درنة الليبية على طريق «الإعمار» وسط تحديات الانقسام السياسي

مطالب بإنشاء هيئة للتعامل مع الكوارث لتفادي تكرار المأساة

بلقاسم خلال تفقّد الإعمار في درنة (صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا)
بلقاسم خلال تفقّد الإعمار في درنة (صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا)
TT

درنة الليبية على طريق «الإعمار» وسط تحديات الانقسام السياسي

بلقاسم خلال تفقّد الإعمار في درنة (صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا)
بلقاسم خلال تفقّد الإعمار في درنة (صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا)

في الذكرى السنوية الأولى لكارثة «الإعصار»، لا يزال سكان درنة يتذكرون السيول التي ضربت مدينتهم، مخلِّفةً قرابة 4 آلاف قتيل، وآلاف المفقودين، بالإضافة إلى خسائر مادية واسعة.

والمدينة الواقعة على الساحل الشرقي للبلاد تشهد مساعي تبذلها سلطات بنغازي للتعافي، وإعادة إعمار ما هدمه الإعصار، لكن هذه الجهود لم تَخلُ من جدل على خلفية الانقسام السياسي والحكومي.

وفي كتابه الذي أصدره قبل شهور قليلة، وحمل عنوان «فيضان درنة بين البحر والسدَّين»، صنَّف الكاتب الليبي عبد الفتاح الشلوي الانقسام السياسي في ليبيا بمقدمة «الأسباب التي أدّت إلى الفاجعة»، مشيراً إلى «غياب الرقابة، وعدم الانتباه للتحذيرات التي أطلقها مهندسون وخبراء بشأن وضعية السدود في درنة، وذلك جرّاء وجود حكومتين بالبلاد».

وقال الشلوي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الكارثة لا تزال الحديث الرئيسي لأهالي درنة؛ لعمق الجرح بفقدان الأهل والأقارب، فضلاً عن فقدان الهوية الأثرية للمدينة القديمة، والأماكن الواقعة على ضفاف مجرى الوادي».

ودعا الشلوي السلطات المعنية إلى «استحداث هيئة تُعنَى بالتعامل مع الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية، تتمتع بشخصية اعتبارية وميزانية مستقلة؛ لمنع تكرار المأساة»، منتقداً «التعاطي مع الضحايا من أهالي مدينته كأرقام يتم سردها من حين لآخر».

جانب من عمليات انتشال الجثث في نوفمبر الماضي بعد الإعصار القاتل الذي ضرب درنة (رويترز)

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان؛ الأولى: «الوحدة الوطنية» المؤقتة في طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلَّفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية، ويرأسها أسامة حماد.

وعلى خلفية الانقسام السياسي، تشهد ليبيا صراعاً على إدارة «المصرف المركزي»، يعتقد البعض أنه ربما قد يؤثر على عملية الإعمار التي تشهدها مدن ليبية أخرى. وعلى الرغم من الجدل حول عملية الإعمار الراهنة بالمدينة التي يضطلع بها «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا»، فإن الشلوي يؤكد أن «ما تم إنجازه، وخصوصاً الجسور التي يتم تشييدها لإعادة ربط شرق المدينة بغربها بعد الفيضان، يحظى برضا غالبية المواطنين، وأيضاً ما يتردد عن قرب توزيع وحدات سكنية على المتضرّرين».

ويرى مفتاح مكراز، وهو أحد النشطاء المنتمين لمدينة درنة، «عدم وجود اعتراضات على عملية الإعمار، بسببب حاجة أهالي درنة للسكن، في ظل التدمير الذي لحق بأجزاء كبيرة من مدينتهم»، مشيراً إلى أن «الأهالي يتطلّعون لأن يكون الإعمار معبّراً عن الهوية الدينية والتاريخية، ولا سيما للمدينة القديمة».

ولفت إلى «انزعاج أهالي درنة من أي حديث يتردّد عبر منصات التواصل الاجتماعي بشأن نزع الملكية لصالح مخططات البناء العامة، دون توضيحات كافية من قِبل السلطات حول صحة ذلك من عدمه».

وتأسّس (صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا) بموجب قرار أصدره البرلمان في فبراير (شباط) الماضي، وأسند رئاسته إلى بلقاسم حفتر.

ويرى الباحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، جلال حرشاوي، عدم وجود «خارطة طريق علنية بشأن إعادة إعمار درنة، أو رؤية مشتركة مع الأهالي».

وكان بلقاسم قال إنه تم إنجاز قرابة 70 في المائة من مشاريع إعادة الإعمار بالمناطق المتضررة.

منظر عام يُظهر الدمار الذي خلّفَته الفيضانات بعد أن ضربت عاصفة «دانيال» مدينة درنة شرق ليبيا في 14 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

ووفقاً للتقرير الصادر عن البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، في بداية العام الجاري، فإن الكارثة تسببت في مقتل 4352 شخصاً، بينما لا يزال 5 آلاف في عداد المفقودين، وتضرر أكثر من 18500 منزل، ما أدّى في بادئ الأمر إلى نزوح أكثر من 40 ألفاً من سكان درنة والمناطق المجاورة لها.

أما الناشط الحقوقي الليبي، طارق لملوم، فيرى أن الأحكام التي صدرت بحق المتهمين بقضية انهيار السدود في درنة لا تزال أيضاً محل تبايُن؛ بين من يرى أنها «قد خفّفت من ألم ذوي الضحايا، وبين من يعتقد أن هؤلاء المتهمين وغيرهم يستحقون عقوبات أشد».

وأوضح لملوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه برغم احترام الجميع لأحكام القضاء، «لكن ما رُصد بمنصات التواصل الاجتماعي يُظهر بوضوح أن مسؤولية وقوع الكارثة من وجهة نظر الشارع الليبي وأهالي درنة، لا تنحصر في الشخصيات التي أُحِيلت للمحاكمة».

وكانت محكمة الاستئناف في درنة قد أصدرت في نهاية يوليو (تموز) الماضي أحكاماً بالسجن بحق 12 مسؤولاً من المتهمين بقضية انهيار السدود، بمُدَد تتراوح بين 9 و27 عاماً، على خلفية إدانتهم بتهم «الإهمال، والقتل العمد، وإهدار المال العام».

ولفت لملوم لتلقّي منظمات محلية وأجنبية، قرابة 1000 بلاغ عن مفقودين من العمال الأجانب بدرنة، «وكيف لا تزال أسر مفقودين لا تعلم إلى من تلجأ للبحث عن جثامينهم».

وكانت «الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين»، قد أعلنت قبل أسبوع، أنها أنجزت ما يقارب 98 في المائة من ملفات أُسَر ضحايا كارثة إعصار درنة.

حمدي بلعيد، هو أحد النشطاء المدنيين، وفقد أسرته بالكامل يوم الكارثة، أكّد أن «غالبية أهالي درنة تبدّلت أفكارهم مع ضياع الأهل والأصدقاء والرزق والأملاك في ساعات معدودة»، ويرى بلعيد أنه «أصبحت هناك حالة من الذعر بين المواطنين كلما أعلن على منصات التواصل أي شيء يتعلق بموجة طقس سيئ تمر بالبلاد».

وعلى الرغم من سعادة بلعيد بملامح إعادة الإعمار الجارية، فإنه يعبر عن أسفه «لاستمرار عدم حسم مصير جثامين ذويه وذوي عدد كبير من سكان درنة كان السيل جرفها إلى البحر، أو دُفنت بشكل متسرع في مقابر دون معرفة أسرهم».


مقالات ذات صلة

تكالة يتهم رئيس «النواب» الليبي بـ«تعقيد المشهد السياسي»

شمال افريقيا اجتماع تكالة ومعاونيه (المجلس الأعلى للدولة)

تكالة يتهم رئيس «النواب» الليبي بـ«تعقيد المشهد السياسي»

عاد النزاع مجدداً بين مجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» بليبيا بعدما اتهم محمد تكالة المتنازع على رئاسة مجلس الدولة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بـ«تعقيد المشهد».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع الوفد البريطاني مع السايح (السفارة)

تيتيه تجدد التزامها بوضع خريطة طريق لإجراء الانتخابات الليبية

جددت رئيسة بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا هانا تيتيه التزامها بوضع خريطة طريق تؤدي إلى إجراء انتخابات ومؤسسات موحدة في ليبيا.

خالد محمود (القاهرة )
تحليل إخباري نائبة المبعوثة الأممية في ليبيا ستيفاني خوري خلال لقاء مع فعاليات قبلية في مدينة بني وليد الليبية (البعثة الأممية)

تحليل إخباري كيف يقيّم الليبيون مسار الأمم المتحدة في حل أزمة بلادهم السياسية؟

انتقد ليبيون «بطء» مسار البعثة الأممية لحل الأزمة السياسية في البلاد، بعد نحو شهرين من طرح 4 خيارات للأزمة صاغها خبراء ليبيون برعاية أممية.

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا هانيبال القذافي في 2009 خلال مشاركته في عرض بمناسبة الذكرى الـ40 لقيام نظام والده (غيتي)

موالون لنظام القذافي يناشدون «المنظمات الدولية» التحرك للإفراج عن ابنه هانيبال

يتمسّك المدافعون عن هانيبال القذافي بأن عمره كان عامين عندما أثيرت قضية اختفاء الصدر، ويرون أنه ليس له علاقة بهذا الأمر.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر (القيادة العامة)

هل يتدخّل المشير حفتر لحسم صراع الميليشيات في العاصمة الليبية؟

وسط تباينات في الآراء دعت لجنة برلمانية ليبية إلى «الالتفاف حول الجيش الوطني لضمان استعادة الاستقرار وتهيئة البلاد لخوض الانتخابات».

علاء حموده (القاهرة)

«الجامعة العربية»: الغارات الإسرائيلية على سوريا «بلطجة» تستهدف زرع الفوضى

مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة (الجامعة العربية)
مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة (الجامعة العربية)
TT

«الجامعة العربية»: الغارات الإسرائيلية على سوريا «بلطجة» تستهدف زرع الفوضى

مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة (الجامعة العربية)
مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة (الجامعة العربية)

شددت جامعة الدول العربية على أن الهجمات الإسرائيلية على سوريا تمثل «بلطجة» لا يُمكن للمجتمع الإقليمي أو الدولي القبول بها أو تمريرها، ويتعين وقفها فوراً، وأضافت أن «غارات الاحتلال تستهدف زرع الفوضى في سوريا مستغلة في ذلك بعض الأحداث التي وقعت أخيراً في محافظة السويداء، والتي أدانتها السلطات السورية نفسها ووصفتها في بيان لها بـ(الأعمال المشينة)، وتعهدت بالتحقيق فيها وتوقيع الجزاء على من يثبت ارتكابه لأي انتهاكات أو مخالفات».

وأدانت الأمانة العامة للجامعة، الأربعاء، «بأشد العبارات الغارات التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على سوريا، بما في ذلك تلك التي طالت مقر هيئة الأركان في دمشق، ومحيط القصر الرئاسي». واعتبرت أن هذه الغارات «تُمثل اعتداء صارخاً على سيادة دولة عربية عضو في (الجامعة) وفي منظمة الأمم المتحدة، بما يُمثل انتهاكاً للقانون الدولي واستهانة بقواعد النظام الدولي».

وأعربت الجامعة العربية عن «كامل التضامن مع سوريا إزاء تلك الهجمات الإسرائيلية»، مناشدة الحكومة «العمل بسرعة على نزع فتيل الفتنة، ومعالجة الاحتقانات القائمة عبر الحوار، والعمل على احتواء كافة مكونات الشعب السوري في الإطار الوطني».