«احتكاك تجاري» بخلفية سياسية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي

مشكلات يطرحها تطبيق «اتفاق الشراكة» بعد 22 سنة من التوقيع عليه

وزير التجارة الجزائري (الوزارة)
وزير التجارة الجزائري (الوزارة)
TT

«احتكاك تجاري» بخلفية سياسية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي

وزير التجارة الجزائري (الوزارة)
وزير التجارة الجزائري (الوزارة)

رفضت الجزائر اتهامات من الاتحاد الأوروبي تخص «انتهاك اتفاق الشراكة»، المبرم بين الطرفين عام 2002، وعدّت وقف استيراد منتجات زراعية ومواد نصف مصنعة من أوروبا، «إجراءات سيادية تبنتها دول عديدة، بما فيها دول أوروبية».

وصرّح وزير التجارة الجزائري الطيب زيتوني، للتلفزيون العمومي، بمناسبة تواصل أيام «معرض الجزائر الدولي للمنتجات»، الذي انطلق الاثنين الماضي، ويعقد كل سنة، بأن بلاده «دولة ذات سيادة، لا تعاني من ضغط الدين الخارجي ولا تتسامح مع أي إملاءات». وقال إنها «اتخذت إجراءات تخص ترشيد الاستيراد لكنها لم توقفه، فهذا أمر لا يمكن تصوره».

وأفاد زيتوني بأن الجزائر «حققت الاكتفاء الذاتي في القمح الصلب هذا العام، مما يمكنها من تقليص فاتورة استيراد هذا المنتوج بمقدار 1.2 مليار دولار»، مبرزاً أن «الواردات السنوية للجزائر تقدر بنحو 45 مليار دولار، منها أكثر من 22 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي... هذا النهج الذي نتبعه (تقليص فاتورة الاستيراد)، لا يعني الانعزال، إذ لم نتوقف أبداً عن الاستيراد... ترشيد الواردات هو ثقافة سائدة عبر العالم، وليس خصوصية جزائرية»، ملمحاً إلى التوجه العالمي الحالي لحماية الاقتصادات الوطنية، كما يتضح من الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي بشأن استيراد السيارات الكهربائية الصينية.

وزير خارجية الجزائر (يسار) طلب من نظيره المجري إجراء وساطة مع الاتحاد الأوروبي لحل الخلاف التجاري في سبتمبر 2022

وكان عضو الحكومة الجزائرية يرد على سؤال يخص بياناً شديد اللهجة، أصدرته المفوضية الأوروبية في 14 يونيو (حزيران) الحالي، أكدت فيه أنها بادرت بتفعيل إجراءات «لتسوية المنازعات مع الجزائر»، معترضة على قرارات عدة نفذتها الجزائر منذ عام 2021، تهدف إلى تنظيم الواردات وتحفيز الإنتاج المحلي، مضيفة أن «الهدف هو بدء حوار بناء من أجل رفع القيود في عدة قطاعات، من المنتجات الزراعية إلى السيارات».

ويفهم من رد فعل الوزير الجزائري أن الاتحاد الأوروبي يمارس ضغوطاً على الجزائر لتقليص هامش حريتها بخصوص خططها للتنمية الاقتصادية والصناعية، التي أهم ما فيها تقليص فاتورة الاستيراد وتشجيع الإنتاج المحلي.

وترى الجزائر أن اتفاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي عادت بالنفع على شركائها الأوروبيين فقط، وأنها حرمتها من تحصيلات جبائية، بسبب نظام تفكيك التعريفة الجمركية على السلع الأوروبية.

رئيس «المجلس الأوروبي» خلال زيارته الجزائر في 5 سبتمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

أما مشكلة الجزائريين، حسب الاتحاد الأوروبي، فإنهم عجزوا عن إدخال منتوجاتهم، خصوصاً الزراعية، إلى الأسواق الأوروبية، بسبب ضوابط الجودة والصحة المفروضة بصرامة في دول القارة القديمة.

وتشمل الإجراءات التي اتخذتها الجزائر، وعدّها الاتحاد الأوروبي «تقييدية»، نظام تراخيص الاستيراد، وحوافز لاستخدام المدخلات المحلية في قطاع السيارات، وتنظيم المشاركة الأجنبية في الشركات المستوردة. وتأتي هذه التدابير ضمن سياسة أوسع تهدف إلى تنويع الاقتصاد الجزائري، وتقليل اعتماده على المحروقات، وتعزيز التصنيع المحلي.

والإجراءات التي قال الاتحاد الأوروبي إنه باشرها لفض نزاعه مع الجزائر، منصوص عليها في «اتفاق الشراكة». ففي حال عدم التوصل إلى حل، يحق للاتحاد الأوروبي أن يطلب إنشاء «لجنة تحكيم». وتضمن جميع الاتفاقيات التجارية للاتحاد الأوروبي آلية لتسوية النزاعات.

ويشار إلى أن أزمة سياسية حادة قامت بين الجزائر وإسبانيا عام 2022، دفعت بالجزائريين إلى وقف استيراد عدة منتجات من الجار المتوسطي، الأمر الذي أثار حفيظة المفوضية الأوروبية، التي عدّت ذلك «انتهاكاً للاتفاقية التجارية مع الاتحاد الأوروبي». وتمثلت الأزمة في غضب الجزائر من انحياز مدريد لـ«خطة الحكم الذاتي المغربية» للصحراء الغربية. كما سحبت الجزائر سفيرها من مدريد، قبل أن يعود إلى منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إيذاناً بانتهاء الخلاف.



ليبيون يتساءلون حول جدوى «شرعنة» الميليشيات المسلحة

الدبيبة خلال لقاء سابق مع الطرابلسي في حضور وزير شؤون مجلس الوزراء عادل جمعة (الوحدة)
الدبيبة خلال لقاء سابق مع الطرابلسي في حضور وزير شؤون مجلس الوزراء عادل جمعة (الوحدة)
TT

ليبيون يتساءلون حول جدوى «شرعنة» الميليشيات المسلحة

الدبيبة خلال لقاء سابق مع الطرابلسي في حضور وزير شؤون مجلس الوزراء عادل جمعة (الوحدة)
الدبيبة خلال لقاء سابق مع الطرابلسي في حضور وزير شؤون مجلس الوزراء عادل جمعة (الوحدة)

أثار وصف رئيس حكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة» في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، لوزير داخليته المكلف، عماد الطرابلسي، بكونه «زعيم ميليشيا سابق»، موجة من التفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي على مدار الأسبوع الماضي، وفتحت الباب عن باقي التشكيلات والموقف الرسمي منها.

ورغم اتفاق آراء مراقبين للشأن الليبي على أن حديث الدبيبة عن الطرابلسي جاء في إطار محاولة التبرير والدفاع عن الأخير، عبر الإشارة لقدومه من خلفية ميليشياوية، تتسم بعدم الانضباط، فإن التساؤلات تجددت حول دعوات الدبيبة لدمج قادة الميليشيات في المؤسستين الأمنية والعسكرية.

من مخلفات اشتباكات ميليشيات مسلحة في طرابلس العام الماضي (أ.ف.ب)

في هذا السياق، يرى الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، أن تصريحات الدبيبة ودفاعه عن الطرابلسي «أثارت تساؤلات حول ضرورة مراجعة سياسة الاستعانة بشخصيات غير مؤهلة داخل مؤسسات الدولة، وذلك لتفادي حدوث الضجة الواسعة، التي فجرتها تصريحات الطرابلسي بخصوص الحجاب»، لافتاً إلى أنها تسببت مؤخراً في «تهديد بعض النساء غير المحجبات».

وأضاف القماطي موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن حديث الدبيبة «أثار تساؤلات حول عدم اقترابه من معضلة وجود الميليشيات في الساحة، أو البدء في معالجتها بتسريحها، وإعادة دمجها على أسس مهنية».

وكان الدبيبة قد صرح خلال حديثه عن الميليشيات بأن حكومته «لا تزال تعمل على معالجة الخلافات والاشتباكات بين المجموعات المسلحة»؛ مبرزاً أن «الضغط لا يزال متواصلاً لتأهيل أبنائنا من حملة السلاح حتى لو أعطيناهم رتباً، مع التأكيد على أن هدفهم هو حماية البلاد ومواجهة الجريمة، وهؤلاء الشباب منهم الآن وزراء»، في إشارة ضمناً إلى الطرابلسي.

وأثارت تصريحات الدبيبة، ودفاعه عن الطرابلسي وغيره من الميليشيات، موجة من الانتقادات لرئيس الحكومة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث وصفه بعضهم بأنه هو مَن عيّن الوزير «الميليشياوي»، فيما تساءل بعضهم الآخر عن كيفية منح رتب عسكرية ومسؤوليات مهمة في الدولة لشخصيات لا يزال يجري تأهيلها.

بهذا الخصوص، يعتقد الناشط السياسي، أحمد التواتي، أن الدبيبة بإلغائه مفعول تصريحات الطرابلسي الجدلية، «يعني استشعاره بوجود خطأ ما بها وبسياسات أخرى للوزير؛ وأنه لا يعتزم التراجع عن سياسة شرعنة الميليشيات وقادتها»، وقال التواتي لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف حديث الدبيبة لم يكتفِ بالتعاطي مع تصريحات الطرابلسي عن الحجاب والأخلاق على أنها حديث عفوي؛ بل تضمن أيضاً مغازلة لقادة باقي الميليشيات بأن الفرصة متاحة أمامهم ليتحولوا بالمثل لوزراء مثل الطرابلسي».

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية»، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب، وتحظى بدعم القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر.

وانتقد التواتي محاولة الدبيبة «التقليل من مخاطر وجود الميليشيات في العاصمة وبقية المدن، الواقعة تحت سيطرة حكومته بالمنطقة الغربية بالحديث عن قلة اشتباكاتها، وخلافاتها مع بعضها بعضاً، وأن مسار تأهيلها لا يزال مستمراً»، وقال إن السنوات الماضية شهدت اشتباكات حادة بين هذه المجموعات المسلحة، سقط خلالها عدد من المدنيين، ما بين قتيل وجريح، أو تمت محاصرة أحيائهم السكنية، مضيفاً أن الدبيية «يحاول تبرير عجز الطرابلسي عن الوفاء بتعهداته المتكررة منذ أشهر بإخراج تلك الميليشيات ومختلف الأجهزة الأمنية من العاصمة».

في سياق ذلك، حرصت عدة أصوات حقوقية وسياسية على تذكير الدبيبة بأن الطرابلسي ليس وحده الزعيم الميليشياوي السابق في حكومته، وأنه يوجد بجواره وكيل وزارة الدفاع العقيد عبد السلام الزوبي، ومدير إدارة الاستخبارات العسكرية التابعة للوزارة ذاتها، العميد محمود حمزة.

ليبيون طالبوا بشرعنة الميليشيات عبر دمجها في المؤسستين العسكرية والأمنية بالمنطقة الغربية (إ.ب.أ)

من جهته، استعرض مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، الشريف عبد الله، مراحل سابقة لشرعنة الميليشيات عبر دمجها في أجهزة الدولة، وخصوصاً المؤسستين العسكرية والأمنية بالمنطقة الغربية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن حكومة «الوفاق الوطني»، برئاسة فائز السراج السابقة، «هي مَن دشنت هذا المسار؛ وحكومة الدبيبة قطعت بدورها خطوات به»، عادّاً أن هذا القرار «لم يؤدِ لضبط سلوك تلك المجموعات أو خضوعها لأي تعليمات يصدرها أي مسؤول بالدولة، واقتصرت علاقتهم بها على ما منح لهم من شرعية ونفوذ ورواتب شهرية».

ويعتقد عبد الله أن الخطورة «لا تكمن فقط في تولي قيادات هذه الميليشيات مناصب رفيعة بالوزارات، مثل الطرابلسي والزوبي، وإنما في شرعنة كياناتهم المسلحة»، وقال إن «عبد الغني الككلي، وهو قائد ميليشياوي، صار يعرّف اليوم بكونه رئيس (جهاز الاستقرار) التابع للمجلس الرئاسي، وبات يتمتع بنفوذ كبير بالعاصمة وخارجها، بل ويردد أنه وغيره من قادة الأجهزة الأمنية يتم استطلاع رأيهم حيال تعيين المسؤولين».

وشدد عبد الله على أن ظاهرة تعيين قادة الميليشيات في أجهزة الدولة «ليست قاصرة على الغرب الليبي»، مشيراً في هذا السياق إلى أن وكيل وزارة الداخلية بالحكومة المكلفة من البرلمان، فرج أقعيم، كان قبل عام 2015 قائد مجموعة مسلحة، قبل أن تتم شرعنتها من قِبَل القيادة العامة لـ«الجيش الوطني».