من ينتصر في معركة «لي الذراع» بين شرق ليبيا وغربها؟

استياء واسع من استخدام النفط «ورقة ضغط سياسي»

حفتر ونجله صدام خلال لقاء بالمبعوثة الأممية بالإنابة ستيفان خوري في بنغازي (القيادة العامة)
حفتر ونجله صدام خلال لقاء بالمبعوثة الأممية بالإنابة ستيفان خوري في بنغازي (القيادة العامة)
TT

من ينتصر في معركة «لي الذراع» بين شرق ليبيا وغربها؟

حفتر ونجله صدام خلال لقاء بالمبعوثة الأممية بالإنابة ستيفان خوري في بنغازي (القيادة العامة)
حفتر ونجله صدام خلال لقاء بالمبعوثة الأممية بالإنابة ستيفان خوري في بنغازي (القيادة العامة)

بدأت نذر معركة «النفط» مقابل «المركزي» تدور رحاها سريعاً، بين السلطتين التنفيذيتين في كل من غرب ليبيا وشرقها، وسط استياء مجتمعي واسع من استخدام «مقدرات الشعب» ورقة ضغط سياسي.

وأغلقت سلطات بنغازي، ممثلة في حكومة أسامة حمّاد بشرق ليبيا، الحقول والمواني النفطية كافة التي تقع تحت سيطرتها، رداً على تعمّد المجلس الرئاسي تغيير محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، على غير رغبة مجلس النواب.

واجهة المصرف المركزي الليبي (رويترز)

وفتح الصراع الدائر راهناً بين الطرفين الباب حول ما يمكن تسميتها «لعبة عض الأصابع» ضمن معركة «لي الذراع» بين ساسة البلاد المتنفذين، تخوفاً من تعطيل مصادر التمويل المتحصلة من أموال النفط، وسط تساؤلات حول من ينتصر فيها.

وفي ظل حالة الاستقطاب الحادة التي تتصاعد على خلفية الصراع، ينتظر الليبيون لمعرفة ما إذا كانت الأزمة ستُحل بالتحرك الأممي أم تزداد تعقيداً في قادم الأيام، وذلك بالنظر إلى «الأوزان السياسية» لقادة البلاد على الأرض، وخصوصاً بين المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، ومحمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي.

الصديق الكبير (رويترز)

سياسيون ليبيون عدُّوا دعوة المنفي للبرلمان، أمس (الاثنين)، في بيان رسمي، إلى اختيار محافظ جديد للمصرف المركزي في جلسة «قانونية علنية وشفافية»، بالتشاور مع مجلس الدولة، نوعاً من «التراجع عن موقفه السابق».

وكان المجلس الرئاسي قد قرر تعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي، وإعادة هيكلة مجلس إدارته، رداً على إنهاء البرلمان ولاية «الرئاسي» وحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة؛ لكن حمّاد الذي يحظى بدعم قائد «الجيش الوطني» سارع بإغلاق النفط.

ويعتقد الكاتب الصحافي الليبي، عيسى عبد القيوم، أن حديث المنفي يشير «بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن ما أقدم عليه كان بمثابة محطة لقياس الأوزان، استعداداً للجولة القادمة. تقدم فيها خطوة لم تكن محسوبة بدقة؛ لكنه تراجع اليوم ميلاً إلى الوراء».

المنفي مستقبلاً الكبير في لقاء سابق (المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي الليبي)

وقدّم المنفي ما يشبه «استعطافاً»، وفق رؤية المنتمين لجبهة شرق ليبيا، قائلاً: «نراهن على المسؤولية الوطنية لقيادة المؤسسة العسكرية، لمنع مغامرات إغلاق ما تبقى من النفط الليبي الذي أُغلق نصفه قبل أسابيع».

ويرى عبد القيوم -في تصريح صحافي- أن بيان المنفي «حمل نداء استغاثة للبرلمان، أن يكلف محافظاً لـ(المركزي)؛ واستعطافاً للقيادة العامة أن ترفع حالة (القوة القاهرة) عن حقول النفط».

مع ذلك، يتمسك المنفي بتعيين محافظ ومجلس إدارة جديد للمصرف المركزي، ويعدُّه «قراراً نافذاً»، مؤكداً على «حقه في ممارسة اختصاصاته، وفقاً للاتفاق السياسي حول تعيين كبار الموظفين».

ليبيون انتقدوا استخدام النفط «ورقة ضغط سياسي» (رويترز)

وتقع غالبية الحقول تحت سيطرة «الجيش الوطني»، علماً بأن منطقة الواحات بجنوب غربي ليبيا تعد من أبرز المناطق الغنية بالحقول النفطية في البلاد.

وكان جُل الليبيين يتوقعون هذه الخطوة، لا سيما بعد تلويح عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، بذلك، عندما حذَّر الأسبوع الماضي من أن «أي تغيير في منصب محافظ المصرف المركزي قد يؤدي إلى إغلاق منشآت النفط، ووقف تحويل الإيرادات إلى المصرف المركزي».

ومضى صالح حين ذلك في تهديده الذي بات واقعاً؛ حيث قال: «لن نسمح باستمرار ضخ إيرادات الثروة الليبية لأشخاص جاؤوا بطريقة مشبوهة، وأيدٍ غير أمينة».

رئيس مجلس النواب حذَّر من أن أي تغيير في منصب محافظ المصرف المركزي قد يؤدي لإغلاق منشآت النفط (المكتب الإعلامي لعقيلة)

وقبيل توجيه حمّاد إلى إغلاق النفط، أقدم محتجون على إقفال حقل «الشرارة» الذي تشغله شركة «ريبسول» الإسبانية، وذلك بإيعاز من اللواء صدام حفتر، حسب وسائل إعلام محلية، رداً على إصدار مذكرة قبض بحقه، أثناء عودته إلى ليبيا من العاصمة الإيطالية روما.

ومن غير أموال النفط الذي يُوصف بـ«قوت الليبيين»، والذي يُشكّل 98 في المائة من موارد البلاد، فإن السلطة التنفيذية في طرابلس، ممثلة في «الرئاسي» و«الوحدة»، تعد «منزوعة الأظافر»، إذ إنها تستمد قوتها ونفوذها من عوائد النفط التي تعتمدها لبقية مؤسسات الدولة، ومن بينها حماية العاصمة.

وتظهر بيانات ديوان المحاسبة الليبي، أن النصف الأول من السنة المالية 2024 سجَّل إجمالاً للموارد النفطية ما يزيد على 44 مليار دينار، موزعة على إيرادات النفط والغاز والمشتقات النفطية. والدولار يساوي 4.84 دينار في السوق الرسمية.

وتسبب إغلاق حقل «الشرارة» الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 300 ألف برميل يومياً، في خسارة ليبيا حتى الآن 3.5 مليار دينار ليبي، حسب تصريحات صحافية لنقيب قطاع النفط، سالم الرميح.

وأمام تعهد محافظ المصرف المركزي المكلف مؤقتاً من المجلس الرئاسي، عبد الفتاح غفار، بأن رواتب الموظفين سيتم صرفها في مواعيدها، أشار إلى أنهم على استعداد لتسليم مهامهم لأي مجلس إدارة جديد متوافق عليه.

غير أن المصرف المركزي، برئاسة الكبير، قد حذَّر عبر موقعه الإلكتروني من تعطيل عمل المصرف، وعدم تمكينه من تنفيذ راتب شهر أغسطس (آب)، وفتح وتغطية الاعتمادات المستندية والحوالات الشخصية، وقال إن اقتحام المصرف لليوم الثاني يعرض أصوله وحساباته ومنظوماته وعلاقاته الخارجية وسمعته للخطر.

ويعتقد مراقبون ليبيون أن «من يمتلك مفاتيح حقول النفط، قادر على تحريك دفة الأزمة السياسية»، لذا يشيرون إلى أن لجوء معسكر حفتر إلى تعطيل إنتاج النفط، بقدر ما يُلحق ضرراً بالبلاد في المنظور القريب، فإنه «يسرّع من تحريك المياه الراكدة على المسار السياسي، ويزيد من لي ذراع خصومه».

الكبير بدوره برر لنظرية «لي الذارع» في خطاب إلى المبعوث الأميركي إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، تم تسريبه، ونشرته صفحات شخصيات ليبية؛ حيث تعهد الكبير بأن إغلاق حقول ومواني النفط «بحكم التجارب السابقة، لن يؤثر على الوضع الاقتصادي للبلاد، ويمكن تسيير كافة شؤون ليبيا لمدة طويلة».

وذهب الكبير موضحاً الغرض من الإغلاق قائلاً: «نحن لا نشجع على هذا الإغلاق، إلا أن حدوثه يعد تعبيراً مقبولاً للضغط على المجلس الرئاسي للتراجع عن قراره، حفاظاً على مصالح الدولة الليبية».

وعَدَّ رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الليبي» أسعد زهيو، رسالة الكبير للمبعوث الأممي «مخجلة»، وقال: «لا تنبغي إعادته إلى منصب محافظ المصرف».

وذكَّر زهيو بأن الكبير «سبق واشتكى عشرات المرات من أن إقفال النفط يعمل على تشويه الاقتصاد الوطني، ويسبب عجزاً في الموازنة العامة، وإذا به يتوسل للأميركان حتى لا يحتجوا على وقفه هذه المرة فقط، ليتم الضغط على المجلس الرئاسي، ويعود هو لوظيفته التي شغلها لأربعة عشر عاماً متواصلة».


مقالات ذات صلة

مسؤول بـ«إكسون موبيل»: منتجو النفط والغاز الأميركيون لن يزيدوا الإنتاج في ظل رئاسة ترمب

الاقتصاد منصة نفط بحرية قبالة ساحل هنتنغتون بيتش بكاليفورنيا 14 نوفمبر 2024 (رويترز)

مسؤول بـ«إكسون موبيل»: منتجو النفط والغاز الأميركيون لن يزيدوا الإنتاج في ظل رئاسة ترمب

قال مسؤول تنفيذي في شركة إكسون موبيل إن منتجي النفط والغاز الأميركيين من غير المرجح أن يزيدوا إنتاجهم بشكل جذري في ظل رئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رئيس مجلس الوزراء العراقي ونائب رئيس الوزراء الروسي ووزير الطاقة السعودي (رئاسة الحكومة العراقية)

تشديد سعودي عراقي روسي على الدور الحيوي لـ«أوبك بلس»

عقد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لقاء مشتركاً مع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك ووزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
الاقتصاد منصة نفط بحرية قبالة ساحل هنتنغتون بيتش بكاليفورنيا (رويترز)

تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية تضغط على أسعار النفط

انخفضت أسعار النفط يوم الثلاثاء متأثرة بارتفاع الدولار، بعد أن هدد الرئيس المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك والصين.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد منظر عام لمعدات حفر النفط على الأراضي الفيدرالية بالقرب من فيلوز بكاليفورنيا (رويترز)

النفط يهبط بأكثر من دولار بعد تقارير وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان

انخفضت أسعار النفط أكثر من دولار واحد يوم الاثنين، بعد أن ذكر موقع «أكسيوس» أن إسرائيل ولبنان اتفقا على شروط اتفاق لإنهاء الصراع بين تل أبيب و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (هيوستن)
أوروبا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (رويترز)

عقوبات بريطانية على 30 سفينة إضافية تابعة للأسطول «الشبح» الروسي

أعلنت الحكومة البريطانية اليوم الاثنين فرض عقوبات على 30 سفينة إضافية من «الأسطول الشبح» الذي يسمح لموسكو بتصدير النفط والغاز الروسي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مصر: انتشال 4 جثث بعد غرق مركب سياحي في البحر الأحمر

عناصر من رجال الإسعاف والإنقاذ المصري يُسعفون أحد الناجين من ركاب المركب (المتحدث العسكري المصري - «فيسبوك»)
عناصر من رجال الإسعاف والإنقاذ المصري يُسعفون أحد الناجين من ركاب المركب (المتحدث العسكري المصري - «فيسبوك»)
TT

مصر: انتشال 4 جثث بعد غرق مركب سياحي في البحر الأحمر

عناصر من رجال الإسعاف والإنقاذ المصري يُسعفون أحد الناجين من ركاب المركب (المتحدث العسكري المصري - «فيسبوك»)
عناصر من رجال الإسعاف والإنقاذ المصري يُسعفون أحد الناجين من ركاب المركب (المتحدث العسكري المصري - «فيسبوك»)

قال محافظ البحر الأحمر عمرو حنفي، اليوم (الثلاثاء)، إن عناصر الإنقاذ انتشلوا 4 جثث و3 ناجين غداة غرق مركب سياحي قبالة السواحل المصرية، فيما لا يزال 9 في عداد المفقودين.

وأعلن حنفي في بيان: «نجاح الجهود التي تُجريها الجهات المعنية كافة وعلى رأسها رجال القوات البحرية في العثور على 7 أشخاص منهم 3 أحياء (2 منهم يحملون الجنسية البلجيكية وآخر مصري)، فيما جرى انتشال 4 جثث ما زالوا مجهولي الهوية». وأشار إلى أنه «حتى الآن إجمالي من جرى إنقاذهم بلغ 31 شخصاً».

ووقع الحادث في الساعات الأولى من صباح أمس (الاثنين)، بشحوط اللانش «سي ستوري» خلال رحلة غوص وسفاري، إذ كان يقلّ 31 سائحاً من جنسيات أجنبية مختلفة، بالإضافة إلى طاقمه المكون من 14 فرداً من بحارة وغطاسين. وحتى مساء أمس (الاثنين)، أنقذت الفرق المعنية 28 شخصاً، فيما استمرت عمليات البحث عن 17 مفقوداً.

وأعلن محافظ البحر الأحمر، في بيان، أن الناجين الذين تم إنقاذهم يتلقون الرعاية الطبية اللازمة، مع تكثيف الجهود للعثور على باقي المفقودين.

من جانبه، قال المتحدث العسكري المصري عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن القيادة العامة للقوات المسلحة، كلَّفت قيادة القوات البحرية بدفع عدد من القطع البحرية وطائرات مركز البحث والإنقاذ فور تلقي بلاغ استغاثة يفيد بتعرض المركب السياحي «سي ستوري» للغرق في أثناء تنفيذ أعمال الغطس جنوب مدينة مرسى علم بنحو (35) كم، للمشاركة في أعمال البحث عن المفقودين والناجين، وذلك في ظل سوء الأحوال الجوية واتساع نطاق الحادث.

وذكر في البيان: «وقد أسفرت الجهود عن إنقاذ 28 فرداً بالتعاون مع إحدى السفن السياحية التي تَصادف وجودها في منطقة الحادث، كما تم تقديم الرعاية الطبية والإدارية اللازمة للناجين ونقل الحالات التي تستدعي رعاية طبية عاجلة إلى المستشفيات القريبة من موقع الحادث بالتعاون مع الأجهزة التنفيذية لمحافظة البحر الأحمر، كما أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة أوامرها للقوات البحرية بتكثيف جهودها لمواصلة عمليات البحث عن باقي المفقودين والناجين».