لماذا يلجأ ليبيون لاستخدام حقول النفط «ورقة ضغط سياسية» ضد الحكومة؟

على مدار العقد الماضي قامت عدة جهات محلية بإغلاقها في مناطق متفرقة بالبلاد

حقل الشرارة النفطي الليبي (رويترز)
حقل الشرارة النفطي الليبي (رويترز)
TT

لماذا يلجأ ليبيون لاستخدام حقول النفط «ورقة ضغط سياسية» ضد الحكومة؟

حقل الشرارة النفطي الليبي (رويترز)
حقل الشرارة النفطي الليبي (رويترز)

تتباين آراء سياسيين ليبيين حول أسباب ودوافع قيام جهات محلية بإغلاق حقول النفط بالبلاد على مدار العقد الماضي. ففيما يرى البعض أن الإقدام على هذه الخطوة التي نفذها الأهالي والقبائل التي تعيش بالقرب من تلك الحقول، احتجاجاً على تردي أوضاعهم المعيشية، يعتقد البعض الآخر أن إجراء مثل هذا ليس إلا غطاء لتعليمات تصدر من قوى فاعلة تحرضهم على هذا التصعيد.

وتجدد الجدل قبل يومين مع الإعلان عن إغلاق حقل «الشرارة»، الواقع جنوب غربي ليبيا، الذي يعد أحد أكبر الحقول النفطية بالبلاد، حيث تتجاوز طاقته الإنتاجية حاجز 300 ألف برميل يومياً. وذهبت بعض وسائل الإعلام المحلية إلى أن ما يسمى بـ«حراك فزان» أغلق الحقل بسبب عدم تعيين أبنائهم في قطاع النفط، وافتقاد مناطقهم للتنمية. فيما تداولت وسائل إعلامية أخرى اتهامات لصدام، نجل قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، بالوقوف وراء إغلاق الحقل الذي تشغله شركة ريبسول الإسبانية، بسبب مزاعم عن وجود مذكرة قبض صادرة بحقه من قبل السلطات الإسبانية، على خلفية تورطه في تهريب شحنة سلاح.

رئيس «حراك فزان» بشير الشيخ، انضم لأصحاب الطرح الأخير، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «غالبية عمليات إغلاق حقول النفط خلال العقد الماضي تمت بناء على تعليمات صدرت عن القوى الفاعلة على الأرض».

وتسيطر قوات «الجيش الوطني» منذ سنوات على غالبية المناطق، التي تضم حقولاً ومنشآت نفطية في وسط وجنوب ليبيا، بما في ذلك «الشرارة» و«سرت الشرقي»، إلا أن المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس هي من تتولى عملية التصدير.

ويرى الشيخ أن السكان، الذين يعيشون بالقرب من تلك الحقول في عموم ليبيا وخاصة بالجنوب، «يتعرضون للظلم»؛ نظراً لتجاهل القطاع الصحي هناك، وعدم توفير الخدمات الأساسية، كالوقود والكهرباء، مشيراً إلى أن «حملة السلاح هم من يتحكمون بمفردهم بقرار الإغلاق، الذي يسخر لخدمة أهدافهم ومصالحهم السياسية»، مبرزاً أنه سبق أن أغلق حقل الشرارة مرتين نتيجة احتجاجات قبائلية، الأولى عام 2012 والثانية نهاية 2018.

حقل بترول براس لانوف (الشرق الأوسط)

ومنذ مارس (آذار) 2022 تتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها طرابلس، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب، ويرأسها حالياً أسامة حماد.

بالمقابل، يرى مدير مركز الأمة للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمد الأسمر، أن إغلاق حقل الشرارة وباقي الإغلاقات التي جرت في عموم ليبيا خلال العامين الأخيرين «جاءت كرد فعل احتجاجي من قبل أهالي المناطق القريبة من هذه المواقع، أو من حراس المنشآت النفطية».

ووفقاً لرأي الأسمر فقد كان الإغلاق الأخير بحقل الشرارة متوقعاً «بسبب عدم جدية» حكومة الدبيبة، والمؤسسة الوطنية للنفط في تنفيذ ما قطعوه من تعهدات لأهالي الجنوب، عندما سبق أن أغلقوا الحقل مطلع العام الجاري لعدة أيام.

صدام حفتر (أ.ف.ب)

وحدد الأسمر أهم مطالب الأهالي الذين يعيشون بالقرب من الحقول النفطية في الجنوب ومناطق أخرى «بتعيين أبنائهم بالشركات التابعة لمؤسسة النفط، وتحسين الخدمات المعيشية، من طرق وبناء مدارس ومستشفيات»، مشيراً إلى «السيطرة الجغرافية للجيش ولحكومة حماد»، وقال موضحاً: «عوائد النفط تجمع بالمصرف الليبي الخارجي، ومنها للمصرف المركزي بطرابلس، الذي طالما اعتاد الصرف لحكومة الدبيبة في حين كانت حكومة حماد تدبر أوضاعها في الأغلب من الاقتراض من المصارف التجارية بشرق البلاد».

وشكّك الأسمر في صحة الرواية الخاصة بوقوف صدام، والقيادة العامة للجيش، خلف قرار إغلاق حقل الشرارة، مذكراً بتهديد حرس المنشآت النفطية في فبراير (شباط) الماضي بإيقاف تدفق النفط والغاز من ثلاثة حقول تقع غرب البلاد، أي حيث توجد مناطق سيطرة حكومة الدبيبة التي تنصلت من وعودها بزيادة رواتبهم.

وانتهى الأسمر إلى أنه «في ظل النزاع السياسي الراهن على السلطة، لا يمكن فعلياً استبعاد محاولة أي طرف من أفرقاء الأزمة اغتنام فرصة توظيف أي حراك أو احتجاج لصالحه».

حكومة الدبيبة وصفت إغلاق حقل الشرارة بـ«الابتزاز السياسي» (حكومة الوحدة الوطنية)

وكانت حكومة «الوحدة» قد وصفت إغلاق حقل الشرارة بـ«الابتزاز السياسي»، وأكدت أن «الثروات النفطية هي ملك لكل الليبيين، ولا يجوز استخدامها كورقة ضغط لتحقيق أهداف سياسية أو شخصية ضيقة». علماً بأن ليبيا، العضو بمنظمة «أوبك»، تنتج قرابة مليون و200 ألف برميل يومياً.

وتوسطت أستاذة القانون بجامعة طرابلس، نادية بن عامر، الآراء السابقة، بالتأكيد على أن الإغلاقات بعموم البلاد، التي تتسبب بخسائر جسيمة للاقتصاد الليبي، لا يمكن تحميلها على قوى محلية دون وجود موافقة من القوى الفاعلة على الأرض؛ أي «الجيش الوطني» بالشرق، والتشكيلات العسكرية بالغرب.

وذكرت بن عامر بأن أبرز عمليات الإغلاق النفطي بالبلاد كانت بناء على خلفية سياسية، حيث فرضت قوات الجيش بشرق ليبيا خلال ما يعرف بحرب العاصمة، حصاراً نفطياً دام من يناير (كانون الثاني) 2020 وحتى سبتمبر (أيلول) من العام ذاته.

وتعتقد بن عامر أن «القوى الفاعلة على الأرض، سواء بشرق ليبيا أو غربها، لا يمكنها الاستمرار بإغلاق أي حقل دون ضوء أخضر من قبل أي الدول الغربية الكبرى». وأعربت عن استغرابها لعدم وجود تعليق من العواصم الغربية الكبرى للتنديد بإغلاق الشرارة. وقالت إنه «رغم حديث القوى الليبية كافة عن ضرورة تجنيب النفط الصراعات السياسية، فإن هذا الأمر لم يتحقق أبداً، ويتعامل معه الجميع كورقة ضغط رئيسية».


مقالات ذات صلة

خسائر «بترورابغ» المتراكمة تتراجع إلى 36.16 % من رأسمالها

الاقتصاد أحد مصانع «بترورابغ» (موقع الشركة)

خسائر «بترورابغ» المتراكمة تتراجع إلى 36.16 % من رأسمالها

أعلنت شركة «رابغ للتكرير والبتروكيماويات» (بترورابغ) أن خسائرها المتراكمة تراجعت إلى نحو 6 مليارات ريال بنهاية أغسطس.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد رافعة مضخة نفط خارج ألميتيفسك في جمهورية تتارستان بروسيا (رويترز)

المخاوف من تأثير الإعصار على الإنتاج في أميركا ترفع أسعار النفط

ارتفعت أسعار النفط خلال التعاملات الآسيوية، يوم الخميس، مدفوعةً بمخاوف من تأثير الإعصار «فرانسين» على الإنتاج في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد خطوط الأنابيب ورصيف التحميل ميناء مرسى الحريقة النفطي في مدينة طبرق شرقي طرابلس ليبيا (رويترز)

تراجع صادرات النفط الليبية بنسبة 81 % بسبب أزمة البنك المركزي

أظهرت بيانات «كبلر» أن صادرات النفط الليبية هبطت بنحو 81 في المائة الأسبوع الماضي بعد إلغاء المؤسسة الوطنية للنفط شحنات وسط أزمة بشأن السيطرة على البنك المركزي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مصفاة «إكسون موبيل» في باتون روج بلويزيانا (رويترز)

العاصفة «فرانسين» ترفع أسعار النفط بسبب مخاوف من انقطاع الإمدادات

ارتفعت أسعار النفط يوم الأربعاء، مع تفوق المخاوف بشأن تعطل الإمدادات بسبب العاصفة المدارية «فرانسين»، على المخاوف بشأن الطلب.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد رافعة مضخة نفط خارج مدينة ألميتيفسك في جمهورية تتارستان - روسيا (رويترز)

«أوبك» تخفض توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2024 و2025

خفّضت منظمة «أوبك»، الثلاثاء، توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في عام 2024، كما قلّصت توقعاتها للعام المقبل.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

المغرب يسجل أول حالة إصابة بجدري القردة

تظهر العلامات على يد طفلة بعد تعافيها من جدري القردة (أرشيفية - رويترز)
تظهر العلامات على يد طفلة بعد تعافيها من جدري القردة (أرشيفية - رويترز)
TT

المغرب يسجل أول حالة إصابة بجدري القردة

تظهر العلامات على يد طفلة بعد تعافيها من جدري القردة (أرشيفية - رويترز)
تظهر العلامات على يد طفلة بعد تعافيها من جدري القردة (أرشيفية - رويترز)

أعلنت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية عن تسجيل حالة إصابة مؤكدة بمرض جدري القردة (إم - بوكس) في المغرب، اليوم الخميس، وذلك في إطار المنظومة الوطنية لليقظة والرصد الوبائي.

ووفقاً لـ«وكالة أنباء المغرب العربي»، أوضحت الوزارة في بلاغ لها، أن الحالة تم اكتشافها ضمن البروتوكول الصحي المعتمد في المملكة منذ بدء هذا الإنذار الصحي العالمي، حيث «خضع المصاب للرعاية الصحية اللازمة في أحد المراكز الطبية المتخصصة بمدينة مراكش، وهو في حالة صحية مستقرة لا تستدعي القلق».

وأفادت الوزارة بأن المصاب يتلقى الرعاية الطبية المناسبة، وفقاً للإجراءات الصحية المعتمدة، ويخضع للمراقبة الطبية الدقيقة لضمان استقرار حالته، مضيفة أنه تم تفعيل إجراءات العزل الصحي والمتابعة الطبية اللازمة وفقاً للمعايير الصحية الوطنية والدولية.

وأشار المصدر ذاته إلى أنه مباشرة بعد التوصل بنتائج التحاليل المخبرية للحالة المؤكدة، باشر المركزان الوطني والجهوي لعمليات طوارئ الصحة العامة، بالإضافة إلى فرق الاستجابة السريعة، التحريات الوبائية المعتمدة من أجل حصر لائحة جميع المخالطين للمصاب، بغية مراقبتهم واتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع تفشي الفيروس، وفقاً لمعايير السلامة الصحية الوطنية والدولية، مؤكدة أنه لم تظهر على المخالطين أي أعراض حتى الآن.

وأكدت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أنها ستستمر في التواصل مع الرأي العام الوطني، وإخباره بكل المستجدات المتعلقة بالوضع الوبائي بانتظام، كما دأبت على ذلك منذ بداية هذا الإنذار الصحي العالمي.

ودعت الوزارة المواطنين إلى الاعتماد على المصادر الرسمية للحصول على المعلومات الدقيقة وتجنب نشر الشائعات أو المعلومات غير المؤكدة، مع الالتزام بالتدابير الوقائية المُوصى بها، مثل غسل اليدين بانتظام، وتجنب الاتصال المباشر مع الأشخاص المصابين أو المشتبه في إصابتهم، والحرص على النظافة الشخصية.