كيف أثرت حرب لبنان على جهود التهدئة في غزة؟

مصر تطالب بوقف فوري لإطلاق النار وإنهاء التصعيد

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

كيف أثرت حرب لبنان على جهود التهدئة في غزة؟

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)

بينما تراوح مفاوضات الهدنة في قطاع غزة مكانها منذ عدة أسابيع، تزداد وتيرة الحرب المشتعلة في لبنان، وتتسارع نداءات إطفائها عبر مقترح أميركي - عربي - أوروبي بوقفها مؤقتاً لمدة 21 يوماً، وسط ربط لبناني للتهدئة بمسار الصفقة في غزة وإنهاء التصعيد بالمنطقة، غير أن ذلك قوبل برفض إسرائيلي، وتوعد بمزيد من الضربات بالجبهتين.

ووفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن حرب لبنان أثرت على جهود التهدئة في غزة عبر مسارين؛ الأول «إيجابي، وهو إعادة تسليط الضوء على أن مفتاح حل الأزمة في جبهة لبنان مرتبط بوقف إطلاق النار في غزة، والثاني يحمل بعداً سلبياً؛ إذ لا يجعلها في سلم أولويات التحركات الدولية التي تخشى من الوصول لحرب شاملة تكون إيران جزءاً منها».

ووسط تواصل القصف الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، منذ الاثنين الماضي، مخلفاً مئات القتلى وآلاف النازحين بلبنان، دعت الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر وفرنسا، إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً، كما عبرت عن دعمها لوقف لإطلاق النار في غزة، وفقاً لبيان مشترك للدول، أصدره البيت الأبيض، الأربعاء.

وفي أول تعقيب لبناني، رحب رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، في تصريحات من نيويورك، بالبيان، مضيفاً: «تبقى العبرة في التطبيق بالتزام إسرائيل»، دون تعليق من «حزب الله»، وذلك غداة تأكيد رئيس البرلمان اللبناني المقرب من الحزب، نبيه برّي، لـ«الشرق الأوسط» أن المساعي الدولية تراعي عدم الفصل بين جبهة لبنان أو غزة.

في المقابل، نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس، القبول به، مؤكداً أن الأخير أصدر تعليماته إلى الجيش الإسرائيلي بمواصلة القتال بكامل قوته في لبنان وغزة.

قطر إحدى الدول الداعية لوقف حرب لبنان، وإحدى دول الوساطة لوقف الحرب بين إسرائيل و«حماس» في غزة، أكدت على لسان المتحدث باسم الخارجية، ماجد الأنصاري، عدم وجود رابط مباشر بين هذه المباحثات وتلك الهادفة إلى وقف التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني.

واستدرك الأنصاري، في مؤتمر صحافي بالدوحة، الخميس: «لكن من الواضح أن الوساطتين متداخلتان بشكل كبير عندما تتحدث عن الأطراف نفسها التي تشارك في الغالب في هذا المسار الدبلوماسي»، مضيفاً: «نعمل مع شركائنا لضمان وقف إطلاق النار الفوري في لبنان، كما نواصل جهودنا على المسار الآخر؛ المحادثات بشأن غزة».

تصاعد الدخان فوق جنوب لبنان في أعقاب غارة إسرائيلية وسط أعمال عدائية عبر الحدود بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية (رويترز)

وطالبت وزارة الخارجية المصرية، في بيان صحافي، الخميس، بـ«وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان»، محذرة من أن ما تفعله إسرائيل قد يقود إلى «فوضى تعرض المنطقة لعواقب خطيرة».

الأكاديمي المصري المتخصص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور أحمد فؤاد أنور، يعتقد أن حرب لبنان أثرت سلباً وإيجاباً على جهود التهدئة في غزة، لافتاً إلى «أن التأثير السلبي يتمثل في أن الجميع يهتم بلبنان، ونظيره الإيجابي هو التسريبات الإعلامية بشأن اشتراط (حزب الله) حدوث التهدئة في الجبهتين: الفلسطينية واللبنانية».

أنور يرى «أن نتنياهو مستمر في خياراته، لكن الضغوط الأميركية والدولية قد تدفعه لقبول تهدئة مؤقتة في لبنان بشكل أولي قبل صفقة شاملة تشمل غزة».

ويرى الكاتب اللبناني والباحث في الشؤون الدولية، بشارة خير الله، أن التصعيد في لبنان «سرق الاهتمام من غزة»، والأولوية حالياً للتهدئة في الجنوب اللبناني. ووفق خير الله، مستشار الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان، فإن نتنياهو سيتمسك بخطة فصل جبهتي غزة ولبنان عن بعضها البعض، بخلاف «حزب الله» أملاً في ضغوط أكبر على «حماس» لتزيد مكاسبه.

ويرجح المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، رفض نتنياهو أي تسوية والاستمرار في التصعيد كما فعل في غزة، مع الإقدام على عملية اجتياح محدودة بلبنان، من أجل شراء المزيد من الوقت لضمان البقاء في السلطة، وضمان انتهاء الانتخابات الأميركية على أمل فوز حليفه دونالد ترمب، بوصفه منحازاً إلى إسرائيل في العديد من الملفات.

فلسطينية في أثناء خروجها مع أطفالها في وقت سابق من مخيم جنين متجهة إلى مكان أكثر أماناً (إ.ب.أ)

وعقب الرفض الإسرائيلي، صدر بيان إماراتي - سعودي - قطري - أميركي - أوروبي - ياباني، يجدد الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل. فيما تبذل واشنطن وشركاء، لم تسمهم، جهوداً للتوصل إلى «تسوية يمكن أن تغير المنطقة بأكملها تغييراً جذرياً» بحسب ما قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، في مقابلة مع شبكة «إيه بي سي»، من دون أن يقدم تفاصيل بشأنها، وسط مواصلة إسرائيل حربها على جبهتي قطاع غزة والضفة الغربية.

ووفق العبادي، «فإن إيران تخلت على ما يبدو عن أعوانها في المنطقة لا سيما (حزب الله)، وتقدم مراوغات إعلامية فقط»، مستدركاً: «لكن من المهم استمرار تلك النداءات الدولية لوقف الحرب».

وقد يشكل استمرار النداءات الدولية ضغوطاً على نتنياهو لوقف الحرب بلبنان، وربما يمتد ذلك لغزة، بحسب أنور، الذي أضاف: «لا يزال الأمل موجوداً... وفي ظل سياسة حافة الهاوية، كل شيء وارد». فيما أكد خير الله أن إسرائيل تحاول «فك مبدأ ربط الساحات ببعضها»، وستنتقل من غزة بالكامل إلى لبنان والتفرغ له، متوقعاً أن تهدأ الحرب في غزة قبل أن تهدأ في لبنان.


مقالات ذات صلة

«المقاومة» تقاضي نائباً عراقياً اتهمها بـ«سفك الدماء»

المشرق العربي دعوات برلمانية لرفع الحصانة عن نائب اتهم «المقاومة» بالانتهازية (موقع البرلمان)

«المقاومة» تقاضي نائباً عراقياً اتهمها بـ«سفك الدماء»

أحدثت تصريحات أدلى بها النائب المعارض رئيس «تحالف قيم المدني»، سجاد سالم، حول ما تُعرف بـ«المقاومة العراقية»، غضباً داخل أوساط هذه الجماعات وأتباعها.

فاضل النشمي (بغداد)
يوميات الشرق صورة نشرتها محاسن الخطيب وذيلتها بتعليق: «عشان بس أموت تلاقوا صورة لي» وعلى اليسار آخر صورة رسمتها قبل موتها (فيسبوك - إنستغرام)

محاسن الخطيب... القصف الإسرائيلي يقضي على «ريشة جباليا»

قُتلت الرسامة الفلسطينية محاسن الخطيب بنيران القصف الإسرائيلي في مخيم جباليا... ماذا نعرف عنها؟

يسرا سلامة (القاهرة)
المشرق العربي طفلان فلسطينيان في مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة وسط القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

87 قتيلاً في مجزرة بيت لاهيا... والأمم المتحدة تندد بـ«مشاهد مروعة»

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، الأحد، مقتل وفقدان 87 شخصاً جراء القصف الإسرائيلي لبيت لاهيا في شمال غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

نتنياهو لترمب: إسرائيل تتخذ القرارات بناء على مصالحها الوطنية

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم (الأحد)، إن نتنياهو تحدَّث مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي امرأة فلسطينية تبكي لمقتل أقاربها بعد غارة إسرائيلية في جباليا شمال غزة (رويترز)

إسرائيل تضرب في جباليا وتبحث عن أسراها

دفع الجيش الإسرائيلي بقوات كبيرة، ليل الجمعة - السبت، إلى المكان الذي قُتل فيه زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار في رفح، حيث بدأت نشاطاً غير مسبوق هناك، فيما ارتفعت

كفاح زبون (رام الله)

مطالب جزائرية ملحَّة بـ«اعتراف فرنسا بجرائم الاستعمار»

تدهور العلاقات الجزائرية - الفرنسية كان سبباً في إلغاء زيارة الرئيس تبون إلى باريس (أ.ف.ب)
تدهور العلاقات الجزائرية - الفرنسية كان سبباً في إلغاء زيارة الرئيس تبون إلى باريس (أ.ف.ب)
TT

مطالب جزائرية ملحَّة بـ«اعتراف فرنسا بجرائم الاستعمار»

تدهور العلاقات الجزائرية - الفرنسية كان سبباً في إلغاء زيارة الرئيس تبون إلى باريس (أ.ف.ب)
تدهور العلاقات الجزائرية - الفرنسية كان سبباً في إلغاء زيارة الرئيس تبون إلى باريس (أ.ف.ب)

بينما ازدادت العلاقات الجزائرية - الفرنسية تدهوراً خلال الشهور الأخيرة، شدد كبار المسؤولين الجزائريين وناشطون في تنظيمات مهتمة بالتاريخ على تمسكهم بمطلب «اعتراف الدولة الفرنسية بجريمة الاستعمار»، المرتكبة خلال فترة الاحتلال (1830 - 1962).

الرئيس الجزائري هاجم اليمين الفرنسي بسبب ضغوط لإلغاء اتفاق الهجرة (الرئاسة)

وتجدد الخطاب المعادي لفرنسا بمناسبة احتفالات الجزائريين بمرور 63 سنة على «مظاهرات باريس 17 أكتوبر/ تشرين الثاني 1961»، حينما تعرض مئات المهاجرين الجزائريين في فرنسا لقمع شديد على أيدي الشرطة الباريسية، بسبب خروجهم في مظاهرات دعماً لثورة التحرير، التي كانت تقترب من نهايتها. وخلَّف التدخل الأمني العنيف للمظاهراتلا ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى، حسب كتب أرّخت للأحداث.

أعضاء لجنة الذاكرة خلال اجتماع لهم بالرئيس تبون نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)

ونُظّمت مؤتمرات وندوات في عدة مناطق بالجزائر، خلال اليومين الأخيرين، استحضرت الذكرى، ترأس بعضها وزير المجاهدين، العيد ربيقة، الذي أكد «تمسك الجزائريين باحترام واجب الذاكرة، ما يبقينا على عهد الألم والذكرى، والتقدير لدماء الجزائريين سفراء الوطن، ومدولي القضية العادلة في عقر دار المستعمر»، ويقصد بذلك أن «أحداث 17 أكتوبر 1961» سرّعت من رفع «القضية الجزائرية» أمام الأمم المتحدة، وكانت سبباً في تدويلها، ومهّدت لخروج الاستعمار من البلاد في 1962.

صورة أرشيفية لمظاهرات 8 مايو 1945 بشرق الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وعدّ الوزير مظاهرات المهاجرين في باريس «يوماً حزيناً من أيام الدفاع عن الوطن المفدى، فهي ذاكرة تحيل الجزائريين على يوم خارج الإنسانية... يوم سجل مجازر دموية وجرائم خارج العرف الإنساني، فكان نهر السين شاهداً على تقتيل شعب أراد حقه في البقاء على شرف السيادة والحرية، وعلى ترويع متوحش ضد أبنائنا المسالمين».

وحسب كتب التاريخ، فقد رمى البوليس الفرنسي بالعديد من المتظاهرين في نهر السين، عندما كان يطاردهم بين الأزقة والشوارع، بذريعة «خرق حظر التجوال»، الذي فرضه عليهم يومها، كرد فعل على نداء «جبهة التحرير الوطني» الجزائرية إلى تنظيم احتجاجات ضد المستعمر في بلده.

متظاهرون جزائريون اعتقلوا في بوتو غرب باريس خلال مظاهرة 17 أكتوبر 1961 (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وأكد الرئيس تبون، في خطاب مكتوب بالمناسبة، نشرته الرئاسة، على «تمسك الجزائر بمبدأ الحق والإنصاف في قضية المهاجرين ‏الجزائريين، ضحايا مظاهرات 17 أكتوبر، وعدم تكريس النسيان على هذه الأحداث ‏الدامية»، عاداً «المشاهد المأساوية في محطات مترو الأنفاق، وجسور نهر السين بباريس، التي يحتفظ بها الأرشيف الموثق لحقد الاستعمار ودمويته وعنصريته في تلك اللحظات المجنونة، الخارجة عن أدنى حس حضاري وإنساني، تأكيداً على عمق الرابطة الوطنية المقدسة بين أبناء وطننا العزيز».

وفي إسقاط على واقع العلاقة مع باريس، هاجم تبون «أوساطاً متطرفة (في فرنسا)، تحاول تزييف ملف الذاكرة أو إحالته إلى رفوف النسيان»، في إشارة إلى رفض اليمين التقليدي واليمين المتطرف في فرنسا أي تنازل من جانب باريس في «قضية الاشتغال على الذاكرة»، التي تعني جزائرياً الاعتراف بـ«جريمة الاستعمار»، و«طلب الصفح من الضحية». ويدعو الفرنسيون إلى «فصل براغماتي بين الذاكرة ومستقبل العلاقات الثنائية»، وهو الأمر الذي يتحفظ عليه الجزائريون بشدة، وهو ما كان أيضاً سبباً في عدم تطبيع العلاقات بشكل كامل، على الرغم من استمرار التجارة، و«التبادل الإنساني» بين ضفتي المتوسط.

صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وكان مرتقباً أن يزور تبون فرنسا، بداية الشهر الحالي، على أساس اتفاق جرى بينه وبين الرئيس إيمانويل ماكرون في أبريل (نيسان) الماضي. غير أن المشروع تم التخلي عنه، وصرح تبون للصحافة في بداية هذا الشهر بأنه يرفض التوجه إلى باريس في الظروف الحالية، عادّاً الخطوة «إهانةً» لبلده. ولمح في تصريحاته إلى وجود سببين لإلغاء الزيارة: الأول، ضغط يمارسه اليمين التقليدي واليمين المتطرف في فرنسا لإلغاء «اتفاق الهجرة 1968»، الذي يُسيّر مسائل الإقامة والدراسة والعمل في فرنسا بالنسبة للجزائريين، بحجة أنه «يقيد خطة التصدي للهجرة»، التي تطبقها الحكومة. أما السبب الثاني فهو إعلان ماكرون نهاية يوليو (تموز) الماضي، دعم فرنسا مقترح الحكم الذاتي للصحراء، ما دفع الجزائر إلى التنديد بشدة به، وسحب سفيرها من باريس.