بسبب توالي سنوات الجفاف... تونسيون يكافحون من أجل تأمين الماء لأسرهم

البلاد تحتل المرتبة الـ33 عالمياً من بين أكثر الدول التي تعاني الإجهاد المائي

نساء قرية السبيخة يقطعن مسافات طويلة كل يوم للحصول على مياه غير صالحة للشرب (أ.ف.ب)
نساء قرية السبيخة يقطعن مسافات طويلة كل يوم للحصول على مياه غير صالحة للشرب (أ.ف.ب)
TT

بسبب توالي سنوات الجفاف... تونسيون يكافحون من أجل تأمين الماء لأسرهم

نساء قرية السبيخة يقطعن مسافات طويلة كل يوم للحصول على مياه غير صالحة للشرب (أ.ف.ب)
نساء قرية السبيخة يقطعن مسافات طويلة كل يوم للحصول على مياه غير صالحة للشرب (أ.ف.ب)

تقف مجموعة من النساء الريفيات بوجوه شاحبة أمام مسجد في قرية بوسط تونس تحت أشعة شمس الصيف الحارقة، بالقرب من أحد آخر مصادر المياه المتاحة في قريتهن، هو أساساً مجرد خرطوم بلاستيكي مخصص لريّ المحاصيل الزراعية. تصف النساء دِلاء الماء الفارغة بانتظار عودة تدفق المياه من الخرطوم، الذي يضخ في غالب الأوقات مياهاً غير صالحة للشرب في بلدة السبيخة، الواقعة قرب مدينة القيروان التاريخية.

سيدتان من قرية السبيخة تنتظران دوريهما للحصول على المياه التي تؤمنها البئر الوحيدة في القرية (أ.ف.ب)

تقول إحدى هؤلاء النساء، تُدعى ربح الساكت (56 عاماً): «نعيش في منطقة مهمّشة. نحتاج فقط إلى شيء نشربه». وغالباً ما تسجل في المنطقة خلال الصيف حرارة تناهز في بعض الأحيان 50 درجة. وغالبية المناطق الحضرية مربوطة بشبكة المياه الحكومية في البلاد، التي لا تصل إلا إلى نصف المناطق الريفية والزراعية.

ووفق تقارير رسمية، فإن تونس باتت تعد الدولة الخامسة في العالم الأكثر عرضة لخطر الجفاف المتزايد، بعد أن شهدت 6 سنوات من الجفاف خلال العقد الماضي، ونقص المياه، وفق آخر تقرير صادر في شهر مارس (آذار) 2024 عن «المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية».

يعاني قطاع الزراعة في السبيخة مشاكل كثيرة بسبب قلة المياه ما يؤثر على جودة المنتج الفلاحي (أ.ف.ب)

وكانت قرية السبيخة الصغيرة، التي تسكنها نحو 250 أسرة، والواقعة على بُعد نحو 30 كيلومتراً شمال محافظة القيروان، تضم بئراً واحدة من الآبار، التي أنشأتها الجمعيات الزراعية المحلية العاملة تحت إشراف وزارة الزراعة.

مياه آبار ملوثة

لكن في سنة 2018، أغلقت هذه البئر الوحيدة بسبب تراكم الديون، وعدم دفع فواتير الكهرباء، وهي مشكلة مشتركة بين الجمعيات. وبوصفها نتيجة لذلك، بات سكان المنطقة من دون مضخات لاستخراج المياه منذ 6 سنوات، ومنذ ذلك الحين، باتت العائلات تعتمد على الآبار، التي حفرها المزارعون المحليون لريّ أراضيهم ومحاصيلهم. ومن جهتها، رفضت السلطات الزراعية منح أي ترخيص لاستعمال هذه الآبار، التي غالباً ما تضخ مياهاً غير صالحة للشرب.

تقطع نساء قرية السبيخة كل يوم عشرات الأميال لتأمين حاجيات أسرهن من المياه (أ.ف.ب)

يقول علي كمّون (57 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وهو يشير إلى ندبة طويلة في بطنه، إنه أجرى عمليتين جراحيتين بسبب أمراض تنتقل عن طريق المياه الملوثة. في حين قالت جارته ليلى بن عرفة: «نصفنا يعاني مشاكل في الكلى... المياه ملوثة، لكن علينا أن نشربها». وتضيف المرأة البالغة 52 عاماً، إنها ونساء أخريات «نحمل الدلاء البلاستيكية على ظهورنا، لأنه حتى حميرنا نفقت من العطش». وتحتل تونس، التي تمر بعامها السادس من الجفاف المتواصل، المرتبة الـ33 عالمياً من بين أكثر الدول التي تعاني الإجهاد المائي في العالم، وفقاً لـ«معهد الموارد العالمية» الأميركي. وبحلول العام 2030، ستصبح منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دون عتبة «ندرة المياه المطلقة»، البالغة 500 متر مكعب سنوياً للفرد الواحد، وفقاً للبنك الدولي، وهذه العتبة دون 450 متراً مكعباً للفرد تعيشها تونس من الآن.

وفي حين يؤثر الجفاف وارتفاع درجات الحرارة على المنطقة ككل، فإن تداعياتها مضاعفة على السكان في المناطق الريفية؛ إذ تكون معدلات الفقر أعلى عموماً، وحيث الحصول على المياه أصعب. علماً بأن أكثر من 650 ألفاً من سكان الأرياف التونسية يعيشون من دون مياه جارية في المنزل، ويقطن نصفهم تقريباً بعيداً عن مصدر مياه، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة صدر العام 2023.

تؤكد نساء قرية السبيخة نفوق عشرات الحمير التي يستعملنها لنقل المياه بسبب توالي سنوات الجفاف والعطش (أ.ف.ب)

ويضيف كمّون، وهو مزارع يبلغ 26 عاماً، ويجهد لتقاسم مياه بئره مع بعض العائلات: «نحن بحاجة إلى إيجاد حلّ. هذا الوضع غير قابل للاستمرار». وأظهرت دراسة للمرصد الزراعي الوطني (حكومي)، أن طبقات المياه الجوفية العميقة في تونس تستغل بنسبة 150 في المائة. وقد تظاهر السكان، وأغلقوا الطرق، واشتكوا عدة مرات، ولكن دون جدوى. وتفيد منيارة المجبري، عن منظمة «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» بأن الاجتماعات لحل المشكلة في مكتب المحافظ تعقد على مدار السنة، لكن من دون الوصول إلى حلول... واليوم نحن في الدوّامة نفسها، في الحلقة المفرغة نفسها، مع المشاكل نفسها».

نزوح بسبب الجفاف

يؤكد سيف النفاتي، البالغ 34 عاماً، الذي يحاول من خلال نشاطه في المنظمات إيجاد حلّ للأزمة، أن إدارة المحافظة «أكدت حدوث ربط بقنوات مياه الشرب، وقالوا لنا إذا تظاهرنا علينا أن نتحمل تبعات ذلك، لأن الحرس الوطني (الشرطة) سوف يعتقلنا». وبعد طول انتظار نفد صبر الكثير من الأهالي، واضطروا للنزوح وترك القرية، على ما يوضح. ومن بين هؤلاء رؤوف، شقيق سيف الذي يُقيم الآن في مدينة الحمّامات الساحلية، على بعد حوالي 110 كيلومترات شرق القيروان، ويعمل في قطاع السياحة.

سيدة من قرية السبيخة تروي عطشها بعد انتظار طويل أمام البئر لملء دلائها (أ.ف.ب)

يقول المزارع صالح همّادي (55 عاماً): «ما لا يقل عن 150 عائلة غادرت» من السبيخة بسبب نقص المياه «لقد غادر معظم شبابنا أيضاً، تاركين كبارهم بمفردهم». ويختم المزارع متسائلاً: «لماذا تتواصل هذه المشكلة في العام 2024؟ ولماذا يتواصل عطشنا؟».



مصر تُسرّع إجراءات تعويضات أهالي منطقة «رأس الحكمة»

مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)
مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تُسرّع إجراءات تعويضات أهالي منطقة «رأس الحكمة»

مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)
مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

تُسرّع الحكومة المصرية من «إجراءات تعويض أهالي منطقة (رأس الحكمة)، الواقعة في محافظة مرسى مطروح (شمال البلاد)»، لتتمكن من تسلُّم أراضي المرحلة الأولى المخصصة للمشروع المشترك بين مصر والإمارات، الذي يستهدف تنمية وتطوير المنطقة.

ووجّه رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، السبت، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، شريف الشربيني، بمتابعة موقف تعويضات الأهالي والتعاون مع محافظة مرسى مطروح والجهات المعنية الأخرى «لسرعة الانتهاء من هذا الملف». وأكد مدبولي خلال جولة له بمدينة العلمين (شمال مصر)، السبت، أنه «لا بديل عن الالتزام بالمواعيد المحددة لبدء المرحلة الأولى من المشروع».

ووقّعت مصر اتفاقاً لتطوير وتنمية مدينة «رأس الحكمة» بشراكة إماراتية، في فبراير (شباط) الماضي، بـ«استثمارات قدرت بنحو 150 مليار دولار خلال مدة المشروع»، (الدولار الأميركي يساوي 48.30 جنيه في البنوك المصرية).

وذكر مدبولي خلال توقيع الاتفاق أن مدينة رأس الحكمة الجديدة ستقام على مساحة 170.8 مليون متر مربع، وستوفر كثيراً من فرص العمل، معتبراً أن مثل هذه النوعية من المشروعات «يمكنها المساهمة في تحقيق حلم مصر لجذب 40 أو 50 مليون سائح». ووفق إحصاءات سابقة لوزارة السياحة والآثار المصرية فإن «نحو 14.9 مليون سائح زاروا مصر العام الماضي».

وقال مدبولي في وقت سابق إن «مشروع تنمية وتطوير رأس الحكمة»، يعد أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر. وشدد حينها على أن المشروع «شراكة استثمارية وليس بيع أصول».

رئيس الوزراء المصري ووزير الإسكان خلال زيارة "العلمين الجديدة" (مجلس الوزراء المصري)

في غضون ذلك، عقد رئيس مجلس الوزراء المصري، السبت، عقب جولته بمدينة العلمين الجديدة، اجتماعاً مع عدد من المسؤولين، أكد خلاله «أهمية المشروعات الجاري تنفيذها في الساحل الشمالي». وقال إنها «تضع مصر على خريطة الاستثمار والسياحة العالمية»، مشيراً إلى أنه «إلى جانب المشروعات المهمة، التي يجري تنفيذها في مدينة العلمين الجديدة، فقد بدأ العمل الجاد تمهيداً للمرحلة الأولى من مشروع رأس الحكمة، الجاري تنفيذه بشراكة مصرية-إماراتية». ووصف مدبولي المشروع بأنه «متوقع أن يدر على الاقتصاد المصري موارد دولارية ضخمة خلال فترتي الإنشاء والتشغيل».

وكان المشروع قد جرى توقيعه في وقت شهدت مصر خلاله «فجوة دولارية». واعتبر خبراء ومراقبون وقتها (أي قبل تحرير سعر صرف الجنيه في مارس/ آذار الماضي) أن الحكومة تحتاج إلى «حلول عاجلة» لإحداث توازن بين السعر الحقيقي للجنيه، والسعر المتداول للدولار في «السوق السوداء».

مخطط مدينة "رأس الحكمة" (موقع خريطة مشروعات مصر)

من جانبه، استعرض وزير الإسكان المصري خلال الاجتماع مع مدبولي «ملف التعويضات» التي سيتم تقديمها للأهالي في منطقة رأس الحكمة، تمهيداً لتسليم أراضي المرحلة الأولى للجانب الإماراتي، لبدء تنفيذ المشروع. وأكد الوزير المصري أن التنسيق مع الجانب الإماراتي «يجري بشكل متسارع من أجل تسليم أراضي المرحلة الأولى». وعرض الوزير أيضاً الموقف التخطيطي لمشروع «السكن البديل لأهالي منطقة رأس الحكمة»، لافتاً إلى أن هذا المشروع «سيتم تنفيذه بما يلائم تطلعات سكان المنطقة».

وكانت الشركة «القابضة» الإماراتية (ADQ) قد ذكرت في وقت سابق أن مشروع تطوير منطقة رأس الحكمة «يستهدف ترسيخ مكانة رأس الحكمة بوصفها وجهة رائدة لقضاء العطلات على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ومركزاً مالياً، ومنطقة حرة مجهزة ببنية تحتية عالمية المستوى لتعزيز إمكانات النمو الاقتصادي والسياحي في مصر»، وفق بيان لـ«وكالة الأنباء الإماراتية».