الجهود العربية... إلى أي حدّ يُمكنها منع «الحرب الشاملة» بالمنطقة؟

تصاعُد الدخان من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية الخيام في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
تصاعُد الدخان من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية الخيام في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

الجهود العربية... إلى أي حدّ يُمكنها منع «الحرب الشاملة» بالمنطقة؟

تصاعُد الدخان من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية الخيام في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
تصاعُد الدخان من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية الخيام في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

بين أدوار وساطة، وتدشين تحالفات وجولات «حاسمة»، تتسارع جهود الدبلوماسية العربية لمنع اندلاع «حرب شاملة» في المنطقة، خصوصاً مع تداعيات اغتيال إسرائيل لأمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، وسط تصعيد متواصل على جبهات لبنان وغزة والضفة، وتلويح إيراني بعدم الوقوف «مكتوفي الأيدي» حال تحقّقت تلك الحرب.

وبأوراقها الناعمة، عزّزت الدبلوماسية العربية على مدار نحو عام جهودها، سواءً بإبرام هدنة بقطاع غزة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ومساعٍ متواصلة لهدنة ثانية، ودعم مباحثات التهدئة بلبنان، وسبقها نيل اعترافات أوروبية بدولة فلسطين، وكسب دعم أممي دولي متواصل لقضاياها، سواءً بالجمعية العامة للأمم المتحدة، أو بمجلس الأمن، بجانب «تعرية» إسرائيل دولياً، وتعزيز جهود ملاحقة قيادتها المتورّطين في حرب مدمرة منذ عام بالقطاع، بين قرارات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل في لاهاي.

وحسب خبراء، فإن الجهود العربية قدّمت الكثير لاستقرار المنطقة؛ إلا أن «التعنّت الإسرائيلي» عرقل خطوات وقف التصعيد وإنهاء أصل الأزمة، وهي وقف «حرب غزة»، وأكّد الخبراء لـ«الشرق الأوسط»، أن الدول العربية قادرة بأوراق ضغط، حال بلورة موقف موحّد يؤمّن مصالحها، أن تُشكّل ضغطاً حقيقياً لمنع اندلاع «الحرب الشاملة»، خصوصاً مع الشركاء الدوليين، ولا سيما الأوروبيون.

وتسارعت الجهود العربية فور اندلاع «حرب غزة»، وأسفرت بعد نحو شهر من وساطةٍ قادتها مصر وقطر والولايات المتحدة بدعم عربي، عن إبرام هدنة بين «حماس» وإسرائيل لعدة أيام في نوفمبر الماضي، أدّت للإفراج عن رهائن إسرائيليين وأسرى فلسطينيين، والسماح بدخول المزيد من المساعدات لغزة، قبل أن تتواصل الحرب مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ولم تُفلح أكثر من 10 جولات محادثات رئيسية بين باريس وروما والدوحة والقاهرة، في الوصول لتهدئة جديدة.

وبذات شهر الوساطة كان انطلاق جولات اللجنة الوزارية العربية الإسلامية، برئاسة المملكة العربية السعودية، التي تشكّلت تنفيذاً لقرار «قمة الرياض» في نوفمبر الماضي، وأثمرت بعد محطات عديدة بدول غربية وآسيوية وأوروبية، في مايو (أيار) الماضي، عن اعتراف آيرلندا وإسبانيا والنرويج بالدولة الفلسطينية، ووجّه رئيسها محمود عباس، وقتها، شكراً للجنة على اتصالاتها وجولاتها المقدَّرة في هذا الصدد.

وخلال شهر الاعترافات بفلسطين، كانت الدبلوماسية العربية على موعد مع نجاح جديد للقضية الفلسطينية، مع إعلان المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، في 20 مايو الماضي، بدء إجراءات ملاحقة بنيامين نتنياهو رفقة وزير دفاعه يوآف غالانت، بتهم «ارتكاب جرائم حرب بغزة»، في خطوة غير مسبوقة، أُضيف لها تحركات عربية داعمة للحق الفلسطيني في شهادات بمحكمة العدل الدولية، بجانب إعلان دول كمصر دعم دعوى جنوب أفريقيا التي تتّهم إسرائيل بالمحكمة ذاتها، بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

رجل يتفقّد الدمار في مصنع استهدفته غارة جوية إسرائيلية ليلية في بلدة الشويفات جنوب بيروت (أ.ف.ب)

ولعب الجهد العربي أدواراً عديدة، لا سيما عبر منبر «الجامعة العربية»، مع أكثر من اجتماع طارئ، على مستوى المندوبين الدائمين ووزراء الخارجية، بخلاف قمتَي الرياض والبحرين، وخلال قمة المنامة في 16 مايو المنقضي، دعا الوزراء العرب، في بيان ختامي، إلى «دخول قوات دولية لحماية الفلسطينيين، ووقف إطلاق النار بغزة».

كما صوّت أغلبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار قدّمَته الإمارات باسم المجموعة العربية، في مايو الماضي، لدعم أهلية دولة فلسطين في العضوية الكاملة بالمنظمة الدولية، ونجحت الدبلوماسية العربية في 13 سبتمبر (أيلول) الماضي، في اعتماد قرار قدمَته فلسطين بأغلبية 124 عضواً، يطالب بأن «تُنهِي إسرائيل وجودها غير القانوني بالأراضي الفلسطينية المحتلة خلال 12 شهراً».

وكان لتلك الجهود العربية المتواصلة دور هام، لا سيما في الاعترافات بدولة فلسطين، وفق حديث مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد حجازي، كما ركّزت تلك الجهود بشكل أساسي على وقف الحرب في غزة، بوصفها العامل الرئيسي الذي قد يؤدي لـ«حرب شاملة»، حسب المفكر المصري، الدكتور عمرو الشوبكي.

وفي رأي الكاتب والباحث السعودي، عماد المديفر، فإن الجهود الدبلوماسية العربية أثمرت عن «اعتراف دولي واسع النطاق بدولة فلسطين، ومنحها العضوية الرسمية الكاملة والدائمة في الأمم المتحدة، وما ترتب عليه من أدوار غير مسبوقة».

كما يعتقد الأكاديمي المصري المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإسرائيلية، الدكتور طارق فهمي، أن «الجهود العربية لم ولن تتوقف، لكن قد نرى نفس السيناريو الذي حدث في غزة يتكرّر في لبنان».

وحتى مع اتّساع عمليات إسرائيل بجبهة لبنان، لم تتخلّف الدبلوماسية العربية عبر السعودية والإمارات وقطر، عن المشاركة في نداء مشترك وجّهه الرئيسان الأميركي جو بايدن، والفرنسي إيمانويل ماكرون، الأسبوع الماضي، لـ«وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، لإفساح المجال لإبرام تسوية».

وخلال اجتماعات أسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، زادت وتيرة اجتماعات عربية ثنائية ومتعددة الأطراف، مع قادة ومسؤولين غربيين أوروبيين، وسط بيانات مشتركة، بأهمية وقف الحرب بغزة ولبنان، وخلت قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة تقريباً من المشاركين، لا سيما العرب والدوليون، احتجاجاً على كلمة نتنياهو، بالمحفل الدولي، في خطوة غير مسبوقة.

وكان التحرك الأبرز وسط تلك الأجواء التصعيدية، إعلان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، الخميس الماضي، خلال اجتماع دولي بنيويورك، باسم الدول العربية والإسلامية والشركاء الأوروبيين، إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين»؛ كونه «الحل الأمثل لكسر حلقة الصراع».

جندي من الجيش الإسرائيلي يقف بالقرب من دبابة قتال رئيسية منتشرة في شمال إسرائيل (أ.ف.ب)

وإزاء ذلك الإعلان، يعتقد المديفر «أننا أمام فرصة أكثر وضوحاً من أي وقت مضى للدفع باتجاه حل دائم وشامل للقضية الفلسطينية، لا سيما في ضوء نجاحات الجهود الدبلوماسية العربية التي يقودها وزير الخارجية السعودي، ووزراء الخارجية في الدول العربية والإسلامية، وعدد من الدول الأوروبية والعالمية».

ووسط هذا الحراك الدبلوماسي العربي المثمر، كانت إسرائيل على الجانب الآخر تواصل ضرباتها بغزة، وترفض عبر تصريحات لمكتب نتنياهو التهدئة، وتعلن، السبت، اغتيال حسن نصر الله.

وإزاء ذلك يجب أن يعزّز الدعم الدولي الجهودَ العربية، للذهاب نحو ضغوط حقيقية لمنع اندلاع «حرب شاملة»، وإطلاق مسار سلمي يحُول دون انفجار الوضع على النحو الذي تستهدفه إسرائيل، لا سيما «مع إقدامها على عملية اغتيال خطيرة بحق نصر الله»، وفق ما يرى حجازي، وخصوصاً أن «اغتيال نصر الله يجعل خطر تلك الحرب قائماً»، بحسب الشوبكي.

وبرغم أن استهداف حسن نصر الله «قد يعرقل» أي جهود قد تحدث عربية أو دولية، وفق نائب أركان الجيش الأردني السابق، الفريق قاصد محمود؛ فإنه يراهن على «موقف عربي موحَّد وواضح من دول الخليج ومصر والأردن لإحداث تغيير»، بجانب «مغادرة مربع المقاربات الدبلوماسية إلى استخدام الأوراق العربية المتاحة لفرض ذلك التغيير المطلوب».

شاحنة تنقل مركبة قتالية تابعة للجيش الإسرائيلي متجهة للانتشار على طول الحدود مع لبنان (أ.ف.ب)

وكانت أوراق ضغط الدبلوماسية العربية حاضرة خلال هذا العام، لا سيما ورقة شروط الاعتراف بإسرائيل، في وقت كانت واشنطن تعوّل على أن تُسفر مناقشات تقودها بشأن السلام بالمنطقة عن توسعة مسار التطبيع، إلا أن السعودية في 7 فبراير (شباط) الماضي، أفادت في بيان صحافي لـ«الخارجية» بأنه «لن يكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة، وانسحاب قواته من القطاع»، وأكّدها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، في خطاب أمام مجلس الشورى قبل نحو أسبوع.

وسبق تأكيد الأمير محمد بن سلمان بأيام قليلة، التلويح بورقة أخرى تركز على مباحثات «هدنة غزة» بشأن التزامات اليوم التالي لوقف الحرب بغزة، بتأكيد وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، عبر حسابه الرسمي على «إكس»، أن «الإمارات غير مستعدّة لدعم اليوم التالي من دون قيام دولة فلسطينية».

وإزاء كل الجهود، سيستمر نتنياهو عقبةً تحُول دون استقرار المنطقة، ويستمر تهديد منافسة المشروعين الإسرائيلي والإيراني للمصالح العربية، وفق قاصد محمود، حال لم تفعّل الأوراق العربية.

وعَدّ نتنياهو، السبت، في بيان، أن القضاء على نصر الله يُمثل نقطة تحوّل تاريخية يمكن أن تغيّر ميزان القوى بالمنطقة لسنوات مقبلة، لكنه حذّر في الوقت ذاته من «أيام صعبة» مقبلة.

ويرى طارق فهمي أنه لن يكون هناك حل حقيقي قبل 8 شهور على الأقل، لحين انتهاء الانتخابات الأميركية الرئاسية في نوفمبر المقبل، وترتيب الأمور بالبيت الأبيض، متوقعاً أنه خلال تلك الفترة قد تحدث اتفاقات جزئية مرحلية، دون الوصول لموقف مفصلي بالمنطقة، مع استمرار إسرائيل في التصعيد مقابل جهود عربية تتواصل للحيلولة دون انزلاق المنطقة لحرب شاملة.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تقصف الجوعى بعد حصارهم في جباليا

المشرق العربي امرأة فلسطينية تبكي رضيعها الذي قُتل في غارة على مدرسة تؤوي فلسطينيين بمخيم النصيرات (إ.ب.أ)

إسرائيل تقصف الجوعى بعد حصارهم في جباليا

كثفت إسرائيل الضغط لإخلاء شمال قطاع غزة، وقصفت تجمعاً لفلسطينيين في مخيم جباليا كانوا بصدد الحصول على مؤن غذائية بعد حصارهم أسبوعين بالمنطقة.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي فلسطينيون ينزحون من مناطق شمال مدينة غزة السبت الماضي (أ.ف.ب)

«الصفقة» تتراجع و«الضم» يتقدّم... ماذا تُدبّر إسرائيل لغزة الآن؟

أكّدت مصادر أمن إسرائيلية أن حكومة بنيامين نتنياهو لا تكتفي بعرقلة صفقة التبادل، بل إنها تدفع نحو «ضم زاحف» لأجزاء كبيرة في قطاع غزة بدلاً من إنهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية إسرائيليون في ملجأ بوسط إسرائيل مطلع أكتوبر الحالي (رويترز)

الأمان والاقتصاد و«الدولتين»... بمَ يشعر الإسرائيليون بعد سنة من الحرب؟

بعد أن كان أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين يؤيدون تسوية وفق «حل الدولتين»، قالت أغلبية الجمهور اليهودي (61 في المائة) إنه ليس للفلسطينيين الحق في إقامة دولة.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يحتفلون على ظهر دبابة إسرائيلية على الجدار العازل قرب خان يونس يوم 7 أكتوبر 2023 (أ.ب)

إيران تنفي أي صلة لها بهجوم 7 أكتوبر: «ادعاءات بلا مصداقية»

رفضت ممثلية إيران لدى الأمم المتحدة ما وصفته بـ«ادعاءات وافتراءات» ربط عملية 7 أكتوبر 2023 التي قامت بها حركة «حماس»، بإيران وعدّتها «فاقدة للمصداقية».

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج أرشيفية أطفال بمركز لـ«الأونروا» في دير البلح بغزة (أ.ف.ب)

السعودية تدين قرار إسرائيل مصادرة مقر «الأونروا» بالقدس

أعربت وزارة الخارجية السعودية، عن إدانة المملكة واستنكارها بأشد العبارات قرار إسرائيل مصادرة الأرض المقام عليها مقر وكالة «أونروا» وتحويله إلى بؤرة استيطانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

تحذير سعودي ــ مصري من «سياسات حافة الهاوية»

 الرئيس المصري مستقبلاً ولي العهد السعودي في القاهرة أمس (واس)
الرئيس المصري مستقبلاً ولي العهد السعودي في القاهرة أمس (واس)
TT

تحذير سعودي ــ مصري من «سياسات حافة الهاوية»

 الرئيس المصري مستقبلاً ولي العهد السعودي في القاهرة أمس (واس)
الرئيس المصري مستقبلاً ولي العهد السعودي في القاهرة أمس (واس)

شدّد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس (الثلاثاء)، على ضرورة «التوقف عن سياسات حافة الهاوية، بما يوقف دائرة الصراع الآخذة في الاتساع في المنطقة»، وطالبا بـ«بدء خطوات للتهدئة تشمل وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وفي لبنان، ومعالجة الأوضاع الإنسانية المتفاقمة».

وجاء الموقف السعودي - المصري خلال محادثات أجراها الأمير محمد بن سلمان والرئيس السيسي في القاهرة، وأفادت الرئاسة المصرية بأن المحادثات تناولت التطورات الإقليمية، وعلى رأسها الأوضاع في غزة ولبنان، و«تم التوافق على خطورة الوضع الإقليمي وضرورة وقف التصعيد».

وأكد الزعيمان «ضرورة احترام سيادة وأمن واستقرار لبنان وسلامة أراضيه». كما شدّدا على أن «إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، هي السبيل الوحيد لتحقيق التهدئة والسلام والأمن بالمنطقة على نحو مستدام». وحذّرا أيضاً من أن «محاولات تصفية القضية الفلسطينية من شأنها أن تتسبب في استمرار حالة الصراع في المنطقة».

وتناولت مباحثاتهما عدداً من القضايا الإقليمية، على رأسها أمن منطقة البحر الأحمر، والأوضاع في السودان وليبيا وسوريا.

وشهد ولي العهد السعودي والرئيس المصري التوقيع على تشكيل «مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي» برئاستهما، إضافة إلى التوقيع على اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين.