دُعي أكثر من 24 مليون ناخب في الجزائر للتوجّه إلى صناديق الاقتراع، بعد غد السبت، في انتخابات رئاسية يعتبر الرئيس الحالي عبد المجيد تبون الأوفر حظاً للفوز فيها بولاية ثانية لأسباب كثيرة وجوهرية.
فتبون يحظى بدعم أحزاب الأغلبية البرلمانية، المكوّنة من «جبهة التحرير الوطني»، و«التجمّع الوطني الديمقراطي»، و«جبهة المستقبل»، و«حركة البناء»، إضافة إلى النواب المستقلين. كما أنه حقق بحسب عدد من المراقبين خطوات إيجابية في تحسين اقتصاد البلاد، وقد أكّد تبون نفسه في أكثر من مناسبة أنه نجح بالفعل خلال ولايته الأولى في تصحيح أخطاء الماضي في البلاد، وإعادة الجزائر، التي باتت تعد ثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا حالياً، إلى المسار الصحيح رغم «الحرب ضد الجائحة (كوفيد - 19) والفساد» في العامين الأولين.
رهان المشاركة
لكن الرهان الرئيسي الذي يواجهه تبون يتمثّل في نسبة المشاركة، مقارنة بانتخابات 2019 التي أوصلته إلى الرئاسة بـ58 في المائة من الأصوات، وسط نسبة امتناع قياسية. وجرى الاقتراع آنذاك في خضم الحراك الشعبي المطالب بتغيير مكوّنات النظام الحاكم منذ استقلال البلد عن الاستعمار الفرنسي في 1962، بعد أن أسقط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
يقول مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف، الجزائري حسني عبيدي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن الرئيس تبون حريص على أن تكون نسبة المشاركة كبيرة. إنه الرهان الرئيسي بالنسبة له. فهو يريد أن يكون رئيساً عادياً وليس رئيساً منتخباً بشكل يثير الجدل. وتقدّم للانتخابات ثلاثة مرشحين لقيادة البلاد، التي يبلغ عدد سكانها نحو 45 مليوناً، والتي تعتبر أكبر مصدّر للغاز الطبيعي في أفريقيا. وترشّح في وجهه الإسلامي المعتدل عبد العالي حساني شريف، والاشتراكي يوسف أوشيش. وعبد العالي حساني شريف (57 عاماً) هو رئيس حزب حركة مجتمع السلم الإسلامية منذ سنة، وهو مهندس أشغال عمومية ونائب سابق في البرلمان (2007 إلى 2012). وكانت الحركة امتنعت عن المشاركة في انتخابات 2019. أما يوسف أوشيش (41 عاماً) فهو صحافي سابق وعضو في مجلس الأمة، الغرفة الثانية للبرلمان، ويمثّل حزب جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في الجزائر وله معقل تاريخي في منطقة القبائل. وقد قاطعت جبهة القوى الاشتراكية الانتخابات الرئاسية في الجزائر منذ عام 1999.
وافتتحت مراكز الاقتراع للجزائريين المقيمين في الخارج الاثنين، ودُعي إليها أكثر من 800 ألف ناخب. كما انطلقت أمس الأربعاء عملية التصويت في المراكز المتنقلة المخصصة للمناطق النائية في بلد تفوق مساحته 2.3 مليون كلم مربع، أغلبها صحراء. وبدأ الصمت الانتخابي منذ منتصف ليل الثلاثاء، بعد حملة انتخابية جرت على غير العادة في فصل الصيف، وسط حرارة شديدة الارتفاع، ما أدّى إلى إقبال ضعيف على المهرجانات الانتخابية.
المزيد من الحريات
تودّد المرشّحون، بمن فيهم الرئيس تبون، إلى الشبان الذين يشكّلون أكثر من نصف السكان، بوعود تتعلّق بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، على أمل تحسين القدرة الشرائية، وجعل الاقتصاد أقل اعتماداً على المحروقات. أما على المستوى الدولي، فقد برز الدعم التام للقضيتين الفلسطينية والصحراوية من جانب المرشحين الثلاثة.
في المقابل، تعهّد منافسا تبون بمنح الجزائريين المزيد من الحريات. وأعلن أوشيش التزامه «بالإفراج عن سجناء الرأي من خلال عفو رئاسي ومراجعة القوانين الجائرة». أما حساني شريف فقد دافع عن «الحريات، التي تم تقليصها إلى حدّ بعيد في السنوات الأخيرة». وبحسب عبيدي، فإن الرئيس تبون «مطالب بمعالجة التراجع الكبير في الحريات السياسية والإعلامية، في ظل الطلاق البائن بين الجزائريين والسياسة كما هو الحال اليوم». وأعربت منظمة العفو الدولية غير الحكومية في بيان لها في الثاني من سبتمبر (أيلول) عن قلقها من الوضع. وقالت في تقرير إن الجزائر «شهدت في السنوات الأخيرة تدهوراً مطرداً لوضع حقوق الإنسان. ومن المثير للقلق أن الوضع لا يزال قاتماً مع اقتراب موعد الانتخابات». كما تحدثت في فبراير (شباط) عن «قمع مروّع للمعارضة السياسية». في الشارع، تباينت التوقعات. فالبعض يأمل في حدوث تحسّن في القدرة الشرائية مع اقتراب بداية العام الدراسي الجديد، بينما لا يؤمن البعض الآخر بأي تغيير ولا يبالي بالعملية الانتخابية.
لكن بالنسبة للكثيرين من الجزائريين، فإن أكثر ما يشغل بالهم هو التحديات الاقتصادية، وقد تحدّث كثيرون من الأشخاص، الذين التقتهم «وكالة الصحافة الفرنسية» عن ارتفاع تكاليف المعيشة، ولم يرغب أي منهم في ذكر اسم عائلته. يقول محمد (22 عاماً): «بصراحة، كلّ ما أريده هو الذهاب إلى بلد آخر. فبمجرد أن أحصل على ما يكفي من المال لأدفع للمهرّب، فسأغادر البلاد». بينما قالت عائشة (30 عاماً) إنها لا تعرف ما إذا كانت ستصوّت أم لا، مضيفة: «سأقرّر ذلك يوم الانتخاب. أعلم أن علينا التصويت، لكن السياسيين لا يتذكّرون النساء إلا عندما تكون هناك انتخابات، ويريدون أصواتهن. وبعد ذلك، ينسونهن حتى الانتخابات التالية».