فتح مكاتب الاقتراع للانتخابات الرئاسية التونسية في الخارج

حرمان شبكة «مراقبون» من مراقبة يوم الاقتراع للمرة الأولى منذ عام 2011

تونسية تدلي بصوتها في أحد مراكز الاقتراع في الخارج (رويترز)
تونسية تدلي بصوتها في أحد مراكز الاقتراع في الخارج (رويترز)
TT

فتح مكاتب الاقتراع للانتخابات الرئاسية التونسية في الخارج

تونسية تدلي بصوتها في أحد مراكز الاقتراع في الخارج (رويترز)
تونسية تدلي بصوتها في أحد مراكز الاقتراع في الخارج (رويترز)

بدأ أفراد الجاليات التونسية في الخارج، صباح اليوم (الجمعة)، التوجه إلى مراكز الاقتراع للتصويت في الانتخابات الرئاسية المقررة بعد غدٍ الأحد. وفتحت أغلب مكاتب الاقتراع، البالغ عددها أكثر من 400 مركز، أبوابها في 59 بلداً، بينما سيفتح آخر مكتب في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأميركية، ظهر اليوم، الساعة الثالثة بتوقيت غرينتش. ويحق لأكثر من 640 ألف ناخب مسجل الاقتراع من بين نحو مليون و800 ألف تونسي يعيشون في الخارج، أغلبهم في الدول الأوروبية. وتستمر عملية الاقتراع حتى بعد غدٍ الأحد، تاريخ انطلاق الاقتراع داخل تونس.

ويتنافس الرئيس المنتهية ولايته، قيس سعيّد، الساعي إلى ولاية ثانية، في هذا الاقتراع الرئاسي مع زهير المغزاوي رئيس «حركة الشعب»، الممثلة في البرلمان، والعياشي زمال رئيس «حركة عازمون»، الموقوف في السجن منذ أكثر من شهر في قضايا انتخابية تتعلق بافتعال تزكيات من الناخبين.

الرئيس قيس سعيّد أبرز المرشحين للفوز بالمنصب الرئاسي (أ.ف.ب)

لكن هذه الانتخابات تعرف جدلاً كبيراً منذ عدة أسابيع، وذلك بسبب ما عدته الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني «إقصاءً ممنهجاً لمرشحين قادرين على منافسة الرئيس سعيّد بقوة، وتعبيد الطريق أمام الرئيس الحالي للفوز بسهولة في هذه الانتخابات».

في هذا السياق، أعلنت شبكة «مراقبون» بأسف شديد أنها لن تتمكن من ملاحظة يوم الاقتراع للانتخابات الرئاسية، وذلك لأول مرة منذ تأسيسها في عام 2011، نتيجة رفض الهيئة العليا المستقلة للانتخابات منحها الاعتمادات اللازمة، رغم تقديم مطالبها في الموعد المحدد منذ 29 يوليو (تموز) الماضي، وفق بلاغ أصدرته، الخميس.

وذكّرت «مراقبون» أنها تقدمت بطعن لدى المحكمة الإدارية؛ تظلُّماً من قرار الهيئة المتعلق بعدم منحها اعتمادات الملاحظة، مؤكدة أنها حرصت على تقديم كل تقاريرها المالية والإدارية للجهات المختصة في الآجال القانونية، التزاماً بمسؤولياتها واحتراماً للقانون. وعدت حرمانها من حقها في ملاحظة انتخابات السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي «يشكل تعدياً واضحاً على دورها الوطني كونها مكسباً للشعب التونسي، وهو الدور الذي طالما اضطلعت به منذ الثورة»، والذي قالت إنها سعت من خلاله إلى «تعزيز مصداقية وشفافية جميع المحطات الانتخابية».

تونسي يمر بالقرب من حائط وسط العاصمة عليه لافتات المرشح قيس سعيّد (رويترز)

وأوضحت شبكة «مراقبون» أن مثل هذه الممارسات والتضييقات تضر بشكل مباشر بشفافية العملية الانتخابية، التي تعد أحد أهم ضمانات العملية الديمقراطية وفق البلاغ ذاته.

وعلاوة على ذلك، ليس من المؤكد بعدُ إجراء مناظرة تلفزيونية بين مرشحي الانتخابات الرئاسية في تونس، في ظل وجود المرشح العياشي زمال في السجن، وغموض موقف الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد. ويتضمن برنامج تغطية التلفزيون الرسمي للانتخابات الرئاسية من بين فقراته، إلى جانب حصص التعبير الحر، مناظرة تلفزيونية بين المرشحين الثلاثة، الذين أقرت ترشحاتهم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. لكن لا توجد تأكيدات رسمية لهذا التقليد الجديد في تونس، وغير المسبوق في المنطقة العربية، بمناسبة انتخابات 2024.

والأسبوع الماضي، ندّد الاتحاد الأوروبي بإجراءات مناهضة للديمقراطية اتخذتها السلطات التونسية أخيراً بتوقيفها مرشحاً للرئاسة، وإقصائها ثلاثة مرشحين آخرين.

وقالت متحدثة باسم الدبلوماسية الأوروبية، في بيان، إنّ «التطورات الأخيرة تظهر استمرار تقييد الفضاء الديمقراطي في تونس»، مضيفة أنّ «سيادة القانون واحترام الفصل بين السلطات هما في صميم القيم الديمقراطية، وكذلك الحقوق الانتخابية والحق بمحاكمة عادلة». وقبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية، أعرب الاتحاد الأوروبي عن «أسفه» للقرار الذي اتّخذته السلطات الانتخابية وأدى، وفق بروكسل، إلى «الحدّ من نطاق الخيارات أمام المواطنين التونسيين».

وأضاف البيان أنّ «هذا القرار يأتي علاوة على اعتقال شخصيات سياسية في الأسابيع الأخيرة وحبسهم، بما في ذلك بعض المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية».



مع اقتراب الانتخابات التونسية... معارضون يرسمون مشهداً حقوقياً قاتماً في البلاد

معارضون وقضاة في مظاهرة ضد ترشح الرئيس قيس سعيد وسط العاصمة (أ.ف.ب)
معارضون وقضاة في مظاهرة ضد ترشح الرئيس قيس سعيد وسط العاصمة (أ.ف.ب)
TT

مع اقتراب الانتخابات التونسية... معارضون يرسمون مشهداً حقوقياً قاتماً في البلاد

معارضون وقضاة في مظاهرة ضد ترشح الرئيس قيس سعيد وسط العاصمة (أ.ف.ب)
معارضون وقضاة في مظاهرة ضد ترشح الرئيس قيس سعيد وسط العاصمة (أ.ف.ب)

جمعيات ممنوعة من مراقبة الانتخابات، ومعارضون خلف القضبان، وصحافة وقضاء في خدمة السياسة... هكذا تصف منظمات حقوقية غير حكومية تونسية وأجنبية مناخ الحقوق والحريات في تونس قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة بعد غد (الأحد).

المعارضة تتهم الرئيس قيس سعيد بـ«التضييق على الصحافة وخنق الحريات» (رويترز)

ويرسم رئيس «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان»، بسام الطريفي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» مشهداً حقوقياً قاتماً في البلاد، مستنكراً «التضييق على الصحافة الحرّة والمستقلة، مع وجود صحافيين في السجون بسبب آرائهم، وتوظيف العدالة لاستبعاد المرشحين والسياسيين والناشطين». ويؤكد أنه مع وجود وضع «مخيف وكارثي» لحقوق الإنسان، «يمكننا القول إن الانتخابات الرئاسية لن تكون ديمقراطية ولا شفافة».

خطوة غير مسبوقة

رفضت «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات»، وفي خطوة غير مسبوقة منذ ثورة 2011، اعتماد منظمتي «أنا يقظ» و«مراقبون» لمراقبة سير العملية الانتخابية، علماً بأن هاتين الجمعيتين التونسيتين دأبتا على مراقبة الانتخابات منذ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، ودخول البلاد في عملية الانتقال الديمقراطي.

وتتهم الهيئة، التي لم تستجب لطلب الردّ على أسئلة «وكالة الصحافة الفرنسية»، المنظمتين بالحصول على «تمويلات أجنبية مشبوهة». وأقرّت منظمة «أنا يقظ» بتلقّي مساعدات خارجية، لكن «في إطار القانون ومن جهات مانحة تعترف بها الدولة التونسية، مثل الاتحاد الأوروبي»، وفق ما أوضح أحد مديريها سهيب الفرشيشي للوكالة.

لافتة عليها صورة المرشح المعتقل العياشي زمال (إ.ب.أ)

يقول الفرشيشي: «الهيئة تتهمنا بعدم الحياد. ولا نعرف كيف»، مؤكداً أن منظمته «طلبت توضيحات من الهيئة، ولكن لم تحصل على أي إجابة». ونفت منظمة «مراقبون»، التي لم ترغب في التحدّث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، في بيان، الشكوك حول شفافية أموالها، وأكدت أن «مراقبتها تتم بنزاهة ودون الانحياز إلى أي طرف سياسي». وبالنسبة للطريفي، فإن «القرار التعسفي الذي اتخذته الهيئة» بشأن منظمتين غير حكوميتين معترف بهما «يوضح تقييد وتقلّص الفضاء المدني».

ويواجه الرئيس قيس سعيّد، المنتخب ديمقراطياً في سنة 2019، اتهامات من معارضيه والمدافعين عن الحقوق بـ«الانجراف السلطوي»، منذ أن قرّر في 25 يوليو (تموز) 2021، احتكار الصلاحيات الكاملة في البلاد.

وبهذا الخصوص، يقول الناطق الرسمي باسم «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، رمضان بن عمر، إن الرئيس سعيّد «يرفض أي جهة مستقلة أو منتقدة لمراقبة هذه الانتخابات»، مشيراً إلى أن «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تحوّلت إلى أداة لترسيخ هذه الرؤية بحجج وهمية، وهذا أمر خطير».

وفي الأشهر الأخيرة، أحكمت السلطات سيطرتها على مصادر التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية، وهددت باعتماد قانون لتقييدها. وفي منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، ندّد الرئيس سعيّد، من دون أن يسميها، بجمعيات تتلقى «مبالغ ضخمة» من الخارج «لها رغبة واضحة في التدخّل بالشؤون الداخلية لتونس».

خطوة إلى الوراء

وفقاً لبن عمر، فإن تونس «دخلت في مسار قمعي قد يؤدي خلال عام إلى اختفاء المنظمات المستقلة» من المجتمع المدني.

ومن جهته، يقول نائب رئيس «الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان»، ألكسيس ديسوايف، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن هناك «خطوة إلى الوراء» مع تركيز السلطات «في يد رجل واحد، يريد الاستغناء عن منظمات وسيطة».

ويتابع الخبير في شؤون تونس، الذي يسعى إلى دعم المجتمع المدني في تونس، إن سعيّد «همّش دور النقابات والمنظمات غير الحكومية، وأحزاب المعارضة والصحافيين»، مضيفاً: «لقد عملت هذه السلطة بشكل استراتيجي في فترة زمنية قصيرة إلى حدّ ما للعودة إلى نظام، يمكن وصفه بأنه ديكتاتوري»، قائلاً إنه «صُدم لرؤية الحريّات والحقوق الأساسية، مثل حرية التعبير تتعرّض للهجوم».

راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» المعتقل في السجن (أ.ف.ب)

وتمّ توقيف العشرات من المعارضين منذ عام 2023، بما في ذلك شخصيات مثل المحافظ الإسلامي راشد الغنوشي، أو الناشط السياسي جوهر بن مبارك، وغيرهما، بتهمة «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

كما سُجن كثير من الصحافيين منذ بداية عام 2024 على خلفية مواقف عدّت ناقدة للرئيس سعيّد، بموجب مرسوم مثير للجدل حول «الأخبار الزائفة».

وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في بيان الاثنين: «يُحتجز أكثر من 170 شخصاً في تونس لأسباب سياسية، أو لممارسة حقوقهم الأساسية».

مؤيدون لعبير موسي رئيسة «الدستوري الحر» يتظاهرون وسط العاصمة للمطالبة بإطلاق سراحها (إ.ب.أ)

ويخلص ديسوايف إلى أن «السلطة السياسية خلقت مناخاً من الخوف مع مجتمع مدني يكافح من أجل أداء وظيفته، وهناك غياب للضوابط والتوازنات، وبرلمان في اتفاق كامل مع الرئيس، وسلطة قضائية متدهورة، مع فصل القضاة أو نقلهم حال إصدارهم أحكاماً لا تروق» للسلطة القائمة.