«سد النهضة»: مصر تشدِّد على حتمية ضمان «حقوق» دولتَي المصب

وزير الخارجية قال إن بلاده لن تتنازل عن «قطرة واحدة» من حصتها المائية

مؤتمر صحافي بالقاهرة بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره المجري بيتر سيارتو (الخارجية المصرية)
مؤتمر صحافي بالقاهرة بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره المجري بيتر سيارتو (الخارجية المصرية)
TT

«سد النهضة»: مصر تشدِّد على حتمية ضمان «حقوق» دولتَي المصب

مؤتمر صحافي بالقاهرة بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره المجري بيتر سيارتو (الخارجية المصرية)
مؤتمر صحافي بالقاهرة بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره المجري بيتر سيارتو (الخارجية المصرية)

شدَّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الثلاثاء، على أهمية التوصل مع إثيوبيا إلى اتفاق قانوني مُلزِم لتشغيل وإدارة «سد النهضة» على نهر النيل، مؤكداً أنه «لا تنازُل عن قطرة مياه واحدة» من حصة بلاده المائية.

وتبني إثيوبيا «سد النهضة» على الرافد الرئيسي لنهر النيل منذ عام 2011، بداعي توليد الكهرباء، لكنَّ دولتَي المصب - مصر والسودان - تخشيان من تأثّر حصتَيهما من مياه نهر النيل.

وقال عبد العاطي، خلال مؤتمر صحافي مشترك، مع وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري بيتر سيارتو، الذي يزور القاهرة: «تحدثنا عن الأمن المائي المصري، وأنه لا تفريط في قطرة مياه إلى مصر؛ لأن ما يرِد إلى مصر سنوياً من مياه النيل التي نعتمد عليها كلياً لا تكفي حتى 60 في المائة من احتياجاتنا السنوية، وبالتالي تقوم مصر بإعادة تدوير المياه أكثر من مرة حتى نسد الفجوة الحالية».

وتبلغ حصة مصر من مياه نهر النيل 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، في حين أن «استهلاكها الحالي يتجاوز 85 مليار متر مكعب، يتم تعويض الفارق من المياه الجوفية، ومشروعات تحلية مياه البحر»، وفق وزارة الموارد المائية والري.

وشدّد الوزير المصري على أنه «لا مجال للتنازل عن قطرة مياه واحدة؛ لأن المعدلات الراهنة لا تكفي احتياجاتنا، وأن هناك ضرورة حتمية للتوصل إلى اتفاق قانوني مُلزِم لتشغيل السد».

جانب من «سد النهضة» الإثيوبي (رويترز)

وتجمَّدت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن النزاع منذ أكثر من عام. وفي شكوى قدَّمَتها لمجلس الأمن الدولي، مطلع سبتمبر (أيلول) الحالي، قالت القاهرة إن «أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور، بغرض تكريس الأمر الواقع».

مصر والمجر... شراكة استراتيجية

من جهة أخرى، أكّد وزير الخارجية المصري، وجود تفاهم وتوافق سياسي مشترك بين مصر والمجر، مشيراً إلى حرص البلدين على «مزيد من تعزيز العلاقات، ورفع مستوى العلاقات إلى الشراكة الاستراتيجية».

وأضاف خلال المؤتمر الصحافي، أن المجر الذي تتولى منذ يوليو (تموز) الماضي، رئاسة الاتحاد الأوروبي، «ويُتوقَّع منها مزيد من الدعم للمواقف المصرية داخل الاتحاد»، ونوَّه بالالتزام المشترك للبلدين بتطوير العلاقات الثنائية، على ضوء الإرادة السياسية من قيادتي البلدين.

ولفت إلى أن معدلات السياحة المجرية في مصر عادت إلى معدلاتها الطبيعية قبل جائحة «كورونا»، وأضاف: «نتطلع إلى مزيد منها».

مقابلة ثنائية بين عبد العاطي وسيارتو قُبيل جلسة مباحثات موسّعة (الخارجية المصرية)

ونوّه عبد العاطي إلى تكرار الزيارات المتبادلة، وفي مقدّمتها زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى المجر، خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ثم زيارة رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان إلى مصر، خلال فبراير (شباط) 2023، وهي الزيارة التي أسهمت في ترفيع العلاقات.

وأكّد التعاون الوثيق مع المجر في قطاع النقل وتحديث قطاع السكك الحديدية في مصر، لا سيما مشروع توريد أكثر من 1350 عربة قطار؛ بوصفها الصفقة الأكبر من نوعها في تاريخ هيئة «سكك حديد مصر»، مشيراً إلى أن عملية التسليم تتم بوتيرة إيجابية وجيدة، حيث جرى توريد أكثر من 970 عربة قطار، والمتبقّي يتم توريده وفقاً للجدول الزمني.

وحول العلاقات الاقتصادية والتجارية، أكّد حرص مصر على زيادة التفاعل للقطاع الخاص في مصر والمجر؛ لتحقيق مزيد من دفع للاستثمارات المجرية في مصر، وتطوير هذه العلاقات.

ونوّه إلى وجود علاقات تعاون قوية في المجالين الزراعي والمائي، لا سيما في ضوء التكنولوجيا المجرية المتقدمة في مجال إدارة الموارد المائية وترشيد استخدامها، لافتاً إلى أنه سيكون هناك إعلان عن مشروعات للتعاون في هذا القطاع قريباً، كما تحدّث عن تعاون ثلاثي موجَّه للقارة الأفريقية، وخصوصاً في القطاع الطبي والأدوية.

أزمات إقليمية متفجرة

وقال عبد العاطي إنه بحث مع نظيره المجري في العديد من الأزمات المتفجرة التي تحيط بمصر، وبشأن ليبيا، أكّد الوزير المصري أهمية التوصل إلى اتفاق يقضي بسرعة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بما يحفظ لليبيا وحدتها، وأن تكون هناك تسوية ليبية، بعيداً عن أي تدخلات خارجية، مضيفاً: «الدور الخارجي - للأسف الشديد - يتّسم بالسلبية».

وفيما يخص السودان، أوضح أن «المناقشات دارت كذلك حول الأوضاع السودانية، والأعباء الهائلة التي تتحمَّلها الدولة المصرية في استيعاب مئات آلاف بل الملايين من أشقائنا»، مطالباً بـ«التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، يحفظ للسودانيين أرواحهم، ويحفظ الدم السوداني بطبيعة الحال»، وأهمية «نفاذ المساعدات إلى داخل السودان، والوقف الفوري لتدفق الأسلحة».

متطوعون يوزّعون الطعام في العاصمة السودانية (أرشيفية - رويترز)

وحول الوضع في منطقة القرن الأفريقي، شدّد عبد العاطي على «وحدة الأراضي الصومالية، والرفض الكامل لأي سياسات تنال من وحدة الصومال».

كما شدّد على «الأولوية القصوى للوقف الفوري للعدوان ولإطلاق النار في قطاع غزة»، وضرورة «التوصل إلى صفقة تقضي بإطلاق سراح جميع الرهائن والأسرى المحتجزين، وتضمن النفاذ الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية والطبية إلى الأهالي في قطاع غزة».

الهجرة غير الشرعية

بدوره، وصف وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري بيتر سيارتو، مصر بأنها «أحد ضمانات الأمن الأوروبي، وهي الحاجز الحامي والستار الواقي لجنوب القارة الأوروبية»، لافتاً إلى أن «المجر تحترم الدور الذي تلعبه مصر في وقف الهجرة غير الشرعية، وتُثمّن وتُقدّر عدم وجود ضغط على أوروبا من الجانب المصري في مسألة الهجرة».

وقال سيارتو إن «مصر والمجر يرغبان في العيش بأمان، لهذا هناك حاجة أولاً لإنهاء الحروب التي تعصف بمنطقتنا في أقرب وقت ممكن، وإيقاف موجات الهجرة غير الشرعية».

وأكّد الوزير المجري أن بلاده «ستعمل على تسريع تنفيذ الاتفاقية التي تم توقيعها في يونيو (حزيران) الماضي بين مصر والاتحاد الأوروبي، حول تخصيص دعم مالي من أوروبا إلى مصر، حيث سيتم تحويل هذه المبالغ إلى مصر في أسرع وقت ممكن».

وطالب وزير الخارجية المجري بضرورة تسريع حصول مصر من صندوق السلام الأوروبي على مساعدة مالية، موضحاً أن مصر لديها مسؤولية حماية حدودها مع السودان وليبيا.

وحذَّر من «خسارة التعامل الإيجابي مع مصر في مسألة الهجرة غير الشرعية»، مؤكداً أنه «سيكون لدينا مصاعب كبيرة في التعاطي مع الضغط الذي سيكون على أوروبا، ونحن نحتاج إلى حليف كمصر؛ لأنه خلال الـ20 سنة المقبلة سيزيد عدد سكان أفريقيا بمقدار 750 مليون نسمة، وهذا سيؤدي إلى أمرين؛ إما كارثة إنسانية، أو موجات ضغط من المهاجرين على أوروبا».

مراسم توقيع مذكرة تفاهم بين مصر والمجر في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية (الخارجية المصرية)

تعاون نووي

وأعلنت مصر عن تعاون مع المجر في مجال تكنولوجيا المفاعلات النووية، في ظل تدشينها محطة «الضبعة» النووية، حيث وقّع البلدان على هامش الزيارة «مذكرة تفاهم حول التعاون بين محطة (الضبعة) المصرية ومحطة (باكش 2) المجرية».

وقال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري محمود عصمت إن «نموذج المفاعل النووي المجري مماثل لنموذج المفاعل النووي الذي اختارته مصر لديها»، بينما أشاد وزير الخارجية المجري بـ«التقدم الذي وصلت إليه مصر في مسألة بناء المفاعلات»، متوقعاً أن «يكون هناك تكنولوجيات مجرية يمكن أن تُسهم في بناء مفاعل الضبعة داخل مصر أيضاً».


مقالات ذات صلة

محادثات مصرية - ألمانية تناولت «سد النهضة» ومستجدات المنطقة

شمال افريقيا الرئيس المصري خلال محادثات مع نظيره الألماني في القاهرة (الرئاسة المصرية)

محادثات مصرية - ألمانية تناولت «سد النهضة» ومستجدات المنطقة

أكد الرئيس المصري أنه اتفق مع نظيره الألماني على أهمية التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
تحليل إخباري منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري ما خيارات مصر للرد على مساعي إثيوبيا لإنشاء مفوضية «حوض النيل»؟

خطوة تصعيدية جديدة لإثيوبيا ترفع منسوب التوتر مع القاهرة عبر طلب للاتحاد الأفريقي بإنشاء مفوضية لدول حوض النيل تأسيساً على اتفاقية عرفت باسم «عنتيبي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تحليل إخباري رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال الاحتفال بيوم السيادة في العاصمة أديس أبابا (وزارة الخارجية الإثيوبية - إكس)

تحليل إخباري القاهرة وأديس أبابا... توترات متصاعدة و«رسائل تهديد مبطّنة»

توترات تتصاعد بين أديس أبابا والقاهرة، زاد من وتيرتها الحضور المصري العسكري في جارتها الصومال قبل أسابيع، وسط رفض من إثيوبيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي «سد النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)

مصر تشكو إثيوبيا مجدداً لمجلس الأمن: تهدد استقرار الإقليم

صعّدت مصر في نزاعها مع إثيوبيا بشأن «سد النهضة» على نهر النيل، مجددة شكواها إلى مجلس الأمن الدولي، ضد ما وصفته بـ«السياسات الأحادية» لأديس أبابا.

عصام فضل (القاهرة)
شمال افريقيا سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)

مصر ترفض تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا بشأن «سد النهضة»

وجه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إثر التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

السودان: عشرات القتلى والجرحى في قصف مدفعي على الفاشر

تسبب اندلاع القتال في الفاشر في نزوح مئات الآلاف إلى المحليات الآمنة شمال الولاية (أ.ف.ب)
تسبب اندلاع القتال في الفاشر في نزوح مئات الآلاف إلى المحليات الآمنة شمال الولاية (أ.ف.ب)
TT

السودان: عشرات القتلى والجرحى في قصف مدفعي على الفاشر

تسبب اندلاع القتال في الفاشر في نزوح مئات الآلاف إلى المحليات الآمنة شمال الولاية (أ.ف.ب)
تسبب اندلاع القتال في الفاشر في نزوح مئات الآلاف إلى المحليات الآمنة شمال الولاية (أ.ف.ب)

قالت لجان مقاومة مدينة الفاشر، الواقعة بولاية شمال دارفور غرب السودان، الثلاثاء، إن العشرات قُتلوا وجُرحوا في قصف مدفعي من قِبل «قوات الدعم السريع» على المدينة، التي تشهد موجات نزوح جديدة، إثر تجدد المعارك الضارية بين أطراف القتال.

وأفاد ناشطون ومصادر محلية بأن المدينة تتعرض لقصف مدفعي عنيف، يستهدف المنازل والمستشفيات، ودور إيواء النازحين التي تقع وسط مناطق مأهولة بالسكان.

وأضافت لجان المقاومة (جماعة محلية) في تصريح على موقع «فيسبوك» أن الفاشر تباد بقصف متعمد من قِبل «ميليشيات الجنجويد»، استُخدمت فيه أكثر من 50 راجمة، الثلاثاء، وخلّف العشرات الجرحى والقتلى.

وقال سكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط» إنهم سمعوا منذ الصباح الباكر دويّ أصوات مدفعية في مناطق متفرقة من الفاشر. بينما ذكر شهود عيان أن «القذائف المدفعية والراجمات» تتساقط عشوائياً على الأحياء الجنوبية والشرقية للمدينة.

وتتواصل منذ الأسبوع الماضي معارك عنيفة بين الجيش السوداني والقوات المتحالفة من جهة، و«قوات الدعم السريع» من جهة أخرى في الفاشر، التي تعد العاصمة الوحيدة في ولايات دارفور الخمس التي لم تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»، التي تسيطر على أكثر من 80 في المائة من الإقليم، بعد سقوط القواعد العسكرية التابعة للجيش السوداني في مدن الجنينة ونيالا، وزالنجي والضعين.

وتصدى الجيش السوداني والقوات المتحالفة خلال الأيام القليلة الماضية لعشرات الهجمات الواسعة التي ظلت تشنها «قوات الدعم السريع» بهدف الاستيلاء على المدينة.

وكانت المنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان، كليمنتاين نكويتا سلامي، قد دعت، الاثنين، الأطراف المتحاربة لوقف القتال في المدينة، بعد أن بات يهدد حياة آلاف الأشخاص.

ونقلت منصات إعلامية تابعة لـ«قوات الدعم السريع» فيديوهات تشير إلى تقدُّم قواتها داخل الأحياء السكنية في الفاشر، على مقربة من قاعدة الجيش السوداني «الفرقة السادسة مشاة».

وفقاً للأمم المتحدة قُتل أكثر من 188 ألف شخص وأصيب أكثر من 33 ألف شخص منذ اندلاع الحرب (أ.ف.ب)

بدورها، أكدت «قوات الدعم السريع» في بيان على منصة «إكس» التزامها الكامل بإيصال المساعدات الإنسانية إلى الملايين من ضحايا الحرب، التي أشعلها عناصر النظام المعزول الذي اختطف القرار داخل القوات المسلحة السودانية. وقالت إن «الأكاذيب والادعاءات الفارغة» التي ظل يرددها حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، بشأن نهب قوافل المساعدات الإنسانية، هي للتغطية على الهزائم التي تتعرض لها مرتزقته.

كما ذكرت في البيان أن «قوات الدعم السريع» تعمل مع المنظمات الإنسانية لتسهيل وصول المساعدات لمستحقيها، في الوقت الذي يحرض فيها «مناوي» الجيش السوداني على قصف المدن، والبلدات الآمنة بالبراميل المتفجرة لقتل الأبرياء من الأطفال والنساء.

ومنذ اندلاع القتال في الفاشر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نزح مئات الآلاف إلى المحليات الآمنة شمال الولاية. ووفقاً للأمم المتحدة، فقد قُتل أكثر من 188 ألف شخص، وأصيب أكثر من 33 ألف شخص منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023.