السيول تحاصر مناطق بجنوب ليبيا... وتعمّق عزلة السكان

إعلان بلدية تهالا «منطقة منكوبة»

أب يحمل صغيره ليقيه الغرق في جنوب غربي ليبيا (بلدية تكالا)
أب يحمل صغيره ليقيه الغرق في جنوب غربي ليبيا (بلدية تكالا)
TT

السيول تحاصر مناطق بجنوب ليبيا... وتعمّق عزلة السكان

أب يحمل صغيره ليقيه الغرق في جنوب غربي ليبيا (بلدية تكالا)
أب يحمل صغيره ليقيه الغرق في جنوب غربي ليبيا (بلدية تكالا)

ضرب طقس سيئ عدة مدن وبلدات بالجنوب الغربي لليبيا، ما تسبب في اجتياحها بأمطار غزيرة تحولت إلى سيول جارفة. وتعرضت غات وتهالا والعوينات والبركت وتينكاوية لأضرار متفاوتة، لكن بلدية تهالا كانت الأكثر تضرراً.

جانب من السيول التي أغرقت مناطق بجنوب غربي ليبيا (بلدية تهالا)

وتعمّقت أزمة المناطق الواقعة أقصى الجنوب مع توقف المرور ببعض الطرق، وتعطل الاتصالات وتضرر مزارع المواطنين، فيما سارعت قوات «الجيش الوطني» إلى إجلاء عائلات عالقة.

وكان «المركز الوطني للأرصاد الجوية» قد حذّر أمس (الخميس) من هطول أمطار على مناطق بالجنوب الغربي، قريبة من الحدود، ومنها غات والقطرون ومرزق وتراغن، وتوقع تسببها في جريان الأودية والسيول.

جانب من السيول التي أغرقت مناطق بجنوب غربي ليبيا (بلدية تهالا)

وقبل أن يحل الظلام على هذه المدن الجنوبية، كانت الأمطار والسيول أحالت غالبيتها إلى برك وبحيرات، ما دفع السلطات المحلية إلى إعلان بلدية تهالا «منطقة منكوبة»، في ظل إطلاق سكانها نداءات استغاثة.

وأطلع موسى إبراهيم، عضو المجلس البلدي لبلدية تهالا، «الشرق الأوسط» على أبعاد الكارثة، وقال إن «بيوتها وشوارعها مغمورة حالياً بمياه السيل، وهناك توقعات جوية بسقوط أمطار هذا المساء». مشيراً إلى أن «الوضع غير مستقر في ظل استمرار السيول حتى الآن، ووقوع أضرار مادية، لكن دون وجود أضرار بشرية حتى الآن، فيما لا تزال الاتصالات مقطوعة».

وبخصوص فرق الدعم، قال عضو المجلس إن القوات التابعة لـ«اللواء طارق بن زياد» التابع لـ«الجيش الوطني» توجد في قلب الحدث مبكراً، «لكن لم تصلنا أي فرق من حكومة الوحدة، حتى ظهر الجمعة»، مشيراً إلى أن مطار غات «متوقف هذا الأسبوع لأسباب مجهولة... ولذلك نناشد الحكومتين بتوفير المساعدات للمتضررين».

الأمطار الغزيرة حاصرت بلدية غات (بلدية غات)

وقال المجلس البلدي لتهالا في ساعة مبكرة، اليوم (الجمعة): «في هذه اللحظات العصيبة التي تجتاح فيها السيول كل بلدية تهالا، نعلن بلدية تهالا منكوبة»، ودعا كل الليبيين، من حكومات ومؤسسات ومنظمات وجمعيات، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خصوصاً أن السيل لا يزال مستمراً مع انقطاع الكهرباء وشبكات الاتصال والإنترنت.

عناصر من «اللواء طارق بن زياد» يعملون على مساعدة المتضررين من السيول (اللواء)

وقال عميد بلدية تهالا، أحمد كليكلي، إن «المياه غمرت أحياء في البلدية بالكامل، لذلك نحتاج مساعدات عاجلة تغطي احتياجات النازحين في أقرب وقت ممكن». فيما طالب نشطاء ليبيون السلطات بسرعة التجاوب مع أزمة السكان المعزولين في أقصى الجنوب، الذين يشتكون عادة من «الإهمال والتمييز» الحكومي.

وأوضحت مؤسسة «رؤية» لعلوم الفضاء وتطبيقاته في ليبيا أسباب تزايد تعرض تهالا للأضرار، وأرجعت ذلك إلى وقوعها تحت منحدر جبلي كبير بمرتفعات «أكاكوس»، ما يفسر وصول السيول إليها بسرعة.

ومع انقطاع التيار الكهربائي عن تلك المناطق، نزح عدد من المواطنين من ديارهم التي حاصرتها المياه، فيما علقت أسر أخرى، قبل أن تسارع قوات «اللواء طارق بن زياد» و«اللواء 128 معزز» التابعين لـ«الجيش الوطني» بإجلائهم.

قوات من «الجيش الوطني» تعمل على مساعدة المواطنين (بلدية تهالا)

ومع بداية اليوم (الجمعة)، قال جهاز الإسعاف والطوارئ إن السيل وصل إلى منطقة تينكاوية، ونشرت غرفة عملياته مقطع فيديو يظهر جريان السيول في شوارع تهالا، وقال إن «طريق غات مغلق بالكامل نتيجة السيول بوادي المطار».

وأبدت السلطات التنفيذية المتنازعة على الحكم في ليبيا اهتماماً واسعاً بالمأساة، وأمر كل منها بتشكيل لجنة طوارئ، وإرسال فرق عمل ميدانية لتقييم الأضرار. ونشر «الإعلام الحربي» التابع لـ«الجيش الوطني» صوراً تظهر عمليات فتح الطرق، وإجلاء المواطنين من المناطق المتضررة جراء السيول في بلدية تهالا، مشيراً إلى أن الوحدات «قدّمت مساعدات إنسانية عاجلة، ووفّرت خدمات طبية أولية للمصابين والمتضررين».

وفيما أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ وفاة 3 أطفال في تهالا، نفى المتحدث باسم «غرفة الطوارئ» في غات، حسن عيسى، وقوع أي وفيات حتى ظهر الجمعة.

وفيما بدا سباقاً تنافسياً بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة، كلّف رئيس الحكومة بشرق ليبيا، أسامة حماد، بتشكيل لجنة طوارئ واستجابة سريعة لمدينة غات، برئاسة نائبه سالم الزادمة، بغية اتخاذ الإجراءات الاحترازية كافة للتعامل مع سوء الأحوال الجوية بالمنطقة.

ومع انتصاف يوم الجمعة، أبلغ عضو المجلس البلدي لبلدية تهالا «الشرق الأوسط» أن طائرات مروحية تابعة للقيادة العامة بشرق ليبيا وصلت تهالا، ويعتقد أنها محملة بمساعدات.

آثار الأمطار ظاهرة على مناطق بجنوب غربي ليبيا (بلدية تهالا)

بموازاة ذلك، قالت حكومة «الوحدة»، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إن لجنة تم تشكيلها ستعمل على تقييم الأضرار في شبكات الاتصالات المتضررة جراء السيول في مناطق الجنوب الغربي والعمل على صيانتها.

كما كلّف الدبيبة وزارة الصحة بإرسال فرق طبية عاجلة للمناطق المتضررة، ودعم مستشفى غات والمراكز الصحية، موجهاً وزارة الشؤون الاجتماعية بتوفير الدعم للأسر المتضررة، والموارد المائية بتقييم الأضرار ومعالجة تدفق السيول.

بدوره، دعا المجلس الأعلى للدولة جميع الجهات الرسمية والمدنية إلى المسارعة لنجدة مدينتي غات وتهالا، وقال إنه يتابع «بقلق شديد» ما يتعرضان له من أمطار غزيرة وسيول، وسط استغاثات أطلقتها المراكز الصحي هناك.


مقالات ذات صلة

هل تتخلى التشكيلات المسلحة في ليبيا عن دعم «الرئاسي» و«الوحدة»؟

شمال افريقيا لقاء سابق يجمع المنفي والدبيبة (المجلس الرئاسي الليبي)

هل تتخلى التشكيلات المسلحة في ليبيا عن دعم «الرئاسي» و«الوحدة»؟

دفع قرار البرلمان الليبي بإنهاء ولايتي المجلس الرئاسي و«الوحدة» المؤقتة، إلى طرح تساؤلات تتعلق بمدى تغير ولاءات التشكيلات المسلحة.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا 
دوريات عسكرية على طول الشريط الحدودي بالجنوب الغربي (رئاسة أركان القوات البرية)

«الفشل السياسي» في ليبيا يسخّن «الجبهة الجنوبية»

في ظل الفشل السياسي المتفاقم، تتأهب ليبيا ويتخوف الليبيون من شيء قادم غامض؛ ذلك أن الأطراف التي كانت تجمعها خلال العامين الماضيين طاولة للمحادثات السياسية.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا قبيلة الزنتان خلال إلقاء بيان يرفض تحركات عسكرية لمجموعات مسلحة (من مقطع فيديو)

«الفشل السياسي» في ليبيا يسخّن «الجبهة الجنوبية»

الأطراف التي كانت تجمعها طاولة للمحادثات السياسية خلال عامين ماضيين في ليبيا، انفضّت إلى طاولات أخرى شرقاً وغرباً تبحث ترتيبات أمنية وعسكرية مرتقبة.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المشير خليفة حفتر يلتقي في مكتبه وفداً من شركة «جلوبال بلدرز» الإماراتية برئاسة العبار (القيادة العامة)

ليبيا: «جلوبال» الإماراتية لتشييد «منطقة حرة» و«بنغازي الجديدة»

وقّعت سلطات بنغازي، مع شركة «جلوبال بلدرز» الإماراتية برئاسة محمد بن علي العبار، عقود تشييد عدد من المشاريع الحيوية التي سيتم تنفيذها خلال الفترة المقبلة.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا 
عدد من الذين حضروا جلسة مجلس النواب في بنغازي (المجلس)

«النواب» الليبي يعلن «منفرداً» إنهاء ولايتي «الرئاسي» و«الوحدة»

في خطوة من شأنها أن تؤجج الصراع على السلطة، أعلن مجلس النواب الليبي، برئاسة عقيلة صالح، أنه طوى رسمياً صفحة المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة» المؤقتة، ما يعني.

خالد محمود (القاهرة)

هل تتخلى التشكيلات المسلحة في ليبيا عن دعم «الرئاسي» و«الوحدة»؟

لقاء سابق يجمع المنفي والدبيبة (المجلس الرئاسي الليبي)
لقاء سابق يجمع المنفي والدبيبة (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

هل تتخلى التشكيلات المسلحة في ليبيا عن دعم «الرئاسي» و«الوحدة»؟

لقاء سابق يجمع المنفي والدبيبة (المجلس الرئاسي الليبي)
لقاء سابق يجمع المنفي والدبيبة (المجلس الرئاسي الليبي)

دفع قرار مجلس النواب الليبي إنهاء ولايتي المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إلى طرح تساؤلات تتعلق بمدى تأثير ذلك على موقف التشكيلات المسلحة بالمنطقة الغربية، وهل يؤدي هذا القرار إلى وقف دعمها لهما أم لا؟

بدايةً، توقع رئيس مؤسسة «السلفيوم» للدراسات والأبحاث الليبي، جمال شلوف، أن يفقد الدبيبة دعم التشكيلات الكبرى، خصوصاً تلك المتمركزة بالعاصمة طرابلس، علماً بأن أغلبها يستمد شرعيته من التبعية لحكومته أو للمجلس الرئاسي.

من جلسة سابقة لمجلس النواب (المجلس)

وكان عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، قد تحدث عن انتهاء آجال المرحلة التمهيدية التي جاءت بالمجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة لإدارة السلطة، عقب اختيارهما من قبل اجتماعات «ملتقى الحوار السياسي» بجنيف في فبراير (شباط) 2021.

ويعتقد شلوف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن قادة التشكيلات المسلحة «لن يساعدوا رجلاً مفلساً»، على الرغم من انزعاجهم الكبير من تصريحات صالح بشأن إنهاء مركزية العاصمة وسيطرتها على ثروة البلاد، وضرورة الذهاب لتقسيم الأخيرة على الأقاليم الثلاثة».

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (رويترز)

ولفت المحلل السياسي والأمني إلى أنه «مع تأكيد البرلمان على شرعية حكومة أسامة حماد فقط؛ تتضاعف الشكوك حول حصول الدبيبة على أي نصيب من الميزانية الموحدة للبلاد، التي أُقرت الشهر الماضي بقيمة (179) مليار دينار، وتحديداً مخصصات الباب الثالث للتنمية، المقدرة بحوالي 40 مليار دينار». (الدولار يساوي 4.84 دينار في السوق الرسمية).

ومنذ مارس (آذار) 2002 تتنافس حكومتان على السلطة في ليبيا: الأولى حكومة الدبيبة ومقرها طرابلس بالغرب الليبي، والثانية المكلفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية.

ويرى شلوف أن العديد من التشكيلات بالعاصمة «تحصل على أموال مقابل سيطرتها على بعض المواقع المهمة من موانئ ومطارات؛ مما يجعلها عازفة عن توظيف عناصرها لصالح الدبيبة من دون ثمن».

محمد تكالة (إ.ب.أ)

وانتهى شلوف إلى أن الدبيبة «قد يحصل فقط على دعم سياسي من بعض أعضاء المجلس الأعلى للدولة، خصوصاً من المؤيدين لمحمد تكالة، (ينازع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة)، وبالطبع أنصار المفتي المعزول الصادق الغرياني».

ومنذ إعلان البرلمان قراراته الأخيرة بوقف العمل بـ«اتفاق جنيف» السياسي، وترحيب «الجيش الوطني»، بقيادة خليفة حفتر، بهذه الخطوة، انشغلت منصات التواصل الاجتماعي بعقد أطراف الأزمة الليبية اجتماعات مع قوى مسلحة موالية لها «سواء بشكل علني أو سري».

في هذا الإطار، واستناداً إلى تمتع المجلس الرئاسي بمنصب القائد الأعلى للجيش، ترأس نائبا المجلس، عبد الله اللافي وموسي الكوني، اجتماعاً استثنائياً مع قيادات عسكرية وأمنية بالمنطقة الغربية. كما تم الحديث عن اجتماع آخر غير معلن عُقد بمنزل الدبيبة في العاصمة، ضم عدداً من قيادات التشكيلات بالمنطقة الغربية، يعتقد أنه جاء بهدف التنسيق لشن تحرك يعزز سيطرة حكومة «الوحدة» على بعض المواقع الاستراتيجية.

خالد المشري (الشرق الأوسط)

وخلافاً لرأي شلوف، يعتقد المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، أن قرارات البرلمان الأخيرة «قد تعيد توحيد الرؤى السياسية، بل والقوى الفاعلة أيضاً بالمنطقة الغربية بدرجة ما». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «مسارعة شخصيات سياسية لرفض قرارات البرلمان، بما في ذلك بعض نوابه، كما رفضها تكالة ومنافسه خالد المشري، المتنازعان حالياً على منصب رئيس الأعلى للدولة».

أما فيما يتعلق بتوزيع الثروة على الأقاليم الثلاثة، التي ألمح إليها صالح في الجلسة الأخيرة لمجلسه، فقد شدد محفوظ على أن تحقيق هذا المسعى «يتطلب تشريعاً دستورياً، وهو أمر مُستبعد تحققه في ظل حالة الانقسام الداخلي الراهن». وعدَّ أن هذا التقسيم «يتطلب أيضاً توافقاً دولياً غير مضمون تحققه، بسبب وجود مصالح لدول أوروبية كبرى بالغرب الليبي».

واستبعد محفوظ أن يُقدِم محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، على صرف الميزانية لحكومة حماد فقط، قائلاً: «الكبير رغم ما يتمتع به من دعم دولي لا يريد اكتساب عداوة التشكيلات بالمنطقة الغربية، كما أن واشنطن لن تسمح له بصرف ميزانية لحكومة مدعومة من الجيش الوطني، المعروف بتقاربه مع خصومها الروس».

وتوسط عضو الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، الآراء السابقة بالتأكيد على أن قرارات البرلمان «لن تغير من الوضع الراهن بالساحة كثيراً؛ وسيظل الدبيبة محتفظاً بمؤيديه أنفسهم وخصومه أيضاً».