توسّعت هوّة الخلافات بين مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا، بعد إقرار الأول منفرداً مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2024، في حين سيطرت حالة من التوتر على مدينة الزاوية (غرب ليبيا)، إثر عملية خطف متبادلة لعناصر من تشكيلين مسلحين، وإطلاق النار على مواطن؛ ما أعاد عملية التحشيد العسكري بالمدينة.
واتسعت الفجوة ثانية بين رئيسي مجلسي النواب عقيلة صالح، و«الأعلى للدولة» محمد تكالة، وبدا أنها إلى صدام وخلاف أعمق، بعد رفض الأخير، اليوم (الخميس)، موافقة مجلس النواب على مشروع قانون «الموازنة العامة» للعام الحالي، متخذاً منحى تصعيدياً بدعوة كل ذي مصلحة إلى الطعن عليه.
وتُعد هذه الموازنة، التي سبق أن تقدّمت بها حكومة أسامة حمّاد المكلفة من البرلمان، بأنها «غير مسبوقة في تاريخ ليبيا»، إذ قُدّرت بـ179 مليار دينار، بعدما أُضيفت إليها مخصصات تقارب 89 مليار دينار (الدولار الأميركي يساوي 4.84 دينار في السوق الرسمية).
وكان مجلس النواب قد عقد جلسة، أمس (الأربعاء)، لإقرار مشروع قانون الموازنة، خلّفت حالة من الجدل والتباين والتشكيك بين النواب أنفسهم في النصاب القانوني لإقراره، وعلى أثر ذلك قال «المجلس الأعلى» إن رئيسه تكالة وجه خطاباً إلى صالح بشأن «الرفض التام لكل ما قرره مجلس النواب في جلسته».
ويُفترض أن يلتقي صالح وتكالة مرة ثانية، بالإضافة إلى محمد المنفي رئيس «المجلس الرئاسي»، منتصف الشهر الجاري في جامعة الدول العربية بالقاهرة؛ لبحث آخر العراقيل التي تحول دون إجراء الانتخابات العامة.
وقال تكالة، في خطابه، إن جلسة البرلمان التي أُقرت فيها الموازنة «شهدت مخالفات جسيمة ومتعددة»، عبّر عنها أعضاء مجلس النواب أنفسهم عبر وسائط إعلامية مختلفة، «وهي في مجملها عيوب تنحدر بما صدر عن مجلس النواب من أعمال في تلك الجلسة إلى درجة تصل بها لحد الانعدام».
ورأى تكالة أن مجلس النواب «لم يلتزم بإحالة مشروع قانون الموازنة إلى المجلس الأعلى للدولة، لإبداء الرأي الملزم بشأنه، وفقاً لما تحدّد بنصوص الاتفاق السياسي الليبي بـمدينة الصخيرات» المغربية.
وصعّد تكالة من انتقاده البرلمان، قائلاً إنه «تمادى في تجاوزاته واتخاذه إجراءات وترتيبات تخصّ إدارة الشأن العام بإرادته المنفردة»، ورأى أن ذلك «لن يقود ليبيا إلا إلى مزيد من الانقسام والهدر للموارد والمقدرات العامة».
والموازنة مخصصة لحكومة حماد، التي تتخذ من بنغازي مقراً لها، والتي تولّت السلطة في مارس (آذار) 2023، وهذه الحكومة متحالفة مع القائد العام لـ«الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، الذي يسيطر على الشرق ومناطق كبيرة في جنوب ليبيا.
وحذّر تكالة «من خطورة هذا المال وتداعياته»، محمّلاً «القائمين عليه والمشاركين فيه المسؤولية عن آثاره السلبية على المجتمع ومستقبل ليبيا».
وتمسّك «برفض الجلسة، وعدم الاعتداد بكل ما ورد بها؛ وعدها غير ذات أثر قانوني، لعدم استيفائها قواعد إقرار قانون الموازنة، طبقاً للتشريعات النافذة».
وسبق أن طلب تكالة من صالح إحالة مشروع قانون الموازنة العامة إلى مجلس الدولة لدراسته وموافاته بالرأي حياله، متوعداً برفض القانون والطعن عليه، حال إقراره دون التشاور مع مجلسه، وفقاً لما نصّ عليه «اتفاق الصخيرات».
وبخصوص الموازنة المقدرة بقيمة 179 مليار دينار، قال مجلس النواب إنه يُضاف إليها مخصص بنحو 88 مليار دينار. وبينما التزمت حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس الصمت حيال مشروع الموازنة، رحّبت غريمتها في شرق ليبيا بإقرار الموازنة، التي سبق أن تقدّمت بها إلى البرلمان.
وقال حماد، في تعقيبه، إن هذه الموازنة «موحدة لكامل التراب الليبي، وسبق أن ناقشتها باستفاضة في جلسات سابقة، وأخذت في الاعتبار الملاحظات المطلوبة كافّة»، مؤكداً أن اعتماد ميزانية عامة موحدة لكامل التراب الليبي «إنجاز عظيم»، وأن قانون الميزانية «سيعزّز مبدأ الشفافية في الإنفاق العام، ووفقاً للقانون المالي للدولة».
وعقد أعضاء لجنة إعداد وهيكلة الموازنة العامة بحكومة حماد مؤتمراً صحافياً، مساء (الأربعاء)، لشرح أبرز مراحل إعدادها والجهات المشاركة فيها.
وكان محمد المنفي، رئيس «المجلس الرئاسي»، قد سعى مبكراً لاحتواء هذا التصعيد بتحديد «ثلاثة اشتراطات دستورية متلازمة لإقرار قانون الموازنة العامة»، مفصلاً ذلك بضرورة وجود مقترح مشروع للقانون مقدم للاختصاص من السلطة التنفيذية، وبعدها «تشاور ملزم مع المجلس الأعلى للدولة»، ثم «موافقة 120 من النواب».
ونقلت وسائل إعلام محلية أن جلسة إقرار مشروع القانون حضرها قرابة 45 نائباً فقط، ووصف النائب سالم القنيدي، في مداخلة لفضائية «الوسط»، هذا الأمر بأنه «تلاعب من رئيس مجلس النواب، ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير بمقدرات الليبيين»، في إشارة إلى لقائهما بالقاهرة بعد ثلاثة أيام من إقراره.
في شأن آخر، وفي إعادة إلى أجواء الاحتقان والتوتر الأمني بالزاوية، ألقت عملية استهداف المواطن شهاب العكرشي بوابل من الرصاص أمام المارة وفي وضح النهار بظلالها القاتمة على الحياة في المدينة، وسط مطالبات المواطنين السلطات بضرورة تفكيك الميليشيات وسحب أسلحتها.
وتداولت وسائل إعلام محلية، وشهود عيان، مساء (الأربعاء)، مقطع فيديو يُظهر إقدام مجموعة مسلحة على محاصرة سيارة وإمطارها بوابل من الرصاص، مشيرين إلى أن المستهدف ينتمي إلى قبيلة «أولاد صقر». وتشير التقارير إلى أنه نجا من القتل، لكن حالته خطيرة.
وشهدت الزاوية خلال الساعات الماضية عمليات خطف متبادلة بين «ميليشيات محمد بحرون»، آمر «قوة الإسناد» والشهير بـ«الفار»، وبين «ميليشيات محمد كشلاف»، الشهير بـ«القصب».
في غضون ذلك، قالت المبعوث الأممية بالإنابة في ليبيا، ستيفاني خوري، إنها عقدت «اجتماعاً مثمراً» مع عماد الطرابلسي وزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة»، وناقشت معه «الوضع الأمني في طرابلس وخارجها»، بالإضافة إلى بحث قدرات الشرطة واحتياجاتها، والاستعدادات لتأمين الانتخابات، ومعالجة التحديات التي تطرحها الهجرة وضرورة احترام حقوق الإنسان.