في الصحراء الشاسعة بين ليبيا والسودان، لقي كثير من الفارين من الحرب في الدولة المجاورة مصيراً غامضاً، بينما مات آخرون في حوادث متفرقة، أو خلال تخطيطهم للهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
من قلب مستشفى «الشهيد عطية الكاسح التعليمي» بمدينة الكفرة (جنوب شرقي ليبيا) شهد المشفى الحكومي أحدث مآسي «رحلات اللجوء»، التي عادة ما تحصد أرواح كثير من السودانيين القاصدين ليبيا.
وفي حصيلة أولية أعلن المستشفى، مساء (الاثنين)، وقوع 7 قتلى و23 مصاباً، بينهم 10 في حالة حرجة، نتيجة انقلاب حافلة كانت تقل العشرات جنوب مدينة الكفرة، وذلك عندما كانوا يعبرون الحدود إلى داخل ليبيا.
ومنذ اندلاع الحرب في السودان، تشهد الكفرة تدفق مئات السودانيين بشكل زائد، وقال عميد بلدية الكفرة، عبد الرحمن عقوب، في تصريح نقلته وسائل إعلام محلية، إن المدينة باتت تستقبل أكثر من ألف لاجئ سوداني يومياً، بينما يغادر قرابة 700 منهم إلى داخل المدن الليبية الأخرى.
وعدّ الحقوقي الليبي، رئيس مؤسسة «بلادي لحقوق الإنسان»، طارق لملوم، هذه الحادثة واحدة من المآسي التي تعمّق جراح الأشقاء السودانيين خلال محاولتهم الهروب من الحرب الدائرة في بلدهم، مشيراً إلى أنهم ظلوا يعانون خلال الأشهر الماضية أزمات عدة.
ويسلط لملوم الضوء على المصاعب، التي يواجهها مئات السودانيين في ليبيا، بداية من الحبس والخطف أو المطاردة.
واستناداً إلى أحدث البيانات، التي أصدرتها المنظمة الدولية للهجرة، فإن السودانيين في ليبيا يمثلون 18 في المائة من إجمالي المهاجرين إلى البلاد. وسبق الحادث، الذي وقع على بعد 170 كيلومتراً جنوب الكفرة، فواجع عدة خلال الأشهر الماضية، خلفت قتلى وعشرات المصابين، وعادة ما يُكلف جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي بنقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج.
وفي مارس (آذار) الماضي، شهدت الصحراء الليبية حادثاً مأساوياً، بعد اشتعال النيران في شاحنة كانت تقل لاجئين سودانيين، من بينهم نساء وأطفال، ما تسبب في مقتل 6 أشخاص وتفحم أربعة جثث منهم.
وتعمل حكومة أسامة حماد بشرق ليبيا على تقديم الدعم بشكل ملحوظ للاجئين السودانيين في الكفرة. ورصد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن أعداد اللاجئين السودانيين في ليبيا زاد بشكل كبير منذ بدء الصراع في أبريل (نيسان) 2023.
وفي يوليو (تموز) الماضي، خصصت منسقة الإغاثة في حالات الطوارئ بالإنابة، جويس مسويا، 5.3 مليون دولار من الصندوق المركزي للاستجابة للطوارئ لدعم 195 ألف لاجئ معرض للخطر، ولمجتمعاتهم المضيفة في ليبيا.
وأوضح دوجاريك أن هذا التمويل «يعد جزءاً من خطة الاستجابة الإقليمية الأوسع للاجئين المخصصة لأزمة السودان، التي نسقتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي تشمل الآن ليبيا وأوغندا؛ حيث يسعى الشركاء في مجال المساعدات الإنسانية إلى الحصول على 1.5 مليار دولار لدعم المتضررين من الصراع».
في سياق ذلك، أوضح دوجاريك أن أكثر من 15 شهراً من الصراع «أجبرت خُمس سكان السودان على الفرار، بمن فيهم أكثر من 2.1 مليون شخص عبروا إلى البلدان المجاورة».
ويشكل المهاجرون غير النظاميين، ممن يحملون الجنسية السودانية في ليبيا رقماً كبيراً، إذ تعمد السلطات المحلية في طرابلس وبنغازي إلى اعتقال العشرات منهم، وترحيلهم وفق «البرنامج الطوعي» الذي ترعاه الأمم المتحدة.
وفي مايو (أيار) الماضي، اتهم حقوقيون ليبيون أجهزة الأمن في العاصمة طرابلس باعتقال عدد من الأطفال السودانيين القصّر، وسط مخاوف حينها، بعد أن طالت الحملة مسجلين لدى مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وسبق أن تمكنت الأجهزة الأمنية من «تحرير» 200 مهاجر غير نظامي، بينهم نساء وأطفال كانوا محتجزين في الكفرة، من قِبل عصابة تتاجر بالبشر، بقصد مساومة أسرهم على دفع الفدية.
وفي أواخر أبريل الماضي، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن أسراً سودانية نازحة إلى ليبيا بسبب الحرب تقيم في أكثر من 50 مخيماً غير رسمي، بمزارع ضواحي مدينة الكفرة. بينما أعلنت «جمعية الهلال الأحمر الليبي» أنها أرسلت شحنات، تشمل أغطية ومراتب ومواد نظافة شخصية، ومعدات الحماية، ومياهاً إلى النازحين بالكفرة.