الحدود الجنوبية الليبية... ساحة خلفية لـ«متمردين» من دول أفريقية

وسط انقسام أمني يقلل السيطرة عليها

دوريات تابعة لـ«الجيش الوطني» الليبي بمناطق جنوبية (رئاسة أركان القوات الجوية)
دوريات تابعة لـ«الجيش الوطني» الليبي بمناطق جنوبية (رئاسة أركان القوات الجوية)
TT

الحدود الجنوبية الليبية... ساحة خلفية لـ«متمردين» من دول أفريقية

دوريات تابعة لـ«الجيش الوطني» الليبي بمناطق جنوبية (رئاسة أركان القوات الجوية)
دوريات تابعة لـ«الجيش الوطني» الليبي بمناطق جنوبية (رئاسة أركان القوات الجوية)

مطلع يونيو (حزيران) الحالي، فوجئت الأوساط الليبية بزيارة أجراها اللواء صدام، نجل المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» إلى تشاد، بصفته مبعوثاً من قائد «القيادة العامة»؛ حيث التقى الرئيس المنتخب محمد إدريس ديبي.

الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي مستقبلاً صدام حفتر في 2 يونيو (رئاسة أركان القوات الجوية)

وعلى الرغم من أن الزيارة أُدرجت حينها في إطار «بحث التعاون العسكري والأمني والاقتصادي بين البلدين»، فإن بعض المتابعين يرون أن وجود من يوصفون بـ«المتمردين» التشاديين على الحدود الجنوبية الليبية، كان هو المحور الأهم للزيارة، لافتين إلى ما بات يلاحَظ من تحركات لهذه العناصر على الشريط المتاخم لليبيا.

وسبق أن عزَّز «الجيش الوطني» الليبي في أغسطس (آب) 2023 الإجراءات المتخذة لحماية الحدود المتاخمة للدول الأفريقية التي تشهد صراعات داخلية؛ حيث طاردت قوات «اللواء طارق بن زياد المعزز» التابع للجيش، فلول «المتمردين التشاديين»، داخل الحدود الجنوبية الليبية.

عنصر من «الجيش الوطني» على الحدود مع النيجر

ويرى متابعون ليبيون أن الحدود الجنوبية المتاخمة لدول أفريقية «تعد ساحة خلفية راهناً لجماعات من المتمردين على اختلاف مشاربهم».

وخلال الأشهر الماضية، أعلن «الجيش الوطني» عن عمليات تمشيط واسعة للحدود المتاخمة للسودان والنيجر وتشاد: «سعياً لمنع أي اختراقات محتملة». لكن متابعين يرون أن الأوضاع المتوترة في دول الجوار الأفريقي تدفع بـ«المجموعات المتمردة» إلى الشريط الحدودي مع ليبيا، من وقت إلى آخر.

وأقر رئيس حزب «حركة الخلاص» التشادية، عمر المهدي بشارة، بوجود هذه الجماعات، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح، كل الحركات التشادية الرافضة للتوقيع على (اتفاقية الدوحة للسلام) موجودون في الأراضي الليبية».

صورة أرشيفية لدوريات تابعة لـ«الجيش الوطني» (رئاسة أركان القوات الجوية)

ولم يتوقف الأمر عند «متمردين تشاديين»؛ حيث يلفت متابعون إلى أن «جبهة التحرير الوطني» المتمردة في النيجر التي يتزعمها محمود صلاح، تتخذ من الحدود الليبية ملاذاً. وسبق أن هددت المجلس العسكري الحاكم هناك بتفجير منشآت في البلاد.

ووقَّعت الأطراف التشادية بالدوحة في 8 أغسطس 2022 على «اتفاقية للسلام». وقدّرت الحركات العسكرية والسياسية التي دُعيت إلى الحوار بنحو 52 حركة، وتأتي حركة «فاكت» و«جبهة الوفاق من أجل التغيير» على رأس القائمة التي كان بعضها على شكل تحالفات، إضافة إلى 200 حزب سياسي وتجمع مدني من الداخل والشتات.

وتُرجع الأجهزة الأمنية في ليبيا انتشار «المجموعات المتمردة» على أطراف البلاد، إلى طول الحدود المحلية المترامية التي سبق أن دفعت جهات دولية إلى المطالبة بمساندة ليبيا لوجستياً في مراقبتها.

غير أن مسؤولاً عسكرياً سابقاً، في ليبيا، يرى أن الجنوب «تائه بين حكومتَي طرابلس وبنغازي». وأشار في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الانقسام الأمني والعسكري بينهما يقلل من السيطرة على تلك المساحات الشاسعة، ما يمنح المتمردين وغيرهم من مهربي البشر والمخدرات والوقود، فرصة لاختراق الحدود».

صورة أرشيفية لدوريات تابعة لـ«الجيش الوطني» الليبي بمناطق جنوبية (رئاسة أركان القوات الجوية)

وتعاني ليبيا من انقسام حاد بين حكومتين تتنازعان السلطة: الأولى برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها طرابلس، والثانية مكلفة من البرلمان ويرأسها أسامة حماد، وتبسط سلطتها على شرق ليبيا وبعض مدن الجنوب.

وفي نهاية أبريل (نيسان) الماضي، حضَّ رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي «لجنة ترسيم الحدود البرية والبحرية»، على متابعة التطورات كافة، لمنع أي انتهاكات لحدود ليبيا، مطالباً اللجنة بإحاطته بمجريات عملها، وما يعترضها من عقبات.

وينحدر صلاح زعيم «جبهة التحرير الوطني» من إثنية «التبو»، المنتشرة في مناطق على الحدود بين ليبيا والنيجر وتشاد والسودان، علماً بـأن هذه الجبهة تم تدشينها في أغسطس 2023، في أعقاب الإطاحة برئيس النيجر محمد بازوم.

وتمتد الحدود الليبية مع النيجر على طول 342 كيلومتراً. وكان «الجيش الوطني» قد اتجه لتأمين تلك المساحة في أعقاب التوتر الذي نجم عن الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد في يوليو (تموز) 2023.


مقالات ذات صلة

توتر أمني مفاجئ غرب العاصمة الليبية

شمال افريقيا المنفي خلال حضور حفل العشاء مع الرئيس الأميركي (المنفي)

توتر أمني مفاجئ غرب العاصمة الليبية

أعلن أعضاء في مجلس النواب الليبي، أن جلسته المرتقبة، الاثنين المقبل، ستخصص للمصادقة على اعتماد تعيين محافظ المصرف المركزي للبلاد ونائبه.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

أبدى سياسيون ومحللون ليبيون تخوفهم من وقوع أزمة جديدة تتعلق بالمطالبة بـ«قانون موحد للميزانية»، بينما لا تزال البلاد تتعافى من تأثير أزمة المصرف المركزي.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا مستشارو المحكمة الدستورية العليا عقب أداء اليمين أمام نائب رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

ليبيا: «قانون الدستورية العليا» يجدد الجدل بين «الرئاسي» والبرلمان

تصاعدت حالة من الجدل في ليبيا بعد أداء مستشاري المحكمة الدستورية العليا اليمين القانونية، أمام مجلس النواب، في ظل معارضة واسعة من المجلس الرئاسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي يلتقي البرهان على هامش أعمال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة (المجلس الرئاسي الليبي)

11 دولة تدعو ليبيا لضخ النفط... وإخراج «المرتزقة»

حثت أميركا ودول أوروبية وعربية الأطراف الليبية كافة على العمل لاستئناف إنتاج وتصدير النفط «بالكامل دون تعطيل أو تدخل أو تسييس».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من الحضور خلال توقيع اتفاق ينهي أزمة الصراع على مصرف ليبيا المركزي (البعثة الأممية)

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

بحضور دبلوماسي عربي وغربي، وقّع ممثلان عن مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا اتفاقاً يقضي بتعيين محافظ مؤقت للمصرف المركزي ونائب له.

جمال جوهر (القاهرة)

مصر لدعم موقفها في نزاع «سد النهضة» بتحركات مكثفة بنيويورك

وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الصيني في نيويورك (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الصيني في نيويورك (الخارجية المصرية)
TT

مصر لدعم موقفها في نزاع «سد النهضة» بتحركات مكثفة بنيويورك

وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الصيني في نيويورك (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الصيني في نيويورك (الخارجية المصرية)

كثّفت مصر من تحركاتها الدبلوماسية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لدعم موقفها في نزاع سد النهضة الإثيوبي. وبينما تؤكد القاهرة «محورية حقوقها المائية» من مياه النيل وترفض «الممارسات الأحادية» من جانب أديس أبابا، تواصل إثيوبيا ملء «السد».

وشدّد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت، على «أهمية قضية الأمن المائي وسد النهضة بالنسبة إلى بلاده».

وتبني إثيوبيا سد النهضة على رافد نهر النيل الرئيسي منذ 2011 لإنتاج كهرباء تلبي احتياجات 60 في المائة من المنازل. ويواجه مشروع «السد» باعتراضات من دولتي المصب مصر والسودان، للمطالبة باتفاق قانوني ينظّم عمليات ملئه وتشغيله، بما لا يضر بحصتيهما المائية.

وحذّرت وزارة الخارجية المصرية، في خطاب إلى مجلس الأمن، نهاية أغسطس (آب) الماضي، من «التأثيرات الخطيرة للسد على حصتي مصر والسودان المائية». وقالت إن «السد الإثيوبي يمثّل خطراً وجودياً على مصر». وأشارت إلى «انتهاء مسارات المفاوضات بشأن سد النهضة بعد 13 عاماً من التفاوض بنيات صادقة». وأرجعت ذلك إلى أن «أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور بغرض تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية لديها للتوصل إلى حل».

وشدد وزير الخارجية المصري، خلال لقائه نظيره الصيني، وانغ يي، في نيويورك، على «أهمية قضية الأمن المائي والسد الإثيوبي بالنسبة إلى مصر»، وعدّها «قضية وجودية تتعلّق بشكل مباشر بالأمن القومي المصري، ولا يمكن التهاون بشأنها». كما أكد «رفض بلاده أي ممارسات أحادية تضرّ بمصالح دولتي المصب وتخالف القواعد الدولية المستقرة في حوكمة المياه العابرة للحدود»، حسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»، السبت.

وسبق ذلك تأكيد وزير الخارجية المصري موقف بلاده نفسه من قضية السد الإثيوبي، خلال لقائه وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، جون باس، في نيويورك، مساء الجمعة. وحذّر عبد العاطي من أن «بلاده لن تتهاون بشأن قضية (السد)». كما أشار عبد العاطي خلال «قمة المستقبل» بالأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، إلى «ضرورة إعطاء قضية الندرة المائية والأمن المائي الاهتمام البالغ من المجتمع الدولي»، مطالباً «عدم ترك الأمر لأهواء دول معينة، وإن كانت هي دول المنبع، لفرض سياسات أحادية خاطئة تهدد مصالح وشواغل دول المصب».

ويرى نائب رئيس «المجلس المصري للشؤون الأفريقية»، السفير صلاح حليمة، أن «وزير الخارجية المصري يقوم بدور نشط ومكثف لحشد التأييد الدولي لدعم الموقف المصري في قضية سد النهضة». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحركات المصرية تتسم بالالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية، التي تخالفها إثيوبيا، بالتصرفات الأحادية في مشروع (السد)».

ووفق حليمة فإن «التحركات المصرية تستهدف تأكيد تهديد السد الإثيوبي للحياة في مصر»، وإظهار «المخاطر الوجودية المرتبطة بعمليات تشغيل السد وملئه، ما يعطي الحق للقاهرة في اللجوء إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، لطلب التدخل، دفاعاً عن حقها وأمنها». وأشار إلى أن «هناك تأييداً للموقف المصري أكدته لقاءات وزير الخارجية المصري مع المسؤولين الدوليين في نيويورك».

وكان وزير الخارجية المصري قد أشار، في تصريحات إعلامية بنيويورك، الأسبوع الماضي، إلى «حشد بلاده الدعم والتأييد الدولي لموقفها في ضرورة الوصول لاتفاق قانوني ملزم بشأن السد الإثيوبي، وكيفية تشغيله، بما لا يضر بدولتي المصب»، وقال إن «حصة مصر المائية (55.5 مليار متر مكعب) تكاد تكفي 60 في المائة من الاحتياجات المائية السنوية لمصر، وبالتالي لا يمكن التفريط في قطرة واحدة منها».

جانب من سد النهضة الإثيوبي (رويترز)

من جانبه، أكد أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، ضرورة قيام مصر بـ«تشكيل رأي عام دولي داعم لحقوقها المائية في قضية (السد)»، مشيراً إلى أهمية «ممارسة المجتمع الدولي ضغوطاً على الجانب الإثيوبي، والوصول لاتفاق قانوني بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)، حتى لا يتطور الخلاف».

وكان مجلس الأمن قد أصدر بياناً في سبتمبر (أيلول) 2021 حثّ فيه مصر وإثيوبيا والسودان على «استئناف المفاوضات؛ بهدف وضع صيغة نهائية لاتفاق مقبول وملزم للأطراف بشأن ملء (السد) وتشغيله ضمن إطار زمني معقول».

وعدّ شراقي أن «تدخل الأمم المتحدة بات ضرورياً، بسبب المخاطر الطبيعية التي يشكّلها مشروع السد الإثيوبي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «وصول عملية تخزين المياه في (السد) للسعة القصوى سيؤدي إلى زيادة نشاط الزلازل بالمنطقة، وفي حال سنوات الفيضان المرتفع، قد يشكّل مخاطر على بنيته»، مشيراً إلى أن «المشروع يمثّل تهديداً للحياة على السودان؛ ما يستوجب تدخل مجلس الأمن».

وشهدت إثيوبيا، الجمعة، زلزالاً في منطقة الأخدود، التي تبعد 570 كيلومتراً شرق منطقة «سد النهضة»، حسب أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، الذي قال إنه «من المتوقع زيادة النشاط الزلزالي في إثيوبيا خصوصاً في منطقة (السد)».

يأتي هذا في وقت تواصل فيه إثيوبيا ملء «السد». وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في أغسطس الماضي، «اكتمال بناء سد النهضة على النيل الأزرق بشكل كامل بحلول ديسمبر (كانون الأول) المقبل». وقال إن «إجمالي المياه المحتجزة مع مرحلة الملء الخامس للسد، بلغ 62.5 مليار متر مكعب»، متوقعاً أن تصل نسبة المياه المحتجزة بنهاية العام «ما بين 70 و71 مليار متر مكعب».