ما فرص ليبيا في استعادة أموالها المجمدة بالخارج؟

«الوحدة» تسعى للمشاركة في إدارتها... و«الاستقرار» ترفض

اجتماع سابق يجمع المنفي والدبيبة ونائبه اللافي وخالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة (الديوان)
اجتماع سابق يجمع المنفي والدبيبة ونائبه اللافي وخالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة (الديوان)
TT

ما فرص ليبيا في استعادة أموالها المجمدة بالخارج؟

اجتماع سابق يجمع المنفي والدبيبة ونائبه اللافي وخالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة (الديوان)
اجتماع سابق يجمع المنفي والدبيبة ونائبه اللافي وخالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة (الديوان)

أعادت حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ملف الأموال المجمّدة بالخارج إلى دائرة الضوء مجدداً، وذلك بالحديث عن سعيها دولياً للمشاركة في إدارتها، فيما ترى غريمتها بشرق البلاد بقيادة أسامة حمّاد، أنه «ليس من حقها الاضطلاع بهذا الملف» لكونها حكومة «منتهية الولاية».

وتبذل حكومة «الوحدة» جهوداً في المحافل الدولية لحلحلة أزمة تجميد الثروة الليبية المجمدة منذ إسقاط نظام القذافي، أو الإشراف على إدارتها، لكن جبهة شرق ليبيا تتمسك بإبعاد الدبيبة عن هذه الأرصدة راهناً، الأمر الذي يطرح تساؤلاً عن فرص استعادة هذه الأموال راهناً في ظل الصراع السياسي.

القائم بأعمال وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة»، طاهر الباعور، قال إن وزارته «تعمل على الوصول إلى اتفاق مع المجتمع الدولي لإنشاء رقابة مشتركة لإدارة الأموال المجمّدة باعتباره حقاً للدولة الليبية».

في المقابل، عدّ مصدر مقرّب من حكومة حمّاد، تحرك سلطات طرابلس على مسار إنهاء الحظر المفروض على الأموال المجمدة أو السعي لمباشرة إدارتها في الخارج «عبثاً إضافياً»، واتهمها بـ«ارتكاب تجاوزات كبيرة في حق المال العام»، منذ أن تسلمت السلطة في فبراير (شباط) 2021.

وتحدث لـ«الشرق الأوسط» عما أسماه بـ«تآكل الأرصدة الليبية» خلال السنوات الماضية، وقال: «لم يعد منها إلا القليل»، وأرجع ذلك لـ«الخلافات والتمسك بالسلطة والتهرب من إجراء انتخابات تأتي برئيس موحّد للبلاد؛ مما يحول دون تمكن فصيل سياسي منها».

المنفي يترأس اجتماعاً سابقاً بمقر حكومة «الوحدة» بحضور الدبيبة والصديق الكبير المحافظ المقال (الحكومة)

وسبق أن اتهم الدبيبة بلجيكا بـ«محاولة الاستيلاء على أموال ليبيا المجمّدة لديها»، وقال: «لدينا مشكلة مع دولة بلجيكا، في الحقيقة بلجيكا الدولة التي نعتبرها متقدمة، تطمع في أموال الليبيين الموجودة لديها، وأعلنها بشكل رسمي، السلطات في بلجيكا تقوم بمحاولة جديدة للاستيلاء على أموال ليبيا».

وتدفع الأموال والأصول الليبية، المجمّدة في الخارج بدول عدة، ضريبة الانقسام السياسي في البلاد. فمنذ عام 2017 لم تتوافق السلطة المنقسمة في ليبيا على مطالبة مجلس الأمن الدولي برفع الحظر عن هذه الأموال، في ظل محاولات من شركات دولية الاستيلاء على بعضها بدعوى «تعويض خسائرها عما لحق بها في ليبيا بعد عام 2011».

فأمام تحركات حكومة «الوحدة» حيال هذا الملف، تحذّر غريمتها بشرق ليبيا «من أي تصرف في هذه الأموال». وسبق أن بحث حمّاد مجموعة من الإجراءات، مع أعضاء لجنة الحراسة القضائية على أموال وأصول وإيرادات المؤسسة الليبية للاستثمار. ونبهت الحكومة إلى أن «الإجراءات المتخذة هذه تهدف إلى «حفظ وصيانة المال العام من الفساد والعبث والاختلاس المتعمد من قبل الحكومة منتهية الولاية»، متهمة رئيسها بالتسبب «في ضياع حقوق الدولة والشعب بالتصرف في أموال وأصول المؤسسة، بطرق غير قانونية».

اجتماع سابق للمنفي في ديوان المحاسبة بحضور شكشك والكبير (الديوان)

والأموال الليبية في الخارج كانت تقدر بقرابة 200 مليار دولار، وهي عبارة عن استثمارات في شركات أجنبية وأرصدة وودائع وأسهم وسندات، تم تجميدها بقرار من مجلس الأمن الدولي في مارس (آذار) عام 2011. لكن الأرصدة النقدية تناقصت على مدار السنوات الماضية إلى 67 مليار دولار، وفق فائز السراج رئيس حكومة «الوفاق الوطني» السابقة.

وكانت وسائل إعلام بلجيكية تحدثت، في يوليو (تموز) الماضي، عن إجراء السلطات تحقيقات تتعلق بمصير نحو 2.3 مليار دولار من فوائد الأموال الليبية المجمدة في بلجيكا، التي تبيّن من التحقيقات أنه تم الإفراج عنها بشكل غير قانوني ما بين عامي 2012 و2017.

وعلى الرغم من الصراع الحكومي الدائر في ليبيا، يرى الباعور، في تصريحات صحافية أنه «باتت هناك قناعة داخل مجلس الأمن بأحقية مطلب مشاركة ليبيا في الإشراف على أموالها»، وقال: «نطالب بأن يكون لدينا علم بهذه الأموال وكيفية إدارتها، حتى وهي تحت التجميد».

الباعور الذي يتولى إدارة وزارة خارجية «الوحدة» منذ إقالة نجلاء المنقوش، يتحدث عما أسماه بـ«انفراجة جيدة» تجاه هذا الملف، وقال: "أصبح هناك قناعة لدى كثير من الدول وخاصة في مجلس الأمن، بأن هذا حق لليبيا». وعادة ما تفيد تقارير ديوان المحاسبة الليبي بارتكاب حكومة الدبيبة «تجاوزات مالية كبيرة».

ووقع القائم بأعمال خارجية «الوحدة» على انضمام ليبيا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحصانة الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية، وأيضاً الانضمام لاتفاقية البيع القضائي للسفن المعروفة بـ(اتفاقية بكين). وعدّت الوزارة هذا الإجراء «خطوة مهمّة في تحصين أملاك الدولة بالخارج وحمايتها من الاعتداءات»، منوهة بأن هذه «الخطوة المهمة» جاءت «بناءً على المشاورات التي تمت بين المؤسسات الوطنية الليبية المعنية سواء القضائية أو السياسية».

وللعلم فقد سبق لـ«المجلس الرئاسي»، بقيادة محمد المنفي، أن اعترض على محاولات «الوحدة» في سبتمبر (أيلول) 2023، لاستخدام الأموال الليبية المجمدة في الخارج في إعادة إعمار المناطق المنكوبة شرق البلاد.

وكان المنفي، سارع في إطار رفضه لتحرك «الوحدة» وأعلن أن «الدعم الدولي في كل مراحله يحتاج لمؤسسة ليبية موحدة تحظى بثقة المتضررين»، وهو الأمر الذي يرى المختصون أنه يحول راهناً دون سيطرة ليبيا على أموالها المجمّدة من دون انتخاب سلطة موحدة.

وعقب سقوط نظام القذافي، خضعت ليبيا لعقوبات دولية من قبل مجلس الأمن، شملت فرض حظر على صادرات السلاح وتجميد الأرصدة والحسابات الليبية في الخارج.


مقالات ذات صلة

سريان التوافق على تعيين محافظ لـ«المركزي» الليبي

شمال افريقيا لحظة تصويت مجلس النواب على تعيين المحافظ الجديد للمصرف المركزي ونائبه (مجلس النواب)

سريان التوافق على تعيين محافظ لـ«المركزي» الليبي

وسط توقعات بعودة إنتاج النفط، وتحسن سعر صرف الدينار، اعتمد مجلس النواب الليبي اتفاقاً رعته بعثة الأمم المتحدة، ويقضي بحل أزمة المصرف المركزي.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا هانيبال القذافي (أ.ف.ب)

الساعدي القذافي ينفي أنباء مقتل هانيبال بسجنه في لبنان

وسط صمت ليبي رسمي بشأن وضعية هانيبال القذافي في لبنان، تعدّدت الروايات حول مصيره، لكن شقيقه الساعدي قال عبر حسابه على منصة «إكس»: «أخي بخير».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من جولة حفتر التفقدية في درنة رفقة صالح وحماد (الجيش الوطني)

صالح يحضّ الليبيين على المصالحة و«طي صفحات الماضي»

حضّ عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، على «المصالحة وطي صفحات الماضي»، في حين رحّب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق الذي يعالج النزاع حول قيادة مصرف ليبيا المركزي.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا كيف ينظر الليبيون لما يجري في غزة ولبنان؟

كيف ينظر الليبيون لما يجري في غزة ولبنان؟

عَدّ محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، ما ترتكبه إسرائيل ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني من «جرائم إبادة وتطهير عرقي انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي خلال حضور حفل العشاء مع الرئيس الأميركي (المنفي)

توتر أمني مفاجئ غرب العاصمة الليبية

أعلن أعضاء في مجلس النواب الليبي، أن جلسته المرتقبة، الاثنين المقبل، ستخصص للمصادقة على اعتماد تعيين محافظ المصرف المركزي للبلاد ونائبه.

خالد محمود (القاهرة)

بكين تدعو إلى احترام سيادة ووحدة السودان وعدم التدخل بشؤونه

القائم بأعمال السفارة الصينية لدى السودان تشانغ شيانغ هوا (الشرق الأوسط)
القائم بأعمال السفارة الصينية لدى السودان تشانغ شيانغ هوا (الشرق الأوسط)
TT

بكين تدعو إلى احترام سيادة ووحدة السودان وعدم التدخل بشؤونه

القائم بأعمال السفارة الصينية لدى السودان تشانغ شيانغ هوا (الشرق الأوسط)
القائم بأعمال السفارة الصينية لدى السودان تشانغ شيانغ هوا (الشرق الأوسط)

وصف دبلوماسي صيني الظروف التي يمر بها السودان بأنها «استثنائية وغير مشهودة من قبل»، وأعلن دعم وتأييد بلاده الجهود كافة لإنهاء القتال وحفظ الاستقرار والأمن ووحدة الأراضي السودانية، ورأى أن «للسودان الحكمة والقدرة على إيجاد حل توافقي لمشكلاته، بعيداً عن التدخلات الخارجية».

وأوضح القائم بأعمال السفارة الصينية لدى السودان، تشانغ شيانغ هوا، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، بالعاصمة المؤقتة بورتسودان، أن «السودان بلد مهم في المنطقة، والصين شريك أساسي ومحوري في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي تمتد لأكثر من 6 عقود، لا سيما في مجالات البني التحتية والزراعة والخدمات الأساسية، ومجالات حيوية أخرى»، مشيراً إلى أن بلاده قدمت مساعدات إنسانية للشعب السوداني خلال فترة الحرب.

تشانغ شيانغ هوا خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»

وبشأن المبادرات والجهود الدولية والإقليمية لحل المشكلة السودانية، قال شيانغ هوا: «هذه الجهود مهمة، لكن من المهم احترام حقوق السودان وسيادته، ومن دون ذلك فسيكون من الصعب تحقيق المبادرات»، واشترط أن يأخذ أصحاب المبادرات رأي السودان. وأعلن تأييد حكومة بلاده حق السودان في المحافل الدولية كافة، و«على وجه الخصوص في مجلس الأمن الدولي»، وتابع مؤكداً: «معروف أن البلدين ظلا يتبادلان الدعم والتأييد في المحافل الدولية، وسنواصل هذا الأمر».

وأضاف أن الصين «تلعب دوراً معيناً في موضوع السودان، وتأمل في الوقت ذاته حدوث تقدم بفضل (مبادرة الأمن العالمي في الشرق الأوسط)، التي طرحتها بكين في أبريل (نيسان) 2021، والتي لاقت تقديراً وإعجاباً من أطراف إقليمية ودولية».

وأشار الدبلوماسي الصيني إلى «الدور الكبير الذي تلعبه بلاده بصفتها دولة كبيرة، والأدوار الفاعلة والريادية التي تقوم بها في الشؤون الإقليمية والدولية». وقال: «طرحت كثيراً من المبادرات في المرحلة الماضية، وساهمت في عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية في مصالحة وُصفت بالتاريخية، واستضافت في الأشهر الماضية الفصائل الفلسطينية».

الرئيس الصيني يرحب بقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال «قمة منتدى التعاون الصيني - الأفريقي» في بكين مطلع سبتمبر الماضي (مجلس السيادة)

وأكد الدبلوماسي الصيني متانة علاقات بلاده بالسودان، بقوله: «هي علاقة وطيدة وتتقدم باستمرار، ولم تتأثر بالحرب، ولم نغادر السودان رغم الحرب، وهذا أقوى دليل على متانة العلاقات بين البلدين».

وقال شيانغ هوا إن «السودان دولة مهمة، وتملك ثروات معدنية وحيوانية ونفطية، وإمكانات كبيرة في مجالات مختلفة، واستقرار الأوضاع فيها يوفر لها فرصاً كبيرة، لجذب المستثمرين العرب والأجانب لاستئناف أعمال الاقتصاد التجاري». وأضاف: «الشركات الصينية تهتم بالسودان، وتتابع تطورات الأحداث أولاً بأول، وترغب بعد وقف الحرب العودة مرة أخرى واستئناف عملها في الاقتصاد التجاري».

وحول مدى معرفتهم بالضرر الذي لحق بمصفاة الخرطوم للبترول جراء القتال الدائر بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، قال: «نحن نتابع تطورات الأحداث، لكن ليست لدينا معلومات عن حجم الضرر»، وتابع: «الحصول على المعلومات في وقت الحرب صعب، لكن ربما الجانب السوداني لديه تلك المعلومات»، مشيراً إلى أن بلاده سلمت المصفاة للحكومة السودانية لإدارتها، واكتفت بتقديم الدعم الفني لتشغيل المصفاة في فترة ما قبل الحرب.

مصفاة الخرطوم (أرشيفية - متداولة)

وبشأن ما يتردد عن عزم السودان إنشاء مصفاة جديدة في مدينة بورتسودان تتولى الصين إنشاءها، قال شيانغ هوا: «طرح المسؤولون السودانيون علينا هذه الفكرة واستجبنا لها، لكن الأمر لا يزال قيد النقاش، ولا توجد تطورات جديدة؛ لأنه أمر يحتاج إلى مزيد من الوقت والدراسة».

وتعليقاً على عزم السودان «التوجه شرقاً» وتطوير علاقاته بدول ذلك المعسكر، إثر اندلاع الحرب، قال الدبلوماسي الصيني: «من حق كل بلد اختيار طريق التنمية التي يريد، ونحن نحترم اختيار الشعب السوداني؛ في عالم متعدد الأقطاب والأطراف»، وتابع: «هنالك قوة صاعدة في الجنوب، وبرزت مؤشرات على سعيها إلى تعزيز وتوحيد صفوفها، وهذا اتجاه مهم». وأشار إلى «قمة منتدي التعاون الصيني - الأفريقي»، التي عقدت في بكين يوم 4 سبتمبر (أيلول) الحالي، وشارك فيها رؤساء وقادة دول أفريقية، وعدّها «ضمن المسعى المهم لتوحيد الصفوف بين دول الجنوب ومجموعة (بريكس) التي بدأت في التوسع أكثر».

ولم يذكر القائم بالأعمال حجم الأضرار التي لحقت بالاستثمارات الصينية في السودان جراء الحرب، بيد أنه قال: «السودان يهتم بحماية مصالح الصين، وتوجد آليات تنسيق بين البلدين، ونأمل أن تلعب دوراً فعالاً في حماية المصالح الصينية، والأمن والاستقرار يمثلان القاعدة الأساسية لمزاولة النشاط الاقتصادي».