مصر تعوّل على تعيين «مبعوث أممي» لمواجهة «الندرة المائية»

في ظل مخاوف من تأثير «سد النهضة» الإثيوبي في حصتها من النيل

جانب من آخر جولة مفاوضات بشأن «سد النهضة» بين مصر والسودان وإثيوبيا في ديسمبر الماضي (الري المصرية)
جانب من آخر جولة مفاوضات بشأن «سد النهضة» بين مصر والسودان وإثيوبيا في ديسمبر الماضي (الري المصرية)
TT

مصر تعوّل على تعيين «مبعوث أممي» لمواجهة «الندرة المائية»

جانب من آخر جولة مفاوضات بشأن «سد النهضة» بين مصر والسودان وإثيوبيا في ديسمبر الماضي (الري المصرية)
جانب من آخر جولة مفاوضات بشأن «سد النهضة» بين مصر والسودان وإثيوبيا في ديسمبر الماضي (الري المصرية)

في ظل مخاوف من تأثير «سد النهضة» الإثيوبي في حصة القاهرة من مياه نهر النيل، تعوّل مصر على تعيين «مبعوث أممي للمياه»؛ لمواجهة «الندرة المائية» التي تعانيها البلاد، وهو منصب مستحدث للمرة الأولى في الأمم المتحدة، وستشغله وزيرة خارجية إندونيسيا ريتنو مرصودي، بدءاً من نوفمبر (تشرين ثاني) المقبل.

ورحّبت القاهرة بقرار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، استحداث منصب «المبعوث الأممي للمياه».

وأكدت وزارة الخارجية المصرية، السبت، تطلعها إلى «تعزيز التعاون مع المبعوثة الأممية الجديدة لتحقيق أهداف (أجندة 2030) في مواجهة الندرة المائية»، وذلك في ظل «الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة للإدارة الرشيدة للموارد المائية، وتعزيز التعاون العابر للحدود وفقاً لقواعد القانون الدولي».

وفشلت آخر جولة مفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن «سد النهضة»، خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في الوصول لاتفاق بشأن ملء السد. وبدأت الحكومة الإثيوبية عملية الملء الخامس لـ«سد النهضة» مع بداية موسم الفيضانات في يوليو (تموز) الماضي، وحتى سبتمبر (أيلول) الحالي، وسط توقعات بأن يرفع الملء الخامس «نسبة التخزين في بحيرة (السد) إلى 64 مليار متر مكعب من المياه ليصل عند ذروته النهائية إلى 640 متراً»، حسب بيانات الحكومة الإثيوبية.

ويرى خبراء أن استحداث منصب «المبعوث الأممي للمياه» من شأنه أن يضع قضايا المياه والنزاعات المتعلقة بها في إطار دولي. وقال أستاذ القانون الدولي، الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، الدكتور محمد محمود مهران لـ«الشرق الأوسط» إن «تعيين مبعوث أممي يعكس إدراكاً متزايداً من المجتمع الدولي لأهمية قضايا المياه وتأثيرها في الأمن والاستقرار العالميَّين، ويسهم في تعزيز الإطار القانوني الدولي لإدارة الموارد المائية المشتركة».

وأشار مهران إلى أن «وجود مبعوث أممي متخصص قد يساعد على توفير منصة محايدة للحوار وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة»، متوقعاً أن «تزداد الضغوط الدولية على إثيوبيا من أجل التوصل لاتفاق قانوني بشأن سد النهضة».

«سد النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي - إكس)

وتبلغ حصة مصر من مياه نهر النيل 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، في حين أن «استهلاكها الحالي يتجاوز 85 مليار متر مكعب، يتم تعويض الفارق من المياه الجوفية ومشروعات تحلية مياه البحر»، وفق وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم.

وأكد سويلم، في تصريحات سابقة، أن مصر أنفقت 10 مليارات دولار (الدولار يعادل نحو 48.35 جنيه في البنوك المصرية) خلال الـ5 سنوات الماضية؛ لتعزيز كفاءة المنظومة المائية في البلاد ومجابهة التحديات المائية.

وبحسب إفادة وزارة الخارجية المصرية، السبت، فإن «مصر قد قادت بالاشتراك مع ألمانيا تحركاً موسعاً على مسار الإعداد لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه عام 2023، ونجح هذا التحرك في حشد دعم 151 دولة بهدف استحداث منصب المبعوث الأممي للمياه؛ لدعم جهود الدول الأعضاء، خصوصاً دول الندرة المائية، في مواجهة تحديات تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة المعني بالمياه».

ووصف أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، استحداث منصب «المبعوث الأممي للمياه» بـ«الخطوة الجيدة». لكنه قال إنها «غير كافية» لمواجهة التحديات المائية حول العالم. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الخطوة تشكّل بداية لوضع إطار دولي لإدارة المياه حول العالم، خصوصاً الأنهار المشتركة، والنزاعات».

وبحسب شراقي فإن «تعيين مبعوث أممي للمياه سيفتح الباب لطرح أفكار مختلفة لمواجهة الشح المائي، وإنشاء مشروعات مشتركة لعزيز الموارد المائية، خصوصاً بين الدول التي لديها أنهار مشتركة مثل دول حوض النيل».

وتقيم إثيوبيا «سد النهضة» على رافد نهر النيل الرئيسي منذ 2011 لإنتاج كهرباء تلبي احتياجات 60 في المائة من المنازل. ويواجه مشروع «السد» اعتراضات من دولتَي المصب (مصر والسودان)، للمطالبة بـ«اتفاق قانوني ينظم عمليات ملء وتشغيل (السد) بما لا يضر بحصة كل منها المائية».

وتوقع نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، الدكتور أيمن عبد الوهاب، أن يسهم تعيين مبعوث أممي للمياه في «وضع قضية النزاع حول سد النهضة في بؤرة اهتمام الرأي العام العالمي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المبعوث الأممي سيكون معنياً بقضية المياه في العالم، ومنها دول حوض النيل، فعندما يتحدث عن تعزيز التعاون بين هذه الدول ستبرز قضية سد النهضة».

ووفق عبد الوهاب فإن «أي أفكار يطرحها المبعوث الأممي لتعزيز التعاون بين دول حوض النيل عبر المشروعات المشتركة ستصطدم بالتعنت الإثيوبي، وهو ما سيجعل تصريحاته وبياناته مهمة في الضغط على أديس أبابا».


مقالات ذات صلة

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

دخل مجلس النواب المصري (البرلمان) على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات في البلاد.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

مصر تدعو إلى «حلول سلمية» للنزاعات في القارة السمراء

دعت مصر إلى ضرورة التوصل لحلول سلمية ومستدامة بشأن الأزمات والنزاعات القائمة في قارة أفريقيا. وأكدت تعاونها مع الاتحاد الأفريقي بشأن إعادة الإعمار والتنمية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

تشرع الحكومة المصرية في إعداد مساكن بديلة لأهالي مدينة «رأس الحكمة» الواقعة في محافظة مرسى مطروح (شمال البلاد).

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج بجنوب مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».