الخارجية الأميركية ترمي بثقلها لإنجاح مفاوضات جنيف السودانية

غيرت لهجتها تجاه البرهان وبلينكن خاطبه بصفته الشرعية

أنتوني بلينكن حضّ البرهان على المشاركة في مفاوضات سويسرا (د.ب.أ)
أنتوني بلينكن حضّ البرهان على المشاركة في مفاوضات سويسرا (د.ب.أ)
TT

الخارجية الأميركية ترمي بثقلها لإنجاح مفاوضات جنيف السودانية

أنتوني بلينكن حضّ البرهان على المشاركة في مفاوضات سويسرا (د.ب.أ)
أنتوني بلينكن حضّ البرهان على المشاركة في مفاوضات سويسرا (د.ب.أ)

بيان يبدو في ظاهره كالبيانات السابقة الصادرة من وزارة الخارجية الأميركية، يعرض اتصالاً بين وزير الخارجية الأميركي وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، للتشديد على ضرورة مشاركة القوات المسلحة في محادثات سويسرا، لكن الناظر في تفاصيله سرعان ما يتفاجأ بتفصيل مهم. فبالبرهان، الذي لطالما عرفت عنه الإدارة الأميركية منذ انقلاب 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بـ«قائد القوات المسلحة»، تم التعريف عنه في البيان هذه المرة على أنه «رئيس مجلس السيادة»، في تغيير لافت في لهجة الإدارة الأميركية، فسّره البعض على أنه تودد من قبلها لإقناع البرهان بالمشاركة في المحادثات التي تسعى الولايات المتحدة جاهدة لعقدها في الـ14 من الشهر الحالي.

بيان للخارجية الأميركية بتاريخ 5 أغسطس يخاطب البرهان بصفته رئيساً لمجلس السيادة

بيان للخارجية الأميركية بتاريخ 28 مايو 2024 يخاطب البرهان بصفته قائداً للجيش

«تغيير رمزي مهم»

يصف كاميرون هدسون، كبير الموظفين السابق في مكتب المبعوث الخاص إلى السودان، التغيير في التوصيف على أنه «تغيير رمزي مهم من قبل واشنطن»، ويفسر في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «إنه يمنح البرهان والقوات المسلحة السودانية أمراً طالما طالبوا به منذ البداية، وهو الاعتراف بأنه لا يزال يمثل السلطة السيادية في البلاد، وأنه ليس مجرد طرف آخر في الصراع على قدم المساواة مع (قوات الدعم السريع)».

ويوافق ألبيرتو فرنانديز، القائم بالأعمال السابق للسفارة الأميركية في السودان، على تقييم هدسون، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الاعتراف الأميركي بالبرهان «يهدف إلى إظهار أنه يتعدى كونه طرفاً من طرفي الحرب الأهلية، ويتماشى مع نظرة الجيش لنفسه بوصفه مؤسسةً فريدة تمثل الأمة وتحميها»، مضيفاً: «لقد كان هذا تحفيزاً ضرورياً للقوات المسلحة لحضور المحادثات؛ لأنه يعد نوعاً من المكافأة الملموسة».

ويعرض البيان تفاصيل الاتصال بين البرهان وبلينكن فيقول إن وزير الخارجية الأميركية «شدد على ضرورة مشاركة القوات المسلحة السودانية في المحادثات على وقف إطلاق النار في سويسرا»، مؤكداً أن «الدمار والخراب اللذين شهدتهما البلاد منذ أبريل (نيسان) 2023 دليل على أن عقد محادثات وطنية على وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع، وتجنب انتشار المجاعة، واستعادة العملية السياسية المدنية».

من جانبه، قال البرهان في وقت لاحق على منصة «إكس»: «تلقيت اتصالاً من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، تحدثت معه عن ضرورة معالجة شواغل الحكومة السودانية قبل بدء أي مفاوضات، وأبلغته بأن (الميليشيا المتمردة) تحاصر وتهاجم الفاشر وتمنع مرور الغذاء لنازحي معسكر زمزم».

ورداً على دعوة حديثة لحضور مفاوضات جنيف، قالت الحكومة السودانية إنها «أوضحت أن أي مفاوضات قبل تنفيذ إعلان جدة، الذي ينص على الانسحاب الشامل ووقف التوسع، لن تكون مقبولة للشعب السوداني»، لكن الحكومة طلبت عقد اجتماعات مع مسؤولين أميركيين لمناقشة جدول أعمال المحادثات. ومن المتوقع أن تكون محادثات جنيف، التي وافقت «قوات الدعم السريع» على حضورها، أول محاولة كبرى منذ أشهر للتوسط بين الجانبين المتحاربين لإنهاء الحرب المستمرة منذ 15 شهراً.

هل تنعقد المحادثات؟

تشديد واضح على أهمية عقد المحادثات التي تراهن عليها الإدارة الأميركية بوصفها ورقةً أخيرة لحل الأزمة ووقف إطلاق النار في بلد يعاني من أزمة إنسانية مستشرية، وصلت إلى حد المجاعة، لكن انعقادها يعتمد بشكل جذري على موافقة طرفي النزاع؛ أي «قوات الدعم السريع» والقوات المسلحة السودانية، على المشاركة فيها، وهو أمر لم يحسم بعد من جانب البرهان.

كاميرون هدسون كبير الموظفين السابق في مكتب المبعوث الخاص إلى السودان

ويرى هدسون أن التغيير في لهجة الخارجية الأميركية «لا يضمن أن القوات المسلحة السودانية ستحضر المحادثات»، لكنه يشدد في الوقت نفسه على أنه يحسن من فرص تلك المشاركة.

إلا أن فرنانديز متفائل أكثر بانعقاد هذه المحادثات، فيقول: «من شبه المؤكد أن تنعقد هذه المحادثات»، لكنه يعقّب قائلاً: «رغم ذلك، نجاحها غير مضمون، فالطرفان، وخاصة القوات المسلحة السودانية، يريدان الفوز العسكري، ومن المحتمل أن تقبل (قوات الدعم السريع) بالتقسيم، وهو ما لا يمكن للجيش قبوله».

ويفسر فرنانديز قائلاً: «الجيش هو الطرف الأكثر تشدداً، وأعتقد أن احتمالية النجاح الكامل لأي وقف لإطلاق النار وإنهاء القتال والتوصل إلى تسوية سياسية، هي منخفضة جداً، لكن بالنظر إلى أن هذا هو موسم الأمطار، وأن القتال قد تباطأ، فإن احتمال تحقيق نجاح جزئي عبر المحادثات من دون نهاية كاملة للحرب، بل وقفة إنسانية، كما في غزة، لإدخال المساعدات الغذائية الطارئة، كبير جداً».

من ناحيته، يعدّ هدسون أن نجاح المحادثات هو في انعقادها فقط، مشيراً إلى أن هناك احتمالات جيدة في حصول هذا، مضيفاً: «أما على المدى الطويل، فمن الصعب تخيّل كيف سيتجسد النجاح».


مقالات ذات صلة

العطا: البرهان مستعدّ للقتال 100 عام

شمال افريقيا العطا: البرهان مستعدّ للقتال 100 عام

العطا: البرهان مستعدّ للقتال 100 عام

اتَّهَم العطا «قوات الدعم السريع» بالتحالف مع الائتلاف الحاكم سابقاً «قوى الحرية والتغيير»؛ لمنحها الشرعية السياسية والقانونية للانقلاب.

محمد أمين ياسين (ودمدني السودان)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (رويترز)

واشنطن تحث الجيش السوداني على المشاركة في محادثات وقف إطلاق النار

وزير الخارجية أنتوني بلينكن أكد في اتصال هاتفي مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان على ضرورة مشاركة الجيش في محادثات وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا مشهد آخر من مخيم زمزم (رويترز)

طيران الجيش السوداني يستهدف «معسكر زمزم» للنازحين

قال شهود إن الطائرات الحربية التابعة للجيش السوداني شنّت، ليل الأحد – الاثنين، ضربات قوية على معسكر زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور (غرب السودان).

محمد أمين ياسين (ود مدني (السودان))
شمال افريقيا البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة جبيت العسكرية (شرق) (أ.ف.ب)

هل يستقيل البرهان عن قيادة الجيش ورئاسة «مجلس السيادة»؟

منذ تسمية البرهان رئيساً لـ«مجلس السيادة»، سمح بترويج «أسطورة» أن والده رأى في المنام أنه «سيحكم السودان».

«الشرق الأوسط» (كمبالا)
شمال افريقيا لاجئون سودانيون بمخيم «زمزم» خارج مدينة الفاشر في دارفور (أرشيفية - أ.ب)

تحذيرات دولية جديدة من «مجاعة حادة» تضرب ولايات السودان

يتوفى يومياً ما بين 20 و25 شخصاً في معسكرات اللجوء بدارفور (غرب السودان) بنقص الغذاء، وفق حصيلة كشفتها المنسقية العامة للنازحين واللاجئين

محمد أمين ياسين (ودمدني السودان)

إسرائيل: التنظيمات الفلسطينية تستخدم «عصابات الإجرام» بالمجتمع العربي في إسرائيل

لافتات تدين جرائم القتل في المجتمع العربي ببلدة يافة الناصرة (أرشيفية - رويترز)
لافتات تدين جرائم القتل في المجتمع العربي ببلدة يافة الناصرة (أرشيفية - رويترز)
TT

إسرائيل: التنظيمات الفلسطينية تستخدم «عصابات الإجرام» بالمجتمع العربي في إسرائيل

لافتات تدين جرائم القتل في المجتمع العربي ببلدة يافة الناصرة (أرشيفية - رويترز)
لافتات تدين جرائم القتل في المجتمع العربي ببلدة يافة الناصرة (أرشيفية - رويترز)

توجه جهاز المخابرات العامة «الشاباك» بشكل رسمي إلى بنيامين نتنياهو وأعضاء الحكومة الإسرائيلية يحذرهم من «ظاهرة أمنية خطيرة»، تتمثل بـ«العلاقات الوطيدة» الناشئة بين التنظيمات الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وتلك التي في الخارج، مع تنظيمات الإجرام الفاعلة في المجتمع العربي في إسرائيل.

وقال الجهاز، في رسالة تحذير، إن التنظيمات الفلسطينية «اهتدت إلى قدرات منظمات الإجرام العربية في إسرائيل، من حيث امتلاك الأسلحة والأموال وجيوش الشبان الصغار التابعة لها، فبدأت تقيم علاقات معها... في البداية بتجارة السلاح، ثم في التخطيط لعمليات مسلحة». وأوضح أن «بعض هذه العلاقات يتم بوعي من جماعة الإجرام المنظم، وبعضها من دون أن تعرف أنها تخدم الإرهاب» .

مظاهرة احتجاجية في الناصرة (مواقع)

المعروف أنه في إسرائيل 23 منظمة إجرام عربية تعمل في صفوف فلسطينيّي 48، وتجعل حياتهم كابوساً، وبعضها امتد نشاطها في المجتمع اليهودي أيضاً. قسم منها بقيادة عملاء الاحتلال الذين طردوا من الضفة الغربية ومن قرية الدهنية في قطاع غزة سنة 2005، مع الانسحاب الإسرائيلي من القطاع.

هؤلاء العملاء، الذين يبلغ عددهم نحو 5 آلاف، نقلوا أولاً إلى البلدات العربية في إسرائيل، لكن سكانها رفضوهم باعتبارهم عملاء يحملون أخلاقيات غير وطنية وغير سليمة اجتماعياً. فأخذهم مشغلوهم الإسرائيليون إلى بلدات مختلطة (اللد والرملة وعكا وحيفا ويافا وحريش). ودفعت لهم رواتب طيلة 3 سنوات، على أن يتدبروا أمورهم بعدها... ومنهم من لم يتدبروا أمورهم نتيجة الاعتياد على العطالة عن العمل... وعندما قطعت إسرائيل الرواتب عنهم، تحولوا إلى جمهور معادٍ لها وللمواطنين العرب فيها على السواء. وأقاموا منظمات إجرام.

وبحسب تقديرات المخابرات، هناك نحو 200 ألف قطعة سلاح كانت بأيدي المجتمع العربي قبل الحرب على غزة، ويوجد من يقدرها بنصف مليون قطعة. والآن بعد الحرب، تضاعف عددها مرتين على الأقل، لأن الحرب أتاحت تهريب كميات ضخمة من الأسلحة من معسكرات الجيش ومخازنه. فالرقابة في المعسكرات باتت رخوة، وهناك مئات ألوف جنود الاحتياط، وعالم الجريمة المنظمة عموماً في إسرائيل يزدهر في الحروب.

مظاهرة عربية سابقة مناهضة لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمدينة الناصرة (فيسبوك)

وهناك خطران كبيران: الأول أن أسعار السلاح المهرب هذا باتت رخيصة، وأن من ضمنه صواريخ «لاو»، وصواريخ كتف من طراز «متادور»، وعبوات ناسفة، ورشاشات ثقيلة، وغيرها من الأسلحة الثقيلة.

وقد جاءت تحذيرات «الشاباك» بعد اكتشاف كميات غير قليلة من الأسلحة المهربة من الجيش الإسرائيلي في غزة، وكذلك في الضفة الغربية، وبعضها استخدم في إطلاق النار على القوات الإسرائيلية التي تداهم البلدات الفلسطينية، أو في عمليات إطلاق نار على المستوطنين.

وكتب رئيس «الشاباك» في رسالته إلى نتنياهو ووزرائه أن «منظمات الإجرام باتت تشكل تهديداً استراتيجياً للأمن القومي. ويمكننا القول إننا وصلنا إلى نقطة اللا عودة في هذه الأزمة. فقد أصبحت هذه المنظمات قوية بشكل خطير. وفي عدة بلدات عربية أصبحت هي القوة الحاكمة. تجبي (الخوات)، وتبتز الناس، وتقتل وترسم وتسيطر على محلات تجارية ومصالح، وتبيع فواتير لتبييض الأموال السوداء والتهرب من الضريبة، وتسيطر على قطاعات اقتصادية كاملة، مثل جمع النفايات أو فرع البناء في البلديات وغيرها، وتدير سوقاً سوداء. ولم يعد المواطن يشعر بوجود دولة تهتم بأمنه».

متظاهرون ضد عمليات القتل بالمجتمع العربي خلال مسيرة ببلدة يافة الناصرة في 9 يونيو (أ.ف.ب)

وقالت صحيفة «هآرتس» إن إحدى كبريات منظمات الإجرام، التي تعمل في الجليل والمثلث، عيّنت شخصية دينية كبيرة من الحركة الإسلامية المحظورة (الشق الشمالي) ليصبح محكماً في فضّ الخلافات. وكشفت أن عدد حوادث القتل في المجتمع العربي وصلت إلى 140 حالة في الأشهر السبعة الاولى من العام الحالي، فيما بلغ عدد حالات إطلاق الرصاص 1250 حالة.

ولم تتمكن الشرطة من الوصول إلى الفاعلين إلا في 9 في المائة من الحالات... «وبات الناس يخشون من مغادرة بيوتهم».