تعثر«مشاورات جدة» الأميركية - السودانية

رئيس وفد الحكومة ينهي المفاوضات... ويترك أمر المشاركة بجنيف للقيادة

ممثلون لطرفَي النزاع السوداني خلال توقيع «اتفاق جدة» في مايو 2023 (رويترز)
ممثلون لطرفَي النزاع السوداني خلال توقيع «اتفاق جدة» في مايو 2023 (رويترز)
TT

تعثر«مشاورات جدة» الأميركية - السودانية

ممثلون لطرفَي النزاع السوداني خلال توقيع «اتفاق جدة» في مايو 2023 (رويترز)
ممثلون لطرفَي النزاع السوداني خلال توقيع «اتفاق جدة» في مايو 2023 (رويترز)

أُعلن رسمياً تعثر المشاورات السودانية - الأميركية، المُمهِّدة لمشاركة الجيش في مفاوضات مع «قوات الدعم السريع»، التي جرت في مدينة جدة السعودية؛ استجابةً لطلب الحكومة المدعومة من قيادة الجيش والتي تتخذ من بورتسودان مقراً لها، وهو الأمر الذي يهدد بفشل استحقاق جنيف قبل أن يبدأ في موعده المقرر الأربعاء المقبل.

والخميس الماضي، أرسلت الحكومة وفداً برئاسة وزير المعادن محمد بشير أبو نمو، وعضوية وفد التفاوض في مفاوضات جدة، وبمشاركة السفير السوداني في الرياض، وهناك التقى المبعوث الأميركي الخاص توم بيرللو، وأجرى الطرفان مشاورات استمرّت لمدة يومين.

رئيس الوفد السوداني محمد بشير أبو نمو (مواقع التواصل)

وقال رئيس الوفد الوزير أبو نمو على صفحته في منصة «فيسبوك»، الأحد، إن المشاورات انتهت من دون الوصول لاتفاق بشأن المشارَكة في مفاوضات جنيف. وقال: «بصفتي رئيساً للوفد الحكومي في الاجتماعات التشاورية مع الأميركان في مدينة جدة السعودية، أعلن انتهاء المشاورات من غير الاتفاق على مشاركة الوفد السوداني في مفاوضات جنيف - كتوصية للقيادة - سواء كان الوفد ممثلاً للجيش حسب رغبتهم، أو ممثلاً للحكومة حسب قرار الحكومة من الآن وصاعداً».

المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرللو (الشرق الأوسط)

ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن نقاط الخلاف الرئيسية التي أدت لفشل المشاورات، تتمثل في رفض الوفد السوداني، مشاركة «الهيئة الحكومية للتنمية» (إيغاد) ودولة الإمارات العربية المتحدة، بصفة «مراقب»، وأن تكون المشارَكة في المفاوضات باسم الحكومة وليس الجيش، وأن تنطلق من تنفيذ «إعلان جدة الإنساني» قبل الدخول في أي مفاوضات أخرى.

وترك أبو نمو «الحبل على الغارب»، ولم يقطع بقرار بشأن المشارَكة في المفاوضات، بل تركه لتقديرات القيادة بقوله: «الأمر كذلك متروك في النهاية لقرار القيادة وتقديراتها». وأشار إلى ما أسماه «تفاصيل كثيرة» قادته بصفته رئيساً للوفد لاتخاذ قرار إنهاء المشاورات مع الوفد الأميركي، دون أن يكشف تفاصيلها.

وغداة وصوله يوم الجمعة الماضي إلى مدينة جدة السعودية، أعلن وفد أبو نمو أن «الهدف (من اللقاءات) هو التشاور مع الحكومة الأميركية بشأن دعوتها لحضور المفاوضات التي ستُعقد في جنيف» في 14 أغسطس (آب) الحالي، وتتركز على ما أسماه «الوطن والمواطن، ومعاناتهما من جرائم وانتهاكات الميليشيات المتمردة، إزاء صمت المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي».

أرشيفية لقائد الجيش السوداني البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)

وكان المبعوث الأميركي قد أفاد، وفقاً لمنصاته على وسائط التواصل الاجتماعي، بأنه واستعداداً لإجراء محادثات عاجلة لوقف إطلاق النار في السودان، تُعقد «اجتماعات نهائية» في ختام ما أسماه «أشهراً من المشاورات مع أطراف الصراع والشركاء الإقليميين والخبراء الفنيين». وتابع: «الأهم من ذلك، أن عشرات الآلاف من السودانيين الذين تواصلوا معنا، يطالبون بإنهاء هذه الحرب والمجاعة».

وبادرت الولايات المتحدة، الأسبوع الأخير من يوليو (تموز) الماضي، إلى دعوة طرفَي الحرب في السودان (الجيش وقوات الدعم السريع)؛ لإجراء محادثات في جنيف السويسرية؛ للوصول لوقف إطلاق النار، تحت رعاية سعودية - سويسرية، وبوجود مراقبين يمثلون الاتحاد الأفريقي، و«إيغاد»، والإمارات العربية المتحدة، ومصر.

وفور إطلاق المبادرة، أعلنت «قوات الدعم السريع» ترحيبها بالمبادرة، واستعدادها لإرسال وفد إلى جنيف؛ للبحث في وقف إطلاق النار، بيد أن الجيش السوداني لم يعلن موقفاً واضحاً، وظلّ يتعلل بأن المشاركة يجب أن تكون باسم «حكومة السودان» وليس الجيش، وأن يُنفَّذ «إعلان جدة» الإنساني، مع رفض مشاركة «إيغاد»، ودولة الإمارات.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أعلنت أن الدعوة موجهة لقيادة الجيش السوداني، ولقيادة «قوات الدعم السريع»، بينما يتمسك الجيش بأنه «حكومة السودان».

عائلات سودانية نازحة في ولاية كسلا بالسودان في 10 يوليو 2024 (رويترز)

ومنذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي نفّذه قائدا الجيش و«الدعم السريع»، ضد الحكومة الشرعية بقيادة عبد الله حمدوك، جمّد الاتحاد الأفريقي عضوية السودان، وجمّد السودان عضويته في «إيغاد» وعدّها «منحازة»، بينما لم تحظَ حكومة الانقلاب باعتراف من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وبقيا يتعاملان معها بوصفها «حكومة أمر واقع».

ويضغط الجيش للحصول على الاعتراف بشرعية حكمه للبلاد، لذلك استنكر مخاطبة قائده عبد الفتاح البرهان بصفة «قائد الجيش» فقط، ما اضطر واشنطن، ولإقناعه بالمشاركة، لاستخدام صفة «رئيس مجلس السيادة» في مخاطبته.

ويخشى على نطاق واسع من فشل - أو تأجيل - مفاوضات جنيف قبل بدئها، وإحباط آمال وتطلعات ملايين السودانيين الذين يعيشون كارثة إنسانية تعد الأكبر عالمياً، في وقت يحاصرهم فيه الجوع، وإعلان بعض أنحاء البلاد «منطقة مجاعة»، ثم زادت السيول والفيضانات التي اجتاحت أجزاء واسعة من البلاد «الطين بلة».


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)
من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)
TT

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)
من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)

دخل مجلس النواب المصري (البرلمان) على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات في البلاد، وذلك بعد أيام من إعلان «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» (جهاز حكومي يتبع وزارة الاتصالات) الموافقة مبدئياً على «رفع أسعار خدمات الاتصالات»، و«قرب تطبيق الزيادة الجديدة».

وقدَّم عضو مجلس النواب، النائب عبد السلام خضراوي، طلب إحاطة لرئيس المجلس، ورئيس الوزراء، ووزير الاتصالات حول الزيادة المرتقبة، مطالباً الحكومة بالتدخل لوقف أي زيادات جديدة في أسعار المحمول والإنترنت، في ظل «سوء خدمات شركات المحمول»، على حد قوله.

وجاءت إحاطة خضراوي بالتزامن مع إعلان عدد من النواب، اليوم (السبت)، رفضهم الزيادات المرتقبة، ومنهم النائبة عبلة الهواري، التي قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها ترفض قرار الزيادة «في ظل الظروف الاقتصادية الحالية».

وبحسب مصدر برلماني مطلع «يتجه عدد من النواب إلى تقديم طلبات إحاطة برلمانية بشأن زيادة الأسعار المرتقبة على خدمات الاتصالات، حتى لا يتم إقرارها من قبل الحكومة المصرية».

وكان خضراوي قد أكد في إحاطته البرلمانية أنه كان على الحكومة أن تتدخل لإجبار الشركات على تحسين الخدمة، التي «أصبحت سيئة خصوصاً في المناطق الحدودية والقرى»، عادّاً أن الشركات «تحقق أرباحاً كبيرة جداً»، ولا يوجد ما يستدعي رفع الأسعار، سواء في الوقت الحالي أو حتى في المستقبل.

وأعلن الرئيس التنفيذي لـ«الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات»، محمد شمروخ، قبل أيام «الموافقة المبدئية على رفع أسعار خدمات الاتصالات؛ بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل التي تواجه شركات الاتصالات». وقال خلال مشاركته في فعاليات «معرض القاهرة الدولي للاتصالات» أخيراً، إن الجهاز «يدرس حالياً التوقيت المناسب لتطبيق الزيادة».

الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات (مجلس الوزراء المصري)

من جهتها، أكدت وكيلة «لجنة الاتصالات» بمجلس النواب، النائبة مرثا محروس، لـ«الشرق الأوسط» أن قرار الزيادة لم يُتَّخذ بعد، لكنه مطروح منذ تحريك سعر الصرف في مارس (آذار) الماضي لأسباب عدة، مرتبطة بالإنفاق الدولاري للشركات، والرغبة في عدم تأثر الخدمات التي تقدمها «نتيجة تغير سعر الصرف»، عادّة أن الزيادة المتوقعة ستكون «طفيفة».

ويشترط القانون المصري موافقة «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» قبل تطبيق شركات الاتصالات أي زيادة في الأسعار، في حين ستكون الزيادة الجديدة، حال تطبيقها، هي الثانية خلال عام 2024 بعدما سمح «الجهاز» برفع أسعار خدمات الجوال للمكالمات والبيانات، بنسب تتراوح ما بين 10 و17 في المائة في فبراير (شباط) الماضي.

وتعمل في مصر 4 شركات لخدمات الاتصالات، منها شركة حكومية هي «المصرية للاتصالات»، التي تمتلك أيضاً حصة 45 في المائة من أسهم شركة «فودافون مصر»، وجميعها طلبت زيادة الأسعار مرات عدة في الأشهر الماضية، بحسب تصريحات رسمية لمسؤولين حكوميين.

وجاء الإعلان عن الزيادة المرتقبة بعد أسابيع قليلة من إنهاء جميع الشركات الاتفاق مع الحكومة المصرية على عقود رخص تشغيل خدمة «الجيل الخامس»، مقابل 150 مليون دولار للرخصة لمدة 15 عاماً، التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ مطلع العام المقبل، مع انتهاء التجهيزات الفنية اللازمة للتشغيل. (الدولار الأميركي يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية).

احدى شركات الاتصالات تقدم خدماتها للمستخدمين (وزارة الاتصالات)

بدوره، رأى عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء»، أحمد مدكور، أن الحديث عن زيادة أسعار خدمات الاتصالات في الوقت الحالي «يبدو طبيعياً مع زيادة تكلفة المحروقات على الشركات، والتزامها بزيادات الأجور السنوية، بالإضافة إلى زيادة نفقات التشغيل بشكل عام»، عادّاً أن الزيادة «ستضمن الحفاظ على جودة انتظام الشبكات».

وقال مدكور لـ«الشرق الأوسط» إن نسب الأرباح التي تحققها الشركات، والتي جرى رصد زيادتها في العام الحالي حتى الآن، «لا تعكس النسب نفسها عند احتسابها بالدولار في سنوات سابقة»، متوقعاً «ألا تكون نسب الزيادة كبيرة في ضوء مراجعتها حكومياً قبل الموافقة عليها».

الرأي السابق تدعمه وكيلة «لجنة الاتصالات» بالبرلمان، التي تشير إلى وجود زيادات جرى تطبيقها في قطاعات وخدمات مختلفة، على غرار «الكهرباء»، و«المحروقات»، الأمر الذي يجعل لدى الشركات مبرراً قوياً لتنفيذ زيادات في أسعار الخدمات «لكي تتمكّن من استمرار تنفيذ خططها التوسعية، وتحسين جودة الخدمات، وتطوير الشبكات المستمر».