لماذا تصاعد الخلاف بين «الرئاسي» و«النواب» الليبيَّين؟

وسط تفاقم الخلافات بين أطراف الأزمة السياسية

حفتر يتوسط المنفي وصالح في لقاء سابق بالقيادة العامة (القيادة العامة)
حفتر يتوسط المنفي وصالح في لقاء سابق بالقيادة العامة (القيادة العامة)
TT

لماذا تصاعد الخلاف بين «الرئاسي» و«النواب» الليبيَّين؟

حفتر يتوسط المنفي وصالح في لقاء سابق بالقيادة العامة (القيادة العامة)
حفتر يتوسط المنفي وصالح في لقاء سابق بالقيادة العامة (القيادة العامة)

تعقّدت الأزمة السياسية في ليبيا، عقب إعلان مجلس النواب إنهاء ولايتَي المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الأمر الذي دفع متابعين للتساؤل عن أسباب الخلاف، الذي نشأ على وجه الخصوص بين «الرئاسي» والبرلمان.

بداية، يرى رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني» الليبي، أسعد زهيو، أن علاقة البرلمان بالمجلس الرئاسي شابها منذ البداية ما يمكن وصفه بـ«بالتوتر الخامل»، و«هو ما تُرجم فعلياً بمحدودية اللقاءات والتواصل بينهما».

وتطرق زهيو في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى جانب من تاريخ تلك العلاقة المتوترة بين المجلسين «بداية من اعتياد البرلمان النظر للمجلس الرئاسي على أنه طرف محسوب على حكومة الدبيبة، ليس لكونه شريكها في السلطة فقط، وإنما لعدم وجود مناكفات تذكر بينهما»، مرجعاً السبب الرئيسي الذي فاقم التوتر إلى قرار رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، إنشاء «مفوضية للاستفتاء والاستعلام الوطني»، وهو الإجراء الذي رفضه البرلمان، وعدّه «باطلاً»، بل وعدّه «تجاوزاً» لصلاحيات المجلس الرئاسي المنصوص عليها في «اتفاق جنيف».

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» ومحمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي (الوحدة)

وأشار زهيو لما تردد من أحاديث حول أن «المهمة الأولى لتلك المفوضية ستكون إجراء استفتاء لحل مجلس النواب، أو استفتاء على مشروع الدستور المؤجل منذ عام 2017»، مرجّحاً أن تكون تلك الأحاديث «رغم عدم وجود أي دليل على صحتها قد سببت إزعاجاً للبرلمان».

وترى بعض الأوساط الليبية أن التوجه لإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور يتعارض مع توجهات البرلمان، الذي يعلن دائماً جاهزية إجراء الانتخابات، وأن الأمر مرهون بتشكيل حكومة موحدة لعدم إمكانية إجرائها في ظل وجود حكومتين.

المشير حفتر في لقاء سابق مع باتيلي وصالح في بنغازي (الجيش الوطني)

وكانت القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» قد رحّبت بقرار منح صفة وصلاحيات القائد الأعلى للجيش لرئيس مجلس النواب.

عضو المجلس الرئاسي، موسى الكوني، علق على قرار البرلمان بالتأكيد على أن صفة «القائد الأعلى للجيش رمزية؛ وهي مُنحت للمجلس الرئاسي لمنع الحرب»، مشيراً إلى أن عدم استخدام صلاحيات هذا المنصب يعود لإدراك مجلسه «أن قوات الشرق الليبي لن تأتمر بأوامره، وفي الغرب هناك مجموعات تحكمها أهواء».

من جانبه، يرى المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، أن ما دفع للصدام بين المجلس الرئاسي والبرلمان، هو «ما تناقلته تقارير محلية حول إصدار المجلس الرئاسي قراراً بإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير».

الصديق الكبير والسفير الأميركي ريتشارد نورلاند (البعثة)

ويعتقد فركاش في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن عدداً من الأوساط الليبية باتت تصنف الكبير حليفاً للبرلمان، ويدعم توجهات الأخير في إزاحة حكومة الدبيبة عبر فرض حصار مالي عليها. وقال بهذا الخصوص: «ربما عمّقت مثل هذه التقارير النظرة الأساسية لدى البرلمان بأن المجلس الرئاسي مصطف مع حكومة الدبيبة وليس طرفاً محايداً، بالإضافة لقرار (الرئاسي) تأسيس مفوضية الاستفتاء».

بالمقابل، أكد عضو مجلس النواب الليبي، عصام الجهاني، أن تغير موقف مجلسه من «الرئاسي» يرجع لتكرار سعي الأخير «لتجاوز صلاحياته». وقال الجهاني لـ«الشرق الأوسط»: «لا صحة لما طرحه البعض حول انزعاج البرلمان من قيام المجلس الرئاسي بتأسيس مفوضية استفتاء،» مضيفاً أن هذا الإجراء «مخالف لصلاحيات هذا المجلس، بل يعدّ اعتداء على صلاحيات البرلمان بصفته سلطة تشريعية».

ووجه الجهاني انتقادات للمجلس الرئاسي، قائلاً: «إنه يكلف ميزانية الدولة كثيراً من النفقات دون طائل، كما أنه لم ينجز شيئاً في ملف المصالحة الوطنية، الذي يضطلع به المجلس منذ توليه المسؤولية».


مقالات ذات صلة

ليبيا: النزاع على السلطة يُهيمن على جهود الإغاثة من السيول

شمال افريقيا بعض المناطق المنكوبة التي غمرتها السيول (حكومة الاستقرار)

ليبيا: النزاع على السلطة يُهيمن على جهود الإغاثة من السيول

فرض النزاع على السلطة وغياب التنسيق نفسه على جهود الإغاثة لاحتواء الآثار الناجمة عن السيول، التي تتعرض لها مناطق في جنوب ليبيا، بين حكومتي «الوحدة» و«الاستقرار»

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا من مخلفات الاشتباكات التي شهدتها طرابلس وأدت إلى مقتل 9 أشخاص (الشرق الأوسط)

هل يهدد التصعيد السياسي في ليبيا «اتفاق جنيف»؟

تشهد ليبيا حالة جديدة من التصعيد السياسي بين الأطراف المتصارعة في شرق البلاد وغربها، ما يلقي بظلاله على مصير اتفاق جنيف السياسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع المنفي والدبيبة (المجلس الرئاسي الليبي)

هل تتخلى التشكيلات المسلحة في ليبيا عن دعم «الرئاسي» و«الوحدة»؟

دفع قرار البرلمان الليبي بإنهاء ولايتي المجلس الرئاسي و«الوحدة» المؤقتة، إلى طرح تساؤلات تتعلق بمدى تغير ولاءات التشكيلات المسلحة.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا أب يحمل صغيره ليقيه الغرق في جنوب غربي ليبيا (بلدية تكالا)

السيول تحاصر مناطق بجنوب ليبيا... وتعمّق عزلة السكان

أغرقت الأمطار والسيول بعض المناطق بجنوب غربي ليبيا، ما دفع السلطات المحلية إلى إعلان بلدية تهالا الأكثر تضرراً «منطقة منكوبة».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا 
دوريات عسكرية على طول الشريط الحدودي بالجنوب الغربي (رئاسة أركان القوات البرية)

«الفشل السياسي» في ليبيا يسخّن «الجبهة الجنوبية»

في ظل الفشل السياسي المتفاقم، تتأهب ليبيا ويتخوف الليبيون من شيء قادم غامض؛ ذلك أن الأطراف التي كانت تجمعها خلال العامين الماضيين طاولة للمحادثات السياسية.

جمال جوهر (القاهرة)

ليبيا: النزاع على السلطة يُهيمن على جهود الإغاثة من السيول

بعض المناطق المنكوبة التي غمرتها السيول (حكومة الاستقرار)
بعض المناطق المنكوبة التي غمرتها السيول (حكومة الاستقرار)
TT

ليبيا: النزاع على السلطة يُهيمن على جهود الإغاثة من السيول

بعض المناطق المنكوبة التي غمرتها السيول (حكومة الاستقرار)
بعض المناطق المنكوبة التي غمرتها السيول (حكومة الاستقرار)

فرض النزاع على السلطة وغياب التنسيق نفسه على جهود الإغاثة لاحتواء الآثار الكارثية للسيول، التي تتعرض لها مناطق في جنوب ليبيا، بين حكومتي «الوحدة» و«الاستقرار»، وفي غضون ذلك، دعا الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، محمد تكالة، لتعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي، عادّاً أن إدارته «في حالة شغور كامل»، وذلك رداً على قرار مجلس النواب إلغاء تكليف محمد الشكري محافظاً للمصرف.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المؤقتة (الوحدة)

وأعلن «جهاز الإسعاف والطوارئ»، التابع لحكومة الوحدة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، اليوم السبت، وفاة 3 أطفال في منطقة تهالة نتيجة الفيضانات والسيول، التي اجتاحت مدن ومناطق جنوب غربي ليبيا. وأكد «مواصلة الجهود لمساعدة النازحين جراء السيول، وإخراج العائلات وكبار السن من المنطقة».

ونقلت «وكالة الأنباء الليبية» عن مصادر محلية من مدينة أوباري وصول كثير من العائلات من تهالة إلى المدينة، بعد أن غمرت المياه والسيول منازلهم ومملكاتهم. في حين وصف عميد بلدية تهالة، أحمد كليكيلي، الأوضاع بأنها «كارثية في معظم أحياء البلدية، بعد أن جرفت السيول المنطقة بالكامل، وغمرت المياه جميع الأحياء السكنية»، موضحاً أن «المياه غمرت كل المرافق الخدمية، بما فيها مستشفى المدينة... الخسائر المادية كبيرة، سواء في الممتلكات الخاصة أو العامة».

أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان (الشرق الأوسط)

ووجّه الدبيبة بتشكيل لجنة طوارئ برئاسة وزير الحكم المحلي، بدر الدين التومي، لمتابعة أوضاع المناطق المتضررة من الفيضانات في العوينات وتهالة والبركت وغات بالجنوب الليبي، وأن تتولى متابعة أوضاع هذه المناطق، وتقديم الدعم اللازم، والعمل على رفع الضرر عن المواطنين المقيمين بها، وموافاة الدبيبة بتقارير دورية عن عمل اللجنة.

كما أصدر التومي قراراً بتشكيل لجنة فرعية للطوارئ والاستجابة السريعة لمواجهة آثار التقلبات الجوية جنوب غربي البلاد، واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة تداعيات هطول الأمطار وجريان السيول في المنطقة، بما يضمن حماية وسلامة الأهالي والممتلكات بالبلديات الواقعة تحت تأثير هطول الأمطار الغزيرة.

كما نقلت حكومة «الوحدة» إعلان الشركة «الليبية للبريد والاتصالات»، بدء عودة خدمات الاتصالات بشكل تدريجي لمدينة غات، بعد الانتهاء من أعمال الصيانة اللازمة، التي جرى تنفيذها على المنظومات الرئيسية الرابطة بالمدينة.

وقالت إن الفرق الفنية للشركة «العامة للكهرباء» بدأت في تهالة أشغال تقييم الأضرار وحصرها، قبل بدء عمليات الصيانة الطارئة، وإعادة التيار الكهربائي للمدينة، مشيرة إلى أن مدينة الكفرة تعرضت لأمطار غزيرة، أدت لانقطاع التيار الكهربائي، ما تسبب في توقف خدمات الاتصالات والإنترنت.

من جهتها، ذكرت وسائل إعلام محلية أن السيول اجتاحت مرة أخرى منطقة إيسين الحدودية مع الجزائر بسبب استمرار الأمطار بوتيرة مرتفعة.

في المقابل، قال سالم الزادمة، نائب رئيس حكومة «الاستقرار»، أسامة حماد، إنه يتابع بشكل مباشر مع فريق الأزمة وصول الدعم والإمدادات والمساعدات تباعاً للمناطق المتضررة من الأمطار الغزيرة.

وحث الزادمة جميع اللجان على تقديم الخدمات للمواطنين بشكل لائق وعاجل، وتسخير جميع الإمكانيات اللازمة لهم، وأن تكون جميع اللجان في حالة طوارئ دائمة «لحين رفع هذه المعاناة على أهلنا في المناطق المتضررة».

حفتر مع قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)

بدوره، أكد الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، إخلاء حي أجديود وحي العمارات الصينية بمدينة غات، نتيجة ارتفاع منسوب المياه، في ظل استمرار تهاطل الأمطار بكثافة، لافتاً إلى مواصلة أعمال الإغاثة ببلديات الجنوب الغربي التي اجتاحتها السيول، موضحاً أن الأوضاع «لا تزال تحت السيطرة».

وتحدثت «شعبة الإعلام الحربي» بالجيش عن انتشار موسع لوحدات تابعة لقواته البرية في مدينتي غات وبركت، في إطار الاستعداد للاستجابة الفورية في حال وقوع أي أضرار للمواطنين، بعد بداية الموجة الثانية للأمطار الغزيرة المُستمرة في محيط هذه المناطق؛ كما جرى إنشاء غرفة عمليات متحركة تابعة لعمليات «اللواء طارق بن زياد»، قصد متابعة واحتواء الأوضاع في المناطق التي قد تتعرض للأضرار من السيول المنجرفة.

كما أعلنت الشعبة تسلُّم أمين عام القيادة العامة للجيش، الفريق خيري التميمي، رسالة خطية من رئيس «المجلس الوطني لحماية الوطن» في النيجر، عبد الرحمن تشياني، موجهة للمشير حفتر، تضمنت تعبيراً عن امتنانه للمساعدات الإنسانية التي قدمها لشعب النيجر، في إطار تعزيز الروابط الأخوية بين البلدين.

الصديق الكبير (الشرق الأوسط)

من جهة أخرى، أرجع مجلس النواب قراره إلغاء تكليف الشكري محافظاً للمصرف المركزي، إلى أنه «لم يباشر مهام عمله وانتهاء مدة تكليفه»، إضافة إلى استمرار العمل بقرار تكليف الصديق الكبير في منصب المحافظ، ومرعي البرعصي نائباً له.

وقال تكالة، الذي ما زال يُعِدّ نفسه رئيساً للمجلس الأعلى للدولة، إن ما صدر عن رئاسة مجلس النواب بشأن استمرار تفويض الكبير بإدارة المركزي «هو والعدم سواء».