ضغوط أوروبية تشجع الجزائر على بعث طلبها مراجعة «اتفاق الشراكة»

بعد تلويح «مفوضية الاتحاد» باللجوء إلى التحكيم بسبب قيود على الصادرات

أحد شوارع العاصمة الجزائر (رويترز)
أحد شوارع العاصمة الجزائر (رويترز)
TT

ضغوط أوروبية تشجع الجزائر على بعث طلبها مراجعة «اتفاق الشراكة»

أحد شوارع العاصمة الجزائر (رويترز)
أحد شوارع العاصمة الجزائر (رويترز)

يتوقع مراقبون في الجزائر لجوء سلطاتها إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي من جديد بغرض مراجعة «اتفاق الشراكة»، على أثر تلويح بروكسل بطلب تحكيم دولي بشأن اتهامات لها بـ«وقف صادرات الاتحاد الأوروبي وتعطيل مشروعاته واستثماراته على أرضها».

وأكد الاتحاد الأوروبي، الجمعة، أنه بادر بتفعيل إجراءات «لتسوية المنازعات ضد الجزائر»، معترضاً على قرارات عدة نفذتها الجزائر منذ عام 2021، تهدف إلى تنظيم الواردات وتحفيز الإنتاج المحلي. وتثير هذه الخطوة من بروكسل تساؤلات مراقبين حول «هامش الحرية المتاح للجزائر، بخصوص تنفيذ خططها للتنمية الاقتصادية والصناعية».

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (رويترز)

وتشمل الإجراءات المتخذة جزائرياً؛ التي وصفها الاتحاد الأوروبي بأنها «تقييدية»، نظام تراخيص الاستيراد، و حوافز لاستخدام المدخلات المحلية في قطاع السيارات، وتنظيم المشاركة الأجنبية في الشركات المستوردة. وتأتي هذه التدابير ضمن سياسة أوسع تهدف إلى تنويع الاقتصاد الجزائري، وتقليل اعتماده على المحروقات، وتعزيز التصنيع المحلي.

وكانت الحكومة الجزائرية أكدت أن «سياسة الحد من التبعية للغاز والنفط»، المتبعة في السنين الأخيرة، مكنتها من تطوير التصدير بمجالات أخرى، خصوصاً المنتجات الزراعية. وقالت إن الصادرات خارج المحروقات جلبت لها 7 مليارات دولار عام 2023. علماً بأن عائدات المحروقات قدّرت في العام ذاته بنحو 50 مليار دولار.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي لا يزال الشريك التجاري الرئيسي للجزائر، فإن صادراته إلى البلاد تراجعت من 22.3 مليار يورو في عام 2015 إلى 14.9 مليار يورو في عام 2023. ويفسر المراقبون في الجزائر هذا التطور بأنه «دليل على تقدم التنويع في الواردات من شركاء آخرين، وظهور إنتاج وطني في بعض القطاعات».

يذكر أن الصين وتركيا فرضتا منافسة شديدة على الاتحاد الأوروبي فيما يخص التصدير.

رئيس «المجلس الأوروبي» خلال زيارته الجزائر في 5 سبتمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

ولمّحت «المفوضية الأوروبية» إلى أنها تبحث عن تسوية لمشكلتها مع الجزائر عن طريق الحوار. ففي بيان أصدرته، الجمعة، قالت إن الهدف من الإجراءات التي اتخذتها ضد الجزائر، التمهيد «لحوار بنّاء من أجل رفع القيود في قطاعات عدة؛ من المنتجات الزراعية إلى السيارات». وقرأت مصادر قريبة من الحكومة الجزائرية الخطوة الأوروبية بأنها «تعكس التوترات بين اتفاقيات التجارة الحرة المبرمة مع الاتحاد من طرف بعض الدول النامية، وطموحات هذه الدول إلى حماية صناعاتها الناشئة والتحكم في ميزانها التجاري».

ووفق مراقبين، تعدّ الإجراءات الأوروبية فرصة للجزائر لإعادة التفاوض على بعض جوانب اتفاقية الشراكة؛ السارية منذ عام 2005، لكي تأخذ بشكل أفضل في الحسبان متطلبات تنميتها الاقتصادية. ويمكن للسلطات الجزائرية، وفق خبراء في الاقتصاد مقربين من الحكومة، أن «تؤكد بشكل خاص أن التدابير المتبعة تهدف إلى تصحيح الاختلالات الهيكلية وإحداث بيئة ملائمة لظهور نسيج صناعي محلي تنافسي».

وزيادة على ذلك، فإن تنويع الشراكات الاقتصادية للجزائر، خصوصاً الاتجاه نحو أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، قد يعزز موقفها في هذه المفاوضات، من خلال إظهار قدرتها على تقليل اعتمادها على السوق الأوروبية، وفق الخبراء أنفسهم.

وزير خارجية الجزائر (يسار) طلب من نظيره المجري إجراء وساطة مع الاتحاد الأوروبي لحل الخلاف التجاري في سبتمبر 2023 (الخارجية الجزائرية)

وتطالب الجزائر منذ سنوات بمراجعة «اتفاق الشراكة»؛ بحجة أنه «لم يقدم القيمة المضافة لاقتصادها»، وبأنه جلب المنفعة للاتحاد الأوروبي فقط، من خلال تفكيك التعريفة الجمركية لفائدة السلع الأوروبية المصدرة إلى الجزائر، والذي ألحق ضرراً بمداخيل البلاد الجبائية. لكن الوجه الآخر للخلاف يتمثل في أن المنتوج الجزائري واجه دوماً صعوبات في إيجاد مكان له في أسواق أوروبا، نظراً إلى ضوابط الجودة والسلامة الصحية المفروضة من دول الاتحاد.

وكان جوزيب بوريل؛ مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أكد خلال زيارة للجزائر في 13 مارس (آذار) 2023، أن الاتحاد الأوروبي مستعد لبحث المطالب الجزائرية في هذا الشأن. وقال إن الجزائر «شريك رئيسي للاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة ومورّد موثوق به للغاز الطبيعي، وهي تلعب دوراً مهماً جداً في تأمين إمدادات الطاقة الأوروبية، في لحظة نراها حاسمة». وكان يشير إلى الحرب في أوكرانيا.


مقالات ذات صلة

الجزائر تعيد فرض تأشيرات دخول على مواطني المغرب

شمال افريقيا وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف (إ.ب.أ)

الجزائر تعيد فرض تأشيرات دخول على مواطني المغرب

قررت الجزائر «إعادة العمل الفوري» بفرض تأشيرات دخول على حاملي جوازات السفر المغربية، وفق ما أكدت وزارة الخارجية، على خلفية نشاطات «تمسّ باستقرار» البلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الخليج وزير الخارجية السعودي يلتقي نظيره الجزائري في نيويورك (واس)

مباحثات سعودية في نيويورك تناقش أوضاع غزة وتطورات لبنان

عقد الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، سلسلة لقاءات ثنائية مع نظرائه في دول عدة، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا جلسة لأعضاء البرلمان الجزائري (الشرق الأوسط)

البرلمان الجزائري يبحث طلب التحقيق في «تزوير» الاستحقاق الرئاسي

يبحث مكتب البرلمان الجزائري طلباً تسلمه من كتلة نواب الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم»، يتعلق بإطلاق «لجنة تحقيق» في الظروف التي جرت فيها انتخابات الرئاسة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا أحد شوارع العاصمة الجزائر (رويترز)

الجزائر: تبون يبدأ ولايته الثانية بإعلان «حرب على لوبيات الاستيراد»

يشتكي المستوردون من تدابير حكومية «مفاجئة»، حالت دون تجديد تراخيص الاستيراد لهم، بينما تتهمهم الحكومة بـ«محاولة ابتزاز الدولة عن طريق افتعال ندرة في السوق».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا أحد شوارع العاصمة الجزائر (رويترز)

«مجتمع السلم» الجزائري يطالب برلمانييه بتفعيل «لجنة للتحقيق» في نتائج «الرئاسية»

تم توجيه تهمة «التزوير»، سياسياً، إلى محمد شرفي رئيس «السلطة الوطنية المستقلة» للانتخابات، الذي أعلن نتائج مختلفة جذرياً عن نتائج المحكمة الدستورية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«الحوار الوطني» المصري يناقش إعادة هيكلة الدعم الحكومي

الخبز أحد أهم السلع المدعومة في مصر (وزارة التموين)
الخبز أحد أهم السلع المدعومة في مصر (وزارة التموين)
TT

«الحوار الوطني» المصري يناقش إعادة هيكلة الدعم الحكومي

الخبز أحد أهم السلع المدعومة في مصر (وزارة التموين)
الخبز أحد أهم السلع المدعومة في مصر (وزارة التموين)

يعتزم «الحوار الوطني» المصري، خلال الأيام المقبلة، مناقشة قضية الدعم الحكومي المقدم للمواطنين، في ضوء قرار الحكومة بإعادة هيكلته، ودراسة إمكانية تطبيق منظومة «الدعم النقدي» بدءاً من العام المالي المقبل.

وتطبق الحكومة المصرية منظومة لتوزيع سلع ضرورية، من بينها الخبز والزيت والسكر، بأسعار منخفضة منذ عقود طويلة، من خلال «بطاقات تموينية». لكن الحكومات المتعاقبة تشكو من الأعباء الاقتصادية لتلك المنظومة على الموازنة العامة، فضلاً عن التشكك في حقيقة وصول الدعم إلى مستحقيه.

ويستفيد نحو 63 مليون مواطن من منظومة الدعم التمويني بمصر، حسب بيانات مجلس الوزراء.

ووفق تصريحات سابقة لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، فإنه قد يبدأ التحول من دعم السلع الأوّلية الأساسية، إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة للفئات الأولى بالرعاية مع العام المالي الجديد، بداية من يوليو (تموز) 2025، شرط حدوث «توافق في الآراء بشأن قضية الدعم النقدي في جلسات الحوار الوطني».

وقرر مجلس الحوار الوطني، عقد اجتماع يوم 30 سبتمبر (أيلول) الحالي، لاستعراض وإقرار الإجراءات المطلوبة لضمان مناقشة القضية من كل جوانبها، على نطاق واسع، مشيراً إلى مشاركة جميع المعنيين من خبراء ومتخصصين وجهات سياسية ومؤسسات تنفيذية ومجتمعية.

وتعهد المجلس بمناقشة القضية بـ«تجرد وحياد كاملين»، دون الميل إلى تطبيق أحد النظامين «العيني أو النقدي»، وأن يكون دوره «توفير بيئة حوارية تتسع لمشاركة كل الآراء والمقترحات»، على أن يجري الوصول إلى توصيات تعبر عن جميع مدارس الفكر والعمل في مصر، يتم رفعها لرئيس الجمهورية.

ووفق البيان، سوف يستعرض مجلس الأمناء في اجتماعه المقبل أشكال الجلسات العامة والتخصصية التي ستتم المناقشة عبرها، بمشاركة ذوي الخبرة والتخصص وجميع القوى والتيارات والوزارات والمؤسسات ذات الصلة.

وأعلنت الأمانة الفنية للحوار الوطني بدء استقبال المقترحات والتصورات المكتوبة من جميع الكيانات والجهات التي ترغب في المشاركة عن طريق وسائل التواصل المعلنة (البريد الالكتروني/ واتس آب)، خلال الأسبوعين المقبلين، وحتى يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ليقوم مجلس الأمناء بإدراجها ضمن جدول الجلسات التي سيحددها ويعلن عنها؛ لتنطلق الجلسات في أقرب وقت خلال الفترة القادمة.

وفي أغسطس (أب) الماضي، قال وزير التموين المصري، إن الحكومة المصرية «تنتظر ردود الفعل من الحوار الوطني بشأن التحول لمنظومة الدعم النقدي»، وأضاف أن «هناك أفكاراً مطروحة على الحكومة والمشاركين في الحوار، منها التحول لدعم نقدي كامل أو نقدي مشروط، لكن لم يتم اتخاذ قرار بشأنها حالياً».