تنسيق أميركي - جزائري لـ«منع التدهور» في ليبيا

«حوار استراتيجي» شمل تهديدات الإرهاب في الساحل

هاريس في اجتماع مع كبار المسؤولين بالخارجية الجزائرية شهر سبتمبر 2023 (الخارجية الجزائرية)
هاريس في اجتماع مع كبار المسؤولين بالخارجية الجزائرية شهر سبتمبر 2023 (الخارجية الجزائرية)
TT

تنسيق أميركي - جزائري لـ«منع التدهور» في ليبيا

هاريس في اجتماع مع كبار المسؤولين بالخارجية الجزائرية شهر سبتمبر 2023 (الخارجية الجزائرية)
هاريس في اجتماع مع كبار المسؤولين بالخارجية الجزائرية شهر سبتمبر 2023 (الخارجية الجزائرية)

أطلقت الجزائر وواشنطن، مساعي لـ«منع ليبيا من الغرق في الصراع الداخلي»، وفق ما جاء على لسان جوشوا هاريس السفير الجديد للولايات المتحدة الأميركية لدى الجزائر، خلال «جلسة استماع» جرت الأحد في الكونغرس تناولت الأوضاع في ليبيا والسودان.

ونقلت مصادر صحافية عن هاريس، الذي سيتسلم منصبه الجديد بالجزائر قريباً خلفاً للسفيرة إليزابيث أوبين، أن البلدين «يعملان معاً على مستوى مجلس الأمن لتعزيز الأمن الإقليمي، من أجل إنهاء الصراع في السودان، ومنع ليبيا من الانزلاق أكثر في صراعها الداخلي»، مؤكداً أنهما «يعملان أيضاً على إرساء الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، التي تستهدفها قوى معادية تستغل نقاط الضعف في المنطقة»، في إشارة إلى التنظيمات المتطرفة التي تهدد الأمن في مالي والنيجر وبوركينافاسو، بشكل خاص.

وقال الدبلوماسي الأميركي عن نفسه، إنه عمل خلال العقد الماضي في السفارة الأميركية في ليبيا «لتمكين الليبيين من استعادة سيادتهم الوطنية»، وإن واشنطن والجزائر «تحافظان على حوار مثمر».

سفير الجزائر في واشنطن مع السفير الأميركي الجديد لدى الجزائر يناير 2024 (السفارة الجزائرية)

يُشار إلى أن هاريس، كان يشغل منصب نائب وزير خارجية مكلف بشمال أفريقيا، قبل اختياره لمهمته الجديدة. وسبق أن زار الجزائر ثلاث مرات بين 2023 و2024، وبحث مع مسؤوليها في الأزمات الأمنية والسياسية التي تشهدها ليبيا والمنطقة جنوب الصحراء.

والمعروف، أن الجزائر عدّت نفسها من «أكثر دول المنطقة تضرراً من تبعات سقوط نظام الراحل معمر القذافي عام 2011»، بسبب تسرب الأسلحة وتسلل متطرفين، زيادة على نشاط شبكات الاتجار بالبشر عبر الحدود المشتركة (نحو 900 كلم).

وفي فبراير (شباط) 2024 دعت الجزائر الأطراف الليبية إلى «المشاركة الفعالة في الجهود الدولية الرامية إلى توفير الشروط اللازمة لإجراء الانتخابات بوصف ذلك حلاً دائماً للأزمة». وقال وزير خارجيتها أحمد عطاف، يومها في اجتماع لـ«اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي»، إن بلاده «تسعى لعقد مصالحة بين الأطراف الليبية»، وإنها «تضع تجربتها بخصوص تنظيم الانتخابات تحت تصرفهم». وشدّد على موقف بلاده «الرافض للتدخلات الخارجية»، داعياً «الأطراف الأجنبية إلى رفع أيديها عن ليبيا لتمكين الجهود الأفريقية والدولية، من الاندماج لتحقيق الأمن والسلام في ليبيا».

جولة من الحوار العسكري الجزائري - الأميركي (أرشيفية - وزارة الدفاع الجزائرية)

وقد بدأ «الحوار» بخصوص الأوضاع بالمنطقة، بين الجزائر وواشنطن، فعلياً، في يناير الماضي، عندما عقد سفير الجزائر في واشنطن صبري بوقادوم، لقاءات مع مسؤولين أميركيين، من بينهم هاريس، الذي بحث معه نزاع الصحراء والصراعات في دول جنوب الصحراء، خصوصاً في مالي والنيجر.

وكتبت وزارة الخارجية الأميركية بحسابها على منصة «إكس»، أن هاريس «أكد للسفير صبري بوقادوم، تطلع بلاده إلى العمل بشكل وثيق لتحقيق الأهداف الثنائية والإقليمية المشتركة».

وخلال زيارته الجزائر في سبتمبر (أيلول) الماضي، عبّر هاريس في تصريحات للصحافة، عن قلق الإدارة الأميركية من التصعيد العسكري بين المغرب و«بوليساريو»، وقال: «هدفنا يكمن في توفير ظروف نجاح العملية السياسية، لكن التصعيد يتعارض مع مساعي مسار الأمم المتحدة»، بخصوص حل النزاع. مؤكداً أن الحكومة الأميركية «بذلت جهوداً لإعادة إرساء عملية سياسية بالنظر لأهمية وقف أي تصعيد للنزاع العسكري». وأبرز أن حكومته «تحاول بوصفها داعمة للأمم المتحدة، ودي ميستورا (ستيفان دي ميستورا المبعوث الأممي للصحراء) استخدام العلاقات والشراكات بما في ذلك الشراكات القوية للغاية مع الجزائر، لخلق بيئة يمكن فيها لعملية الأمم المتحدة أن تتقدم بشكل كبير، وفي أجواء من التهدئة».


مقالات ذات صلة

الجزائر تحتفل بالاستقلال: إشادة بـ«الانتصارات» و«تخطي التحديات» 

شمال افريقيا «قبلة الأحرار» جانب من العرض الكوريغرافي احتفالاً باستقلال الجزائر (دار الأوبرا)

الجزائر تحتفل بالاستقلال: إشادة بـ«الانتصارات» و«تخطي التحديات» 

احتفلت الجزائر، اليوم (الجمعة)، بمرور 62 سنة على استقلالها عن فرنسا، وقال الرئيس عبد المجيد تبون إن البلاد حقّقت «الإنعاش الاقتصادي».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
تحليل إخباري الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة مجموعة الـ7 بإيطاليا في 13 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

تحليل إخباري قلق جزائري إزاء ملفات حساسة مشتركة مع فرنسا

تُطرح تساؤلات بالجزائر حول احتمال رؤية تبون مع رئيس حكومة من اليمين المتشدد قياساً إلى الخصومة الشديدة التي يبديها رموز هذا الطيف السياسي تجاه الجزائر ومهاجريها

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيسان الجزائري والفرنسي خلال قمة مجموعة السبع بإيطاليا في يونيو الحالي (الرئاسة الجزائرية)

مناكفات انتخابية فرنسية بظل جزائري

بينما تتخوّف الجزائر من مصير ملفات مشتركة مع فرنسا حال تحقيق اليمين المتطرف فوزاً عريضاً تجدّدت مناكفات بين متنافسين فرنسيين على خلفية حرب غزة وجرائم الاستعمار.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا من العاصمة الجزائرية (مواقع التواصل)

الجزائر: مرشحون لـ«الرئاسية» يتحدثون عن «عقبات وعراقيل»

«سلطة الانتخابات» مسؤولة، بموجب الدستور، عن «توفير الظروف والشروط القانونية الفعلية لانتخابات رئاسية مفتوحة وشفافة ونزيهة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا أحد شوارع العاصمة الجزائر (رويترز)

الجزائر ترفض «اتهامات ومآخذ حقوقية» صادرة عن الأمم المتحدة

أكدت الحكومة الجزائرية أن الإجراءات التي اتخذتها «تتوافق مع الشروط السارية على المستوى الدولي، خصوصاً بمجلس الأمن، وحتى على المستوى الإقليمي».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«هدنة غزة»: استئناف مفاوضات الوسطاء ودعوات لاستغلال «الفرصة»

رجال إنقاذ يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية أصابت مبنى سكنياً في سوق البلدة القديمة بغزة (رويترز)
رجال إنقاذ يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية أصابت مبنى سكنياً في سوق البلدة القديمة بغزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: استئناف مفاوضات الوسطاء ودعوات لاستغلال «الفرصة»

رجال إنقاذ يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية أصابت مبنى سكنياً في سوق البلدة القديمة بغزة (رويترز)
رجال إنقاذ يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية أصابت مبنى سكنياً في سوق البلدة القديمة بغزة (رويترز)

تحركات جديدة أعادت الحياة لملف مفاوضات «هدنة غزة»، مع توجه رئيس جهاز «الموساد» ديفيد برنيع إلى قطر، لاستئناف محادثات وقف إطلاق النار، بحضور أميركي، بعد جمودٍ استمر أكثر من شهر منذ تقديم الرئيس الأميركي جو بايدن مقترحاً، نهاية مايو (أيار) الماضي.

وبعد يومين من تسلم تل أبيب رد «حماس»، ووصفه بـ«الإيجابي» من جانب إعلام إسرائيلي، زار برنيع الدوحة، الجمعة، دون بقية الوفد التفاوضي؛ بهدف «استئناف المفاوضات للتوصل إلى صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بغزة»، وفق ما ذكرت «هيئة البث الإسرائيلية».

في حين سينضم بقية أعضاء الوفد المفاوِض إلى رئيس «الموساد» حال «إحراز تقدم»، وفقاً للهيئة، التي نقلت، عن مسؤولين إسرائيليين، أن المفاوضات «ستستغرق وقتاً طويلاً قد يصل إلى شهر». ورأى خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط» أن أمام الوسطاء «فرصة يجب استغلالها».

وفي نهاية مايو، أعلن بايدن مقترحاً لوقف إطلاق النار في غزة، وسلّمت «حماس» رداً عليه للوسطاء في 11 يونيو (حزيران) الماضي، حمل تعديلات قال عنها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن بعضها مقبول، والبعض الآخر مُبالَغ فيه، في حين رفضتها إسرائيل، وخصوصاً مطلب وقف إطلاق نار دائم، إذ تتمسك تل أبيب باستمرار الحرب حتى القضاء على قدرات «حماس».

فلسطيني يقوم بإجلاء طفل جريح بعد غارة إسرائيلية على الزوايدة وسط قطاع غزة (أ.ب)

وفي 24 يونيو الماضي، تحدثت «حماس» عن تلقّي تعديلات أميركية - لم يجرِ الإعلان عن تفاصيلها - على مقترح الرئيس الأميركي. وقد سلّمت الحركة، الأربعاء، ردها الجديد لإسرائيل، الذي لم تعلن تفاصيله، ولقي قبولاً على الأقل بين الأجهزة الأمنية والجيش، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعقد اجتماع مع مجلس الوزراء الأمني، ومن ثم الموافقة على إرسال وفد إلى قطر لاستئناف المفاوضات.

ونقلت «هيئة البث الإسرائيلية»، ووكالة «رويترز»، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن رد «(حماس) بعث الأمل في نفوس الوسطاء»، وإن «هناك فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق بعد رد (حماس) الأخير».

أستاذ العلاقات الدولية، الخبير المتخصص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور طارق فهمي، يرى أن «الأمور تسير بشكل جيد، والجميع أمام فرصة يجب استغلالها». إلا أنه أشار إلى أن «المفاوضات عادت لحسابات أخرى لدى طرفي الأزمة»، لافتاً إلى أن إسرائيل تريد إرسال رسائل؛ وهي «التجاوب مع الإدارة الأميركية، خصوصاً قبل زيارة نتنياهو لواشنطن»، ورسالة أخرى للرأي العام الإسرائيلي الغاضب بأن الحكومة تستجيب لمطالبهم، وأخيراً عدم قطع الاتصالات مع الوسيطين؛ مصر وقطر، وكذلك تركيا التي بدأت «حماس» تتواصل معها.

أما «حماس» فتذهب لاستئناف المفاوضات، وفق فهمي، للوقوف على ما يجري من ترتيبات أمنية إسرائيلية، والحديث عن استبعادها، وخشية انشغال الوسطاء بقضايا أخرى مثل التصعيد في جنوب لبنان، وتفادي حالة الارتباك داخل مؤسسات الحركة بين رافض ومتقبل للأفكار المطروحة، ما يدعونا لـ«تفاؤل حذِر» ستتضح معالمه بعد الجلسات الاستكشافية من قِبل الطرفين.

طفل فلسطيني يبكي عقب غارة إسرائيلية بالقرب من مدرسة تديرها الأمم المتحدة لإيواء النازحين في خان يونس (رويترز)

الجولة الجديدة يراها أيضاً المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، «الأفضل» للوصول لاتفاق، خصوصاً مع تراجع «حماس» عن مطلبها بوقف الحرب من المرحلة الأولى من الصفقة، وترحيله لمرحلة تالية، وهذا يسمح بإنجاز صفقة لا تعترض عليها إسرائيل التي تتمسك باستمرار الحرب.

ولفت إلى ضغوط الوسطاء على «حماس» لإبداء مرونة في المفاوضات، والظروف الداخلية السيئة بالقطاع التي ليست في صالح الحركة، لكنه يرى أن إسرائيل تذهب للمفاوضات وأعينها على جنوب لبنان، من خلال تهدئة الوضع، ولو مؤقتاً، في غزة، لتكون لها القدرة على الانتشار عسكرياً شمالاً، في حال عدم نجاح الاتفاق مع «حزب الله»، وتوجيه ضربة ضده.

ويتبادل «حزب الله» وإسرائيل إطلاق النار، عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بالتزامن مع حرب غزة، إلا أن التوترات زادت وتيرتها أخيراً مع استهداف تل أبيب قيادات بارزة من الحزب. والجمعة، التقى الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، وفداً من حركة «حماس»؛ لبحث «آخِر مستجدّات المفاوضات والاقتراحات المطروحة».

فلسطينيون يتفقدون دراجة نارية محترقة بعد غارة للجيش الإسرائيلي في مخيم الفارعة للاجئين (إ.ب.أ)

ولا تزال الاقتراحات المطروحة دون إفصاح من تل أبيب و«حماس»، غير أن مصدراً إسرائيلياً ذكر، لوسائل إعلام عبرية، أن «حماس لم تعد تتمسك بالشرط المسبق بالتزام إسرائيل بوقف إطلاق النار بشكل دائم قبل توقيع الاتفاق، وستسمح للمفاوضات بتحقيق ذلك خلال مرحلة الأسابيع الستة الأولى». وأفاد مسؤول أميركي، وفق ما نقلت وكالة أنباء «رويترز»، بأن وفداً أميركياً سيشارك في اجتماعات الدوحة، وعدَّ أن «حماس تبنّت تعديلاً كبيراً للغاية في موقفها من الاتفاق قد يوفر الأساس لإبرام اتفاق»، موضحاً أن «القضايا العالقة تتعلق بكيفية تنفيذ الاتفاق».

ووفق تقديرات مطاوع، فإن الجولة الأولى من هذه المفاوضات ستخلو من الحديث بشأن وقف دائم لإطلاق النار والانسحاب الكامل، وستتركز على الأسرى فقط، وسط احتمال التوصل لاتفاق في نحو 3 أسابيع.

في حين يربط فهمي تحركات «حماس» والتجاوب مع استئناف المفاوضات بـ«مناورة لكشف مزيد من الأوراق»، بينما يُعدّ قبول إسرائيل بها «خديعة مع استمرارها في حربها وترتيباتها»، داعياً إلى ضمانات وإجراءات بناء ثقة من واشنطن، واستمرار ضغوط الوسطاء لنجاح المفاوضات.