الجزائر: إلحاق أصول جرائم فساد بأملاك الدولة

شركات واستثمارات تعود لوجهاء في نظام بوتفليقة

الرئيس المترشح لولاية ثانية تعهّد باستعادة الأموال المهربة للخارج (حملة المترشح)
الرئيس المترشح لولاية ثانية تعهّد باستعادة الأموال المهربة للخارج (حملة المترشح)
TT

الجزائر: إلحاق أصول جرائم فساد بأملاك الدولة

الرئيس المترشح لولاية ثانية تعهّد باستعادة الأموال المهربة للخارج (حملة المترشح)
الرئيس المترشح لولاية ثانية تعهّد باستعادة الأموال المهربة للخارج (حملة المترشح)

بدأت الحكومة الجزائرية دمج 108 أصول شركات وأملاك تعود لوجهاء في النظام السابق، في مجموعات صناعية حكومية كبيرة، إثر صدور أحكام قضائية نهائية بمصادرتها.

وينتمي أصحاب هذه الأصول إلى فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999- 2019)، يقضون حالياً عقوبات ثقيلة في السجن بعد إدانتهم بالفساد.

الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (الشرق الأوسط)

وأكدت تقارير حكومية أن وزارة الصناعة وإنتاج الأدوية «بصدد تنفيذ الشطر الأخير من خطة تحويل أصول الأملاك المحجوزة مصدر الفساد، إلى شركات حكومية تشتغل في عدة أنشطة، مثل صناعة الحديد ومواد البناء وعتاد تركيب السيارات والصناعة الغذائية، وحتى شركات خدمات مثل السياحة». ووفق التقارير نفسها، تترقب الحكومة إتمام الخطة بنهاية 2024.

وصرَح مدير «حوكمة المؤسسات الاقتصادية والصناعية» بوزارة الصناعة، الخميس الماضي، للإذاعة الحكومية، بأن الفترة بين 2022 و2024، شهدت تحويل أصول شركات وممتلكات خاصة لصالح الشركات العامة الاقتصادية في مختلف القطاعات، بما في ذلك الصناعة والإنتاج الصيدلاني والسياحة والطاقة والمناجم والأشغال العامة والصناعات الغذائية.

وأشار إلى أن عمليات نقل الملكية الخاصة إلى الدولة، شملت 31 أصلاً في عام 2022، في حين عام 2024 جرى دمج 77 أصلاً من الأملاك الخاصة، على مرحلتين منفصلتين، وفق المسؤول ذاته.

رجال أعمال في السجن (من اليمين): محيي الدين طجكوت وعلي حداد وطارق خنينف (الشرق الأوسط)

ومن أشهر الوحدات الصناعية ذات رأس المال الخاص، التي جرى إلحاقها بالنسيج الصناعي الحكومي، مصنع الإسمنت في أدرار بأقصى جنوب البلاد، ومصانع الطوب والصناعات الغذائية.

وكانت المجموعة الحكومية الكبيرة المختصة في المنتجات الغذائية «أغروديف»، هي المستفيد الأكبر من عملية الدمج، ووفق التقارير الحكومية ذاتها، بالنظر لمصادرة عشرات الشركات المتخصصة في هذا المجال، كانت ملكاً لرجال أعمال مقربين من الرئيس السابق بوتفليقة، وكان لهم وزراء يدافعون عن مصالحهم، وبفضلهم حصلوا على مشروعات، ورست عليهم صفقات حكومية كبيرة، درَّت عليهم أموالاً ضخمة في الـ20 سنة التي سبقت الحراك الشعبي الذي أجبر بوتفليقة على الاستقالة في 2 أبريل (نيسان) 2019.

وتتضمن خطة التعامل مع الأصول المصادرة، أيضاً، استغلال الإمكانات التي تحوزها لإطلاق عدة مشروعات، منها مجمع لسحق بذور الزيت في جيجل (شرق)، إذ يتوقع أن يبدأ تشغيله في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وفي تقدير الحكومة، سيؤدي المصنع المرتقب دوراً مهماً في تحقيق الاكتفاء وحتى التصدير للخارج، بشأن إنتاج الزيت الخام المخصص لزيت المائدة وأعلاف الحيوانات.

كما تشمل الخطة أيضاً، مشروعاً لإنتاج السكر بشرقي العاصمة، ومصنعاً للأنابيب الفولاذية بوهران غرب البلاد.

وزير الصناعة المُكلف بنقل الأصول محل فساد إلى أملاك الدولة (الوزارة)

ويبرز من جرد الأصول التي تعود لوجهاء النظام في وقت سابق، أن عدد العمال والموظفين بالشركات المعنية يفوق 200 ألف، بعضهم نظّم مظاهرات قرب الشركات التي كانوا يعملون بها منذ سنوات، للمطالبة بالحفاظ على مناصب الشغل. وبدت الحكومة مهتمة بمصير أصول هذه الشركات، من دون أن تكترث للوظائف التي ضاعت.

وفي بداية حملة انتخابات الرئاسة (الجارية حالياً) المقررة في 7 سبتمبر (أيلول) المقبل، أكد الرئيس المترشح لولاية ثانية، عبد المجيد تبون، أن رجال الأعمال الذين صادرت الدولة ممتلكاتهم «أخذوا قروضاً كبيرة من المصارف الحكومية، ولم يسددوها».

وقال إن المحاكم أصدرت في السنوات الأخيرة 285 إنابة قضائية موجهة لـ30 دولة، يعتقد أن بها ودائع وأرصدة مالية تعود لمسؤولين في الدولة، مصدرها مال عام. مؤكداً أن التحريات حول الفساد، أشارت إلى وجود 755 حساباً بنكياً في الخارج لمسؤولين محل شبهة فساد، مبرزاً أن «الإجراءات التي اتخذناها لاستعادة الأموال المنهوبة، ثقيلة شيئاً ما، ولكن كلنا أمل في أنها ستحقق الهدف».


مقالات ذات صلة

الجزائريون يواجهون مرشحي الرئاسة بمطلب «تحسين القدرة الشرائية وتوفير الشغل»

شمال افريقيا الرئيس تبون وعد بتحسين أداء الاقتصاد وخلق شغل للشباب (أ.ب)

الجزائريون يواجهون مرشحي الرئاسة بمطلب «تحسين القدرة الشرائية وتوفير الشغل»

جه المرشحون الثلاثة لانتخابات الرئاسة الجزائرية، المقررة في السابع من سبتمبر (أيلول) المقبل، أسئلة كثيرة خلال احتكاكهم بشكل شخصي، أو عن طريق ممثليهم، بالناخبين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا وزير الشؤون الدينية يقدم توجيهات لأئمة بالعاصمة (الوزارة)

الحكومة الجزائرية تسخّر المساجد لإنجاح «مشاركة قوية» في الانتخابات

طلبت الحكومة الجزائرية من أئمة المساجد الانخراط في جهد تبذله لتحقيق نسب تصويت عالية في انتخابات الرئاسة، المقررة في السابع من سبتمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
المشرق العربي صورة خارجية لمحطة الجية الحرارية لتوليد الطاقة في لبنان 17 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

الجزائر ترسل أول شحنة فيول إلى لبنان لتشغيل معامل الكهرباء

أبحرت الناقلة الجزائرية «عين أكر»، الخميس، إلى لبنان محملة بشحنة أولى تبلغ 30 ألف طن من مادة الفيول بهدف إعادة تشغيل محطات الطاقة في البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري خلال خطابه حول الجيش وغزة بقسنطينة (حملة المترشح)

موالون للرئيس تبون يستنكرون «محاولة تشويه صورة الجزائر»

جرى تجاهل الجزء الثاني من التصريح الذي يؤكد فيه أن جيش بلاده «سيبني (في حال تمكن من الدخول إلى غزة) 3 مستشفيات خلال 20 يوماً، وسنرسل مئات الأطباء».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا 
المرشح حساني مع كوادر حزبه (إدارة الحملة)

انطلاق حملات الرئاسة في الجزائر وتبون أبرز المرشحين

تبدأ، اليوم (الخميس)، حملة انتخابات الرئاسة الجزائرية، المقرّرة في 7 سبتمبر (أيلول) المقبل، بمشاركة 3 مترشحين؛ هم: الرئيس عبد المجيد تبون، ورئيس الحزب الإسلامي.


«الدعم السريع»: لن نسمح بتقسيم السودان وتكرار تجربة الجنوب

العميد عمر حمدان (الثالث من اليمين) خلال لقاء مع ممثلين للسعودية والاتحاد الأفريقي في جنيف (موقع «إكس»)
العميد عمر حمدان (الثالث من اليمين) خلال لقاء مع ممثلين للسعودية والاتحاد الأفريقي في جنيف (موقع «إكس»)
TT

«الدعم السريع»: لن نسمح بتقسيم السودان وتكرار تجربة الجنوب

العميد عمر حمدان (الثالث من اليمين) خلال لقاء مع ممثلين للسعودية والاتحاد الأفريقي في جنيف (موقع «إكس»)
العميد عمر حمدان (الثالث من اليمين) خلال لقاء مع ممثلين للسعودية والاتحاد الأفريقي في جنيف (موقع «إكس»)

ما انفض سامر مفاوضات جنيف الخاصة بوقف الحرب في السودان، بدون إحراز تقدم حول «وقف العدائيات»، حتى عادت الهواجس من كل حدب وصوب على السودانيين خوفاً من الأسوأ؛ حيث كانوا يأملون نهاية للحرب، التي دمرت بلادهم وشردتهم في بقاع الأرض، وبات شبح المجاعة يهدد أكثر من نصف السكان.

رئيس وفد «قوات الدعم السريع» إلى مفاوضات جنيف بسويسرا العميد عمر حمدان، لم يُخفِ المخاوف من الخطوة، مشيراً في حوار مع «الشرق الأوسط»، إلى أن قواته كانت تأمل في إنجاز اتفاق وقف العدائيات بآلية مراقبة فعالة، لكن غياب وفد الجيش فوّت هذه الفرصة... مطالباً المجتمع الدولي بالضغط عليهم لإرسال وفد إلى التفاوض، محذراً من أنه في حال فشل التفاوض فإن الخيار العسكري سيكون مطروحاً على الأرض. غير أنه أكد تمسُّكه بمبدأ السودان الواحد، قائلاً إن قواته لن تسمح بالتقسيم ولن تكرر سيناريو جنوب السودان، الذي انفصل بعد حرب دامت 38 عاماً على فترتين مكوناً دولة مستقلة، وفقد السوان إثرها ثلث مساحته وخُمس سكانه و70 في المائة من ثرواته البترولية والطبيعية. ولم يستبعد أيضاً تشكيل حكومة موازية، إذا تعقدت الأمور، لكنه أشار إلى أن هذا الأمر متروك لتقدير القيادة.

وقال حمدان، الذي قاد أيضاً رئاسة وفد «الدعم السريع» لمفاوضات «جدة1» و«جدة»: «إن الجيش السوداني مختطف وقراره عند أمير الحركة الإسلامية»، التي قال إنها اختارت خط الحرب إلى النهاية». وحول الاتهامات بالانتهاكات التي يرتكبها عناصر من الدعم السريع، قال إنها «تصرفات وتفلتات فردية»... وإن قائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) سيُصدر توجيهات «استثنائية وصارمة» لوقف مثل هذه الانتهاكات ضد المدنيين.

محادثات جنيف

يقول حمدان عمر، رئيس وفد «قوات الدعم السريع» إلى مفاوضات جنيف، إن المفاوضات لم تلبِّ كل الطموحات، لكنها في الوقت نفسه كانت خطوة كبيرة للأمام، من خلالها أصبح المجتمع الدولي أكثر اتحاداً وجدية في إنهاء الحرب في السودان. وأكد حمدان: «أنجزنا خلال المفاوضات عملاً كبيراً بشأن إيصال المساعدات الإنسانية، عبر معبر أدري الحدودي مع تشاد، الذي يخضع لسيطرة (الدعم السريع) منذ بداية الحرب»، لكن حكومة بورتسودان كما يسميها «حرمت المنظمات الدولية من الدخول عبره بإصدارها قرارات الإغلاق على الورق فقط، كما تم فتح منفذ الدبة في شمال البلاد، وهي خطوة إيجابية كبيرة على الصعيد الإنساني».

«وسطاء جنيف» قالوا إن غياب الجيش السوداني أعاق محاولات وقف إطلاق النار (إ.ب.أ)

وأضاف حمدان: «في المقابل لم تحقق المحادثات هدفها الرئيسي وهو وقف العدائيات، وهي القضية الرئيسية التي كان ينتظرها الشعب السوداني، بسبب تمترس ورفض قادة الجيش المختطفين من قبل الإسلاميين الذين لم يمكنونا من إنجاز الاتفاق بآلية مراقبة فعالة». وأوضح حمدان: «أجرينا في جنيف مناقشات مفيدة مع الوسطاء والمنظمات الأممية في شأن إيصال المساعدات وحماية المدنيين، على الأقل في مناطق سيطرتنا من خلال قوة حماية المدنيين (تم تشكيلها أخيراً) وسيصدر قائد (قوات الدعم السريع) الفريق محمد حمدان دقلو توجيهات استثنائية صارمة بعدم التعرض للمدنيين».

ولم يستبعد العميد حمدان عقد جولة مفاوضات أخرى، مشيراً إلى أن الوسطاء والشركاء تحدثوا بوضوح وأكدوا أنهم سيواصلون جهودهم مع الأطراف لعقد جولات أخرى، «ومن جانبنا فإن التفاوض مسألة مبدئية كما ذكر ذلك قائد الدعم السريع مراراً وتكراراً منذ بداية الحرب، ومتى ما دُعينا إلى تفاوض ينهي معاناة شعبنا فسنكون أول المستجيبين، وهي قضية استراتيجية بالنسبة لنا وليست تكتيكية».

أسباب غياب وفد الجيش

وحول أسباب غياب وفد الجيش واستبداله بوفد حكومي، قال حمدان: «هذه مبررات واهية ومضحكة... كل المفاوضات السابقة في (جدة 1) و(جدة 2) ومفاوضات المنامة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) وجنيف الأولى، كانت تتم بين وفدين من (الدعم السريع) والقوات المسلحة، وحتى اتفاق إعلان مبادئ جدة الذي يرفعونه كفزاعة، موقع بين الطرفين؛ لذا فإن شرطهم بالمشاركة بوفد يمثل الحكومة لم يكن منطقياً».

البرهان لم يرسل وفده إلى جنيف... وعد المفاوضات «تبييض جانب الدعم السريع» وفي الصورة مع قواته قاعدة جبيت العسكرية (أرشيفية - رويترز)

وأضاف: «إجراءات وقف العدائيات وإيجاد آلية للمراقبة والتحقق على ما اتفق عليه، وتنفيذ إعلان جدة ومقررات المنامة، يستدعي وجود وفد القوات المسلحة على طاولة المفاوضات؛ لمعرفة من الذي يحتل منازل المواطنين، ومن يقصف المدنيين بالطيران دون التمييز بين الأعيان المدنية والعسكرية». وتابع قائلاً: «المبررات التي ذكروها غير منطقية ولا موضوعية، والمبرر الوحيد من وجهة نظرنا هو أن الحركة الإسلامية التي اختطفت القوات المسلحة تمنعهم من الحضور... نحن نعلم يقيناً أن الحركة الإسلامية اختارت خط الحرب إلى النهاية، والقوات المسلحة مختطفة وليس لها قرار».

وحول حديث قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بأنهم لن يحضروا إلى جنيف، وسيحاربون لـ100 عام، قال: «الحركة الإسلامية هي صاحبة اليد العليا على الجيش، لكن المجتمع الدولي لديه آليات ضغط، وإذا مارس الضغوط اللازمة يمكن أن يجبر الحركة الإسلامية وجيشها وكل توابعها على اختيار طريق السلام. الآن هناك مجاعة في السودان، ولا يمكن للعالم أن يشاهد هذه المأساة الإنسانية الأسوأ ويتفرج عليها، لذلك لا بد من ضغوط دولية قوية لإجبارهم على السير في طريق وقف الحرب».

الضغوط الدولية لم تفلح

ولكن ضغوط المجتمع الدولي لم تفلح في عهد الرئيس المعزول عمر البشير؛ لإجباره على تغيير مواقفه، فهل تنجح حالياً؟ في هذا الإطار يقول حمدان: «صحيح أن حكومة الإنقاذ كان لها تجربة في تحدي المجتمع الدولي، لكن الوضع في ذلك الوقت كان مختلفاً، كانت تحكم بحزب واحد يتحكم بكل مفاصل الدولة، وكان يجد دعماً دولياً؛ لذلك استمر في العناد، لكن (مجموعة بورتسودان) يوجدون في أقل من 30 في المائة من أرض السودان، ونحن سيطرنا على التصنيع الحربي والكثير من المفاصل؛ لذلك هم في أوهن حالاتهم، وليست لديهم القدرة للعناد والصمود، وأعتقد أنهم سيجبرون على التفاوض».

اتهامات في مواجهة «الدعم السريع»

وحول الاتهامات بوجود «قوات الدعم السريع» في منازل المدنيين، ومطالبة الجيش لهم بخروجهم منها كشرط للعودة إلى المفاوضات، يقول مفاوض «الدعم السريع»: «حرب 15 أبريل (نيسان) دارت في المدن والقرى السودانية، ولم تكن حرباً في الفضاء، وبالتالي فإن الخسائر عادة تكون كبيرة، خصوصاً أن معسكرات الجيش توجد في داخل الأحياء. الحرب أجبرت الملايين على الخروج من منازلهم فراراً من ويلاتها، فهل يُعقل أن تكون قواتنا موجودة في كل تلك المنازل؟ هم في الحقيقة يعنون أنهم يريدوننا أن نخرج من المناطق والمواقع التي سيطرنا عليها، ومن شروطهم أن تخرج (قوات الدعم السريع) من ولاية الجزيرة (وسط البلاد)، ولا يمكن أن نخرج من مناطق سيطرنا عليها بقوة السلاح من دون أن نصل إلى اتفاق نهائي. وحديثهم عن الخروج من منازل المدنيين هو فقط لـ(دغدغة مشاعر المواطنين السودانيين)».

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

وأضاف: «إعلان جدة يتحدث عن جانبين، هما المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، ولم تكن به آليات للتنفيذ، ونص على التمييز بين الأعيان المدنية والمواقع العسكرية، والقوات المسلحة تقوم بقصف المستشفيات والكباري ومصفاة الجيلي، وتدمر كل البنية التحتية في السودان. ومن وجهة نظرنا، يجب أن نجلس للتفاوض للاتفاق على وقف العدائيات عبر آلية مراقبة فعّالة لمعرفة من الذي يحتل منازل المواطنين ويخل بالاتفاقيات ولا عهد له».

الحسم العسكري وارد

وبشأن السيناريوهات المحتملة إذا فشلت المفاوضات، قال عمر حمدان: «أمامنا خياران إذا فشلت جهود المفاوضات والحوار: الأول أن يمارس المجتمع الدولي الضغط لإجبار القوات المسلحة على الحضور إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب، أو أننا سنواصل تحرير ما تبقى من أرض البلاد، ونخلّص السودانيين من تجار الدين والحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني وأذيالهم».

وأكد حمدان أن «الدعم السريع يستطيع حسم المعركة عسكرياً، وهو السيناريو الأغلى تكلفة وغير محبذ لنا. نحن نشعر بالجحيم الذي يعيشه السودانيون، لكن إذا أصر البرهان ومجموعته على مواصلة القتال، فسنخلص السودانيين منهم عسكرياً، وهناك تجارب شبيهة للحسم العسكري إقليمياً كما تم في رواندا، وهو وارد جداً».

إعلان حكومة موازية وارد

وحول الخيارات التصعيدية التي أشار إليها قائد «الدعم السريع»، يقول حمدان: «هي كثيرة ومفتوحة، وقائد (الدعم السريع) لم يحدد خياراً بعينه».

وحول ما إذا كان من بين الخيارات إعلان حكومة موازية في السودان أو دارفور، قال: «الدعم السريع مع وحدة السودان، ولن يسمح بالتقسيم، ولدينا حكومات وإدارات مدنية في المناطق التي نسيطر عليها، وأخيراً وافق القائد على تشكيل إدارات مدنية في الولايات؛ لأن هناك حاجة ماسة لتقديم الخدمات للمواطنين في مناطق سيطرتنا. أما تشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان فهي مسألة أخرى متروكة لتقديرات القيادة.

عمر حمدان (الثاني من اليمين) مع أعضاء وفده إلى محادثات جنيف (موقع الدعم السريع)

لكن كل الخيارات مفتوحة وواردة، نحن لن نسمح بتقسيم السودان إطلاقاً، بل نرى أن السودان يجب أن يظل موحداً، ولن نسمح بالتجربة القاسية لنظام البشير بفصل الجنوب وهو جزء عزيز من أرض السودان، والآن أصبح دولة جديدة». وتابع قائلاً: «في إعلان جدة واتفاق المنامة أكدنا بوضوح على أن يظل السودان واحداً موحداً، ولدينا سرطان اسمه الحركة الإسلامية يجب القضاء عليه».

اتهامات بالفشل في إدارة مناطقها

ورداً على اتهامات بفشل «قوات الدعم السريع» في تقديم الخدمات لمناطق سيطرتها، يقول حمدان: «هناك معاناة سببها أن مجموعة بورتسودان قطعت خدمات الإنترنت والمياه في كل مناطقنا بالخرطوم وأم درمان والجزيرة، وأقفلوا الحسابات النقدية للمواطنين، وحرموا السودانيين من الحصول على الأوراق الثبوتية. الآن شكلوا لجاناً لنزع الأوراق الثبويتة من السودانيين. في المقابل، نبذل مجهودات كبيرة عبر الإدارات المدنية لكي تقوم بدروها، وسنقدم كل ما نستطيع لهم، وسنعمل على إشراك المجتمع الدولي في تقديم المساعدات الإنسانية في مناطقنا».

انتهاكات «الدعم»

ورداً على سؤال حول الاتهامات بقصف المدنيين في كرري والفاشر وأم درمان، يقول العميد حمدان: «نحن لا نستهدف إطلاقاً المناطق المدنية، بل نستهدف المواقع العسكرية. لكن هناك وحدات عسكرية في وسط الأحياء السكنية مثلما في كرري ووادي سيدنا، وكذلك سلاح الذخيرة في حي الشجرة، وسلاح الأسلحة في الكدرو. أما بالنسبة للفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور فإن عناصر (الارتزاق المسلح)، بقيادة مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، موجودون داخل المستشفيات ونشروا القناصين في المساجد، وسبق أن قدمنا مبادرة بإخلاء الفاشر من القوات المسلحة وتركها للحركات المسلحة المحايدة، لكن للأسف الجيش رفض هذه المبادرة».

مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور أكثر مدن دارفور تأثراً بالحرب على مدى السنوات الماضية وحالياً (أ.ف.ب)

وأضاف حمدان: «قمنا بتشكيل قوة حماية المدنيين لمساعدة الإدارات المدنية في مناطق سيطرتنا على إنفاذ القانون، بجانب قوات الشرطة العسكرية والاستخبارات والشرطة ووكلاء النيابة والمستشارين القانونيين، وهذه القوة تتلقى جرعات إضافية في التدريب على احترام القانون الدولي الإنساني والتعامل مع الجمهور، رغم حاجتنا الماسة لهذه القوات في القتال. الآن بدأت قوة حماية المدنيين في الخرطوم والجزيرة وستتمدد للمناطق الأخرى، وتتكون كل مجموعة من 27 عربة قتالية».

نعم للحكم المدني ولا لعودة الإطاري

وحول المخاوف التي يبديها كثير من المراقبين من أن تقوم «قوات الدعم السريع» في حال سيطرتها على كل مناطق السودان بإقامة حكومة عسكرية، والتخلي عن الشعارات التي يطلقها بعودة الحكم المدني الديمقراطي، يذكِّر حمدان بأن «قوات الدعم السريع» انحازت لخيارات الشعب السوداني في الانتقال الديمقراطي، «وهذا كان موقفنا قبل اندلاع الحرب، ووقفنا مع الاتفاق الإطاري الذي قبله البرهان، ثم غدر بنا وتراجع عن الاتفاق». والحرب قامت لأننا قمنا بالدفاع عن الحكم المدني ووقعنا الاتفاق الإطاري.

ويضيف: «نحن أكثر إصراراً على تسليم السلطة للمدنيين، وكانت هذه المسالة واضحة في اتفاق المنامة. نحن لسنا طلاب سلطة، ومع التحول المدني الديمقراطي في البلاد، ولا بد من إنهاء الحرب وكسر الدورة الشريرة للانقلابات العسكرية التي تنقلب على الأنظمة المدينة الديمقراطية».

وحول ما إذا في الإمكان العودة إلى وثيقة الاتفاق الإطاري مرة أخرى، قال: «بعد مرور 16 شهراً على الحرب، يصعب العودة للاتفاق الإطاري؛ لأنه يتحدث حول قضايا محددة، منها الإصلاح الأمني العسكري، والآن لا بد من النظر بعمق أكبر للأمور؛ إذ لا يمكن إصلاح مؤسسة مختطفة، قرار قائدها من أمير الحركة الإسلامية، وقادتها تحقق معهم سناء حمد (قيادية في الحركة الإسلامية)، ولا يمكن أن نعود لإصلاح مثل هذه المؤسسة، وهذا يعني إعادة الحرب في السودان».

نتفق مع «تقدم»

وحول الاتهامات التي تطول تنسيقية «تقدم» التي يقودها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، يقول حمدان: «(تقدم) تدعو بوضوح إلى وقف الحرب العبثية منذ بداية اندلاعها، ونحن نتفق معها في ذلك، كما تتحدث أيضاً عن ضرورة التحول المدني الديمقراطي ونحن مع ذلك. أما الحديث عن اتهامات لهم بأنهم عملاء، فهذه فرية يستخدمها نظام الإنقاذ ضد كل من يعارضه، ويصفه بالعميل وغير الوطني وأنه قادم من تشاد أو النيجر، وهي الاتهامات ذاتها التي كان يدمغ به الدكتور جون قرنق، ويشكك في أصوله السودانية قبل الاتفاق معه. في المقابل، هم يرتمون في أحضان إيران، والآن بصدد بيع أرض السودان وساحل البحر الأحمر لإيران».

«فلول» في «الدعم»

وحول الاتهامات بوجود ما يُطلق عليهم «فلول» النظام السابق بين عناصر «الدعم السريع»، يرد حمدان بالقول: «نعم، قد يكون هناك أشخاص كانوا جزءاً من نظام الإنقاذ وأدركوا خطأهم وتخلوا عنه. مثلاً (المؤتمر الشعبي) الآن هو مع التحول الديمقراطي. لا يمكن أن نأخذهم بهذه الجريرة مدى الدهر».

ورداً على سؤال عن أسباب تخليه عن الجيش السوداني وانضمامه إلى «الدعم السريع»، يقول حمدان: «أنا التحقت بـ(قوات الدعم السريع) قبل 8 سنوات، وتم انتدابي لها من قبل الجيش نفسه، أما موقفي في خوض الحرب مع (الدعم السريع) فهو لأنني أرى أن الجيش استُخدم بطريقة سيئة، فهو ثاني جيش يخوض حروباً ضد شعبه، بعد جيش ميانمار الذي لديه تجربة 60 عاماً في هذا المجال. الجيش استُخدم بشكل سيئ جداً كعصا غليظة لتركيع السودانيين، وهناك نخب سيئة جداً استغلت الجيش في فرض إرادتها في قتل الشعب السوداني؛ لذلك أنا مع خروج المؤسسة العسكرية من السياسة إلى الأبد، وأن ترجع القوات المسلحة إلى واجبها الأساسي في حماية الوطن والمواطن وليس حماية الأنظمة الحاكمة».