رئاسة «الأعلى للدولة» في ليبيا... للمشري أم لتكالة؟

وسط جدل متصاعد بين أنصارهما

المشري وتكالة في لقاء سابق قبل اندلاع الخلاف بينهما (المجلس الأعلى للدولة)
المشري وتكالة في لقاء سابق قبل اندلاع الخلاف بينهما (المجلس الأعلى للدولة)
TT

رئاسة «الأعلى للدولة» في ليبيا... للمشري أم لتكالة؟

المشري وتكالة في لقاء سابق قبل اندلاع الخلاف بينهما (المجلس الأعلى للدولة)
المشري وتكالة في لقاء سابق قبل اندلاع الخلاف بينهما (المجلس الأعلى للدولة)

لا يزال الجدل قائماً حول رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، بين من يرى أن الأمور حُسمت بشكل نهائي لخالد المشري، خصوصاً مع تمكّنه من عقد جلسة لاستكمال انتخاب أعضاء مكتب الرئاسة، وبين من يَعُدُّون أن الرئيس الفعلي هو محمد تكالة.

ونشب النزاع على رئاسة المجلس الأعلى في السادس من أغسطس (آب) الماضي، عندما أُعلن فوز المشري على تكالة بفارق صوت واحد، مع وجود ورقة انتخابية كُتب عليها اسم الأخير من الخلف، لكن اللجنة القانونية للمجلس حسمت فيما بعد الأمر لصالح المشري.

خالد المشري (الشرق الأوسط)

وأثار هذا الخلاف جدلاً وانقساماً دفعا البعض لاتهام حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بدعم تكالة؛ لحرصه على بقائها في السلطة، واتهام آخرين للمشري بالتقارب مع البرلمان، ودعم توجهاته بتشكيل «حكومة جديدة».

المشري استطاع تدريجياً السيطرة على مقر المجلس وصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمكَّن من الدعوة لعقد جلسة رسمية، حضرها 77 عضواً، صوّت 67 منهم على اعتماد رأي اللجنة القانونية بالمجلس بصحة فوزه بالرئاسة، وعَدِّ ورقة الانتخاب محل الجدل ملغاة.

ووفقاً لرؤية النائب الأول لرئيس المجلس، ناجي مختار، فإن عقد تلك الجلسة حسم الجدل حول منصب الرئاسة لصالح المشري، وباقي مكتب الرئاسة الحالي، مضيفاً أن تواصُل البعثة الأممية وعدد من السفارات معهم، وممثّلين عن قوى ليبية بمثابة «رسالة اعتراف بشرعيتهم».

من اجتماع سابق لأعضاء المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

وذكر مختار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «العمل على توحيد صف المجلس في مقدمة الأولويات التي يسعى لها المشري، وكل أعضاء مكتب رئاسة المجلس لتحقيقها»، وقال موضحاً: «سنتوجه بالعمل على إقناع الأعضاء كافةً بأهمية الحفاظ على وحدة مجلسنا، ليتمكّن من إنجاز المهام المنوطة به، مع الحرص على أن يتم هذا بنهج توافُقي».

وسارع تكالة بمهاجمة الجلسة التي عقدها غريمه المشري مؤخراً، وتم خلالها انتخاب النائبَين الأول والثاني لرئيس «الأعلى للدولة»، وشدَّد على «بطلان أي مخرجات أو قرارات صدرت عنها»، ودفع هذا المناخ من التصريحات والردود المتبادلة بينهما حول «شرعية مواقفهما» لتجدُّد المخاوف بشأن انقسام المجلس الأعلى للدولة.

وحذّر مختار من أن انقسام مجلسه «سيؤدي لغياب دوره بصفته شريكاً سياسياً للبرلمان، وبالتالي يمكن لأي طرف التشكيك بشرعية أي إجراء قد يُتخَذ من قِبل الأخير، بهدف توحيد المؤسسات الليبية أو الذهاب للانتخابات».

ووفقاً لنصوص الاتفاق السياسي الليبي (الصخيرات) الموقَّع نهاية 2015، وكذلك الاتفاق السياسي بجنيف عام 2021، فإنه يشترط توافق مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» على وضع القوانين الانتخابية، وتسمية شاغلي المناصب السيادية.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة (الوحدة)

كما حذَّر النائب الأول من أن انقسام مجلسه سيؤدي أيضاً «لانعدام تمثيل المنطقة الغربية بالعملية السياسية»، وقال في هذا السياق إن المجلس الأعلى «يمثّل ليبيا، لكن كثيرين يَعدُّونه الواجهة السياسية للمنطقة الغربية».

أما المهمة الثانية التي يضطلع بها أعضاء مكتب الرئاسة راهناً «وهي الأهم»، حسب مختار، فتنصبّ على المسارعة إلى «تهدئة التوترات الراهنة بالمنطقة الغربية».

ومنذ مارس (آذار) 2022، تتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان؛ الأولى: هي «الوحدة»، ومقرّها طرابلس، والأخرى مكلَّفة من البرلمان، وتحظى أيضاً بدعم «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، وهي تدير المنطقة الشرقية، ويرأسها أسامة حماد.

وانتهى مختار إلى أن المجلس «سيتواصل مع البرلمان بالتنسيق مع البعثة الأممية لإيجاد خارطة طريق واضحة للانتخابات، وحسم ملف تسمية شاغلي المناصب السيادية، وبالطبع سيكون محافظ المصرف المركزي بمقدمتها».

بالمقابل، ترى عضو المجلس الأعلى للدولة، أمينة المحجوب، أنه من المبكر الحديث عن حسم المشري لرئاسة «الأعلى الدولة»، أو طيّ صفحة الخلاف حول المنصب. وتحدثت المحجوب لـ«الشرق الأوسط» عن «استعدادات تجري من قِبل تكالة لعقد جلسة تشاورية لأعضاء المجلس، بهدف مناقشة التحديات الراهنة».

ووصفت المحجوب الجلسة التي عقدها المشري مؤخراً «بالقفزات في الهواء التي يحاول الأخير من ورائها تأكيد رئاسته». وفنَّدت ما يطرحه أنصار المشري من حضور مراقب من البعثة الأممية لمتابعة سير تلك الجلسة، ووصفهم ذلك بأنه يمثّل دعماً ضمنياً من قِبل الأخيرة له، وقالت إن إحدى عضوات المجلس «هي من طالبت البعثة بإرسال مراقب؛ تخوفاً من اقتحام الجلسة، والبعثة استجابت لذلك».

وأضافت المحجوب موضحة: «نعم حدث اقتحام للجلسة في نهاية أعمالها، لكن هذا كان بسبب المطالبة بمنع عقد جلسات الأعلى للدولة بقاعة أحد فنادق العاصمة؛ لانتهاء العقد ما بين الأخير والأعلى للدولة»، واستبعدت ما يردّده بعض المراقبين من إقدام تكالة على إقصاء المؤيدين للمشري إذا تمكَّن هو أيضاً من الدعوة لعقد جلسة رسمية للأعضاء، كما وصفت المحجوب نهج تكالة في معالجة الخلاف بأنه «اتَّسم بالهدوء والحكمة منذ البداية، عبر المطالبة بإعادة التصويت، أو الاحتكام للقضاء»، الأمر الذي «دفع أعضاءً كُثراً للتواصل معه، بما في ذلك مَن صوَّتوا للمشري».


مقالات ذات صلة

فرنسا تدخل على أزمة المصرف المركزي الليبي

شمال افريقيا لقاء سابق بين محافظ المصرف المركزي مع المنفي والدبيبة (أرشيفية)

فرنسا تدخل على أزمة المصرف المركزي الليبي

أعلنت بعثة الأمم المتحدة توصّل ممثّلي مجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» إلى ما وصفته بـ«تفاهمات هامة حول آلية وآجال تعيين محافظ المصرف ومجلس إدارته».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا موظف يقوم بلفّ رزمة من النقود داخل مصرف في مدينة مصراتة الساحلية الغربية بليبيا (أ.ف.ب)

ليبيا: أزمة المصرف المركزي تؤخّر رواتب الموظَّفين وتُفاقم المعاناة

في البنوك والمحلات التجارية والشركات بمختلف أنحاء ليبيا، تكشف حالة الارتباك والخوف وتعطُّل المعاملات عن التكاليف المباشرة للصراع بين الفصائل.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا لقطة تُظهر مصرف ليبيا المركزي في طرابلس (رويترز)

ليبيا: الاتفاق على تعيين محافظ للبنك المركزي خلال 30 يوماً

أعلن بيان وقعه ممثلان عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا أن الهيئتين التشريعيتين اتفقتا اليوم (الثلاثاء) على تعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا انخفاض الإنتاج في حقول النفط التي تسيطر عليها شركة «الواحة للنفط» إلى 150 ألف برميل يومياً (رويترز)

النفط الليبي... «الورقة الحائرة» بين خصوم السياسة

عادت «ورقة النفط الحائرة» بين أفرقاء السياسة لتلقي بظلالها على جموع الليبيين في وقت أعلنت السلطات المحلية عن إعلان «القوة القاهرة» على حقل الفيل النفطي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة خلال مشاركته فى ورشة عمل أمنية بطرابلس (حكومة «الوحدة»)

ليبيا: «اتفاق جزئي» برعاية أممية لحل أزمة «المركزي»

تمهيداً، على ما يبدو، للإعلان عن «اتفاق جزئي» لحل أزمة مصرف ليبيا المركزي، واصلت الأمم المتحدة رعايتها لمشاورات استمرت لليوم الثاني على التوالي بطرابلس.

خالد محمود (القاهرة)

القاهرة وأنقرة... سنوات من «الخلافات» طوتها الزيارات الرسمية

TT

القاهرة وأنقرة... سنوات من «الخلافات» طوتها الزيارات الرسمية

إردوغان يصافح السيسي على هامش بطولة كأس العالم في الدوحة (رويترز)
إردوغان يصافح السيسي على هامش بطولة كأس العالم في الدوحة (رويترز)

تحمل الزيارة الأولى للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى تركيا، رمزية مهمة في مسار تطور العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وأنقرة، بعد خلافات وقطيعة امتدت لنحو عشر سنوات.

وتكلل زيارة السيسي لأنقرة ثمار الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، على مدار ثلاثة أعوام لطي سنوات الجمود، ودفع مسار التقارب تدريجياً، وصولاً إلى رفع مستوى التطبيع في العلاقات إلى «مرحلة الصداقة والتعاون الاستراتيجي»، بحسب وصف «الرئاسة المصرية».

ومرت العلاقات المصرية - التركية، بفترة من الجمود والقطيعة، بعد أحداث «30 يونيو» عام 2013 بمصر، التي أطاحت بحكم «الإخوان المسلمين»، بعد أن اتخذ النظام التركي موقفاً مؤيداً للجماعة، التي صنفتها السلطات المصرية «تنظيماً إرهابياً».

تحولات إيجابية

غير أن العلاقات شهدت قبل ثلاثة أعوام تحولات إيجابية، حيث اتجهت نحو المصالحة والتقارب التدريجي، وترجم ذلك سلسلة من الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، بدأت بمرحلة «لقاءات استكشافية»، ثم مرحلة تبادل زيارات وزراء الخارجية، وصولاً لمرحلة عودة التمثيل الدبلوماسي، ولقاءات القمة بين رئيسي البلدين.

في مايو (أيار) 2021 بدأت «اللقاءات الاستكشافية» بزيارة وفد تركي رسمي، ترأسه نائب وزير خارجية تركيا إلى القاهرة، الذي أجرى مباحثات في الخارجية المصرية، ثم عقد لقاء آخر على مستوى نائبي وزيري خارجية البلدين في أنقرة في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه.

بعد ذلك بعدة شهور، وبالضبط في 20 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، شهدت العلاقات بين البلدين نقلة نوعية، حينما صافح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، في قطر على هامش افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم.

وفي فبراير (شباط) 2023، أرسلت القاهرة مئات الأطنان من المساعدات للشعب التركي، دعماً لأنقرة بعد تعرض تركيا لزلزال، كما قام وزير الخارجية المصري آنذاك سامح شكري بزيارة تركيا لتقديم التضامن مع الجانب التركي، وهو ما لاقى تقديراً من الجانب التركي.

أسابيع قليلة بعد ذلك، وبالضبط في 18 من مارس (آذار) 2023، قام وزير الخارجية التركي وقتها، مولود تشاويش أوغلو، بزيارة للقاهرة لإجراء مباحثات مع نظيره المصري، لدفع مسار التعاون الثنائي. وبعد ذلك في 13 أبريل (نيسان) 2023، زار وزير الخارجية المصري أنقرة لاستكمال مباحثات دفع العلاقات الثنائية.

تطور على الصعيد الرئاسي

تبادل الرئيسان التهاني بمناسبة الفوز بالانتخابات الرئاسية، حيث أجرى الرئيس المصري في 29 مايو 2023 اتصالاً هاتفياً بإردوغان لتقديم التهنئة بفوزه بالانتخابات الرئاسية التركية، وبادله الأخير التهنئة في اتصال هاتفي في 20 ديسمبر (كانون الأول) 2023، بعد فوز السيسي بانتخابات الرئاسة المصرية.

في الرابع من يوليو (تموز) 2023، تكللت الزيارات والاتصالات بين مسؤولي البلدين بإعلان مصر وتركيا رفع العلاقات الدبلوماسية لمستوى السفراء. وفي 10 سبتمبر 2023 عقد لقاء قمة بين الرئيسين المصري التركي في نيودلهي بالهند، على هامش اجتماعات قمة العشرين، أكدا وقتها «أهمية العمل لدفع مسار العلاقات بين البلدين، واستئناف مختلف آليات التعاون الثنائي».

الرئيس المصري يلتقى نظيره التركي في نيودلهي على هامش قمة العشرين في سبتمبر 2023 (الرئاسة المصرية)

عزز العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 الحوار المصري - التركي، عبر اتصالات متعددة على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية.

وتكللت الاتصالات الدبلوماسية بزيارة الرئيس التركي للقاهرة في 14 من فبراير 2024، التي شهدت توقيع عدد من اتفاقيات التعاون المشتركة، بينها «إعلان إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى».

في 20 من أبريل الماضي، زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، القاهرة لإجراء مباحثات بشأن جهود التهدئة في المنطقة، ووقف إطلاق النار. وبعد ذلك بأسابيع قليلة، وبالضبط في 11 من يونيو الماضي، زار وزير التجارة والصناعة المصري تركيا، وبحث مع نظيره التركي عمر بولات، تطوير العلاقات الاقتصادية.

وفي الخامس من أغسطس (آب) الماضي، قام وزير الخارجية التركي بزيارة أخرى للقاهرة، استقبله خلالها الرئيس المصري، وبحث معه تطور العلاقات الثنائية، وعدداً من القضايا الإقليمية.