9 أشهر على الإعصار... درنة لا تزال تكابد للتعافي من الكارثة

أسر تواصل البحث عن جثث ذويها وسط مخاوف من «ضياع الحقوق»

جانب من إعمار درنة (حكومة الاستقرار)
جانب من إعمار درنة (حكومة الاستقرار)
TT

9 أشهر على الإعصار... درنة لا تزال تكابد للتعافي من الكارثة

جانب من إعمار درنة (حكومة الاستقرار)
جانب من إعمار درنة (حكومة الاستقرار)

على الرغم مما تقدمه الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي لسكان مدينة درنة فإن آثار الكارثة التي ضربتها قبل نحو 9 أشهر لا تزال واضحة للعيان، جراء إعصار «دانيال» الذي ضرب أيضاً مدناً أخرى بالشرق الليبي في سبتمبر (أيلول) 2023، مخلفاً آلاف القتلى والمفقودين.

يقول عبد الرحيم الطناشيي، أحد أبناء درنة التي جرفت المياه منزلاً كان يضم ابنتيه الوحيدتين وزوجته إلى البحر، إنه تمكن قبل شهرين فقط من استخراج شهادات وفاة لعائلته الصغيرة من قبل محكمة بالمدينة، بعد إحضار شهود أكدوا أن أسرته كانت موجودة بالمنزل لحظة وقوع الإعصار.

لا يزال كثير من الأسر في درنة يبحث عن أقاربه وسط الركام (رويترز)

وانتقد الطناشيي في حديث لـ«الشرق الأوسط» تأخر السلطات المحلية في إصدار شهادات وفاة للمفقودين لعدة أشهر، وهو ما عده أمراً «غير مبرر في ظل تأكد الجميع بعد مرور أسبوعين على الكارثة بأن أغلب المفقودين باتوا في عداد الموتى». ورأى أن «التأخر في إصدار تلك الشهادات عرقل رغبة بعض الأفراد الذين يعيشون داخل درنة وخارجها من الحصول على حقهم الشرعي من ميراث أقاربهم الذين قضوا بالإعصار».

في المقابل، أرجعت أصوات أخرى بالمدينة التأخر في إصدار شهادات الوفاة، إلى الخوف من استغلال بعض ضعاف النفوس لضخامة الكارثة، في ظل ما يترتب على إصدار الشهادات من أوضاع قانونية، مثل الميراث أو زواج الأرامل.

من هذا المنطلق نظمت جامعة درنة، التي تهتم بقضايا مجتمعها المحلي، مطلع الشهر الماضي، مؤتمراً علمياً تحت عنوان «الآثار القانونية لإعصار دانيال... الفراغ التشريعي والتنوع الفقهي»، الذي كان امتداداً لملتقى علمي آخر، واحتلت قضية المفقودين بهما الأولوية، على مستوى النقاشات والتوصيات، وفقا لتأكيد رئيس الجامعة، الدكتور نصر عياد المنصوري.

وقال المنصوري لـ«الشرق الأوسط» إنه طبقاً للقانون الليبي: «لا يعد المفقود متوفياً إلا بعد مرور أربع سنوات، وهو ما كان سيعد أمراً بالغ الصعوبة إذا ما طبق على أهالي درنة، التي جرفت المياه ما يقرب من ربع مساحتها إلى البحر. ولذلك كانت المسارعة إلى تعديل أحكام المفقود بالقانون بمقدمة توصيات الملتقى العلمي».

وأكد رئيس الجامعة أن نجاح جهود مؤسسته العلمية في تسليط الضوء على تلك القضية حينذاك دفع إلى تبنيها من قبل وزارة العدل بالحكومة الليبية المكلفة من البرلمان. وشدد على أنه «بات بإمكان أسرة أي مفقود التقدم بطلب لاستخراج شهادة وفاة له، عبر إحضار شهود من أعيان الأحياء أو الجيران أو الأقارب، الذين يؤكدون أن المفقود كان موجوداً بالمدينة وقت حدوث الإعصار ولم يغادرها قبلها، ولم يظهر مجدداً».

ووفقاً لرؤيته، فإن أزمة المفقودين بالإعصار «تتركز بدرجة أكبر فيمن استقرت جثثهم في قاع البحر، مقارنة بمن اضطرت الفرق المدنية والطبية بالمدينة لدفنهم بمقابر جماعية خلال الأيام الأولى للكارثة، دون تحديد هوية أغلبهم، في ظل تكدس الجثث بالشوارع حين ذاك»، موضحاً أن فرق الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين تواصل جهودها لتحديد هوية من دفنوا بالمقابر الجماعية بالمدينة، عبر أخذ عينات مرجعية للحمض النووي من أهالي المفقودين، قصد مقارنتها بالعينات التي يتم أخذها من الجثث، التي يتم رفعها من المقابر قبل أن يعاد دفنها مجدداً، أما الجثث التي استقرت بقاع البحر، وتحللت وتفرقت عظامها فقد يكون من الصعوبة التعرف عليها.

وكان المتحدث باسم «الجيش الوطني»، أحمد المسماري، قد أعلن وصول عدد وفيات مدينة درنة إلى 4278 حالة حتى 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

منظر عام يظهر الدمار الذي خلفته الفيضانات بعد أن ضربت عاصفة «دانيال» مدينة درنة شرق ليبيا في 14 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

أما أستاذ القانون الليبي، الدكتور يوسف عبد الله الغيثي، فأوضح من جانبه أن استخراج شهادات الوفاة للمفقودين في درنة سيسهم في حلحلة قضايا شرعية، وفي مقدمتها «احتساب شهور العدة الزوجية حتى لا تظل المرأة التي فقدت زوجها معلقة لمدة أربع سنوات»، بالإضافة إلى «حسم معاملات تجارية بين شخص مفقود وآخرين على قيد الحياة».

من جهته، دعا رئيس «مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان»، طارق لملوم، إلى تذكر كيف أن معضلة إثبات وفاة المفقودين بالإعصار لم تنحصر على الليبيين من أبناء درنة، بل امتدت أيضاً للعمالة الوافدة من جنسيات عدة، ممن كانت تمارس أعمالها بالمدينة، سواء بعقود رسمية أو من دونها.

وأشار لملوم لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عدداً كبيراً من العمالة الوافدة بدرنة لا يزال مصيرها مجهولاً، حيث لم تصدر شهادات وفاة ليبية إلا لمن وجدت جثامينهم وسلمت لدولهم، أو من تم التأكد عبر شهادة الشهود بوفاتهم حينذاك، فيما يظل مصير الباقي منهم مجهولاً.

جانب من الدمار الذي خلفه الإعصار (أ.ف.ب)

وكشف لملوم عن تلقيه مع عدد آخر من النشطاء الليبيين اتصالات ومناشدات من نظائر لهم بالدول، التي ينتمي لها هؤلاء العمال، يطالبونهم فيها بالمساعدة في استخراج أي وثيقة ليبية رسمية تثبت وفاتهم، أو حتى بعدّهم من المفقودين بالإعصار». وعبّر عن أسفله «لأن السلطات المسؤولة عن المدينة لم تحرص منذ البداية على وضع قائمة بأسماء المفقودين، سواء من الليبيين أو من العمالة الوافدة»، لافتاً إلى أن حياة أسر المفقودين معطلة، وتريد معرفة مصير أبنائهم.


مقالات ذات صلة

هل يتمكن «النواب» الليبي من تحريك ملف «المصالحة الوطنية» المتعثر؟

شمال افريقيا مجلس النواب دخل مجدداً على خط ملف المصالحة في مواجهة المجلس الرئاسي (المجلس)

هل يتمكن «النواب» الليبي من تحريك ملف «المصالحة الوطنية» المتعثر؟

عقيلة صالح دعا إلى ضرورة تحقيق المصالحة «لتشمل جميع المؤسسات والجماعات»، بما يضمن «إنهاء الخلافات والاستفادة من حركة التاريخ».

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من هيئة البحث عن المفقودين تتفحص رفاة أشلاء تم العثور عليها في ترهونة (هيئة البحث عن المفقودين)

سلطات ليبيا تتجاهل مذكرات اعتقال «الجنائية الدولية» لقادة «ميليشيا الكاني»

رحبت منظمات شعبية بمذكرة المحكمة الجنائية الدولية عن توقيف 6 أعضاء في ميليشيا «الكانيات» المسلحة، لاتهامهم بـ«ارتكاب جرائم حرب في البلاد»

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا خوري خلال لقائها فرحات بن قدارة (حساب خوري على «إكس»)

الأمم المتحدة تدعو قادة ليبيا لإدارة عائدات النفط «لصالح الشعب»

يتطلع الليبيون إلى مرحلة ما بعد حل أزمة «المركزي»، في وقت تسعى البعثة الأممية لجهة إدارة الموارد النفطية من قبل المصرف، وتسخير الموارد النفطية لتحقيق التنمية.

جمال جوهر (القاهرة )
شمال افريقيا المنفي والحداد رئيس أركان قوات «الوحدة» (المجلس الرئاسي)

المنفي يتمسك بإنشاء «مفوضية للاستفتاء» رغم معارضة «النواب»

عاد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي إلى فتح ملف تدشين «مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني» رغم معارضة مجلس النواب، مما قد يجدد الجدل حولها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا رصد تقرير للمنظمة الدولية للهجرة وجود أكثر من 700 ألف مهاجر غير نظامي في ليبيا (إ.ب.أ)

«الوحدة» الليبية تطلق حملة لترحيل «المهاجرين»

قالت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة إنها ستطلق حملة لإعادة المهاجرين إلى بلدانهم، تبدأ من العاصمة طرابلس لتتوسع لاحقاً وتشمل باقي المدن الليبية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجزائر تطلب من فرنسا «تحسين ظروف» رعاياها المهاجرين

وفد الداخلية الجزائري المشارك في أشغال اجتماع وزراء «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)
وفد الداخلية الجزائري المشارك في أشغال اجتماع وزراء «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)
TT

الجزائر تطلب من فرنسا «تحسين ظروف» رعاياها المهاجرين

وفد الداخلية الجزائري المشارك في أشغال اجتماع وزراء «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)
وفد الداخلية الجزائري المشارك في أشغال اجتماع وزراء «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)

أبعدت الجزائر منذ بداية العام الحالي 80 ألف مهاجر غير نظامي من أراضيها، يتحدر معظمهم من منطقة جنوب الصحراء، وحثَّت السلطات الفرنسية على «الاعتناء» بملايين المهاجرين الجزائريين، على أساس أنهم يعانون من «التمييز والإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية».

وعرض وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد، خلال أشغال اجتماع وزراء داخلية «مجموعة الـ7» التي اختتمت أمس الجمعة، بمدينة ميرابيلا جنوب إيطاليا، خطة بلاده لمواجهة الهجرة السرية، مؤكداً على «خطورة الترابط الوثيق بين هذه الظاهرة وأشكال الإرهاب، والإجرام العابر للحدود، والنشاطات العدائية والمجرَّمة قانونًا»، وفق ما نشرته وزارة الداخلية على حسابها بالإعلام الاجتماعي.

وزير داخلية الجزائر مع مديرة المنظمة الدولية للهجرة في اجتماع وزراء داخلية «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)

وأكد مراد في كلمته، أن «المتابع للظاهرة في وقتنا الحاضر، يلاحظ أن الهجرة أصبحت مرتبطة اليوم بتدفقات من المهاجرين غير النظاميين، نتيجة انعدام الاستقرار بدول المصدر، وتدهور الأوضاع الأمنية بها، والتي تضاف إلى ضعف بنيتها التنموية»، مبرزاً أن بلاده «تواجه تحديات كبيرة في مجال الهجرة منذ سنوات عدَّة، تطورت مؤخراً بشكل متسارع ومعقد».

وحسب مراد، فقد اتبعت الحكومة الجزائرية «نظرة منهجية وموضوعية» في التعامل مع مشكلة الهجرة غير الشرعية، وتحدث عن «وضع خطط عمل تشمل الأبعاد القانونية والإنسانية والاقتصادية، تعكس وعينا بحجم هذه الرهانات والمخاطر التي تحيط بنا». وقال بهذا الخصوص، إن هذه المقاربة «سمحت منذ بداية سنة 2024 بترحيل ما يعادل 80 ألف مهاجر غير نظامي، كما مكنت من تفكيك عدد هائل من الشبكات الإجرامية الخطيرة متعددة الجنسيات، وهي جهود استدعت تسخير إمكانات مادية وبشرية معتبرة».

وزير داخلية إيطاليا مع نظيره الجزائري خلال أشغال اجتماع وزراء داخلية «مجموعة الـ7» بمدينة ميرابيلا جنوب إيطاليا (إ.ب.أ)

ولم يذكر الوزير جنسيات المهاجرين الذين رحَّلتهم الجزائر، في حين جاء في تقارير «المنظمة الدولية للهجرة» حول هذه القضية، أن غالبيتهم من النيجر.

وأشاد مراد بـ«بوتيرة التعاون والتنسيق مع المنظمات الأممية الناشطة في المجال، على غرار المنظمة الدولية للهجرة، ما سمح بتحقيق نتائج إيجابية، من خلال تسهيل عودة آلاف المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم الأصلية منذ بداية السنة الحالية»، مشدداً على أن معالجة هذه الظاهرة ذات الآثار متعددة الأبعاد: «لا يمكن أن تقتصر على تدابير ظرفية، وإنما يتطلب ذلك رؤية شاملة ومندمجة ومنسقة وتضامنية، تُعنى أساساً بمعالجة الأسباب الجذرية للظاهرة، وذلك عبر توفير عوامل الأمن والاستقرار، ودعم التنمية بالدول مصدر الهجرة».

مهاجرون غير نظاميين من النيجر على حدود الجزائر (حسابات ناشطين في غوث المفقودين)

كما تحدث الوزير الجزائري -ضمناً- عن خلاف بلاده مع فرنسا التي تطالبها باستعادة آلاف من مهاجريها السريين، مؤكداً بهذا الخصوص أن «بحث المسائل المتعلقة بالهجرة لا بد من أن يولي كذلك العناية لظروف جاليتنا المقيمة بالخارج»، ويقصد بذلك أن المهاجرين النظاميين الجزائريين في فرنسا يواجهون العنصرية والتمييز في الشغل، ومشكلات أخرى متصلة بـ«لمّ الشمل العائلي»، وهي مسائل يضبطها اتفاق فرنسي- جزائري تم إبرامه عام 1968، وحالياً تسعى الحكومة اليمينية الجديدة لمراجعته، بحجة أنه «لا يساعد على إنجاح خطط الحد من الهجرة إلى فرنسا».

دورية لخفر السواحل الجزائري في البحر المتوسط (وزارة الدفاع الجزائرية)

وأوضح مراد في هذا السياق أن الجزائر «تهيب بشركائها تعزيز جهود مكافحة مظاهر التطرف والتمييز، والإسلاموفوبيا، وخطاب الكراهية تجاه جاليتنا، بما يضفي على محيطنا الجهوي والعالمي السكينة المنشودة، في ظل اندماج أمثل وتعايش إيجابي».

وكانت وزارة الداخلية الفرنسية قد أعلنت مطلع 2024 أنها رحَّلت أكثر من 2500 جزائري عام 2023، من ضمن 17 ألف مهاجرين أبعدتهم بسبب أوضاعهم غير القانونية؛ مؤكدة أن عدد الجزائريين الذي أصدرت بحقهم قرارات بالإبعاد زاد بنسبة 36 في المائة منذ 2022 (انتقل من 1882 إلى 2562).