إذا كان مصير علاقة فرنسا بالجزائر واضحاً من جانب يمينها المتطرف، في حال حصد الأغلبية في الانتخابات بعد دورها الثاني المقرر، الأحد المقبل، فإن الغموض يكتنف الموقف الجزائري حيال سيناريو كهذا... كيف ستتعامل الجزائر مع فرنسا إذا مالت إلى أقصى اليمين؟
يبقى رجال السلطة في الجزائر مشدودين إلى «اللون السياسي» الذي ستلبسه فرنسا بعد أسبوع، خصوصاً أن الرئيس عبد المجيد تبون سيؤدي زيارة رسمية إلى باريس نهاية سبتمبر (أيلول) أو بداية أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي (حسب اتفاق بين العاصمتين جرى في أبريل الماضي)... وينتظر أن تنقل الزيارة العلاقات الثنائية إلى أفق جديد خالٍ من السجال التقليدي حول «آلام الاستعمار».
وتُطرح تساؤلات في الجزائر حول احتمال رؤية تبون جنباً إلى جنب مع رئيس حكومة من اليمين المتشدد، وهو يزور فرنسا، قياساً إلى الخصومة الشديدة التي يبديها رموز هذا الطيف السياسي تجاه الجزائر ومهاجريها.
وأمام حالة الترقب السائدة في البلاد، كتب أستاذ الاجتماع السياسي فيصل إزدارن، المقيم بفرنسا، على حسابه بوسائل التواصل الاجتماعي متسائلاً: «هل من حاذق في الخارجية أو الرئاسة (بالجزائر) بإمكانه اقتراح رؤية استشرافية و لو مقتضبة، تخص خريطة الطريق التي ستتبعها في علاقتها مع فرنسا في حال وصل اليمين المتطرف إلى الحكم؟».
أول ما تخشاه الجزائر هو أن ينفذ رموز اليمين المتطرف تهديدهم بإلغاء، أو إحداث مراجعة شاملة، لـ«اتفاق 27 ديسمبر (كانون الأول) 1968»، الذي ينظم مسائل الهجرة والإقامة والدراسة في الجامعات والعمل في فرنسا، بالنسبة للجزائريين.
فرئيس حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، جوردان بارديلا، الفائز في الجولة الأولى من الانتخابات، وعد بضرب أحد أسس هذا الاتفاق وهو «لمّ الشمل العائلي»، وذلك في إطار تعهدات أخرى أبرزها إلغاء «الحق في الأرض» بالنسبة لأبناء المهاجرين المولودين في فرنسا.
وكان حزب «الجمهوريون» (اليمين التقليدي)، قد أطلق، العام الماضي، مساعيَ في البرلمان الفرنسي لإبطال الاتفاق، لكنه عجز أمام تصدي كتلة النواب التابعة للرئيس إيمانويل ماكرون للمحاولة، كما يبدو مصير «ملف الذاكرة» غامضاً بسبب الحرص الذي يظهره اليمين المتطرف على «فرملة التنازلات» التي قدمها ماكرون، حسبه، للجزائر في هذا الجانب، ومنها سلسلة من الاعترافات بوقوع اغتيالات وانتهاكات بحق مناضلين خلال ثورة التحرير (1954 - 1962)، واعتراف بقتل عشرات المهاجرين الجزائريين ورميهم في نهر السين، خلال مظاهرات مشهودة مؤيدة للثورة في 17 أكتوبر 1961.
وكتب سفير فرنسا لدى الجزائر سابقاً غزافييه دريانكور، المرشح لتولي حقيبة «الخارجية» في حكومة يمينية متطرفة محتملة، مقالاً بصحيفة «لوفيغارو»، الجمعة الماضي، يعكس حسبه، مدى رفض الجزائر وقوع تغيير جذري في منظومة الحكم بفرنسا. إذ قال: «إن أسوأ احتمال بالنسبة للجزائر هو بالطبع سلطة نابعة من التجمع الوطني وجوردان بارديلا رئيساً للوزراء. في هذه الحالة، ستكون قفزة في المجهول للنظام الجزائري: محاورون مجهولون، وشباب لم يمارسوا السلطة من قبل، غير مطلعين على الجزائر ونظامها، ومقربون من الحراكيين (جزائريون تعاونوا مع الاحتلال ضد الثورة) ولم يؤدوا الزيارة التقليدية إلى الجزائر التي تسبق كل انتخابات فرنسية. كل ما تعرفه الجزائر عن جوردان بارديلا هو خطابه عن الهجرة، ووعده بإعادة التفاوض، أو إنهاء الاتفاقية الفرنسية - الجزائرية بشأن الهجرة لعام 1968».
ووفق دريانكور، صاحب كتاب «اللغز الجزائري»، «لا تحب الجزائر حالة عدم اليقين (السائدة حالياً بشأن وصول اليمين المتطرف إلى الحكم)، ولا يمكنها الترحيب بحدوث تغيُّر في باريس قد يقلل من قوة محاور تعودت عليها»، في إشارة ضمناً، إلى أن الجزائر لا تفضل أن يكون ماكرون ضعيفاً أمام أغلبية برلمانية من أقصى اليمين. مؤكداً أن الجزائر «تتدخل في النقاش السياسي الدائر بفرنسا بمناسبة الانتخابات، فقد أرسلت متحدثيها المعتادين إلى الجبهة من وسائل الإعلام والصحافيين القريبين أو الممولين من السلطة، ثم استدعت عميد مسجد باريس (الجزائري) على الفور إلى الجزائر، وكلفته بتحذير الناخبين الفرنسيين، من أصل جزائري، مما سمته الخطر الفاشي، والحنين إلى الجزائر الفرنسية، وفقاً للمصطلحات المستخدمة في الجزائر».