوم حركة «حماس» على جنوب إسرائيل الذي أشعل شرارة الحرب.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي إطلاق صواريخ من قطاع غزة خلال تدريبات عسكرية قبل هجوم السابع من أكتوبر 2023 («كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

إصابة إسرائيليتين جراء قصف «كتائب القسام» تل أبيب في ذكرى هجوم السابع من أكتوبر

قالت قيادة الجبهة الداخلية بالجيش الإسرائيلي إن صفارات الإنذار دوّت بتل أبيب، اليوم الاثنين، في الذكرى السنوية الأولى لهجوم حركة «حماس» على جنوب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي القيادي بحركة «حماس» خالد مشعل (وسط الصورة) خلال كلمة له في الدوحة (رويترز - أرشيفية)

خالد مشعل: السابع من أكتوبر أعاد إسرائيل إلى «نقطة الصفر»

قال خالد مشعل، رئيس حركة «حماس» في الخارج، إن هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 «جاء نتيجة تصاعد جرائم التنكيل بالأسرى، وزيادة التضييق على الفلسطينيين».

«الشرق الأوسط» (كوالالمبور)
المشرق العربي الفلسطينية إيناس أبو معمر تحمل جثة ابنة أخيها سالي التي قُتلت في غارة إسرائيلية في 17 أكتوبر 2023 (يسار) وعلى اليمن تجلس إيناس وسط الدمار في خان يونس بقطاع غزة (رويترز)

صورتها لاقت اهتماماً عالمياً... ذكريات حزينة تلاحق امرأة من غزة

استحوذت صورة إيناس أبو معمر على اهتماماً عالمياً في خضم الحرب الإسرائيلية على غزة.

«الشرق الأوسط» (خان يونس (غزة))
أوروبا أقارب وأصدقاء بموقع حفل نوفا في الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر بتل أبيب (د.ب.أ)

تضامن غربي مع إسرائيل في ذكرى «طوفان الأقصى»

عبّر كثير من زعماء أوروبا والغرب عن تضامنهم مع إسرائيل مع حلول الذكرى السنوية الأولى لهجوم «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

«الشرق الأوسط» (فرنسا)

مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في دارفور

دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
TT

مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في دارفور

دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)

لقي أكثر من 60 شخصاً مصرعهم، وأُصيب أكثر من 250 مدنياً، جرّاء قصف الطيران الحربي السوداني لمنطقة الكومة بولاية شمال دارفور، في عملية وصفها مراقبون بأنها «أكبر المجازر» ضد المدنيين، ارتكبها الطيران المقاتل التابع الجيش السوداني منذ بدء الحرب. وفي غضون ذلك لقي العشرات مصرعهم في غارات جوية أخرى استهدفت مناطق مليط وود أبو صالح شمال ولاية شمال دارفور، وأم ضوا بان بالخرطوم، وسط مطالبات بفرض حظر على الطيران العسكري التابع للجيش السوداني.

وقال شهود تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» هاتفياً من مليط، إن الطيران الحربي، التابع للجيش السوداني، استهدف سوق منطقة الكومة صبيحة الجمعة، وألقى عدداً من «البراميل المتفجرة»؛ مما أدى إلى إحراق السوق بشكل واسع، وقُتل جرّاء الغارة الجوية أكثر من 60 شخصاً، وجُرح أكثر من 250 مدنياً، جراح بعضهم خطيرة؛ إذ كانوا يرتادون «سوق الجمعة»، في حين ينتظر أن يتزايد عدد القتلى تباعاً بين الجرحى، بسبب عدم وجود الرعاية الصحية والطبية.

ووصف شهود ما حدث في منطقة الكومة بأنها «مجزرة» غير معهودة، استهدفت عن قصد المدنيين المقيمين هناك، بسبب عدم وجود أي مشاهد أو تمركزات لـ«قوات الدعم السريع» في السوق المكتظة بالمدنيين، وقالوا إن السوق «كانت تشهد نشاطاً طبيعياً عندما استهدفها القصف الجوي فجأة ودون سابق إنذار؛ مما أسفر عن دمار واسع فيها، في حين تناثرت جثث القتلى في أرجائها».

وفي مدينة مليط، قال شهود عيان إن الطيران الحربي استهدف، الجمعة، أيضاً «حفل عرس»؛ ما أدى إلى مقتل نحو 13 شخصاً وجُرح آخرون، في عملية وُصفت هي الأخرى بأنها استهداف للمدنيين، حيث لا توجد عناصر لـ«قوات الدعم السريع» في المكان.

ويؤكد قادة الجيش دائماً أن العمليات الحربية الجوية تستهدف «قوات الدعم السريع»، لكن النشطاء وشهود عيان ينفون وجود هذه القوات، في حين تتصاعد دعوات بين مؤيدي الجيش وأنصاره من الإسلاميين وكتائبهم إلى استهداف ما يسمونه «الحواضن الاجتماعية» لـ«قوات الدعم السريع»؛ انتقاماً من انتهاكاته بوسط وشمال البلاد.

ونشر نشطاء على وسائط التواصل الاجتماعي قوائم بأسماء الضحايا، من النساء والأطفال وكبار السن، الذين كانوا يمارسون التسوق أو يعرضون سلعهم للبيع في السوق الأسبوعية، وبينهم زوجة وابنة شقيق عضو «مجلس السيادة الانتقالي» ومساعد قائد الجيش إبراهيم جابر.

ووجّهت قوى سياسية وحركات مسلحة وتنظيمات حقوقية انتقادات حادة لتصعيد العمليات الجوية للجيش السوداني في إقليم دارفور خصوصاً، وطالبت بفرض حظر للطيران الحربي في الإقليم. وقالت «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) في بيان، السبت، إن سوق مدينة الكومة شهدت انتهاكاً مريعاً بحق المدنيين، جرّاء قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني؛ مما أدى إلى إزهاق أرواح عشرات القتلى ومئات الجرحى من الذين تصادف وجودهم في أثناء الغارة الجوية.

كما نددت «تقدم» بغارات جوية استهدفت مناطق أم ضو بان بالخرطوم، وود أبو صالح ومليط بولاية شمال دارفور، نتج عنها مقتل العشرات من المدنيين وجرح المئات.

وأبدت «تقدم» أسفها لما أطلقت عليه «استمرار الانتهاكات على المدنيين، وتكرارها بشكل ممنهج في مختلف أنحاء السودان»، ودعت إلى التذكير بـ«إعلان جدة الإنساني» الذي شدد على التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين والأعيان المدنية والأهداف العسكرية، والامتناع عن أي هجوم يُتوقع أن يسبب أضراراً مدنية عرضية مفرطة، مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة. ودعت طرفي القتال إلى حقن دماء السودانيين والانخراط فوراً في مفاوضات لوقف الحرب.

من جهتها، وصفت القوى المدنية الدارفورية الغارة الجوية بأنها «واحدة من أبشع جرائم الحرب»، وقالت إن الطيران الحربي قصف مدينتي الكومة ومليط بوابل من الصواريخ والبراميل المتفجرة، والأسلحة المحرمة دولياً، مستهدفاً مناطق «مأهولة جداً بالسكان المدنيين»؛ مما خلّف عشرات القتلى والجرحى، إلى جانب قصف تجمع مدني في «سرادق عزاء» بمدينة مليط، راح ضحيته أكثر من 100 قتيل.

وناشد التجمع المدني المنظمات الحقوقية والإنسانية التدخل السريع والحاسم؛ لوضع حد لما سمّاه «جرائم جماعات الهوس الديني وطيران جيش الفلول، الذي بات سجله متخماً بالمذابح في حق مدنيين أبرياء وعلى حين غرة»، مندداً بصمت المجتمع الدولي والأمم المتحدة حيال الجرائم التي يرتكبونها، ومطالباً الأسرة الدولية بفرض حظر على الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، «الذي ظلّ يحصد أرواح المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء»، وفقاً للبيان.