«هدنة غزة»: اتصالات تُعطي «دفعة» لجولة القاهرة

«حماس» ترسل وفداً لمصر... والوسطاء يطالبون بـ«مرونة»

رد فعل امرأة فلسطينية إثر غارة إسرائيلية في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية إثر غارة إسرائيلية في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: اتصالات تُعطي «دفعة» لجولة القاهرة

رد فعل امرأة فلسطينية إثر غارة إسرائيلية في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية إثر غارة إسرائيلية في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

جرت في الساعات الماضية اتصالات مكثفة بين الوسطاء الذين دعوا حركة «حماس» وإسرائيل إلى إبداء «مرونة» ضمن مساعي إتمام اتفاق ينهي الحرب المستمرة منذ نحو 11 شهراً في غزة، بالتوازي مع حديث في الإعلام الإسرائيلي عن «تفاهمات» جديدة بشأن العقبة الرئيسية المتعلقة بـ«محور فيلادلفيا» الحدودي مع مصر، وإعلان «حماس» المشارَكة في محادثات بالقاهرة على خلاف غيابها عن مفاوضات الدوحة التي جرت منتصف أغسطس (آب).

ويرى خبراء أن تحركات الوسطاء تعطي «دفعة» لجولة القاهرة بعد مخاوف من تعثرها مع تمسك رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بالبقاء في «محور فيلادلفيا» على غير الرغبة المصرية، وضد مطالب «حماس» بالانسحاب الكامل من قطاع غزة، وسط تفاؤل حذر بإمكانية التوصل لاتفاق يشمل المرحلة الأولى من المراحل الثلاث من مقترح أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن في مايو (أيار) الماضي.

ووسط غموض بشأن مصير مفاوضات القاهرة، وتباينات بشأن حل عقبة «محور فيلادلفيا»، أجرى بايدن اتصالاً هاتفياً، مساء الجمعة، مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استعرضا خلاله آخر تطورات جولة التفاوض التي تستضيفها القاهرة حالياً. وأكد الرئيسان «أهمية التزام الأطراف المعنية بتذليل العقبات وإبداء المرونة لإتمام الاتفاق»، وفق إفادة الرئاسة المصرية.

وشدد الرئيس المصري على أن «التوصل لاتفاق فوري لوقف إطلاق النار، يكتسب أهمية فائقة في هذا التوقيت الدقيق، سواء لضرورة وضع حد للمعاناة الإنسانية الكارثية بالقطاع، أو لإنهاء حالة التصعيد وتجنيب المنطقة ويلات توسّع نطاق الصراع، بما لذلك من تداعيات خطيرة على شعوب الإقليم كافة». كما بحث بايدن مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، جهود الوساطة المشتركة لإنهاء الحرب على القطاع، وآخر المستجدات الإقليمية والدولية. وأجرى بايدن أيضاً قبل يومين اتصالاً هاتفياً مع نتنياهو بشأن مفاوضات هدنة غزة.

فلسطينيون يتفقدون الأضرار عقب ضربات إسرائيلية على مدينة حمد في خان يونس (رويترز)

ونقل موقع «أكسيوس» الأميركي أن «بايدن طلب من نتنياهو سحب القوات الإسرائيلية من جزء من الحدود بين مصر وغزة، وأن الأخير قبل جزئياً طلب الرئيس الأميركي، بشأن محور فيلادلفيا»، وسط اعتقاد مسؤولين إسرائيليين بأن «(حماس) لن توافق على الخرائط الجديدة بشأن تخفيف انتشار القوات في محور فيلادلفيا».

وبينما غابت عن الوجود في مفاوضات الدوحة منتصف أغسطس الحالي، أكدت «حماس» وفق عضو المكتب السياسي للحركة، عزت الرشق، (السبت)، مشاركتها بوفد في القاهرة برئاسة خليل الحية، «بناءً على دعوة الوسطاء في مصر وقطر، وذلك للاستماع لنتائج المفاوضات التي جرت في القاهرة».

‏ويرى الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، أن الاتصالات التي تمت على مستوى قادة الوساطة، جاءت بعد «طريق مسدود» مع إصرار نتنياهو على البقاء في «محور فيلادلفيا»، لإفساد المفاوضات، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن تلك الاتصالات «تعطي دفعة حقيقية لاحتمال التوصل لاتفاق هدنة»، وتعززها الأنباء عن «حدوث تفاهمات».

وأشار إلى أن مشاركة «حماس» بعد غياب تعني أن «هناك تقدماً يمكن البناء عليه في جولة القاهرة»، لافتاً إلى أن الإعلام الإسرائيلي يتحدث حالياً أيضاً عن «مؤشرات إيجابية» على خلاف المرات السابقة من الحديث عن انقسام وما شابه.

فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل في قطاع غزة خلال وقت سابق (رويترز)

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، الذي لفت إلى أن اتصالات بايدن مع الرئيس المصري، وأمير قطر، وقبلها مع نتنياهو، «مهمة» في هذا التوقيت الذي كان يعتقد البعض بأن «الاتفاق بدأ يبتعد»، مشيراً إلى أن هذه الاتصالات تشي باهتمام أميركي بإتمام صفقة الهدنة. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «حماس» منذ البداية لا تشارك في المفاوضات بصورة مباشرة، لافتاً إلى أنها تتشاور عادة مع قطر ومصر بشأن ما يتم تداوله.


مقالات ذات صلة

معاناة غزة تتفاقم... و«فيلادلفيا» بلا حل

شؤون إقليمية فلسطينيون يعاينون الدمار في "مدينة حمد" بخان يونس جنوب قطاع غزة  بعد غارة إسرائيلية أمس ( رويترز)

معاناة غزة تتفاقم... و«فيلادلفيا» بلا حل

بينما وصل رئيس الأركان الأميركي، سي كيو براون، إلى المنطقة فجأة، أمس، وتوجه وفد من «حماس» إلى القاهرة، للمراقبة لا للمشاركة في مفاوضات الهدنة العالقة عند محور

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي النيران تشتعل في حقول زراعية بسهل مرجعيون الحدودي مع إسرائيل في جنوب لبنان جراء قصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

«حزب الله»: الحرب ما تزال تحت سقف «قواعد الاشتباك»

قال رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله»، الشيخ محمد يزبك، أمس، إن «العدو ما زال حتى الآن ضمن قواعد الاشتباك»، مشدداً على أنه «إذا وسّع الحرب وسعنا، وإذا أرادها

«الشرق الأوسط» ( بيروت)
شؤون إقليمية جنود إسرائيليون خلال المعارك في قطاع غزة (موقع الجيش الإسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 3 ضباط احتياط في معارك بغزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، مقتل 3 ضباط احتياط في معارك بقطاع غزة، حيث الحرب مع حركة «حماس» مستمرة منذ أكثر من 10 أشهر.

شمال افريقيا محور فيلادلفيا (تايمز أوف إسرائيل)

«محور فيلادلفيا»... أزمة متصاعدة بين مصر وإسرائيل تبحث عن «حل وسط»

تصاعدت حدة أزمة «محور فيلادلفيا» بين مصر وإسرائيل، حتى باتت عقبة رئيسية أمام اتفاق هدنة في قطاع غزة، وسط محاولات للبحث عن «حل وسط».

فتحية الدخاخني (القاهرة )
المشرق العربي دمار جراء القصف الإسرائيلي في خان يونس السبن (د. ب. أ)

رئيس الأركان الأميركي في زيارة مفاجئة للشرق الأوسط لتجنب «صراع أوسع نطاقاً»

بدأ رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، سي. كيو براون، رحلة لم تكن معلنة لمنطقة الشرق الأوسط، فيما قتل عشرات الفلسطينيين بقصف إسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«تحالف السلام» في السودان... هل يصبح مقدمة لتدخل عسكري؟

صورة نشرها الموفد الأميركي في «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف (الشرق الأوسط)
صورة نشرها الموفد الأميركي في «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف (الشرق الأوسط)
TT

«تحالف السلام» في السودان... هل يصبح مقدمة لتدخل عسكري؟

صورة نشرها الموفد الأميركي في «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف (الشرق الأوسط)
صورة نشرها الموفد الأميركي في «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف (الشرق الأوسط)

انفضّت مباحثات جنيف الخاصة بوقف الحرب في السودان، دون أن تشفي أشواق السودانيين المُلحة لوقف الاقتتال واستعادة حياتهم التي تسرّبت من بين أيديهم فجر 15 أبريل (نيسان) من العام الماضي. ورغم ذلك، فقد تركت محادثات جنيف ضوءاً خافتاً تمثَّل في الاتفاق على إيصال المساعدات الإنسانية عبر منفذين. كما أعلنت عن بديل أطلقت عليه «التحالف الدولي من أجل السلام وإنقاذ الأرواح في السودان»، وتركته غامضاً لم ترسم له دوراً واضحاً، أو تُحدد آليات عمله، أو ماذا سيقدِّم للسودانيين الذين دمرت الحرب حياتهم.

وفي بيانهم الختامي، أقر أعضاء منبر جنيف تشكيل تحالف لإنهاء الحرب في السودان، يضم كلاً من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

واكتفى المؤتمرون بالقول إن التحالف الجديد سيعمل مع المجتمع الدولي لإقرار إجراءات أكبر لإنقاذ الأرواح والسعي لتحقيق السلام في السودان، ووضع قواعد سلوك جديدة للأطراف المتحاربة، والالتزام بمواصلة العمل على حماية المدنيين، والامتثال للالتزامات السابقة، دون توضيح كيفية التوصل لآليات تنفيذ هذه الأهداف.

ودفع تمسك الجيش السوداني وحلفائه باستمرار القتال -مواطنين وقادة سياسيين- للمطالبة بحظر الطيران، خصوصاً مع سقوط عدد من المدن والحاميات العسكرية في يد «قوات الدعم السريع»، واحتمالات تصعيد جديد للقتال، ما قد يترتب عليه مزيداً من الأضرار الجسيمة التي تلحق بالمدنيين.

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري بمناسبة يوم الجيش في القضارف 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

تسليح المدنيين

وطالب أكثر من 60 تجمعاً مدنياً وسياسياً، يغلب عليها الطابع النسوي، في بيان منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، بالوقف الفوري لتسليح المواطنين، وفرض حظر على طيران الجيش، ووقف استخدام البراميل المتفجرة، وممارسة الضغوط على الطرفين لإنهاء الصراع، وإدخال قوات أممية للمراقبة وحماية المدنيين، وفي حال رفْض الطرفين وقف القتال، يتم فرض عقوبات عليهما وإحالة جرائمهما لمحكمة الجنايات الدولية.

بيد أن محللين سياسيين رأوا في إعلان التحالف الدولي «بذرة تحول لتحالف عسكري»، أمام صعوبة اتخاذ قرار دولي من مجلس الأمن، في ظل الانقسام الحاد بين أطراف المجتمع الدولي والدول دائمة العضوية في المجلس.

وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي والمحامي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط»، إن التحالف يستند إلى شرعية أممية قديمة، وهي «التدخل لأغراض إنسانية» التي أعيد طرحها بقوة إبان فترة قيادة كوفي عنان للأمم المتحدة، الذي دعا حينها إلى تبني الأمم المتحدة فكرة «التدخل لأغراض إنسانية وحماية المدنيين، وهو من المفاهيم القديمة في القانون الدولي الذي ارتبط بالتدخل في المستعمرات التركية لحماية الأقليات المسيحية».

ووفقاً لحاتم إلياس، فإن هذا المفهوم يثير جدلاً تاريخياً بين فقهاء القانون الدولي حول ما إذا كان هذا المبدأ بدعة قانونية أم أنه يتسق مع ميثاق الأمم المتحدة. ويرى إلياس في التحالف المذكور أكثر من مجرد تحالف سياسي، بل هو «في الواقع تحالف يعد العدة لتنفيذ مفهوم التدخل العسكري في السودان لأغراض إنسانية وحماية المدنيين. لكن هذا لا يعني أن الأمر سيجري مباشرة بل بعد عدة ترتيبات، واعتقد أن القرار سيكون من داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأن وجود روسيا والصين قد يعطل أي قرار في مجلس الأمن».

وأضاف أن «واقع الأمر يوضح أن الفاعلين الدوليين وأعضاء التحالف والمهتمين بقضايا السلام والأمن في السودان والإقليم، يرون أن الحكومة في بورتسودان فاقدة لأي استقلالية تمنحها قدرة اتخاذ القرار في اتجاه تحقيق السلام، والسبب في هذه المسألة أنها مشلولة بـ(فيتو إسلامي كارثي)، يعيق قدرتها على اتخاذ القرار بشكل مستقل عن سلطة التنظيم الإسلامي».

وتابع إلياس: «أن التحالف يمكن أن يفهم منه أن المجموعة التي تكوّنه، وصلت إلى طريق مسدودة في قضية السلام في السودان، وتريد أن تتخذ قرارها بنفسها لإنقاذ الشعب السوداني الذي تحاصره المجاعة والكوارث، وتقليل مخاطر تهديد حرب السودان لاستقرار الإقليم أيضاً».

لكن تجارب التدخل العسكري خارج مظلة مجلس الأمن، كما حدث في «تحالف الراغبين» الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق، و«التحالف الدولي العسكري» الذي قادته دول حلف «الناتو» في ليبيا، كانت نتائجها كارثية على العراق وليبيا، ولا تزال نتائجهما تؤثر على واقع الدولتين إلى اليوم.

«وسطاء جنيف» قالوا إن غياب الجيش السوداني أعاق محاولات وقف إطلاق النار (إ.ب.أ)

«الفصل السابع»

بيد أن المحلل السياسي، الجميل الفاضل، يرى في تصريح المبعوث الأميركي، توم بيرلليو، خلال مؤتمره الصحافي يوم الجمعة، أن دول التحالف لا ترغب في عودة الإسلاميين إلى الحكم في السودان، كما لا ترغب في وجود «قوات الدعم السريع»، وهذا ربما يكون «مقدمة لتدخل عسكري استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن تحقيق هذا الهدف بعد فشل المفاوضات لن يتم إلا بالقوة، إذ لم يعد أمام التحالف إلا استخدام القوة، لا سيما أن غايته في انسياب المساعدات واجهت ردّاً بقصف عسكري مباشر في دارفور، وهذه رسالة لمن يريدون إيصال المساعدات الإنسانية عبر إقليم دارفور».

وأشار الفاضل إلى أن «سيطرة الحركة الإسلامية على قيادة الجيش أقفلت المنافذ أمام التحالف الدولي لتحقيق أهدافه، ما يجعل الطريق الوحيدة أمامه فرض هذه الأهداف بالقوة».

وأضاف أن «مفاوضات جنيف ربما هي الفرصة الأخيرة، وأتوقع الانتقال للخطة (ب) التي جرى ترتيبها عبر مجلس السلم والأمن الأفريقي. وستكون المهمة هي القضاء على نظام الأمر الواقع الذي بدأ يهدد بعلاقته بروسيا وتعزيز علاقته مع إيران».

وقال رئيس حزب «المؤتمر السوداني» والقيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» عمر الدقير، في تغريدة على منصة «فيسبوك»، إن فشل المباحثات التي استمرت 10 أيام في جنيف يعني التحسب لاحتمال اشتداد المواجهات العسكرية.