هل يستقيل البرهان عن قيادة الجيش ورئاسة «مجلس السيادة»؟

خبراء: رواية التنحي بالون اختبار يستهدف جهات متعددة

البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة جبيت العسكرية (شرق) (أ.ف.ب)
البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة جبيت العسكرية (شرق) (أ.ف.ب)
TT

هل يستقيل البرهان عن قيادة الجيش ورئاسة «مجلس السيادة»؟

البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة جبيت العسكرية (شرق) (أ.ف.ب)
البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة جبيت العسكرية (شرق) (أ.ف.ب)

ضجت المنصات السودانية بـ«رواية» تنحي القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وإخلاء منصبه لنائبه الفريق أول شمس الدين كباشي، وتضاربت التحليلات والتفسيرات حول ما إن كانت «الرواية» حقيقية، أم مجرد «اختلاق» هدفه خلق تعاطف مع الرجل، أم أنها بالون اختبار أطلقه لتحسس ولاء مساعديه ومؤيديه، أم محاولة لتغطية «فشله» في تحقيق نصر سريع على «قوات الدعم السريع»، أم تعبير عن «إحساس بالذنب» جراء الحرب التي أهلكت السودان والسودانيين.

وكان مساعد القائد العام الفريق ياسر العطا، وهو أيضاً عضو في «مجلس السيادة»، قال في مقابلة بثها التلفزيون الحكومي السبت الماضي، إن البرهان أبلغه برغبته في التنحي؛ لأنه «وصل الحد»، وعزمه نقل السلطة لنائبه الفريق أول الكباشي، وإنه أقنعه بـ«الاستمرار لما بعد هزيمة (قوات الدعم السريع) والقضاء عليها، وإطلاق فترة انتقالية قصيرة تجري بعدها انتخابات يغادر عقبها العسكر السلطة».

الفريق ياسر العطا (وكالة السودان للأنباء)

وتصف العبارة التي استخدمها العطا «بلغ الحد» واقع السودان الحقيقي؛ فالحرب استمرت لعامها الثاني، وراح ضحيتها الآلاف وتشرد الملايين بين نازح ولاجئ، في حين تحاصر المجاعة الملايين في مختلف الأنحاء، ما جعل الوسائط تتداول العبارة بالقول: «بلغ الناس جميعاً الحد»، فهل بالفعل بلغ البرهان الحد، أو أنه استخدم العبارة لأغراض أخرى؟

يجيب الإعلامي والمتابع للشؤون العامة السر السيد، عن السؤال قائلاً: «إن البرهان ظلّ يعيش حالة من التنازع والشد بين أطراف عدة، كل واحد منها يريد استخدامه... الإسلاميون يريدونه من أجل برنامجهم، في حين تحاصره الضغوط الإقليمية والدولية من كل الجهات، وهو لا يستطيع توظيف هذه التناقضات بما يحقق طموحاته الشخصية في الاستمرار بالسلطة».

ومنذ تسمية البرهان رئيساً لـ«مجلس السيادة»، سمح بترويج «أسطورة» أن والده رأى في المنام أنه «سيحكم السودان». وبحسب مقربين، فإن هذه الأسطورة ظلت تتحكم بتفكير الرجل، وهي التي دفعته للانقلاب على الحكومة المدنية الشرعية التي كان يقودها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بعد اقتراب انتقال رئاسة المجلس للمدنيين، وفقاً لنص الوثيقة الدستورية.

ويوضح السيد أن «شخصية البرهان ظلت تعاني من التقدم العسكري الواضح لخصمه (الدعم السريع)، والذي اعترف به مضطراً بقوله: مهما حدث فإننا لن نتخلى عن الحرب»، ويتابع: «البرهان يواجه ظروفاً غاية في التعقيد، قد تفسر رغبته في التنحي، وقد أسرّ بها لمساعده الفريق أول العطا».

ووفقاً للخبير الإعلامي، فإن «صبر البرهان على مصاعب الحكم نفد فعلاً؛ لأنه لم يستطع إدارة التنازعات المحيطة به... من وجهة نظري فهو ليس سياسياً بما يكفي، وفي ذات الوقت يفتقد للمشورة والدعم السياسيين، بما يمكنه من تحقيق طموحه الشخصي».

أرشيفية لقائد الجيش السوداني البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)

وعزا السيد تعثر مشروع البرهان السلطوي، إلى أنه «يستند على مناصرين لا ينصرونه فعلاً، بل بينهم من أصبح عدواً استراتيجياً للرجل، مثل قائد (قوات الدعم السريع) محمد حمدان دقلو»، وتابع: «الإسلاميون يظهرون للرجل التأييد، لكنهم يشككون في قدراته القيادية وفي نياته».

ويرى أن «البرهان فقد مؤيديه كافة، بل إن الدولة الجارة التي ما فتئت تدعم الانقلابات العسكرية في السودان، تراجعت بشكل كبير عن الوقوف معه، فأصبح وحيداً».

وفسر محللون سياسيون إعلان البرهان رغبته في التنحي، بأنه «محاولة لاستدرار التعاطف، أكثر من كونه تعبيراً عن موقف جدي، يتيح فرصة للأجدر ليقود البلاد في محنتها وينهي الحرب».

ويقول المحلل السياسي محمد لطيف إن «الأمر لا يتعدى محاولة من الرجل لخلق شعبية واستدرار التعاطف مستغلاً محاولة اغتياله، بترتيب حشود تخرج إلى الشوارع لإثنائه عن الاستقالة، لكن أحداً لم يخرج ليتعاطف معه».

ونجا البرهان من محاولة اغتيال الأربعاء الماضي، حين انفجرت مسيّرة مجهولة في احتفال عسكري بحضور الرجل، ما أدى إلى مقتل عدد من الضباط الذين كان يشرف على تخرجهم.

واستبعد المحلل السياسي حاتم الياس استقالة البرهان، بقوله: «البرهان لن يستقيل، فهو متمسك بمنصبه جداً، وهو للحفاظ عليه، نفّذ انقلابين: الأول بعد فض اعتصام القيادة، والثاني انقلابه على الحكومة الشرعية برئاسة عبد الله حمدوك، ثم أشعل حرباً من أجل ذلك».

وعزا حديث مساعد القائد العام العطا إلى «رغبة دفينة عند الرجل نفسه، أو تعبير عن صوت الإسلاميين الذين شرعوا في التقليل من البرهان، رغم إعلانهم تأييد الجيش». وتابع: «ربما يكون العطا قد انتزع الحديث من سياقه، تعبيراً عن صراع ومطامع بين أفراد الطاقم العسكري»، واستطرد: «الإعلان بهذه الطريقة يحمل رسالة تهديد للبرهان، ويعبر عن شهية العطا القوية ليحل محله... البرهان الذي أحرق البلاد من أجل منصبه، لن يستقيل بهذه السهولة».

صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

واعتبر الياس أن «ما يخرج من تصريحات من العسكر يعبر عن تخبطهم الناتج عن ضعف قدراتهم في إدارة الدولة والجيش معاً... فشلوا في إدارة الدولة، وفشلوا في مهمتهم الأساسية والمهام العسكرية التي أعدوا لها أصلاً».

أما الكاتبة الصحافية أماني أبو سليم، فترى أن «البرهان غير جاد في التنحي، وهناك شواهد كثيرة تثبت تمسكه بالسلطة»، وتتابع: «ولو أراد التنحي فعلاً لما مرر الأمر وسط حديث العطا»، وتقطع بأن ذلك محاولة لـ«جس نبض الشارع، من خلال رد الفعل».

وقالت: «يبدو أن استبدال خطاب جديد عن القبول بالتفاوض ووقف الحرب، بالخطاب القديم، يحتاج لأدوات جديدة سيعتمدونها بعد قراءة رأي الشارع... كما يبدو أن أمر المسيّرة، وتمرير الرغبة في الاستقالة، هما من حيل تهيئة الشارع للخطاب الجديد».


مقالات ذات صلة

طيران الجيش السوداني يستهدف «معسكر زمزم» للنازحين

شمال افريقيا مشهد آخر من مخيم زمزم (رويترز)

طيران الجيش السوداني يستهدف «معسكر زمزم» للنازحين

قال شهود إن الطائرات الحربية التابعة للجيش السوداني شنّت، ليل الأحد – الاثنين، ضربات قوية على معسكر زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور (غرب السودان).

محمد أمين ياسين (ود مدني (السودان))
شمال افريقيا طفل على هضبة مشرفة على مخيم للاجئين الفارين من المعارك في السودان قرب الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)

هل يفاوض الجيش السوداني «الدعم السريع»؟

عدّ الحاكم السابق لولاية كسلا، صالح عمار، الذهاب لمحادثات جنيف وإجابة المبادرة الأميركية، تعبيراً عن «حاجة وأمنيات الشعب السوداني».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عنصر من الجيش السوداني يمرّ بين منازل متضررة جراء الحرب في مدينة أم درمان بالخرطوم (أرشيفية - رويترز)

الجيش السوداني يتحدث عن تقدم في جبهات القتال بأم درمان

هذا أول تقدم يُذكر للجيش السوداني والقوات الموالية له في أم درمان، بعد أكثر من 6 أشهر من استعادته مقر الإذاعة والتلفزيون الواقع في الأحياء القديمة شرق المدينة.

محمد أمين ياسين (ود مدني - السودان)
شمال افريقيا 
طابور للحصول على الطعام من مساعدات الصليب الأحمر في مخيم أدري التشادي (رويترز)

مطالبة أممية بإغاثة فورية للسودان

كشفت حصيلةٌ أعدتها «منسقية النازحين» (مستقلة) وفاة ما بين 20 إلى 25 شخصاً في معسكرات اللجوء بدارفور (غرب السودان) بنقص الغذاء، فيما أعلنتِ الأممُ المتحدة.

محمد أمين ياسين (ود مدني)
شمال افريقيا لاجئون سودانيون بمخيم «زمزم» خارج مدينة الفاشر في دارفور (أرشيفية - أ.ب)

تحذيرات دولية جديدة من «مجاعة حادة» تضرب ولايات السودان

يتوفى يومياً ما بين 20 و25 شخصاً في معسكرات اللجوء بدارفور (غرب السودان) بنقص الغذاء، وفق حصيلة كشفتها المنسقية العامة للنازحين واللاجئين

محمد أمين ياسين (ودمدني السودان)

مصدر مصري رفيع ينفي ادعاءات إسرائيل بوجود أنفاق عاملة عبر الحدود مع غزة

جانب من الحدود بين مصر وقطاع غزة، في جنوب قطاع غزة، 14 يناير 2018 (رويترز)
جانب من الحدود بين مصر وقطاع غزة، في جنوب قطاع غزة، 14 يناير 2018 (رويترز)
TT

مصدر مصري رفيع ينفي ادعاءات إسرائيل بوجود أنفاق عاملة عبر الحدود مع غزة

جانب من الحدود بين مصر وقطاع غزة، في جنوب قطاع غزة، 14 يناير 2018 (رويترز)
جانب من الحدود بين مصر وقطاع غزة، في جنوب قطاع غزة، 14 يناير 2018 (رويترز)

نفى مصدر مصري رفيع المستوى، اليوم الاثنين، ما تتداوله وسائل إعلام إسرائيلية حول وجود أنفاق عاملة بين مصر وقطاع غزة.

وشدد المصدر لقناة «القاهرة الإخبارية» على أن ما يتردد هو هروب لإسرائيل من إخفاقها في القطاع، مؤكداً أن فشل إسرائيل في تحقيق إنجاز بغزة يدفعها لبث ادعاءات حول وجود أنفاق لتبرير استمرار عدوانها على القطاع.

وقال المصدر إن إسرائيل لم تقدم أدلة على وجود أنفاق عاملة على حدود القطاع، مؤكداً أنها تستغل الأنفاق المغلقة بغزة لبث ادعاءات مغلوطة لتحقيق أهداف سياسية.

وأكدت مصر لكل الأطراف موقفها الثابت والقائم على عدم فتح معبر رفح طالما بقيت السيطرة الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني منه، محملة الجانب الإسرائيلي مسؤولية النتائج المترتبة على هذا الإغلاق، وتفاقم الأوضاع الإنسانية بقطاع غزة.

واستمرت اتصالات مصر مع مختلف الأطراف، خصوصاً إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وحركة «حماس»، للحفاظ على مسار المفاوضات الجارية، وتجنب التصعيد، وهي مستمرة في هذا الجهد حتى يصبح اتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار واقعاً على الأرض.

وسبق أن نفت مصر مراراً اتهامات مسؤولين إسرائيليين حول وجود عمليات لتهريب الأسلحة والذخائر ومكوناتها إلى قطاع غزة من مصر بعدة طرق منها أنفاق عبر حدودها مع القطاع.