النفط الليبي... «الورقة الحائرة» بين خصوم السياسة

«الفيل» ينضم للحقول المُعطّلة وسط ضبابية في المشهد

انخفاض الإنتاج في حقول النفط التي تسيطر عليها شركة «الواحة للنفط» إلى 150 ألف برميل يومياً (رويترز)
انخفاض الإنتاج في حقول النفط التي تسيطر عليها شركة «الواحة للنفط» إلى 150 ألف برميل يومياً (رويترز)
TT

النفط الليبي... «الورقة الحائرة» بين خصوم السياسة

انخفاض الإنتاج في حقول النفط التي تسيطر عليها شركة «الواحة للنفط» إلى 150 ألف برميل يومياً (رويترز)
انخفاض الإنتاج في حقول النفط التي تسيطر عليها شركة «الواحة للنفط» إلى 150 ألف برميل يومياً (رويترز)

ماذا يحدث للنفط الليبي حالياً؟

سؤال يطرحه جل الليبيين حول القطاع، الذي يعدّونه المورد الرئيسي للبلاد، لكنهم يرون بحكم تجاربهم السابقة أنه بات «ورقة حائرة للمساومة» في قبضة بارونات السياسة والمتصارعين على السلطة.

حيرة الليبيين، التي خلقت حالة من الضجر، جاءت بعد إعلان السلطات المحلية وبعض الاختصاصيين بقطاع النفط، مطلع سبتمبر (أيلول) الحالي، عن تشغيل ثلاثة حقول نفطية، ما عدّوه انفراجة على مسار الأزمة، لكن بعد ثلاثة أيام أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط حالة «القوة القاهرة» بحقل الفيل، وسط ضبابية المشهد السياسي العام.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المؤقتة (الوحدة)

وأُدخل النفط مجدداً على مسار الأزمة السياسية، عندما أعلنت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، في 26 من أغسطس (آب) الماضي، حالة «القوة القاهرة» على جميع الحقول والموانئ، وإيقاف إنتاج وتصدير النفط «حتى إشعار آخر»، رداً على تغيير رئيس محافظ المصرف المركزي من قبل سلطات طرابلس.

إزاء هذه الأزمة، يتذكر المحلل السياسي الليبي، حسام القماطي، وجود لافتات في شوارع ليبيا كتب عليها: «نفطنا سلاحنا في الحرب والسلم»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن هذا الشعار ترسّخ في عقلية الأطراف السياسية، فعندما تقع أي أزمة يسارعون للتلويح بهذه الورقة».

في مطلع الشهر الحالي، نُقل عن مهندسين يعملون بقطاع النفط أن «ثلاثة حقول نفط بالجنوب الشرقي، هي السرير ومسلة والنافورة، تلقّت تعليمات باستئناف الإنتاج، من قِبل مشغّل الحقول (شركة الخليج العربي للنفط)، التي لم تقدّم أي أسباب لذلك، وفقاً للمهندسين».

مستودع الزاوية النفطي بغرب ليبيا (شركة البريقة لتسويق النفط)

ولم يعرف جُل الليبيين الأسباب التي أدت إلى تشغيل تلك الحقول، ولا مصير باقي الحقول، لكن مصادر محلية بررت عملية التشغيل حينها «لضمان استمرار تشغيل محطات الكهرباء وتوفير الوقود»، وتوقعت «إعادة تشغيل الحقول والموانئ النفطية المغلقة كافة تباعاً».

وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، مساء الأحد، حالة «القوة القاهرة» بحقل الفيل النفطي، الواقع بحوض مرزق جنوب غربي ليبيا. وبررت اللجوء لهذا القرار إلى «الظروف الحالية التي يمر بها إنتاج النفط بحقل مليتة، التي منعت المؤسسة من القيام بعمليات تحميل النفط الخام»، وقالت موضحة: «هذه الظروف سوف تؤثر على عمليات إنتاج النفط الخام بحقل الفيل النفطي».

أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان (الشرق الأوسط)

وتراجع الإنتاج النفطي لأكثر من النصف تقريباً خلال الأيام الأخيرة، بعد أن سجل 1.15 مليون برميل يومياً خلال شهر يوليو (تموز) الماضي؛ وفق بيانات المؤسسة.

ويشير القماطي إلى أن استخدام هذا المورد ورقة سياسية «أصبح أمراً مبتذلاً في هذه المرحلة، إذ إن كل طرف من الأطراف يستخدمها على حسب قدراته، بالنظر إلى عدد الحقول الموجودة في مناطق نفوذه».

وعدّت المؤسسة أن «الظروف الحالية الخارجة عن سيطرتها هي التي دفعتها إلى إعلان حالة (القوة القاهرة) بحقل الفيل، بدءاً من اليوم الثلاثاء، مع الأخذ في الاعتبار أن حالة القوة القاهرة لا تنطبق على عمليات تحميل الهيدروكربونات الأخرى».

حقل «الشرارة» النفطي في جنوب ليبيا (الاتحاد العام لعمال النفط والغاز)

وعدّ موقع «إس آند بي غلوبال بلاتس» الأميركي إعلان المؤسسة الوطنية حالة «القوة القاهرة» على حقل الفيل «انتكاسة تضرب قطاع النفط الليبي».

وفي الخامس من أغسطس الماضي، توقف الإنتاج بشكل كامل في حقل الشرارة، الذي يعمل بطاقة إنتاج تبلغ نحو 300 ألف برميل يومياً. علما بأن شركة مليتة للنفط والغاز، وهي مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية للنفط و«إيني» الإيطالية، تتوليان تشغيل حقل الفيل الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 70 ألف برميل يومياً.

وسبق أن أكدت المؤسسة الوطنية للنفط أن إغلاق حقول نفطية في الفترة الأخيرة تسبب في فقد 63 في المائة تقريباً من الإنتاج الكلي للنفط في البلاد.

ويأمل الليبيون في إبعاد النفط، الذي يُشكّل 98 في المائة من موارد البلاد، عن المناكفات السياسية بين المتصارعين على الحكم. لكن تقارير دولية توضح أن عملية تعطيل إنتاج النفط في ليبيا ستطول، مما «يزيد من عذابات المواطنين وحيرتهم»، وفق متابعين.

وتقع غالبية الحقول تحت سيطرة «الجيش الوطني»، برئاسة المشير خليفة حفتر، فضلاً عن أن منطقة الواحات بجنوب غربي ليبيا تعد من أبرز المناطق الغنية بالحقول النفطية في البلاد.

ولم تنعم ليبيا، العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، باستقرار يذكر منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، وانقسمت ليبيا بين جبهتين واحدة في شرق البلاد وأخرى في غربها بداية من 2014.


مقالات ذات صلة

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

شمال افريقيا زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

يعتقد ليبيون بأن «نفوذاً روسياً يتمدد في جنوب البلاد ليس بمنأى عن توجهات الاستراتيجية الأميركية للمناطق الهشة وزيارة نورلاند الأخيرة إلى سبها».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة في غينيا (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)

الدبيبة يسعى لاستعادة «أكبر مزرعة» ليبية في غينيا

المزرعة الليبية في غينيا تبلغ مساحتها 2150 هكتاراً ومخصصة لإنتاج المانجو والأناناس وملحق بها مصنع للعصائر وسبع بحيرات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع المنفي ولجنة الحدود (المجلس الرئاسي الليبي)

مقتل 3 مواطنين في اشتباكات بالزاوية الليبية

توقفت الاشتباكات التي جرت بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، في جزيرة الركينة، بالقرب من مصفاة الزاوية الليبية مخلفة 3 قتلى و5 جرحى.

خالد محمود (القاهرة)
يوميات الشرق بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

في خطوة عدّها الاتحاد الأوروبي «علامة فارقة في الشراكة الثقافية مع ليبيا»، يواصل مهرجان للأفلام الأوروبية عرض الأعمال المشاركة في العاصمة طرابلس حتى الخميس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا يرى ليبيون أن «خطاب الكراهية يعد عاملاً من العوامل المساهمة في النزاع الاجتماعي» (البعثة الأممية)

ليبيون يتخوفون من تصاعد «خطاب الكراهية» على خلفية سياسية

قالت سميرة بوسلامة، عضو فريق حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، إنه «يجب على أصحاب المناصب اختيار كلماتهم بعناية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)
زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)
TT

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)
زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)

ألقى «النفوذ الروسي» في ليبيا بظلاله على تقديرات محللين ليبيين بشأن أبعاد زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى البلاد، ريتشارد نورلاند، غير المسبوقة إلى الجنوب الليبي.

ولم تُكشف تفاصيل كافية عن نتائج مباحثات نورلاند مع رئيس أركان القوات البرية التابعة للقيادة العامة، الفريق صدام، نجل المشير خليفة حفتر، في مدينة سبها الجنوبية، في وقت سابق هذا الأسبوع. لكنّ متابعين تحدثوا عن «رمزية» زيارة نورلاند إلى سبها، خصوصاً أنها «الأولى لمسؤول أميركي للمدينة الجنوبية، في ظل أوضاع أمنية مستقرة بعد موجات انفلات أمني سابقة»، وفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة درنة، يوسف الفارسي.

المبعوث الأميركي إلى ليبيا والقائم بالأعمال خلال زيارة لسبها (السفارة الأميركية على إكس)

ويبدو أنه لم تغب «ظلال الخطة الاستراتيجية العشرية لليبيا، ومحاولات احتواء النفوذ الروسي عن زيارة المبعوث الأميركي إلى الجنوب الليبي»، في رأي عضو معهد السياسات الخارجية بجامعة «جون هوبكنز»، حافظ الغويل، الذي يرى أن «امتداد نفوذ روسيا في الجنوب الليبي ليس بمنأى عن توجهات الاستراتيجية الأميركية للمناطق الهشة وزيارة نورلاند»، علماً بأن تسريبات ظهرت منذ مارس (آذار) الماضي تتحدث عن أكثر من جسر جوي تقوده طائرات شحن عسكرية روسية نحو قاعدة براك الشاطئ، الواقعة جنوب البلاد.

من لقاء سابق للدبيبة مع مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز في طرابلس (الحكومة)

ومنذ أقل من عامين أطلقت إدارة بايدن ما يعرف بـ«استراتيجية الولايات المتحدة لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار - الخطة الاستراتيجية العشرية لليبيا»، وتهدف هذه الخطة من بين بنودها إلى «دمج الجنوب الليبي المهمش تاريخياً في الهياكل الوطنية، مما يؤدي إلى توحيد أوسع، وتأمين الحدود الجنوبية».

ومع أن نورلاند اكتفى عقب لقاء صدام حفتر بحديث عام عن الدور الحيوي الذي يلعبه جنوب ليبيا في استقرار المنطقة، وحماية سيادة ليبيا، والتغلب على الانقسامات، فإن زيارته حسب الدكتور أحمد الأطرش، أستاذ العلوم السياسية بـ«جامعة طرابلس»: «قد لا تخرج عن سياقات صراع نفوذ مع موسكو، واستكشاف التمدد الروسي في المنطقة».

وكان اللافت أيضاً حديث المبعوث الأميركي عن دعم الجهود الليبية لتوحيد المؤسسات الأمنية، عبر «الانخراط مع القادة العسكريين الليبيين من جميع أنحاء البلاد»، وهو ما رآه الأطرش في تصريح إلى «الشرق الأوسط» غطاء لحقيقة هذه الزيارة، التي تستهدف موسكو بالأساس، مقللاً من رؤى تستند إلى لقاء سابق جمع بين وزير الداخلية المكلف في غرب البلاد، عماد الطرابلسي وصدام، وهو تصرف أحادي.

من زيارة سابقة لنائب وزير الدفاع الروسي رفقة وفد رفيع المستوى من الحكومة الروسية إلى بنغازي (الشرق الأوسط)

في المقابل، ذهب فريق من المحللين إلى الحديث عن مخاوف أميركية شديدة من توسيع ما سموه بالأنشطة الصينية في ليبيا، إذ إن الجنوب الليبي، وفق المحلل السياسي عز الدين عقيل «يمكن أن يكون محطة مهمة بقطع طريق الحرير الصيني، واستخدامه أيضاً بوصفه قاعدة لإزعاج ومواجهة الصينيين بأفريقيا».

ويستند عقيل إلى ما ذُكر بشأن الصين في إحاطة «الدبلوماسية الأميركية جنيفر غافيتو، حيث كان من المقرر تعيينها سفيرة لواشنطن في طرابلس قبل أن تعتذر في صيف هذا العام».

وفي يونيو (حزيران) الماضي، نبهت غافيتو في بيان أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إلى «النجاحات العميقة» لشركات مرتبطة بالصين في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ليبيا.

وسبق أن حصلت الصين على حقوق تعدين الذهب الليبي في الجزء الجنوبي من البلاد «بشروط مغرية للغاية» في عهد رئيس الحكومة الليبية السابق، فتحي باشاغا، وفق المستشار في مؤسسة «أنفرا غلوبال بارتنرز»، جوناثان باس، الذي لفت إلى دعم بكين القائد العام لقوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر.

يُشار إلى أن منطقة الساحل شهدت خلال العامين الأخيرين الإطاحة ببعض الأنظمة الراسخة الموالية لفرنسا، تزامناً مع انخراط روسيا في المنطقة، بوصفها حليفة للأنظمة الجديدة.

اللافت أنه غداة زيارة نورلاند إلى سبها، كان السفير الروسي لدى ليبيا أيدار أغانين خلف عجلة قيادة الشاحنة الروسية «أورال»، محتفياً، في لقطة لا تخلو من الدلالات، بدخولها السوق الليبية، بعد وصولها بالفعل إلى البلاد ضمن المئات منها إلى جانب الشاحنة «أورال».