آبي أحمد في بورتسودان رغم توتر علاقاته بقيادة الجيش السوداني

هل تفعلها إثيوبيا مجدداً وتنجح في التوسط بين الطرفين المتحاربين؟!

مصافحة قبل المحادثات (مجلس السيادة السوداني)
مصافحة قبل المحادثات (مجلس السيادة السوداني)
TT

آبي أحمد في بورتسودان رغم توتر علاقاته بقيادة الجيش السوداني

مصافحة قبل المحادثات (مجلس السيادة السوداني)
مصافحة قبل المحادثات (مجلس السيادة السوداني)

فاجأ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد المراقبين بزيارته للعاصمة السودانية البديلة بورتسودان، وعقد جلسة مباحثات مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، برغم «التوتر المكتوم» الذي شاب علاقة البلدين منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023 الماضي، واتهامات الجيش للرجل بالانحياز لقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتوترات التي صاحبت استضافته للقوى المدنية الرافضة للحرب، وعدّها ظهيراً لـ«الدعم السريع».

وتضخم التوتر عقب الاستقبال الرسمي الذي نظمته أديس أبابا لـ«حميدتي»، وتلميحات القادة العسكريين السودانيين بتواطؤ «علني» ضد الجيش، خصوصاً بعد تصريحات دعا فيها للتدخل لوقف الحرب، وذلك بعد أيام قليلة من تذكير الرجل باستغلال «الجيش السوداني» انشغال بلاده بالحرب ضد «جبهة تحرير التيغراي»، ومهاجمة قواته في منطقة الفشقة السودانية.

فمنذ انتصار الثورة السودانية في أبريل 2019، لعبت إثيوبيا ورئيس الوزراء آبي أحمد على وجه الخصوص، دوراً مهماً في توصل الجيش وقوى إعلان الحرية والتغيير لتوقيع اتفاق «الوثيقة الدستورية»، ورغم أن الزيارة مغلفة «رسمياً» بالعلاقات الثنائية، فإن كثيراً من المراقبين يرى أنها لن تتجاهل الحرب، لا سيما أنها قد اقتربت من الحدود السودانية - الإثيوبية، مع تسريبات بأن كلا الطرفين يستعين بـ«قوات إثيوبية» في حربه ضد الآخر.

ويتذكر الكل الدموع الجياشة التي سالت من عيني مبعوث الرئيس الإثيوبي الخاص السفير محمود درير، عقب توقيع الوثيقة الدستورية بين «تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير» وقادة المجلس العسكري الانتقالي في 17 يوليو (تموز) 2019، ونصت على تقاسم السلطة بين الطرفين، والتي أنهت التوتر الخطير الذي عاشته البلاد عقب جريمة ومجزرة فض «اعتصام القيادة العامة» في 3 يونيو (حزيران) 2019.

جاءت الوساطة الإثيوبية عقب توتر الأوضاع في السودان جراء استخدام الجيش عنفاً مفرطاً ضد المعتصمين السلميين راح ضحيته العشرات بين قتيل وجريح، ومورست خلاله انتهاكات جسيمة وعمليات اغتصاب للجنسين، وتوقف نتيجة لها التفاوض مع قادة الثوار وقتها «الحرية والتغيير».

وأعلن البرهان في «بيان عسكري» عدم العودة للتفاوض وتشكيل حكومة انتقالية بقيادته تحكم البلاد لـ6 أشهر تعقبها انتخابات رئاسية ونيابية، ما عدّ «انقلاباً عسكرياً» على قوى الثورة التي أعلنت هي الأخرى وقف التفاوض مع الانقلابيين.

مبادرة آبي أحمد

أفلح آبي أحمد الذي وصل إلى البلاد يحمل مبادرة تقاسم السلطة في إعادة الطرفين لمائدة التفاوض مجدداً، وفوض سفيره محمود درير مبعوثاً خاصاً له، للتوسط بين الطرفين حتى توقيع الوثيقة الدستورية في 17 يوليو 2019.

وعقب انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، توترت العلاقات بين السودان وإثيوبيا، وبلغ التوتر ذروته إبان القتال بين القوات الفيدرالية الإثيوبية وقوات «جبهة تحرير التيغراي»، وفي 6 ديسمبر (كانون الأول) 2020، أعلن الجيش السوداني استرداد منطقة الفشقة السودانية التي كانت تسيطر عليها القوات الإثيوبية، مستغلاً انشغال الجيش الإثيوبي بحربه مع قوات التيغراي، وهو ما عدّته الحكومة الإثيوبية «طعنة خلفية».

البرهان وآبي أحمد في بورتسودان (مجلس السيادة السوداني)

وأشار الرئيس آبي أحمد في حديث لبرلمان بلاده 4 يوليو الحالي إلى ما سماه «انتهاز» الجيش السوداني لانشغاله بحربه الداخلية للاستيلاء على الفشقة، بقوله إن بلاده «أخلاقياً» لن تستغل الصراع في السودان لاستعادة «أراضيها» مثلما فعلت الحكومة السودانية، على الرغم من قدرة جيشه على فعل ذلك خلال ساعات، مؤكداً الوقوف على الحياد بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، ومساندة الطرفين للعودة لطاولة الحوار وإنهاء الحرب.

وتوترت العلاقات بين الجيش السوداني وإثيوبيا بشدة، إثر استقبال إثيوبيا لقائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) في 28 ديسمبر 2023، أجرى خلالها مباحثات مع آبي أحمد، وهو ما عدّته حكومة بورتسودان انحيازاً لقوات «الدعم السريع» توترت على أثره علاقات البلدين بشكل لافت، فبينما ظلت القيادة الإثيوبية تعلن موقفها الداعي للسلام، فإن بورتسودان ظلت تنظر للموقف الإثيوبي «شذراً».

البرهان وآبي أحمد (مجلس السيادة السوداني)

و«زاد الطين بلة» باستضافة أديس أبابا تحالف إعلان قوى الحرية والتغيير، ولاحقاً التحالف المدني الرافض للحرب تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، ما أدى لرفض السودان قرارات الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (إيغاد) التي تحظى إثيوبيا فيها بنفوذ كبير.

وعدّ الجيش السوداني تصريحات آبي أحمد التي أعقبت قمة «إيغاد» الخاصة بالسودان في يوليو 2023، التي قال فيها إن السودان يعاني فراغاً في القيادة، ودعوته لإجراءات فورية تتضمن فرض منطقة حظر طيران ونزع المدفعية الثقيلة، موالاة صريحة لقوات «الدعم السريع» التي لا تملك سلاح طيران، بيد أن السودان لم يقطع علاقته بأديس أبابا.

هل يفعلها؟

ورغم التقاطعات الكثيرة بين «حكومة الأمر الواقع» السودانية، والحكومة الإثيوبية، فاجأ آبي أحمد الجميع بزيارة بورتسودان والتقاء البرهان، فهل يفعلها الرجل مرة أخرى ويعيد الجيش قوات «الدعم السريع» لمائدة التفاوض وإنهاء الحرب مثلما فعل في 2019؟


مقالات ذات صلة

حكومة موازية لـ«الدعم السريع» في الخرطوم

شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

حكومة موازية لـ«الدعم السريع» في الخرطوم

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيلَ إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد 19 شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد تسعة عشر شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

صحيفة سودانية: «الدعم السريع» تشكل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم

أفادت صحيفة «سودان تريبيون»، اليوم (الجمعة)، بأن «قوات الدعم السريع» أعلنت تشكيل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

وزير الخارجية الفرنسي: «الأزمة الإنسانية في السودان تعد الأكبر في زمننا، والتدخلات الخارجية في الحرب الدائرة يجب أن تتوقف».

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا سودانيون فروا من العنف المتصاعد بولاية الجزيرة يستريحون في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

«الخارجية الفرنسية» تحث طرفي الحرب في السودان على وقف القتال

حثّ وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الذي زار مخيمات لاجئين سودانيين في تشاد، الخميس، طرفي النزاع بالسودان على وقف الأعمال القتالية والدخول في مفاوضات.

«الشرق الأوسط» (أدري (تشاد))

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
TT

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

فتح تقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2023، الذي تم تسريبه قبل صدوره رسمياً، باباً جديداً من الانتقادات الموجهة للسلطة التنفيذية في طرابلس والمؤسسات التابعة لها، بعدما كشف عن «وقائع فساد»، وسط مطالب سياسية ومجتمعية بفتح تحقيق فيما تضمنه من تجاوزات.

وتنوعت أشكال الإنفاق و«التجاوزات المالية»، التي أوردها تقرير الديوان، الذي يعدّ أكبر جهاز رقابي في ليبيا، بين رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات الليبية لـ3478 موظفاً، منهم 1923 دبلوماسياً، و1555 عمالة محلية، والإنفاق ببذخ على شراء سيارات فارهة للمسؤولين، واستئجار طائرات خاصة.

المنفي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي الليبي)

وأفاد التقرير بأن رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات وصل إلى 1.5 مليار دينار. (الدولار يساوي 4.8 دينار في السوق الرسمية)، كما أظهر تخصيص قرابة 50 مليون دينار لبند «سيارات»، وقرابة نصف مليار دينار للتدريب ضمن نفقات المؤسسة الوطنية للنفط.

ورغم ما كشف عنه التقرير من «تجاوزات مالية» أثارت حفيظة جل الليبيين الذين يعانون في صرف رواتبهم الشهرية، فقد قال عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة: «ما نتوقعه من فساد وهدر للمال العام أكبر مما ورد في تقرير ديوان المحاسبة».

شكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

كما رصد التقرير إنفاق نفقات بدل سكن موظفي ديوان مجلس الوزراء ما مجموعه 847 ألف دينار، وسداد الحكومة 316.44 ألف دينار مقابل حجوزات فندقية لفترات طويلة لأشخاص، دون توضيح صفاتهم أو تبعيتهم، إلى جانب صرف 717 ألف دينار لشركة (ر. ال) التموينية، مقابل خدمات إعاشة استمرت بالوتيرة نفسها حتى في شهر رمضان.

وأرجع أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ازدياد حجم التجاوزات المالية إلى «غياب المتابعة والمحاسبة، وشرعنة الأجسام التنفيذية من الخارج، والصرف بترتيبات مالية خارج قوانين الميزانية، وما إلى ذلك من انقسام وفوضى».

النائب العام المستشار الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)

ولم يستثن التقرير أي جهاز من الأجهزة الليبية، حيث رصد إنفاق 10 آلاف دولار مقابل إقامة وفود رئاسية لليلة الوحدة في جناح فندقي خلال زيارتها إلى نيويورك، رغم وجود مقر ليبي لضيافة الشخصيات المرموقة. كما تضمن التقرير صرف 720 ألف دينار، مقابل توفير طائرة لنقل نائب رئيس المجلس الرئاسي إلى دولة غينيا مؤخراً.

وأظهر التقرير أيضاً توسع حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في الإنفاق بشكل كبير، بداية من الصرف على «رحلات الطيران» قيمتها أكثر من مليوني ونصف مليون، وصولاً إلى إنفاقها 665 ألف دينار على «إحياء ليلة القدر» خلال شهر رمضان الماضي، بالإضافة إلى تخصيص نحو نصف مليون دينار لإقامة ندوة تتعلق بالانتخابات.

وقال الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد إمطيريد، إن هذه المخالفات ستتطلب إجراء تحقيقات موسعة ضد حكومة الدبيبة، متوقعاً أن يبدأ خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، في التحرك، وكذلك النائب العام المستشار الصديق الصور.

إمطيريد توقع أن يبدأ خالد المشري في التحرك للتحقيق في التجاوزات التي أبرزها التقرير (المكتب الإعلامي للمجلس)

ورأى إمطيريد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ظهور هذه التقارير عادة ما يستهدف إزاحة الحكومة، وهو ما يقصد به راهناً الدبيبة، وذكّر بالتقارير التي أصدرها الديوان في الأعوام السابقة ضد حكومة فائز السراج السابقة، والصديق الكبير، محافظ المصرف المركزي المقال.

ويعتقد إمطيريد أن الولايات المتحدة «تقف وراء صدور مثل هذه التقارير. وديوان المحاسبة يبدأ في الضغط عندما يأخذ الضوء الأخضر منها ومن لندن، ويعمل على تحقيق رغبات المجتمع الدولي بالضغط، الذي يكون ربما لإنهاء حالة الخمول السياسي في ليبيا، وتحقيق الاستقرار».

لكن «الديوان» استبق تلك الاتهامات، وحذر من «الانحراف بالتقرير عن مساره المهني والموضوعي، واستغلاله في الصراعات السياسية أو لتحقيق أغراض خاصة». ودافع عن نفسه قائلاً إنه يمارس مهامه، وفقاً للقانون والمعايير الدولية، وأوضح أنه يهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة في بيئة القطاع العام، ومعالجة أوجه عدم الالتزام، أو القصور والضعف في الأنظمة والسياسات المعمول بها، بما يضمن حسن إدارة المال العام وتوجيهه بالشكل الصحيح.

يشار إلى أن تقرير 2022 تضمن أيضاً «وقائع فساد» كثيرة، بداية من «اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية»، «والتوسع في إبرام عقود للتوريد»، بالإضافة إلى إنفاق الملايين على شراء سيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

وإلى جانب ما رصده التقرير من «تضخم الرواتب في وزارة الداخلية، والإسراف في التكليف المباشر والتعاقدات غير الضرورية»، تحدث أيضاً عن «سوء إدارة الموارد والمخصصات المالية في وزارة الدفاع»، بالإضافة إلى «الانحراف في توجيهها عن التوجيه السليم بما يخدم بناء وتنظيم المؤسسة العسكرية».

وأمام استفحال التجاوزات ووقائع الفساد، تساءل أوحيدة: «مَن سيحاسب من في ظل هذا النهب للمال العام؟».

وللعلم، فإن مكتب النائب العام فتح تحقيقات عديدة فيما تضمنه تقرير الديوان لعام 2022.