ليبيا: إصابات إثر اشتباكات عنيفة مفاجئة في طرابلس

الدبيبة يلمح إلى اعتزامه البقاء في السلطة عاماً إضافياً على الأقل

الدبيبة مفتتحاً صالة الركاب الجديدة بمطار طرابلس (حكومة الوحدة)
الدبيبة مفتتحاً صالة الركاب الجديدة بمطار طرابلس (حكومة الوحدة)
TT

ليبيا: إصابات إثر اشتباكات عنيفة مفاجئة في طرابلس

الدبيبة مفتتحاً صالة الركاب الجديدة بمطار طرابلس (حكومة الوحدة)
الدبيبة مفتتحاً صالة الركاب الجديدة بمطار طرابلس (حكومة الوحدة)

في مؤشر على حالة الانقسام السياسي، تجدد التوتر الأمني في العاصمة الليبية طرابلس، تزامناً مع تلميح رئيس حكومة الوحدة المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، اعتزامه البقاء في السلطة عاماً إضافياً على الأقل.

واندلعت اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء، بمحيط مقر المخابرات (مقر جهاز الأمن الخارجي) في منطقة السبعة، ما أدى إلى إغلاق الطريق الساحلي بالقرب من سجن الجديدة.

وقال سكان بمناطق شرق العاصمة إنهم سمعوا دوي أسلحة متوسطة، بينما أوضحت مصادر أمنية ووسائل إعلام محلية أن الاشتباكات جرت بين عناصر من جهازي «الشرطة القضائية» و«دعم الاستقرار»، على خلفية اعتقال متبادل بين الطرفين، التابعين لحكومة الوحدة المؤقتة، وهو سيناريو تكرر كثيراً في الشهور الأخيرة، حيث تتنازع الميليشيات المسلحة باستمرار على مناطق النفوذ والسيطرة بالمدينة.

سيارة احترقت بفعل الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس (رويترز)

ولم ترد تقارير رسمية عن سقوط ضحايا خلال هذه الاشتباكات، لكن وسائل إعلام محلية تحدثت عن تسجيل عدد غير معلوم من الإصابات، في أحدث قتال من نوعه داخل العاصمة طرابلس، رغم إعلان وزارة الداخلية بحكومة الوحدة، اعتزامها إخلاء المدينة من المظاهر المسلحة، وتشكيل لجنة ترتيبات أمنية عليا بالخصوص.

وفي حين تجاهلت حكومة «الوحدة» ووزارة داخليتها هذه التطورات، لمح الدبيبة إلى اعتزامه البقاء في السلطة حتى نهاية العام المقبل، بعدما تعهد خلال افتتاحه، مساء الثلاثاء، صالة الركاب الجديدة بمطار معيتيقة الدولي، بأن يتم بحلول نهاية العام المقبل استكمال كل أعمال مطار طرابلس الكبير.

حكومة الوحدة تعهدت بإخلاء طرابلس من المظاهر المسلحة وتشكيل لجنة ترتيبات أمنية عليا بالخصوص (أ.ف.ب)

واعتبر الدبيبة هذه الخطوة بمثابة لبنة لبداية جديدة لبناء المطارات، مشيراً إلى أنه «سيفتتح مطلع العام المقبل المرحلة الأولى من مطار طرابلس العالمي»، وشدد على ضرورة تحسين أوضاع جميع المطارات، مؤكداً أن الحكومة «مستمرة في عملية البناء والتنمية في مختلف القطاعات».

لكن وسام الإدريسي، وكيل وزارة المواصلات بحكومة الدبيبة، أعلن إلغاء تعاقدها مع الشركة الإيطالية المنفذة لمطار طرابلس بسبب «عدم التزامها»، وقال إن تنفيذ المشروع سيتواصل مع شركة أخرى، معلناً أنه قد يكون هناك تأخير لشهرين أو ثلاثة عن المواعيد التي أعلنها رئيس الحكومة.

في سياق ذلك، أعلنت إدارة مطار سبها استئناف الرحلات الجوية، اليوم الأربعاء، بعد استكمال فحص جميع الأجهزة بالمطار، وتشغيل الإنارة في جميع أقسامه، إثر إغلاقه بسبب السيول التي تعرضت لها المدينة مؤخراً، وقالت مصلحة المطارات إن استئناف الرحلات يأتي ضمن جهودها لتطوير البنية التحتية للمطار، ما يعزز قدرته على استيعاب مزيد من الرحلات الدولية، ويسهم في تسهيل حركة النقل الجوي بين المنطقة الجنوبية والمطارات الدولية.

في المقابل، أعلن مجلس النواب أن النائب الثاني لرئيسه، مصباح دومة، أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيس حكومة الاستقرار الموازية، أسامة حماد، أطلع خلاله على الإجراءات المتخذة من لجنة الطوارئ، والاستجابة السريعة بالحكومة الليبية لمعالجة الأضرار التي لحقت بالممتلكات العامة والخاصة بمدينة سبها، كما اطمأن على وصول الإمدادات والاحتياجات التشغيلية والدعم اللوجيستي لمواجهة مخلفات التقلبات الجوية التي مرت بها المدينة. كما أعلنت رئاسة أركان القوات البرية بالجيش الوطني أن قوة منها توجهت إلى أقصى الجنوب الغربي للاطمئنان على سكان بلدية براك الشاطئ، التي تضررت بعض مناطقها بسبب السيول، مشيرة إلى أنه تم الوقوف على احتياجات السكان.

من جهة ثانية، قالت ستيفاني خوري، القائمة بأعمال البعثة الأممية، إنها ناقشت مساء الثلاثاء مع رؤساء اللجان المنتخبة بمجلس الدولة الجهود الجارية لحل أزمة مصرف ليبيا المركزي، وسبل إنهاء الانقسام داخل المجلس، والحاجة الملحة لإحياء العملية السياسية وتمهيد الطريق للانتخابات.

صورة وزعتها جورجيت غانيون المنسقة الأممية بمناسبة انتهاء عملها

في حين أعلنت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة للشؤون الإنسانية، جورجيت غانيون، إنهاء مهامها بليبيا بعد فترة دامت أكثر من ثلاث سنوات، مشيرة إلى أنه رغم إحراز تقدم ملموس في تعزيز بناء السلام والتنمية المستدامة، فإنه يتوجب إنجاز الكثير من العمل في المستقبل، وأعربت عن أملها في شق مسار نحو حل الانسداد السياسي الراهن.

في غضون ذلك، كرر الصديق الكبير، المحافظ السابق للمصرف المركزي، ادعاءه بأنه سيعود مجدداً خلال أيام إلى ممارسة عمله في طرابلس، لافتاً في تصريحات تلفزيونية، مساء الثلاثاء، إلى أن المؤسسات الدولية أوقفت تعاملها مع ليبيا. ووصف الوضع الاقتصادي الحالي للبلاد، والتوسع الحكومي في الإنفاق، بأنه «لا يطمئن الليبيين بخير مستقبلاً».

الصديق الكبير أكد أنه سيعود مجدداً خلال أيام إلى ممارسة عمله في طرابلس (رويترز)

وأوضح الكبير أنه غادر طرابلس بعد شعوره بالخطر على حياته، مشيراً إلى أنه علم بقرار المجلس الرئاسي بإقالته من وسائل التواصل، رغم لقائه رئيسه محمد المنفي خلال الأيام التي سبقت القرار ونفيه نيته لذلك، كما نفى أن يكون هذا القرار بسبب تجميد المصرف الميزانية المخصصة للمجلس الرئاسي ووقف المرتبات، لافتاً إلى أن بداية سوء العلاقة مع الحكومة كانت بعد مطالبته بإقرار ميزانية موحدة للبلاد، وإعادة انتخاب المشري لمجلس الدولة.

من جهته، قال السفير والمبعوث الأميركي الخاص، ريتشارد نورلاند، إنه بحث مساء الثلاثاء في القاهرة مع كريم درويش، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب المصري، تعميق المشاورات الأميركية - المصرية بشأن الجهود المبذولة لدفع العملية السياسية في ليبيا.

صورة وزعها السفير الأميركي لاجتماعه بمسؤولي الخارجية في البرلمان المصري

في شأن آخر، أدانت محكمة الجنايات بطرابلس ثلاثة سفراء سابقين؛ وثلاثة قائمين على الشؤون الصحية، وملحقيْن ثقافيين سابقين في بعثة ليبيا لدى أوكرانيا بالسجن مدة ثماني سنوات، وتغريمهم 13 ألف دينار، وحرمانهم من حقوقهم المدنية مدة تنفيذ العقوبة ومدة سنة عقب تنفيذها.

وأعلن مكتب النائب العام أن تقارير رقابية دلَّلت على ما وصفه بجنوح أداء مسؤولي البعثة من عام 2015 حتى عام 2019.


مقالات ذات صلة

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

شمال افريقيا جانب من الحضور خلال توقيع اتفاق ينهي أزمة الصراع على مصرف ليبيا المركزي (البعثة الأممية)

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

بحضور دبلوماسي عربي وغربي، وقّع ممثلان عن مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا اتفاقاً يقضي بتعيين محافظ مؤقت للمصرف المركزي ونائب له.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة عام 2023 (المجلس)

المشري يتهم تكالة بـ«اغتصاب السلطة»... إلى أين يتجه «الدولة» الليبي؟

في تصعيد جديد على مسار الصراع بشأن رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، اتهم خالد المشري غريمه محمد تكالة بـ«اغتصاب السلطة وانتحال صفة رئيس المجلس».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا البنك المركزي بطرابلس (رويترز)

تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة المصرف المركزي

أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الأربعاء، التوصل إلى تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة إدارة المصرف المركزي الذي يشهد تنازعاً على السلطة.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا سوق المشير لبيع وشراء الدولار بالعاصمة الليبية طرابلس قبل إغلاقه (جمال جوهر)

ليبيا: سلطات طرابلس لمواجهة «السوق السوداء» للدولار

صعّدت السلطات الأمنية بالعاصمة الليبية مواجهة المضاربات على الدولار في «السوق السوداء»، وأقدمت على إغلاق محال بيع وشراء العملات الأجنبية في سوق المشير.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء الدبيبة مع الوفد الأميركي (حكومة الوحدة)

​حكم قضائي يعقّد أزمة «المركزي» الليبي

قضت محكمة استئناف الزاوية غرب العاصمة طرابلس بانعدام قرار المجلس الرئاسي بشأن تسمية محمد الشكري محافظاً للمصرف المركزي مما عدّه البعض تعقيداً لجهود حل الأزمة.

خالد محمود (القاهرة)

صراع «القرن الأفريقي»… نذر المواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
TT

صراع «القرن الأفريقي»… نذر المواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)

تصاعدت نذر الصراع في منطقة القرن الأفريقي على مدار الأشهر الماضية، وسط تزايد المخاوف من اندلاع حرب «لا يتحدث عنها أحد»، في ظل عدم وجود «أفق واضح للتهدئة» بين طرفي الأزمة الرئيسيين الصومال وإثيوبيا، ما قد يجر دول المنطقة، التي تعاني نزاعات داخلية متجذرة، إلى منعطف خطير، لا يؤثر عليها فحسب، بل يضرّ بحركة التجارة العالمية أيضاً.

الشرارة الأولى للصراع الحالي كانت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، عقب توقيع إثيوبيا، الدولة الحبيسة، «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، اعترفت بموجبه أديس أبابا باستقلال الإقليم، مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

لم تمر المذكرة بهدوء، ولا سيما أن إقليم «أرض الصومال» مارس بتوقيعه عليها عملاً من أعمال السيادة، برغم أنه لم يحظَ باعتراف دولي منذ أعلن استقلاله بشكل أحادي عام 1991.

عارضت مقديشو الاتفاق، ووقّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بعد أسبوع، قانوناً يلغي «مذكرة التفاهم». كما أعلنت جامعة الدول العربية ومؤسسات دولية أخرى دعمها لسيادة الصومال.

مصر أيضاً دخلت على خط الأزمة، وحذّر الرئيس عبد الفتاح السيسي، عقب لقائه نظيره الصومالي في القاهرة، في يناير الماضي، من «المساس بأمن الصومال وسيادته»، وقال: «ماحدش (لا أحد) يجرب مصر».

بدأ الصومال في حشد الدعم الدولي لموقفه ضد إثيوبيا، ووقّع في 21 فبراير (شباط) اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، و«مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى 5 قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. كما هدّد بطرد القوات الإثيوبية من بلاده، علماً بأنها تشارك ضمن قوة أفريقية في جهود «مكافحة الإرهاب».

وفي محاولة لحلّ الأزمة المتصاعدة، أطلقت تركيا، التي تمتلك قاعدة عسكرية في الصومال منذ عام 2017، في 2 يوليو (تموز) الماضي مبادرة للوساطة بين إثيوبيا والصومال، عقدت من خلالها جولتي مباحثات، بينما ألغيت الثالثة التي كانت مقررة الشهر الحالي.

ومع تصاعد الأزمة، وقّع الصومال ومصر بروتوكول تعاون عسكرياً في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)

التحركات المصرية أثارت غضب أديس أبابا، التي اتهمت مقديشو بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار». وفي المقابل، اتهم الصومال إثيوبيا بإدخال شحنة أسلحة إلى إقليم «بونتلاند».

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن وزير خارجية أديس أبابا، تايي أتسكي سيلاسي، قوله إنه «يشعر بالقلق من أن الأسلحة القادمة من قوى خارجية من شأنها أن تزيد من تدهور الوضع الأمني الهش، وأن تصل إلى أيدي الإرهابيين في الصومال».

وردّ وزير خارجية الصومال، أحمد معلم فقي، بقوله إن «الدافع وراء هذه التصريحات المسيئة هو محاولتها (إثيوبيا) إخفاء التهريب غير القانوني للأسلحة عبر الحدود الصومالية، التي تقع في أيدي المدنيين والإرهابيين».

الصراع الحالي ليس إلا «نتيجة ثانوية لمذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال»، بحسب حديث الباحث المتخصص في شؤون شرق أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، عمر محمود، لـ«الشرق الأوسط». لكنه «ليس صراعاً وليد اللحظة حيث يعكس التصعيد الأخير أيضاً قضايا قديمة في منطقة القرن الأفريقي لم تتم معالجتها».

وهو ما يؤكده عضو البرلمان الإثيوبي الباحث السياسي، أسامة محمد، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى «المظالم التاريخية والنزاعات الحدودية التي تؤجج التوترات في القرن الأفريقي»، ضارباً المثل بالنزاع المائي بين مصر وإثيوبيا.

وتعد مكافحة «الإرهاب»، وتحديداً «حركة الشباب»، أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الصومال، جنباً إلى جنب مع المشاكل الداخلية المتعلقة بالعشائر القبلية. وهي تحديات ليست ببعيدة عن إثيوبيا التي تواجه أيضاً نزاعات داخلية في بعض الأقاليم، يرى مراقبون أنه «يمكن استغلالها في الصراع الحالي».

ويدافع عضو البرلمان الإثيوبي عن «دور بلاده التاريخيّ في استقرار الصومال»، وإن «أدت التحديات الداخلية بما في ذلك صراع تيغراي إلى عرقلة جهود أديس أبابا في دعم الدول المجاورة»، على حد قوله.

وتحت عنوان «الحرب المقبلة التي لا يتحدث عنها أحد»، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إنه «بفضل طموحات آبي أحمد التوسعية ومخططاته المتهورة، أصبح القرن الأفريقي على أعتاب حرب، من شأنها أن تعرض المنطقة للخطر، وترتد ضد بقية العالم».

ويرتبط النزاع الحالي بـ«مشاريع آبي أحمد التوسعية»، حسب الباحث الآريتري - الأميركي المتخصص في قضايا القرن الأفريقي، إبراهيم إدريس، الذي يشير، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أديس أبابا «تحاول تحقيق التنمية على حساب الدول الأخرى».

طموح آبي أحمد في الوصول إلى البحر الأحمر ليس وليد اللحظة، حيث يسعى لتحقيق ذلك منذ توليه مهام منصبه في أبريل (نيسان) 2018، عبر ما يسمى بـ«دبلوماسية الموانئ». وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تحدث آبي أحمد، أمام برلمان بلاده، عن «ضرورة إيجاد منفذ لبلاده على البحر».

وفقدت إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، عندما حصلت إريتريا على استقلالها في عام 1993، ومنذ ذلك العام تعتمد أديس أبابا على ميناء جيبوتي.

ورغم أن منبع الصراع الحالي هو «مذكرة التفاهم»، فإن «إثيوبيا ترى أن مصر تسعى لفتح جبهة نزاع جديدة مع إثيوبيا في الصومال»، بحسب مدير معهد هيرال لشؤون الأمن في القرن الأفريقي، الباحث الصومالي محمد مبارك، في حديث له مع «الشرق الأوسط».

وبين مصر وإثيوبيا نزاع ممتد لأكثر من 10 سنوات، بسبب «سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيس لنهر النيل، وتوقفت المفاوضات بين البلدين إثر «رفض أديس أبابا الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، ما دفع القاهرة إلى اللجوء لمجلس الأمن».

والتدخل المصري في الأزمة الصومالية يأتي في سياق تعزيز وجودها في القرن الأفريقي، مع أهمية المنطقة المطلة على البحر الأحمر، وهو «ليس جديداً»، بحسب الخبير الأمني المصري، اللواء محمد عبد الواحد، الذي كان في الصومال في التسعينات من القرن الماضي، في ظل وجود قوات مصرية «ساهمت في إعادة الاستقرار لمقديشو، وكذلك تقريب وجهات النظر بين العشائر المتحاربة».

لكن عضو البرلمان الإثيوبي يرى أن «تدخل مصر أدى إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية في المنطقة».

بينما يرى إدريس أن دخول مصر وإريتريا على خط الأزمة «أمر طبيعي مرتبط بعلاقات البلدين التاريخية مع الصومال»، مؤكداً أن «القاهرة وأسمرة تهدفان إلى تعزيز سيادة الجيش الصومالي، وفرض الاستقرار والأمن في البحر الأحمر».

وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، عقد وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا اجتماعاً قبل أيام لتنسيق المواقف وحماية استقرار المنطقة.

وبينما لا يرجح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «اندلاع صراع مباشر بين إثيوبيا والصومال، بسبب تكلفته الباهظة»، لا يستطيع، في الوقت نفسه، استبعاد هذا السيناريو، «إذا لم يتم حل المشكلة، واستمرت التوترات في التصاعد».

ويستبعد الباحث الإرتيري أيضاً «نشوب حرب عسكرية في المنطقة»، وإن أشار إلى «استمرار صراع النفوذ بين القوى الغربية المختلفة على منطقة القرن الأفريقي، ولا سيما روسيا والصين، وفي ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية عدة في دول المنطقة».

واحتمالات التصعيد، وفق الباحث الصومالي، «متوسطة إلى عالية». ويشير مبارك إلى «توترات عدة في المنطقة لم تتطور إلى نزاع مسلح»، لكنه يرى أن «الصراع المسلح قد يصبح حقيقة إذا اعترفت إثيوبيا فعلياً بأرض الصومال».

ويعتقد عضو البرلمان الإثيوبي بإمكانية «كبيرة» للتصعيد، ولا سيما أن «تقاطع المصالح الوطنية والعابرة للحدود الوطنية، والتنافس على الموارد مثل المياه والأراضي والنفوذ السياسي قد يؤدي إلى إشعال مزيد من الصراعات». ويقول: «أي سوء فهم أو سوء تواصل، وخاصة في ما يتعلق بمياه النيل، من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من المواجهات بين إثيوبيا ومصر».

في المقابل، يخشى الخبير الأمني المصري من «تحركات عدائية إثيوبية ضد القوات المصرية قد تشعل الوضع في ظل عدم وجود أطر للتسوية أو حل الأزمة». ويشير إلى أن «أديس أبابا لديها تأثير في الصومال، وعلاقات بأمراء الحرب الذين أشعلوا الصومال في التسعينات، الأمر الذي يثير القلق من استخدامهم في النزاع الحالي».

ومع تصاعد الصراع الصومالي - الإثيوبي، اقترحت جيبوتي تأمين وصول أديس أبابا لمنفذ على البحر. وحتى الآن لم تتمكن جهود الوساطة، من «سد الفجوات بين الجانبين».

يتطلب حل الأزمة جهداً دولياً منسقاً، «تصطف فيه الوساطات في مسار واحد»، حيث يرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية أنه «لا يمكن لجهة فاعلة واحدة حلّ الصراع بمفردها.

مثله، يقترح عضو البرلمان الإِثيوبي «مزيجاً من التعاون الإقليمي والوساطة الدولية والإصلاحات الداخلية لحل الأزمة».

ويبدو أن الصراع الحالي ينذر بمخاطر عدة، ويثير مخاوف «حرب بالوكالة»، وفق الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، «بحيث قد يدعم كل طرف القوات المناهضة للحكومة في أراضي الآخر» على حد قوله.

وبالفعل، حذّر تقرير مشروع «كريتكال ثريتس» التابع لـ«معهد إنتربرايز» الأميركي للأبحاث السياسية العامة، قبل أيام، من «زيادة خطر اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً، وإطالة أمد الأزمة في القرن الأفريقي».