أبرز المحطات في تونس منذ سقوط بن علي

علامات فارقة طبعت تاريخها الحديث بعد «ثورة الياسمين»

موظف يزيل صورة الرئيس الأسبق بن علي من واجهة إحدى البنايات الرسمية بعد فراره من البلد (أ.ف.ب)
موظف يزيل صورة الرئيس الأسبق بن علي من واجهة إحدى البنايات الرسمية بعد فراره من البلد (أ.ف.ب)
TT

أبرز المحطات في تونس منذ سقوط بن علي

موظف يزيل صورة الرئيس الأسبق بن علي من واجهة إحدى البنايات الرسمية بعد فراره من البلد (أ.ف.ب)
موظف يزيل صورة الرئيس الأسبق بن علي من واجهة إحدى البنايات الرسمية بعد فراره من البلد (أ.ف.ب)

شهدت تونس منذ ثورة 2011 محطات تاريخية وحاسمة طبعت تاريخها الحديث، فيما تستعد البلاد لخوض الانتخابات الرئاسية، المقرّرة الأحد المقبل، التي يعد الرئيس قيس سعيّد أوفر المحظوظين للفوز بها.

في 14 من يناير (كانون الثاني) 2011، فرّ الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي من البلاد، بعد 23 عاماً من الحكم بلا منازع، عقب انتفاضة شعبية أطلقها إضرام البائع المتجوّل محمد البوعزيزي النار في نفسه في 17 من ديسمبر(كانون الأول) عام 2010. وقد أوقعت ثورة الياسمين 338 قتيلاً وأكثر من 2100 جريح.

راشد الغنوشي (إ.ب.أ)

شهور قليلة بعد ذلك، وبالضبط في 23 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، فازت حركة النهضة الإسلامية، التي كانت محظورة خلال عهد بن علي، وباتت حزباً معترفاً به في مارس (آذار) 2011، بـ89 مقعداً من أصل 217 في المجلس التأسيسي في أول انتخابات حرة في تاريخ تونس.

منصف المرزوقي (موقع «فيسبوك»)

وفي ديسمبر 2011، انتخب المجلس، المنصف المرزوقي، الناشط اليساري المعارض لبن علي، رئيساً للجمهورية.

اغتيال معارضين

في السادس من فبراير (شباط) 2013، اغتيل المعارض اليساري شكري بلعيد في تونس العاصمة. وبعد ذلك بخمسة شهور، وبالضبط في 25 من يوليو (تموز) 2013، اغتيل المعارض القومي اليساري والنائب في البرلمان محمد البراهمي بالقرب من العاصمة. وتبنّى إسلاميون متطرفون الاغتيالين اللذين أثارا أزمة سياسية.

صورة مركبة للمعارض اليساري شكري بلعيد والمعارض القومي محمد البراهمي (الشرق الأوسط)

لكن البلاد عرفت بعد ذلك انتقالاً ديمقراطياً، بحسب مراقبين، إذ اعتمد البرلمان في 26 من يناير 2014، ثاني دستور للجمهورية التونسية، ثم شُكّلت حكومة تكنوقراط وانسحب الإسلاميون من الحكم. وفي 26 أكتوبر عام 2014، فاز حزب «نداء تونس» المناهض للإسلاميين، بقيادة الباجي قائد السبسي في الانتخابات التشريعية، متقدماً على «حركة النهضة»، ثم أصبح أول رئيس تونسي منتخب ديمقراطياً بالاقتراع العام في ديسمبر من العام نفسه.

اعتداءات داعشية

في عام 2015، تبنى تنظيم «داعش» المتشدد تنفيذ ثلاثة اعتداءات في تونس، خلفت عدداً من القتلى والجرحى، حيث قتل في 18 مارس 21 سائحاً أجنبياً وشرطياً تونسياً خلال الهجوم على متحف باردو في العاصمة. وفي 26 يونيو (حزيران)، أوقع اعتداء على فندق قرب مدينة سوسة (وسط شرقي البلاد) 38 قتيلاً، بينهم 30 بريطانياً، وفي 24 من نوفمبر (تشرين الثاني)، استهدف هجوم الحرس الرئاسي، ما أسفر عن 12 قتيلاً.

إجراءات أمنية مشددة في جزيرة جربة بعد تعرضها لهجوم إرهابي (أ.ف.ب)

بعد ذلك بشهور، وبالضبط في مارس عام 2016، هاجم عشرات المتشددين منشآت أمنية في بنقردان (جنوب شرقي البلاد)، ما أدّى إلى مقتل 13 عنصراً من قوات الأمن و7 مدنيين، والقضاء على عشرات المسلحين المتطرفين. لكن تحسّن الوضع الأمني في وقت لاحق، وبدأت السلطات تمدد حالة الطوارئ التي فرضت في 2015 بانتظام.

انتخاب سعيد

في يوليو 2019، توفي الرئيس السبسي عن عمر يناهز 92 عاماً، قبل أشهر قليلة من انتهاء ولايته. وفي السادس من أكتوبر، أصبح حزب النهضة أكبر الأحزاب تمثيلاً في البرلمان، بحصوله على ربع المقاعد، في ثالث انتخابات تشريعية منذ الثورة. لكنّه ظلّ بعيداً عن التمكن من تشكيل حكومة منفرداً.

الرئيس سعيّد يدلي بصوته بأحد مراكز العاصمة في انتخابات 2019 (أ.ف.ب)

وفي 13 من أكتوبر، انتُخب الجامعي المستقل قيس سعيّد، الذي قام بحملة مناهضة لبرامج الأحزاب التقليدية، رئيساً للبلاد، ثم قام بعد ذلك بتجميد أعمال البرلمان لمدة 30 يوماً، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه، بعد يوم من المظاهرات ضد القادة التونسيين.

وجاءت هذه القرارات على خلفية أزمة صحية خطيرة، مع توجيه انتقادات للحكومة بسبب سوء إدارتها لوباء كوفيد-19، وسجلت تونس التي يصل تعداد سكانها إلى 12 مليون نسمة، أكثر من 20 ألف حالة وفاة. وعدَّ حزب النهضة قرارات الرئيس سعيّد «انقلاباً على الدستور وعلى الثورة»، خصوصاً بعد أن حلّ سعيّد البرلمان نهائياً، وبعد أن نظّم نواب سابقون جلسة افتراضية عبر الإنترنت. وبعد شهر من ذلك حلّ «المجلس الأعلى للقضاء»، ثم قام في 22 أبريل 2022، بمنح نفسه سلطة تعيين رئيس «الهيئة العليا للانتخابات» وأعضائها.

أزمة مالية

في أكتوبر عام 2022، توصلت تونس إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة ملياري دولار مقابل إصلاحات لمواجهة أزمة مالية خطيرة. لكن الرئيس سعيّد رفض الإصلاحات الموصى بها، ووصفها بـ«الإملاءات»، ودعا في أبريل عام 2023 إلى استئناف نشاط إنتاج الفوسفات المتعثر للاستغناء عن هذه القروض. كما تراجع الإنتاج الزراعي متأثراً بالجفاف للسنة السادسة على التوالي. وفي فبراير عام 2023، دعا الرئيس سعيّد في خطاب شديد اللهجة، إلى «اتخاذ إجراءات عاجلة» ضد «جحافل المهاجرين غير القانونيين من جنوب الصحراء»، الذين يصلون إلى تونس، واصفاً وجودهم بأنه مصدر «للعنف والجرائم». وعلى إثر ذلك، تعرّض العشرات من المهاجرين لحملات مناهضة لهم، وتم إجلاء المئات الذين طردوا من وظائفهم ومساكنهم، بشكل عاجل من جانب دولهم.

توقيف أبرز المعارضين

في 15 مايو عام 2023، حكم على زعيم حزب «النهضة» راشد الغنوشي، الذي يعد أبرز المعارضين للرئيس سعيّد، بالسجن لمدة عام بتهمة «تمجيد الإرهاب»، وتم تشديد الحكم إلى 15 شهراً عند الاستئناف في أكتوبر 2023. وفي بداية فبراير 2024، حُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة «التمويل الأجنبي». وخلال عام 2023 انتظمت انتخابات تشريعية لبرلمان بصلاحيات محدودة لم تتجاوز فيها نسبة المشاركة 12 في المائة.

المتهمون بالتآمر ضد أمن الدولة (الموقع الرسمي لغازي الشواشي)

في 19 يوليو الماضي، أعلن الرئيس سعيّد ترشحه لولاية ثانية. وفي 8 أغسطس الماضي، أقال رئيس الوزراء أحمد الحشاني، وعيّن مكانه وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدّوري، كما غيّر غالبية التركيبة الحكومية. بعد ذلك بشهر واحد، وبالضبط في 2 سبتمبر الماضي، أقرّت الهيئة الانتخابية 3 مرشحين للرئاسية، يتقدمهم قيس سعيّد.



بعد 6 سنوات من الجفاف... المغاربة يروون عطشهم من مياه البحر

أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)
أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)
TT

بعد 6 سنوات من الجفاف... المغاربة يروون عطشهم من مياه البحر

أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)
أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)

في قرية سيدي بوشتة المغربية لم يتوقَّع السكان الذين يعيشون على صيد السمك يوماً أنهم سيروون عطشهم بمياه المحيط الأطلسي بعد تحليتها بفضل محطات متنقلة، في تقنية باتت أساسية لمواجهة جفاف مزمن. بالقرب من هذه القرية الواقعة في محافظة آسفي وسط البلاد الغربي.

القصة بدأت عندما أُقيمت منشأة متنقلة صغيرة مؤلفة من صهريجين وحاويتين فوق رمال شاطئ رأس بدوزة تعمل على تحلية المياه لتوزع على نحو 45 ألفاً من سكان القرى المجاورة.

عمال يملأون حاويات شاحنات بالمياه المحلاة (أ.ف.ب)

وبينما تعتمد مدن ساحلية عدة، منذ عام 2022، على مصانع التحلية التقليدية لتلبية احتياجاتها كلياً، أو جزئياً، من مياه الشرب، لجأت السلطات إلى هذه المحطات الصغيرة المتنقلة، التي «مكَّنت من تفادي الأسوأ»، بحسب تصريح مدير الوكالة المحلية لتوزيع الماء والكهرباء ياسين الملياري لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

فرج بعد 6 سنوات من الانتظار

بعد 6 سنوات متتالية من الجفاف، لم يعد سد المسيرة، الواقع على بُعد نحو 220 كيلومتراً، شمال آسفي، قادراً على تلبية حاجات المنطقة من مياه الشرب، على غرار كل سدود البلاد، التي لا يتجاوز مخزونها معدل 28 في المائة. وإزاء هذا الإجهاد المائي الحاد، جهزت السلطات 44 محطة تحلية متنقلة، ابتداءً من أبريل (نيسان) 2023، بينما ثمة 219 أخرى في طور الإعداد، لتلبية حاجات نحو 3 ملايين من سكان الأرياف، وفق معطيات رسمية.

صورة لأحد مصانع تحلية المياه التقليدية في مجدينة آسفي (أ.ف.ب)

يقول الملياري إنه يمكن لهذه المحطات الصغيرة إنتاج 360 إلى 3600 متر مكعب يومياً من المياه؛ ما يجعلها «الحل الأفضل لسهولة تركيبها وإمكانية نقلها»، مشدداً أيضاً على تكلفتها المنخفضة التي تقارب 1.3 مليون دولار في المتوسط للوحدة.

«لم نتخيل ذلك»

في غفلة من المصطافين، تُضخ مياه البحر من شاطئ رأس بدوزة، وتُخضع للمعالجة، قبل أن تُضاف إليها المعادن الضرورية، ثم تُنقَل بعد ذلك في صهاريج لتوزع على سكان القرى المحتاجة «يومياً بالمجان في مجال يصل حتى 180 كيلومتراً»، على ما يؤكد الملياري.

يقول الصياد المتقاعد خير حسن (البالغ 74 عاماً): «حتى وقت قريب كان سكان قرية سيدي بوشتة يعتمدون على المياه الجوفية، لكنها نضبت مؤخراً... ولم نشهد مثل هذا الوضع منذ الثمانينات».

أسرة مغربية في رحلة يومية للتزود بالمياه المحلاة في قرية سيدي بوشتة (أ.ف.ب)

ويضيف كريم البالغ 27 سنة، وهو الآخر صياد سمك: «كنا نسمع أن مدناً أخرى تعتمد على مياه البحر، لكننا لم نكن نتخيل أننا سنلجأ إليها أيضاً». وقد أتى كريم رفقة عدد من سكان القرية الصغيرة إلى باحة المسجد؛ حيث وُضع خزانٌ بلاستيكي تُفرَغ فيه المياه المحلاة، ليأخذ حاجته. هنا يبدو الوضع أقل سوءاً مقارنة مع قرى أخرى نائية؛ حيث نقلت وسائل إعلام محلية معاناة قرويين من ندرة المياه خلال الصيف.

بينما تنذر التوقعات عموماً باستمرار الجفاف في أفق عام 2050، حيث يرتقب تراجع الأمطار بمعدل 11 في المائة، وارتفاع درجات الحرارة (+ 1.3 درجات)، وفق دراسة لوزارة الزراعة.

إنقاذ الزراعة

يعوِّل المغرب على مياه البحر أيضاً لإنقاذ الزراعة، التي خصص لها عام 2023 نحو 25 في المائة من المياه المحلاة في 12 محطة، وفق وزارة التجهيز والماء.

ويستهلك هذا القطاع أكثر من 80 في المائة من موارد البلاد المائية، ويوظف ثلث اليد العاملة النشطة. لكن الأولوية تعطى لتوفير مياه الشرب، بعدما واجهت مدن بأكملها خطر العطش، مثل آسفي، التي انقطع ربطها بسد المسيرة، ثاني أكبر سدود البلاد؛ حيث تراجع مخزون السد «من 75 في المائة، عام 2017، إلى 0.4 في المائة حالياً»، بحسب المسؤول في محطة التحلية التابعة للمكتب الشريف للفوسفات (رسمي)، عبد الغني آيت باحسو.

عملية شحن المياه المحلاة في صهاريج الشاحنات لحملها للسكان (أ.ف.ب)

وإزاء الخطر المحدّق، لجأت السلطات إلى رائد الفوسفات العالمي، الذي يستغل مصانع في المنطقة، لبناء محطة تحلية. وبهذا الخصوص يقول باحسو: «في ظرف وجيز... أصبحنا في سباق مع الزمن منذ 2022، وبدأ تزويد المدينة تدريجياً بالماء الشروب منذ أغسطس (آب) 2023. وبشكل تام، ابتداءً من فبراير (شباط)»، من العام ذاته.

ويُرتقَب توسعة المحطة لتزويد عاصمة السياحة مراكش (150 كيلومتراً شرقاً) ونواحيها، في أفق عام 2026. وبحسب معطيات رسمية، فقد بدأ بناء 6 محطات جديدة، أبرزها بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، في حين يُرتقَب الشروع في إنشاء 8 أخرى، بينها محطة بالرباط. علماً بأن العاصمة تفادت خطر العطش بفضل «طريق الماء»، وهي قناة بُنيَت على امتداد 67 كيلومتراً، تنقل المياه من منطقة سبو الماطرة شمالاً، منذ سبتمبر (أيلول) الماضي.

عملية تحلية المياه داخل مصنع الفوسفاط في آسفي (أ.ف.ب)

ورغم أن بعض سكان سيدي بوشتة يجدون مياه البحر المحلاة أقل عذوبة من مياه الينابيع، فإن حدة التقلبات المناخية تجعلها خياراً استراتيجياً في المغرب، الذي له واجهتان بحريتان شاسعتان. وقد أعلن الملك محمد السادس في خطاب مؤخراً أن المغرب يعول عليها لتوفير «أكثر من 1.7 مليار متر مكعب سنوياً»، و«تغطية أكثر من نصف حاجياته من الماء الصالح للشرب»، و«سقي مساحات فلاحية كبرى»، في أفق 2030.