سياسي مصري يقيم عزاءً لهنيّة وشكر وسط «انقسام سوشيالي»

حمدين صباحي دعا جميع القوى الوطنية إلى المشاركة

حمدين صباحي (رويترز)
حمدين صباحي (رويترز)
TT

سياسي مصري يقيم عزاءً لهنيّة وشكر وسط «انقسام سوشيالي»

حمدين صباحي (رويترز)
حمدين صباحي (رويترز)

شهدت دعوة وجّهها السياسي المصري حمدين صباحي، إلى إقامة عزاء لرئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، والقيادي بـ«حزب الله»، فؤاد شكر، انقساماً واسعاً بمنصات التواصل، بين مؤيد ومعارض، في ظل انتقادات سياسية وشعبية طالت الحركتين منذ 2011 عقب اتهامات بـ«التدخل في الشأن المصري»، وموقف رسمي اتسم بالحياد وإدانة الاغتيالات السياسية الإسرائيلية من دون نعي للشخصيتين.

وأعلن صباحي، عزم التيار الناصري الموحد (يساري)، إقامة عزاء مساء الخميس، بمقرّ حزب «الكرامة» غرب العاصمة القاهرة، لهنية وشكر، ونعتهما بـ«الشهيدين»، داعياً «جميع القوى والشخصيات الوطنية للمشاركة والتضامن».

الدعوة أثارت انقساماً واسعاً في الآراء بمنصات التواصل، جعلت اسم صباحي يتصدر في ترتيب الأكثر انتشاراً في منصة (إكس)، وسط دفاع عنه من فريق يرى هنية وشكر «مناضلين» ضد إسرائيل ويجب تقديم العزاء فيهما، في ظل الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على غزة، والذي تلاها في اليوم التالي مواجهات بين «حزب الله» والجانب الإسرائيلي، تشترط فيها الأولى إيقافها حال توقف «العدوان على القطاع».

أما الفريق الآخر، فانتقد تصرفات حمدين واعتبروا أن «شعارات الناصريين لم يعد يصدقها أحد وكشف زيفها الزمن» وربطوا بين أنهم قياديان في «حماس» و«حزب الله» المتهمَين بـ«تمويل عناصر مسلحة وأعمال تخريبية وإرهابية»، في مصر بعد 2011، ضمن قضايا نظرها القضاء المصري السنوات الماضية، وأقرّ تلك الاتهامات في أحكام نهائية سابقة، قبل أن تعود العلاقات تدريجياً مع سلسلة مراجعات أبدتها الحركة الفلسطينية تجاه أمن مصر.

ذلك الجدل الذي سبّبه طرح صباحي، أثير بقوة أيضاً في منصات التواصل، عقب إعلان الجيش الإسرائيلي، مسؤوليته عن اغتيال شكر، قبل أسبوع في بيروت، قبل أن يغتال هنية في طهران، وتتهم «حماس» وإيران، إسرائيل بالتورط في ذلك الحادث، ويتوعدان بالرد، وسط مخاوف دولية من تداعيات التصعيد.

إلا أن الموقف الرسمي بمصر إزاء تلك التطورات، تمثل في إدانة من وزارة الخارجية والهجرة المصرية للاغتيالات السياسية الإسرائيلية دون نعي الشخصيتين، ومواصلة القيام باتصالات بين الأطراف لتخفيض التصعيد في المنطقة، وفق إفادات كثيرة الأيام الماضية.

وأعاد وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، الأربعاء، التأكيد على «رفض مصر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية وانتهاك سيادة دول المنطقة»، خلال اتصال هاتفي مع نظيره القبرصي، كونستانتينوس كومبوس.

المفكر المصري، عبد المنعم سعيد، يرى في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «التيار الناصري ليس لديه قضية غير الصراع العربي - الإسرائيلي وليس لديه أفكار للتنمية والتقدم ومواجهة مشاكل العالم المعاصر، ويقع عادة في هذا الفخ».

ويعتقد أن «صباحي ليس لديه مشروع سوى العودة للماضي، وحتى الماضي لا يستفيد الناصريون منه»، واصفاً تلك الدعوة التي طرحها صباحي بأنها «حركة سياسية للفت الأنظار إلى أن الناصريين لا يزالون موجودين».

ويؤكد المفكر المصري عبد المنعم سعيد، أن «أي ممول أو داعم للإرهاب الذي شهدته مصر السنوات الماضية هو معتدٍ، ولا يمكن اعتبار مواجهته لإسرائيل تبرئة لساحته أو غسلاً ليديه من الاتهامات التي لاحقته»، ويرى أن الموقف المصري الرسمي «موقف مهني لدولة بقامة مصر تقود أدوار تفاوض وتنمية وإنقاذ للشعب الفلسطيني، وتدرك معنى أولويات الدولة ومسؤوليتها في تحقيق استقرار إقليمي».

في المقابل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية بمصر الدكتور مصطفى كامل السيد، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن دعوة السياسي حمدين صباحي «جاءت في وقتها ويجب أن تلقى ترحيباً من القوى الشعبية لأشخاص قاوموا وناضلوا في لبنان وغزة»، مؤكداً أن «الهجوم عليها ليس له أي أسباب مقنعة أو مبررة».

وباعتقاد السيد، فإن «حمدين صباحي مارس حقه في التعبير والدعوة لاجتماع سلمي، وبالتالي لم يخرج عن القانون والدستور»، متوقعاً مشاركة العشرات، لا سيما من القوى السياسية، ومستبعداً المشاركة الجماهيرية.


مقالات ذات صلة

ماكرون يحضّ نتانياهو على «تجنّب دوامة أعمال انتقامية»

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (ا.ف.ب)

ماكرون يحضّ نتانياهو على «تجنّب دوامة أعمال انتقامية»

حضّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في اتصال هاتفي الأربعاء، على «تجنّب دوامة أعمال انتقامية"، وذلك في ظلّ تصاعد…

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي القيادي في حركة «حماس» خليل الحية يتحدث في مؤتمر صحافي (رويترز)

مصادر: خليل الحية سيواصل قيادة المفاوضات في ظل قيادة السنوار لـ«حماس»

أعلنت ثلاثة مصادر فلسطينية، من بينها مسؤول في حركة «حماس»، أن القيادي في الحركة خليل الحية سيواصل قيادة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي يحيى السنوار لدى وصوله إلى احتفالية إحياء «يوم القدس» في غزة 14 أبريل 2023 (غيتي)

هل تساعد شخصية السنوار القوية في وقف الحرب؟

شكّل إعلان حركة «حماس» اختيارها يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي للحركة مفاجأة بالنسبة لكثير من المتابعين والمراقبين، وحتى للشارع الفلسطيني في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي يحيى السنوار خلال مشاركته في مسيرة سابقة لدعم المسجد الأقصى بمدينة غزة (أ.ف.ب)

«هدنة غزة»: كيف تنعكس قيادة السنوار لـ«حماس» على مسار المفاوضات؟

اختيار «حماس» يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي، خلفاً لإسماعيل هنية، أثار تساؤلات بشأن مسار مفاوضات «الهدنة»، خصوصاً أن إسرائيل تضعه في صدارة المطلوبين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية باقري كني يصل إلى اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي في مدينة جدة الأربعاء (أ.ف.ب)

الغرب يُحذّر إيران: عواقب الهجوم على إسرائيل كارثية

حذّرت دول غربية إيران من عواقب الهجوم على إسرائيل، بينما تستعد منطقة الشرق الأوسط لموجة جديدة محتملة من الهجمات من جانب طهران والجماعات المسلحة الموالية.

«الشرق الأوسط» (لندن - باريس - طهران)

مخاوف سودانية من «كارثة» تحملها السيول

طفل سوداني يملأ دلو ماء قرب مخيم زمزم للنازحين في دارفور مطلع أغسطس الحالي (رويترز)
طفل سوداني يملأ دلو ماء قرب مخيم زمزم للنازحين في دارفور مطلع أغسطس الحالي (رويترز)
TT

مخاوف سودانية من «كارثة» تحملها السيول

طفل سوداني يملأ دلو ماء قرب مخيم زمزم للنازحين في دارفور مطلع أغسطس الحالي (رويترز)
طفل سوداني يملأ دلو ماء قرب مخيم زمزم للنازحين في دارفور مطلع أغسطس الحالي (رويترز)

أدت السيول التي اجتاحت مناطق واسعة في ولاية نهر النيل وبعض مناطق السودان إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة، وتشردت بفعلها آلاف الأسر. بيد أن أضرارها لا تقتصر على التخريب المادي، بل هناك خطر غير مرئي يهدّد الإنسان والحيوان والنبات في المنطقة، ويتمثل في جرف المواد الضارة والشديدة السمية مثل الزئبق والسيانيد، من مناطق التعدين العشوائي عن الذهب، في وقت انتشرت «أمراض غريبة»، بما فيها الأورام والسرطانات والأمراض التنفسية وأمراض الدم.

وحذَّر التجمع المدني في ولاية نهر النيل – طوعي – من «كارثة إنسانية وبيئية» تهدّد الإنسان والنبات والحيوان، وكل ما من شأنه تدمير البيئة المحيطة بالإنسان في الولاية، تتمثل فيما أطلق عليه «الكارثة الكبرى»؛ نتيجة لكمية المواد الضارة التي جرفتها السيول إلى المنطقة.

وقال التجمع في بيان صحافي، الأربعاء، إن السيول قدِمت من الأودية والسهول الشرقية، ومن ولاية البحر الأحمر، وهي محملة بكميات كبيرة من الزئبق والسيانيد؛ ما ينذر بكارثة بيئية كبيرة، متوقعاً انتشار الأمراض المرتبطة بتلوث البيئة، في وقت انهارت فيه البنية الصحية في البلاد بسبب الحرب.

ونبّه التجمع إلى كارثة بيئية أخرى محتملة، بجانب الكارثة التي ألمّت بمدينة أبو حمد، يمكن أن تنتج من تجمع كميات كبيرة من مياه الأمطار والسيول في السهول الشرقية والغربية للولاية التي تنتشر فيها مخلفات تعدين الذهب.

وتعدّ منطقة أبو حمد أحد المراكز الرئيسية لإنتاج الذهب في البلاد، وتشهد أراضيها أنشطة تعدين عشوائي، وتُستخدم فيها مواد شديدة السمية وملوثة للبيئة من دون رقابة من الدولة.

ووفقاً لبيان التجمع المدني، فإن خبراء بيئة حذّروا من اختلاط مياه الأمطار والسيول بمخلفات التعدين المنتشرة بكثافة في أنحاء البلاد كافة، وجرفها إلى النيل، بما يهدد السكان والحيوان والأراضي الزراعية، التي تعتمد بشكل كامل على مياه نهر النيل.

وبحسب اتفاقية «ميناماتا» بشأن استخدام الزئبق في عمليات استخراج الذهب الذي تزايد في مناطق كثيرة حول العالم، والذي يتم بمزج الزئبق بمخلفات التعدين ليلتصق بالذهب، ثم تبخيره «تلغيمه» ليبقى الذهب؛ ما يؤدي إلى انتشار أبخرة الزئبق ذات السمية العالية، وما يصاحب ذلك من أضرار صحية جسيمة، تصيب المنقبين أولاً، وتنشر في الغلاف الجوي على مساحات واسعة. أما السيانيد فهو مادة شديدة السمية تستخدم في استخلاص الذهب أيضاً، واسمها العلمي «ملح سيانيد الصوديوم»، وفقاً لتحالف كيميائي يستخلص الذهب من الشوائب المختلطة به.

وتتفكك أملاح السيانيد ببطء في الجو، ويمكن أن تنتقل لمسافات بعيدة، لكن تركيزها ينقص مع ازدياد مسافات الانتقال، كما وتمتزج بالماء أيضاً وتتفكك ببطء في داخلة، بينما يبقى الزئبق السام في الأرض، ويتسبب في أمراض مثل ألزهايمر، باركنسون، اضطرابات الذاكرة الاكتئاب، وغيرها.

وأشار الأستاذ المساعد في كلية العلوم البيئية جامعة أم درمان الأهلية، الدكتور خالد محمد الحسن، والذي يشغل في الوقت ذاته منصب رئيس المكتب التنفيذي لتجمع البيئيين السودانيين، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى دراسة سابقة أعدّها المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، كشفت عن وجود تركيز غير طبيعي يفوق المستوى المسموح به للزئبق والسيانيد في المناطق المجاورة لمناطق التعدين.

سلاح ذو حدين

وقال إن السيول التي اجتاحت البلاد «سلاح ذو حدين»، يمكن أن تغسل التربة من السموم والملوثات وتخفف تركيزها وآثارها من وجهة النظر المتفائلة، بينما يُخشى على نطاق واسع من انتقالها بتركيز عالٍ إلى مناطق أخرى.

ويضيف: «ربما تكون السيول قد شطفت وغسلت التربة، لكن على حساب من؟»، ويتابع: «لكن لا أحد يستطيع الجزم بمدى الضرر الذي حدث من دون دراسات حقلية، وما إن كان هناك نفوق غير مبرر للحيوانات عند مساقط السيول القادمة من مناطق التعدين الأهلي، أو نفوق للأسماك قرب النيل أو بحيرتي النوبة وناصر» منا يعدّ مؤشراً لهذا التلوث المحتمل.

وأوضح الحسن أن مياه السيول وبما تحمله من ملوثات تصب في نهر النيل، مثلما تصب السيول القادمة من شرق السودان في نهر عطبرة؛ ما يستجوب المتابعة الميدانية، لكن يجب ألا نتغافل عن الأثر التراكمي المحتمل لهذه المواد و الذي قد يظهر بعد سنوات.

ودعا إلى وضع خطة لإدارة الكارثة في مرحلة ما بعد الحرب، تتضمن الاستعداد والاستجابة والمعالجة وإعادة البناء، وتابع: «لا بد من الاستجابة السريعة بمجرد وقف الحرب، ومخاطبة الجهات العالمية منذ مرحلة الاستجابة؛ لأنها تتطلب قياسات ومعالجات سريعة، إضافة إلى خطة إصلاحية، تبدأ بوقف النشاط الذي تسبب في الكارثة».

وقال الحسن إن الوضع يستوجب في الأوضاع الطبيعية للدول المستقرة إعلان حالة طوارئ للحيلولة دون وقوع كارثة بيئة، وبناء شبكات وإقامة بنية تحتية، بما في ذلك الاستعدادات الهندسية اللازمة، وتكوين فريق عمل على الأرض يستجيب للكارثة ويعمل على تخفيف وطأتها والتعافي منها، إلى جانب الاستعانة بخبرات الجهات العالمية المختصة، بما في ذلك الاستعانة بالأقمار الاصطناعية، وإجراء المقارنات المطلوبة بعد أخد العينات الحقلية وتحليلها.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية السودانية (سونا) أكتوبر (تشرين الأول) 2022 عن المجلس الأعلى للبيئة، وجود نسبة كبيرة من الزئبق في العينات التي تم فحصها، ناجمة عن تبخر الزئبق وانتشاره وتجمعه في الأماكن الرطبة وجرف السيول مخلفات التعدين المعروفة محلياً بـ«الكرتة»، إلى المناطق السكنية ونهر النيل، وأن دراسته توقعت تدهور الوضع البيئي، حال استمرار الأوضاع من دون تدخل سريع.

أمراض التعدين

وبحسب الدكتور عصام محمد زين، فإن التعدين بالمواد الكيميائية يسبب 106 أمراض. وقال في تصريح سباق إن الولاية تعدّ الأكثر تضرراً، وحذّر من توريث الأجيال القادمة المزيد من الملوثات القاتلة.

وكانت وكالة الأنباء السودانية (سونا) نقلت عن متحدث أهلي، أن نحو 200 حالة إصابة بالسرطان رُصدت بالاسم في المنطقة، وأن 60 شخصاً توفوا بالسرطانات.

وتزايدت الإصابات بالأورام بشكل لافت في البلاد، منذ انتشار التعدين العشوائي للذهب، ودأبت وسائط التواصل السودانية على تداول أحاديث عن إصابات بالأورام والأمراض الغريبة، خصوصاً الأمراض التنفسية وأمراض الدم؛ نتيجة التلوث البيئي المصاحب لتعدين الذهب.

ويتوقع على نحو أكبر أن توسع الفيضانات والسيول التي تجتاح مناطق إنتاج الذهب في شرق وشمال ووسط البلاد وغربها، من دائرة الإصابة بأمراض خراب البيئة، ليموت السودانيون بالحرب ابتداءً، وبالسيول ثانية، وبالبيئة الملوثة ثالثاً.