أُعلن رسمياً تعثر المشاورات السودانية - الأميركية، المُمهِّدة لمشاركة الجيش في مفاوضات مع «قوات الدعم السريع»، التي جرت في مدينة جدة السعودية؛ استجابةً لطلب الحكومة المدعومة من قيادة الجيش والتي تتخذ من بورتسودان مقراً لها، وهو الأمر الذي يهدد بفشل استحقاق جنيف قبل أن يبدأ في موعده المقرر الأربعاء المقبل.
والخميس الماضي، أرسلت الحكومة وفداً برئاسة وزير المعادن محمد بشير أبو نمو، وعضوية وفد التفاوض في مفاوضات جدة، وبمشاركة السفير السوداني في الرياض، وهناك التقى المبعوث الأميركي الخاص توم بيرللو، وأجرى الطرفان مشاورات استمرّت لمدة يومين.
وقال رئيس الوفد الوزير أبو نمو على صفحته في منصة «فيسبوك»، الأحد، إن المشاورات انتهت من دون الوصول لاتفاق بشأن المشارَكة في مفاوضات جنيف. وقال: «بصفتي رئيساً للوفد الحكومي في الاجتماعات التشاورية مع الأميركان في مدينة جدة السعودية، أعلن انتهاء المشاورات من غير الاتفاق على مشاركة الوفد السوداني في مفاوضات جنيف - كتوصية للقيادة - سواء كان الوفد ممثلاً للجيش حسب رغبتهم، أو ممثلاً للحكومة حسب قرار الحكومة من الآن وصاعداً».
ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن نقاط الخلاف الرئيسية التي أدت لفشل المشاورات، تتمثل في رفض الوفد السوداني، مشاركة «الهيئة الحكومية للتنمية» (إيغاد) ودولة الإمارات العربية المتحدة، بصفة «مراقب»، وأن تكون المشارَكة في المفاوضات باسم الحكومة وليس الجيش، وأن تنطلق من تنفيذ «إعلان جدة الإنساني» قبل الدخول في أي مفاوضات أخرى.
وترك أبو نمو «الحبل على الغارب»، ولم يقطع بقرار بشأن المشارَكة في المفاوضات، بل تركه لتقديرات القيادة بقوله: «الأمر كذلك متروك في النهاية لقرار القيادة وتقديراتها». وأشار إلى ما أسماه «تفاصيل كثيرة» قادته بصفته رئيساً للوفد لاتخاذ قرار إنهاء المشاورات مع الوفد الأميركي، دون أن يكشف تفاصيلها.
وغداة وصوله يوم الجمعة الماضي إلى مدينة جدة السعودية، أعلن وفد أبو نمو أن «الهدف (من اللقاءات) هو التشاور مع الحكومة الأميركية بشأن دعوتها لحضور المفاوضات التي ستُعقد في جنيف» في 14 أغسطس (آب) الحالي، وتتركز على ما أسماه «الوطن والمواطن، ومعاناتهما من جرائم وانتهاكات الميليشيات المتمردة، إزاء صمت المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي».
وكان المبعوث الأميركي قد أفاد، وفقاً لمنصاته على وسائط التواصل الاجتماعي، بأنه واستعداداً لإجراء محادثات عاجلة لوقف إطلاق النار في السودان، تُعقد «اجتماعات نهائية» في ختام ما أسماه «أشهراً من المشاورات مع أطراف الصراع والشركاء الإقليميين والخبراء الفنيين». وتابع: «الأهم من ذلك، أن عشرات الآلاف من السودانيين الذين تواصلوا معنا، يطالبون بإنهاء هذه الحرب والمجاعة».
وبادرت الولايات المتحدة، الأسبوع الأخير من يوليو (تموز) الماضي، إلى دعوة طرفَي الحرب في السودان (الجيش وقوات الدعم السريع)؛ لإجراء محادثات في جنيف السويسرية؛ للوصول لوقف إطلاق النار، تحت رعاية سعودية - سويسرية، وبوجود مراقبين يمثلون الاتحاد الأفريقي، و«إيغاد»، والإمارات العربية المتحدة، ومصر.
وفور إطلاق المبادرة، أعلنت «قوات الدعم السريع» ترحيبها بالمبادرة، واستعدادها لإرسال وفد إلى جنيف؛ للبحث في وقف إطلاق النار، بيد أن الجيش السوداني لم يعلن موقفاً واضحاً، وظلّ يتعلل بأن المشاركة يجب أن تكون باسم «حكومة السودان» وليس الجيش، وأن يُنفَّذ «إعلان جدة» الإنساني، مع رفض مشاركة «إيغاد»، ودولة الإمارات.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أعلنت أن الدعوة موجهة لقيادة الجيش السوداني، ولقيادة «قوات الدعم السريع»، بينما يتمسك الجيش بأنه «حكومة السودان».
ومنذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي نفّذه قائدا الجيش و«الدعم السريع»، ضد الحكومة الشرعية بقيادة عبد الله حمدوك، جمّد الاتحاد الأفريقي عضوية السودان، وجمّد السودان عضويته في «إيغاد» وعدّها «منحازة»، بينما لم تحظَ حكومة الانقلاب باعتراف من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وبقيا يتعاملان معها بوصفها «حكومة أمر واقع».
ويضغط الجيش للحصول على الاعتراف بشرعية حكمه للبلاد، لذلك استنكر مخاطبة قائده عبد الفتاح البرهان بصفة «قائد الجيش» فقط، ما اضطر واشنطن، ولإقناعه بالمشاركة، لاستخدام صفة «رئيس مجلس السيادة» في مخاطبته.
ويخشى على نطاق واسع من فشل - أو تأجيل - مفاوضات جنيف قبل بدئها، وإحباط آمال وتطلعات ملايين السودانيين الذين يعيشون كارثة إنسانية تعد الأكبر عالمياً، في وقت يحاصرهم فيه الجوع، وإعلان بعض أنحاء البلاد «منطقة مجاعة»، ثم زادت السيول والفيضانات التي اجتاحت أجزاء واسعة من البلاد «الطين بلة».