أحكام السجن والإعدام «أدوات للحرب» في السودان

جدل قانوني وسياسي حول معاقبة المتهمين بالتعاون مع «الدعم»

عائلات نازحة بولاية كسلا بالسودان في 10 يوليو 2024 (رويترز)
عائلات نازحة بولاية كسلا بالسودان في 10 يوليو 2024 (رويترز)
TT

أحكام السجن والإعدام «أدوات للحرب» في السودان

عائلات نازحة بولاية كسلا بالسودان في 10 يوليو 2024 (رويترز)
عائلات نازحة بولاية كسلا بالسودان في 10 يوليو 2024 (رويترز)

تحولت أحكام بالسجن والإعدام في السودان صدرت بحق مواطنين خلال الحرب الممتدة منذ أبريل (نيسان) من العام الماضي، إلى ما وصفه قانونيون بـ«أدوات للحرب»، خاصة أن قرارات الإدانة ترتكز حول «التخابر».

وتصدر العقوبات من القضاء المنخرط ضمن المنظومة الرسمية والحكومية، ولم يُعلن قادته موقفاً مناوئاً لسلطة الجيش الذي يقوده الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان.

وألقى الاستقطاب السوداني المواكب للحرب بظلاله على الأحكام، إذ يعتقد أنصار الجيش أن الإدانات لعناصر «قوات الدعم السريع» أو المتعاونين معها مسألة «حتمية»، وأنهم يستحقون «عنفاً أكبر لحسم مثل هذه الجرائم».

وأصدر البرهان في مطلع أغسطس (آب) من العام الماضي، قراراً بتشكيل لجنة لجرائم الحرب وانتهاكات «الدعم» برئاسة النائب العام، وعضوية ممثلين عن القوات المسلحة، والمخابرات العامة، والداخلية، والشرطة، ومفوضية حقوق الإنسان، ووزارتي العدل والخارجية.

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري أقيم بمناسبة يوم الجيش في القضارف 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

لكن وعلى المستوى الحقوقي، يحذّر المختصون من التوسع في إصدار تلك العقوبات، ويرصدون أنه «خلال الأشهر القليلة الماضية صدرت أحكام الإعدام شنقاً حتى الموت ضد عشرات من الرجال والنساء، لإدانتهم بموجب المواد 50 و51 و65 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، المتعلقة بإثارة الحرب ضد الدولة والمشاركة مع قوات (الدعم) في ارتكاب جرائم جنائية ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها».

وقضت محكمة الجنايات العامة بمدينة عطبرة بولاية نهر النيل، شمال البلاد، (الثلاثاء)، بالسجن المؤبد على المتهم (أ.ص) (20 عاماً) بعد إدانته بتهم عدة، من بينها التعاون مع «الدعم السريع».

كما أصدرت «محكمة الإرهاب والجرائم الموجهة ضد الدولة» في بورتسودان (العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد ويوجد فيها قادة الجيش) الأسبوع الماضي، حكماً بالإعدام على سيدة (ه.ض) بعد اتهامها بالتعاون والتخابر مع «الدعم السريع».

وكان النائب العام السوداني مولانا الفاتح طيفور، قد التقى البرهان، مطلع الشهر الماضي، في بورتسودان، وأكد بحسب بيان عن اللقاء أن «النيابة العامة تسير بخطوات قوية في سبيل الحفاظ على سيادة حكم القانون، وملاحقة منتهكي القانون وإعادة الحقوق لأصحابها».

وقال رئيس مجلس أمناء «هيئة محامي دارفور» وهو تجمع حقوقي مستقل، الصادق علي حسن لـــ«الشرق الأوسط» إن «الملاحقات الجنائية بتهم التعاون مع (الدعم السريع)، أصبحت من أدوات الحرب التي طالت الكثير من الأبرياء من الجنسين».

وأضاف أن «الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بالولايات الشمالية التي تقع تحت سيطرة الجيش السوداني ألقت القبض بالاشتباه على الكثير من الفارين من الحرب بالخرطوم، ما عرّض الكثير من الأشخاص للاعتقال والتعذيب».

وذكر حسن أن «أعداداً كبيرة من الذين تم القبض عليهم بالاشتباه وحبسهم لأشهر، تتم إحالتهم إلى المحاكمة بتهم (مفبركة)، وتستخدم بمواجهتهم مواد جنائية من قانون الجرائم الموجهة ضد الدولة وتقويض النظام الدستوري والعمل أو التخابر مع (الدعم السريع)».

الحقوقي السوداني، لفت كذلك إلى أن «الأحكام القضائية صدرت على وجه الخصوص ضد المتحدرين من قبائل، يعدها الجيش من الحواضن الاجتماعية لـ(الدعم السريع)».

وقال خبير في حقوق الإنسان إن السودان ومنذ ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 التي أطاحت حكم البشير: «توجد مشكلة متصلة بعدم تمكين المتهمين من الحق في المحاكمة العادلة، والتماس التقاضي إلى أعلى الدرجات لدى المحكمة الدستورية التي لم تشكل منذ ذلك التاريخ».

وأضاف الخبير، الذي طلب حجب هويته لدواعٍ أمنية، أن عدداً من المتهمين الذين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام «قُدموا للمحاكمة من دون أدلة كافية، ومن ثم فالوضع القائم الآن لا يمكّن أي شخص من الحصول على محاكمة عادلة».

لكن الخبير العسكري والأمني، اللواء أمين إسماعيل، يقول لــ«الشرق الأوسط» إن التعاون مع من وصفها بـ«قوات العدو» في القوانين المحلية والإقليمية والدولية، يعد من «جرائم أمن الدولة».

وأضاف إسماعيل: «التعامل القانوني للمتعاونين مع (العدو) يدخل في إطار الحسم القانوني وهناك بعض المخالفات والعقوبات يكون الجزاء فيها أكبر وأعنف لحسم مثل هذه الجرائم».

ومع ذلك فقد صنّف إسماعيل المتعاونين مع «الدعم السريع»، «مجموعتين: الأولى على قناعة بالمشروع الذي تقوم به، والثانية هي من أشخاص يقعون تحت التهديد للتعاون معها». داعياً القضاء إلى «التفريق بين الحالتين».

وقال الخبير القانوني الأمني، أمين إسماعيل: «إن حالة الحرب في السودان والظروف التي يواجهها، تحتم إصدار مثل هذه العقوبات في الوقت الراهن على متعاونين مع قوات العدو (الدعم)».

بدوره، قال رئيس الحزب الناصري بالسودان، ساطع الحاج، لـ«الشرق الأوسط» إن «أحكام الإعدام الصادرة ضد متعاونين مع (الدعم) تفتقد معايير المحاكمة العادلة».

وأضاف الحاج الذي يحظى بخبرة قانونية أن «المناخ العام في البلاد الذي خلفته الحرب والتحشيد الهائل يؤثران بطريقة مباشرة على توفير فرص العدالة للمتهمين للدفاع عن أنفسهم». عادا «هذه الأجواء انعكست حتى على المحامين الذين يتطوعون للتصدي لهذه الاتهامات في المحاكم، إذ إنهم ربما يتعرضون لخطر الاعتقال والمداهمة، وقد تصل الأمور إلى توجيه تهم ضدهم».

وحذر الحاج من أن «سرعة إصدار الأحكام يعطي انطباعاً بأنها محاكمات عسكرية». لافتاً إلى اختلال «مبدأ المساواة أمام القانون، لأن من يتم تقديمهم للمحاكمة يقيمون في مناطق سيطرة الحكومة السودانية».


مقالات ذات صلة

مقتل وجرح العشرات من المدنيين في قصف على مدينة الفاشر

شمال افريقيا آثار قصف سابق على مدينة الفاشر (مواقع التواصل)

مقتل وجرح العشرات من المدنيين في قصف على مدينة الفاشر

تعرضت مدينة الفاشر، الأربعاء، لقصف مدفعي وغارات جوية أدت إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى من المدنيين. وأدانت مسؤولة أممية الهجمات، وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا نازحون يستقلون حافلة من بورتسودان في شمال شرق السودان للعودة إلى ديارهم في مدينة سنجة الجنوبية في ولاية سنار (أ.ف.ب)

مقتل 10 مدنيين بهجوم لـ«الدعم السريع» في غرب السودان

قُتل عشرة مدنيين وأصيب 20 آخرون في قصف لـ«قوات الدعم السريع» على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عَلم السودان ملصق بمدفع رشاش يتبع «قوات الدعم السريع» شمال الخرطوم (رويترز)

السودان... دولة واحدة بعملتين ومخاوف من تكريس الانقسام

عزز مُضي الحكومة السودانية في إجراءات التبديل الجزئي لعملات وطنية، مخاوف من تكريس الانقسام.

أحمد يونس (كامبالا)
تحليل إخباري عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

تحليل إخباري عقوبات جديدة ضد المتحاربين السودانيين... هل تفتح باباً للتفاوض؟

أدرج الاتحاد الأوروبي مجدداً عناصر من طرفي الحرب في السودان، على لائحة العقوبات، غير أن محللين وخبراء سودانيين قدروا أنها ربما تكون محاولة لفتح باب التفاوض.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
تحليل إخباري عَلم السودان ملصق بمدفع رشاش يتبع «قوات الدعم السريع» شمال الخرطوم (رويترز) play-circle 02:09

تحليل إخباري السودان... دولة واحدة بعملتين

منذ أعلنت الحكومة بدء التبديل الجزئي لعملات وطنية في العاشر من الشهر الحالي، أصبح السودان عملياً «بلداً واحداً بعملتين»، ما استدعى ذكرى انفصال الجنوب.

أحمد يونس (كامبالا)

قصة 5 ليبيين حُكم عليهم بالسجن 30 عاماً بإيطاليا

النائب العام الليبي (وسط) مع المدعي العام لدى المحكمة العليا الإيطالية (مكتب الصور)
النائب العام الليبي (وسط) مع المدعي العام لدى المحكمة العليا الإيطالية (مكتب الصور)
TT

قصة 5 ليبيين حُكم عليهم بالسجن 30 عاماً بإيطاليا

النائب العام الليبي (وسط) مع المدعي العام لدى المحكمة العليا الإيطالية (مكتب الصور)
النائب العام الليبي (وسط) مع المدعي العام لدى المحكمة العليا الإيطالية (مكتب الصور)

أعادت محادثات ليبية - إيطالية إلى واجهة الأحداث قضية خمسة لاعبين لكرة القدم ليبيين معتقلين في روما منذ تسعة أعوام، بعدما طالبت أسرهم بضرورة العمل على إعادتهم إلى البلاد.

وسعى رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، خلال زيارته لروما نهاية الشهر الماضي، إلى فتح ملف السجناء الخمسة خلال مناقشاته مع وزير العدل الإيطالي، كارلو نوريدو.

وكانت محكمة إيطالية قد قضت في السادس من ديسمبر (كانون الأول) 2015 بالسجن 30 عاماً على اللاعبين الخمسة، وهم: علاء فرج الزغيد من نادي أهلي بنغازي، وعبد الرحمن عبد المنصف وطارق جمعة العمامي من نادي التحدي الليبي، واللاعب محمد الصيد من طرابلس، ومهند نوري خشيبة من طرابلس أيضاً، بتهم «الاتجار في البشر والهجرة غير المشروعة».

النائب العام الليبي والمدعي العام لدى المحكمة العليا الإيطالية (مكتب الصور)

ومنذ ذلك التاريخ وقضية اللاعبين الخمسة تراوح مكانها، إلا أن صالح أعاد مناقشتها مؤخراً مع السلطات الإيطالية. وقال المركز الإعلامي لرئيس مجلس النواب إن السلطات الإيطالية دعت النائب العام لزيارة روما، بعد مباحثات عديدة أجراها صالح مع المسؤولين الإيطاليين بشأن ملف السجناء الليبيين في روما.

وتتباين أسباب توقيف اللاعبين الليبيين وحبسهم؛ فالسلطات الإيطالية وجهت إليهم اتهاماً بـ«الاتجار في البشر»، لكن أسرهم يؤكدون أنهم «كانوا يستهدفون الهجرة للاحتراف بأحد الأندية الأوروبية».

وبحسب رواية أسرهم، فإنهم «فشلوا في الحصول على تأشيرة سفر، فاضطروا إلى الهجرة غير المشروعة»، عن طريق ركوب أحد القوارب مع بعض المهاجرين في مدينة زوارة (120 كيلومتراً غرب العاصمة) إلى إيطاليا، مشيرين إلى أنهم سقطوا في يد السلطات الأمنية بمجرد دخولهم البلاد، وبعد أن خضعوا للمحاكمة حُكِم عليهم بالسجن 30 عاماً بتهمة «الهجرة غير النظامية والمتاجرة في بيع البشر».

ومع إعادة الحديث عن اللاعبين الخمسة، تحدث الحقوقي الليبي طارق لملوم عما سمّاه «استغلال قضية هؤلاء السجناء من بعض السياسيين» دون تسميتهم، وقال إنه «من الطبيعي أن يتعاطف الشخص مع أقاربه وأصحابه وبني جلدته في حال تعرضهم لأي ضيق، لكن من المهم نقل الصورة واضحة حتى يتمكن أي شخص، أو جهة، أو أي حكومة، من المساعدة».

ويعتقد لملوم أنه «ليس صحيحاً أن سبب الحكم على هؤلاء الخمسة هجرتهم بطريقة غير نظامية»، مشيراً إلى أن اتهام المحكمة في البداية لهم كان «الترويج للهجرة غير النظامية»، ثم «التسبب في وفاة 49 شخصاً كانوا في نفس القارب، وتم إجبارهم على البقاء في مكان مغلق، وماتوا بسبب الاختناق».

ونوّه لملوم بأنه حسب ما نشرته الصحافة الإيطالية، فإن المحكمة استندت على شهادات كثيرة لمهاجرين كانوا في نفس المركب أكدوا أن «الشبان الليبيين كانوا ضمن الأشخاص الذين منعوهم من الخروج، وتم إقفال المكان عليهم؛ مما تسبب في موت 49 شخصاً».

وأضاف لملوم موضحاً أن المحامين «استطاعوا إثبات أن الشبان الليبيين ليسوا مهرّبين، وأن هواتفهم لم تكن تحمل أي ترويج للهجرة مع أي مهرب، لكن القاضي اعتبر أن هناك نية للأذى كانت متوفرة، بسبب منع المهاجرين من الخروج من أسفل القارب، كما أن بعض الشهود أكدوا أن هناك أشخاصاً قاموا بضربهم ومنعهم من الحركة».

ونقل مكتب النائب العام الليبي، الصديق الصور، يوم الخميس، أن لقاءه مع المدعي العام لدى المحكمة العليا تمحور حول ترتيب تعاون قضائي بين النيابتين، تنتظم آلية إنفاذه بإبرام مذكرة تفاهم تتناول المسائل الجنائية ذات الاهتمام المشترك، مشيراً أيضاً إلى أن الاجتماع انتهى إلى «تخطيط ترتيبات نقل المحكومين الليبيين الذين توفروا على الشروط، وفق جدول زمني يمتد طوال الربع الأول من العام المقبل».

جانب من وقفة احتجاجية للإفراج عن اللاعبين الليبيين (صفحات لأسر اللاعبين)

وسبق أن تظاهرت عائلات وأصدقاء اللاعبين لمطالبة السلطات بالتدخل لسرعة الإفراج عن أبنائهم، ونددت بما سمّوه «صمت السلطات في البلاد على سجن أبنائهم».

وبعد سلسلة من الوقفات الاحتجاجية على مدار السنوات الماضية، ومخاطبة المسؤولين، لم تفقد أسر هؤلاء اللاعبين الأمل في بحث قضيتهم من جديد، واصطفوا في مظاهرة سلمية انضمّ إليها عدد من الرياضيين بأندية بنغازي، وتوجهوا بمطلب رسمي للسلطات في البلاد.