في صيف العام 2023، تقدم كل من الشابين المصريين أحمد بركات ومحمد دعدور، بأوراقهما إلى شركة شحن ملاحي، معروفة في دمياط المصرية؛ فاختارت لهما الشركة الصعود للعمل على أحد مراكبها، ويحمل اسم RAPTOR، وذلك في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
في ذلك الوقت، لم يعلم الشابان أن المركب كان قد عاد لتوه من رحلة مشبوهة في البحر الأسود، كما لم يخطر في باليهما أن يصبحا رقمين يضافان إلى عداد ضحايا «تجارة الموت» للسفن والقوارب المتهالكة، التي لاحقت «الشرق الأوسط» ممراتها وتفاصيلها المشبوهة منذ أشهر.
في ميناء الإصلاح، ظل أفراد الطاقم 35 يوماً يعملون لتغطية عيوب المركب بالطلاء، فيما بقيت الفجوات ظاهرة وعصية على الإصلاح، كما أظهرت صورٌ نشرها أهالي الطاقم. وأظهرت صور محادثات حصرية أن «مركب الملح به ثقوب كثيرة وشرخ كبير»، وأن أحد البحارة سعى للهروب قبل الإبحار.
ومع الإبحار من ميناء الدخيلة بالإسكندرية إلى إسطنبول، تغير اسم المركب إلى ROVANA رافعاً علم جزر القمر، لتبدأ رحلة مشبوهة راح ضحيتها 14 بحاراً، رصدتها «الشرق الأوسط» عبر شهادة بركات الناجي الوحيد، ومحادثات دعدور التي نجت دونه، بالصوت والصورة.
بعيداً عن السجالات المرتبطة بالانتخابات الرئاسية تستقبل شركات تفتقر إلى العمال بأذرع مفتوحة مهاجرين من أوكرانيا وأفغانستان والمكسيك لولاية نبراسكا الأميركية
طالب حزب المعارضة اليوناني بفتح تحقيق بعد تقرير «بي بي سي»، يزعم أن خفر السواحل اليوناني كان مسؤولاً عن وفاة عشرات المهاجرين خلال السنوات الثلاث الماضية.
مروحية للجيش المصري تحلّق فوق مظاهرة تأييد للسيسي في ميدان التحرير بالقاهرة عام 2014 (إ.ب.أ)
القاهرة:«الشرق الأوسط»
TT
القاهرة:«الشرق الأوسط»
TT
ذكرى «30 يونيو» بمصر... علاقات خارجية متوازنة تتوّج بمصالحة مع تركيا
مروحية للجيش المصري تحلّق فوق مظاهرة تأييد للسيسي في ميدان التحرير بالقاهرة عام 2014 (إ.ب.أ)
عقبات عديدة واجهت السياسة الخارجية المصرية على مدار 11 عاماً، منذ انتفاضة «30 يونيو (حزيران)» 2013، بين تجميد عضويتها في الاتحاد الأفريقي، ووقف مساعدات، وانتقادات إقليمية ودولية، إلا أنه وفق محللين ساهم «المسار المتوازن»، في «تصفير الأزمات»، بل وتنامِي دورها الدولي في ملفات رئيسية بالمنطقة.
ووفق خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، انتهجت السياسية الخارجية المصرية إزاء تلك الأزمات استراتيجية استعادة دورها، كان في مقدمتها «الاستدارة شرقاً» تجاه روسيا والصين، على أسس الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، قبل أن تتوّج بمصالحة مع تركيا صيف 2023.
وعقب انتفاضة «30 يونيو» التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي، المنتمي لـ«جماعة الإخوان المسلمين»، والتي حظرتها السلطات المصرية لاحقاً في 2014، وعَدَّتها «تنظيماً إرهابياً»، واجهت مصر عدة أزمات، أولها في 5 يوليو (تموز) بإعلان الاتحاد الأفريقي تجميد عضوية مصر، وسط اختلافات في المواقف مع قطر وتركيا، وتعليق أميركي للمساعدات.
قبل أن تُسفر تحركات للقاهرة عن عودتها للاتحاد الأفريقي في 17 يونيو 2013، وترأسه لمدة عام في 2019، وتحرّك مصر شرقاً تجاه روسيا والصين، ما دفع واشنطن للتأكيد أكثر من مرة على استراتيجية العلاقات بين البلدين، وسط تنامي علاقات مصرية مع الخليج والاتحاد الأوروبي، ساعدها على تجاوز عقبات أزمات اقتصادية عبر منح ومساعدات.
كما عادت علاقات مصر وتركيا على مستوى السفراء في يوليو 2023، بعد 10 سنوات من التوتر، وقبلها تحسّن العلاقات مع قطر، بعد سنوات شهدت تراشقات إعلامية وانتقادات بعضها رسمي.
السيسي خلال كلمة سابقة في ذكرى «ثورة 30 يونيو» (الرئاسة المصرية)
عراقيل وأزمات
وبينما حدودها مشتعلة جنوباً في السودان، وشرقاً بقطاع غزة، وغرباً داخل ليبيا، لا تزال مصر تلعب أدوار وساطة واتصالات وجولات لإنهاء تلك الأزمات، ووسط الحرب الأوكرانية الروسية التي اندلعت في 2022، استمرت علاقات القاهرة بشكل متوازن مع موسكو وواشنطن والاتحاد الأوروبي رغم الخلافات بين الغرب وروسيا، لتجاوز أزمات اقتصادية جرّاء ذلك الصراع.
النائب مجدي عاشور، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، دعا إلى «تذكّر وضع مصر الخارجي في عهد (الإخوان) البائد، الذي شابه خوف دولي وإقليمي من أن تتحول مصر إلى بؤرة للإرهاب وعدم الاستقرار بالمنطقة».
ويرى عاشور «نجاح مسار الدولة بعد 30 يونيو في ترسيخ علاقات خارجية ناجحة في أفريقيا وملف غزة، والمشاركة بإنهاء أزمات في السودان وليبيا، وإقامة علاقات متوازنة مع الشرق والغرب رغم العقبات».
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد حجازي، في حديث مع «الشرق الأوسط»، كشف أسس نجاح السياسية الخارجية المصرية في تجاوز تلك العقبات، ويرى أن «سياسة مصر الخارجية اعتمدت منذ 30 يونيو قواعد قامت على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والحفاظ على استقرار دول الجوار، ونجحت تلك السياسة، خاصةً مع الدول التي كانت تشهد العلاقات معها توتراً، مثل تركيا».
تلك السياسات المصرية، وفق حجازي، «ساهمت في دفع مسار العلاقات الخارجية المصرية للأمام، واستعادتها مع تركيا»، وأشار حجازي إلى أن «مصر بعد 11 عاماً من ثورة 30 يونيو صارت صاحبة علاقات استراتيجية مع روسيا وأميركا والهند وكوريا الجنوبية وتركيا»، مؤكداً أنه «ما كان لكل ذلك أن يتحقق إلا بسياسات خارجية مصرية متوازنة».
استقبال رسمي للفريق أسامة عسكر رئيس أركان القوات المسلحة المصرية خلال زيارة سابقة إلى أنقرة (المتحدث العسكري المصري)
مواجهة «القطيعة»
وعلى مقربة من هذا التقدير، يعتقد أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور طارق فهمي، في حديث مع «الشرق الأوسط» أن «مصر بعد 30 يونيو نجحت في أن تعود لمكانتها، ويكون لها بصمة إقليمية ودولية رغم حالة القطيعة مع بعض دول العالم التي نظرت إليها وقتها برؤية غير صحيحة».
ونجحت مصر في «بناء دائرتين جديدتين للسياسة الخارجية، كان لهما الفضل بعد ثورة 30 يونيو، في استعادة مكانتها؛ الأولى الاستدارة شرقاً مع الصين وروسيا وغيرهما، والثانية شرق المتوسط، وعزَّزَتها بتدشين منتدى للغاز عام 2019، وتقوية العلاقات مع أوروبا، لا سيما مع قبرص واليونان، بالإضافة لتعزيز التواجد في أفريقيا»، وفق فهمي.
ويرجع الأكاديمي المصري ذلك النجاح أيضاً إلى «دور الدبلوماسية الرئاسية التي اعتمدت على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعلاقاته واتصالاته، كما أنه بسبب دبلوماسيتها المتزنة والمعتدلة، واستراتيجيتها الواقعية عادت تركيا وقطر بعلاقاتهما مع مصر».
السيسي في محادثات سابقة مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بالقاهرة (الرئاسة المصرية)
قواسم مشتركة
وعن عودة العلاقات التركية المصرية الأحدث في مسار السياسية الخارجية المصرية، في يوليو 2023، يرى الخبير بالشأن التركي في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، كرم سعيد، أن «تبنّي مصر مبدأ التوازن الاستراتيجي والمصالح المشتركة وتصفير القضايا الخلافية، كان سبباً رئيسياً»، مدلّلاً على ذلك باستمرار العلاقات مع أنقرة على مستوى منخفض دون قطعها، مع حفاظ البلدين على استمرارية العلاقات التجارية.
وأوضح كرم سعيد لـ«الشرق الأوسط» أنه «كانت هناك بيئة خصبة دفعت البلدين لتعزيز التقارب، خاصة مع أفول نجم الإسلام السياسي، ليس في مصر، ولكن في دول كتونس وليبيا وغيرها، ووجود قواسم مشتركة أفرزتها تطورات وصراعات إقليمية».