كيف يؤثر صراع «المركزي» الليبي على حلحلة الأزمة السياسية؟

وسط حالة من الخوف والترقب بعد فشل المفاوضات

الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي (المصرف)
الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي (المصرف)
TT

كيف يؤثر صراع «المركزي» الليبي على حلحلة الأزمة السياسية؟

الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي (المصرف)
الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي (المصرف)

يثير الخلاف الدائر حالياً بشأن إدارة المصرف المركزي الليبي تساؤلات كثيرة حول مدى تأثير هذا الصراع على حلحلة الأزمة السياسية في البلاد، وسط حالة من الخوف والترقب بالساحة السياسية بعد فشل المفاوضات، التي كانت ترعاها البعثة الأممية بشأن أزمة المصرف، والتي كان من تداعياتها تعطيل إنتاج وتصدير النفط.

في هذا السياق، استبعد عضو مجلس النواب الليبي، جلال الشهويدي، حدوث أي حلحلة بالمشهد السياسي، رغم الزخم الإقليمي والدولي الراهن بشأن المصرف، ورأى أن البعثة الأممية «تصر على إشراك ممثلين عن المجلس الرئاسي في المفاوضات المتعلقة بـ(المركزي)، رغم علمها أن المجلس هو المتسبب في الأزمة».

واجهة البنك المركزي بطرابلس (رويترز)

وكانت البعثة الأممية قد رعت مؤخراً مفاوضات بين المجلس الرئاسي من جهة، ومجلسي النواب و«الأعلى للدولة» من جهة ثانية، لكنها لم تنتهِ إلى حل نهائي.

ويعتقد الشهويدي أنه «إذا حصرت المفاوضات بين مجلسي النواب و(الأعلى للدولة)، بعيداً عن التدخلات الخارجية؛ فإن ذلك كفيل بتوصلهما إلى حلول للأزمة، وجميع القضايا التي تعيق إجراء الانتخابات»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الحل يتمثل في إعادة الصديق الكبير لرئاسة المصرف، وهذا ليس تعنتاً في موقف البرلمان كما يردد بعضهم، لكنها مطالبة مستحقة بتصحيح الأوضاع».

وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة ديكارلو وتجاورها ستيفاني خوري في لقاء مع ممثلين من المجتمع المدني الليبي بشأن المصرف (البعثة الأممية)

وتعيش ليبيا أزمة حادة بعد تكليف المجلس الرئاسي، بقيادة محمد المنفي، محافظاً جديداً للمصرف الشهر الماضي، بدلاً من الكبير، وسط رفض من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب للقرار.

في المقابل، يرى الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، أن أزمة المصرف المركزي «حركت بالفعل» المشهد السياسي الذي ظل متجمداً لفترة طويلة، بما أفرزته من ردود فعل قوى إقليمية ودولية. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن أمام تحركات سياسية متسارعة؛ فالبعثة تتحدث عن اعتزامها إطلاق حوار جدٍ لحل الأزمة؛ وهناك حديث عن وساطة مصرية - تركية لحلحلة المشكلة مع الأطراف المعنية لاستئناف الإنتاج النفطي».

الصديق الكبير (الشرق الأوسط)

وتوقع القماطي أن تشكل تداعيات أزمة المصرف المركزي نوعاً من الضغط الشعبي على حكومة الوحدة «المؤقتة»، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بحيث تكون أكثر مرونة في مواقفها إزاء ما سيتم طرحه من مقترحات للحل السياسي من قِبَل البعثة.

وتتنافس حكومتان على السلطة في ليبيا: الأولى الوحدة الوطنية «المؤقتة»، والثانية حكومة «الاستقرار» برئاسة أسامة حماد، وتحظى بدعم البرلمان والجيش الوطني، بقيادة خليفة حفتر.

ووفقاً لرؤية القماطي، فإن الدبيبة والمجلس الرئاسي «لديهما استعداد للقبول بأي طرح يخرجهما من مأزقهما الراهن، باستثناء عودة الكبير لموقعه».

بدوره، استبعد النائب الأول لرئيس المجلس الأعلى للدولة، ناجي مختار، أن يؤدي توظيف الحراك الراهن بشأن المصرف «لأي جديد» بالمشهد السياسي المتأزم. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن الانقسام في صفوف مجلسه يؤثر على وضعه شريكاً سياسياً للبرلمان، في مباشرة صلاحياته المنصوص عليها بالاتفاقيات السياسية.

وشدد مختار على أن الشراكة السياسية بين «النواب» و«الأعلى للدولة» لا تتمثل في توافق ممثلين عنهما بالمفاوضات التي تسييرها البعثة حول «المركزي»، مقارنة بتوافق رئاستي المجلسين وتحديدهما معاً أهداف الحوار. موضحاً أنه «بوجود البعثة أو ممثل عن المجلس الرئاسي لا نستطيع القول إن هناك مفاوضات حقيقية بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، رغم قدرتهما على إحداث استقرار سياسي، عبر إقرار التشريعات وتوحيد المؤسسات».

في سياق ذلك، يرى المحلل السياسي الليبي، محمد السلاك، أن «تعويل بعضهم على البعثة بإطلاق حوار سياسي؛ تخوفاً من تفاقم الأوضاع وانفجارها بما يضر بمصالحهم، يواجه معضلة استمرار انقسام مواقف الدول الغربية الكبرى حيال رؤية للحل السياسي».

وأوضح السلاك لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تضارباً بمصالح هؤلاء في بلادنا ومناطق أخرى، ولذلك لم يتفقوا بعد؛ بل إنهم لم يتفقوا حتى على رئيس جديد لقيادة البعثة الأممية.

وانتهى السلاك إلى تخوفه من أن تقتصر التحركات الأممية والدولية الراهنة على «إحداث ضغط جزئي على أفرقاء الأزمة، بما يسمح باستئناف النفط، وربما حل أزمة المركزي فيما يشبه إنتاج صفقة جديدة، وهي تقاسم السلطة والثروة بين المتصارعين، وترحيل أي حديث عن الحل».


مقالات ذات صلة

ليبيا: «قانون الدستورية العليا» يجدد الجدل بين «الرئاسي» والبرلمان

شمال افريقيا مستشارو المحكمة الدستورية العليا عقب أداء اليمين أمام نائب رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

ليبيا: «قانون الدستورية العليا» يجدد الجدل بين «الرئاسي» والبرلمان

تصاعدت حالة من الجدل في ليبيا بعد أداء مستشاري المحكمة الدستورية العليا اليمين القانونية، أمام مجلس النواب، في ظل معارضة واسعة من المجلس الرئاسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي يلتقي البرهان على هامش أعمال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة (المجلس الرئاسي الليبي)

11 دولة تدعو ليبيا لضخ النفط... وإخراج «المرتزقة»

حثت أميركا ودول أوروبية وعربية الأطراف الليبية كافة على العمل لاستئناف إنتاج وتصدير النفط «بالكامل دون تعطيل أو تدخل أو تسييس».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من الحضور خلال توقيع اتفاق ينهي أزمة الصراع على مصرف ليبيا المركزي (البعثة الأممية)

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

بحضور دبلوماسي عربي وغربي، وقّع ممثلان عن مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا اتفاقاً يقضي بتعيين محافظ مؤقت للمصرف المركزي ونائب له.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة عام 2023 (المجلس)

المشري يتهم تكالة بـ«اغتصاب السلطة»... إلى أين يتجه «الدولة» الليبي؟

في تصعيد جديد على مسار الصراع بشأن رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، اتهم خالد المشري غريمه محمد تكالة بـ«اغتصاب السلطة وانتحال صفة رئيس المجلس».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا البنك المركزي بطرابلس (رويترز)

تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة المصرف المركزي

أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الأربعاء، التوصل إلى تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة إدارة المصرف المركزي الذي يشهد تنازعاً على السلطة.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)

ارتياح مصري - تركي لتقدم العلاقات الثنائية

محادثات عبد العاطي وفيدان في نيويورك (الخارجية المصرية)
محادثات عبد العاطي وفيدان في نيويورك (الخارجية المصرية)
TT

ارتياح مصري - تركي لتقدم العلاقات الثنائية

محادثات عبد العاطي وفيدان في نيويورك (الخارجية المصرية)
محادثات عبد العاطي وفيدان في نيويورك (الخارجية المصرية)

أبدت مصر وتركيا ارتياحهما للتقدم الذي تشهده العلاقات الثنائية. وأكدت محادثات جرت بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره التركي هاكان فيدان، في نيويورك، «تطلع القاهرة وأنقرة لمواصلة العمل على دفع العلاقات الاقتصادية والاستثمارية، والوصول بحجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 15 مليار دولار، وزيادة حركة السياحة، وتعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات، وبما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين».

وزار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أنقرة، مطلع الشهر الجاري، بدعوة من نظيره التركي رجب طيب إردوغان، في زيارة عكست تطور العلاقات بين البلدين، بعد زيارة الرئيس التركي للقاهرة في فبراير (شباط) الماضي.

وأكدت القاهرة حينها أن زيارة السيسي التاريخية لتركيا «تمثل محطة جديدة في مسار تعزيز العلاقات بين البلدين، وللبناء على زيارة الرئيس إردوغان التاريخية لمصر، وتأسيساً لمرحلة جديدة من الصداقة والتعاون المشترك، سواء على المستوى الثنائي، أو على المستوى الإقليمي، الذي يشهد تحديات جمة تتطلب التشاور والتنسيق بين البلدين».

الرئيس المصري خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس التركي في أنقرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)

التأكيد المصري - التركي جاء خلال لقاء عبد العاطي وفيدان على هامش أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة. ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، الجمعة، فإن الوزيرين أعربا عن الارتياح للتقدم الذي تشهده العلاقات الثنائية خلال الفترة الأخيرة على ضوء زيارة السيسي إلى تركيا في سبتمبر (أيلول) الجاري، والتوقيع على الإعلان المشترك للاجتماع الأول لـ«لجنة التعاون الاستراتيجي» رفيعة المستوى، وكذا زيارة الرئيس التركي إلى مصر في فبراير الماضي.

وشهدت علاقات مصر وتركيا اتجاهاً متصاعداً نحو التطبيع، بعد عقد كامل من الانقطاع والتوتر، بسبب دعم أنقرة جماعة «الإخوان» التي تحظرها السلطات في مصر منذ نهاية عام 2013. وتسارع مسار التطبيع منذ مصافحة إردوغان والسيسي خلال افتتاح مونديال كأس العالم في قطر عام 2022. وأعلن البلدان في يوليو (تموز) من العام الماضي، ترفيع العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء.

وقالت الحكومة المصرية، الشهر الجاري، إن «هناك رغبة صادقة لمصر وتركيا في إحداث المزيد من تطوير العلاقات والتعاون بينهما خلال المرحلة المقبلة». وأكد رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، خلال اجتماع للحكومة في العاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة)، أن «زيارة الرئيس السيسي لتركيا، التي تعد أول زيارة له لأنقرة، تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون والتكامل بين البلدين». وأضاف أن «هذه الزيارة سيكون لها أثر إيجابي في إرساء وتوطيد التعاون بمختلف المجالات، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي والتبادل التجاري».

فلسطينيون يتفقدون منازلهم شرق دير البلح وسط قطاع غزة بحثاً عن أشياء يمكن انتشالها بين الأنقاض (أ.ف.ب)

تطورات منطقة الشرق الأوسط، والتصعيد الإسرائيلي في لبنان، واستمرار العدوان على الفلسطينيين، كانت حاضرة بقوة خلال مناقشات «عبد العاطي - فيدان». وتوافق الوزيران على «ضرورة تحقيق وقف ‏فوري وشامل ودائم لإطلاق النار في غزة ولبنان، وتجنيب المنطقة الانزلاق إلى حرب إقليمية، وأهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته لاحتواء هذا التصعيد الخطير».

وسبق أن توافق «السيسي - إردوغان» خلال محادثاتهما في أنقرة، على ضرورة «الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، ورفض التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية، والدعوة للبدء في مسار يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967، وعاصمتها (القدس الشرقية)، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، فضلاً عن التعاون المستمر لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، رغم المعوقات المستمرة التي تفرضها إسرائيل».

وأكدت «الخارجية المصرية» في بيانها، الجمعة، أنه تم خلال لقاء عبد العاطي وفيدان في نيويورك «تبادل الرؤى حول عدد من القضايا والأزمات التي تمر بها المنطقة في السودان، وليبيا، وسوريا، واليمن، والبحر الأحمر، فضلاً عن التطورات في منطقة القرن الأفريقي». واتفق الوزيران على «استمرار التنسيق والتعاون إزاء مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك على الساحتين الإقليمية والدولية».