هل يتمكن الليبيون من إجراء استفتاء على مشروع الدستور؟

بعد حكم قضائي يُلزم «مفوضية الانتخابات» بطرحه على الشعب

من لقاء سابق يجمع بين عقيلة صالح ومجلس مفوضية الانتخابات في ليبيا (المفوضية العليا للانتخابات)
من لقاء سابق يجمع بين عقيلة صالح ومجلس مفوضية الانتخابات في ليبيا (المفوضية العليا للانتخابات)
TT

هل يتمكن الليبيون من إجراء استفتاء على مشروع الدستور؟

من لقاء سابق يجمع بين عقيلة صالح ومجلس مفوضية الانتخابات في ليبيا (المفوضية العليا للانتخابات)
من لقاء سابق يجمع بين عقيلة صالح ومجلس مفوضية الانتخابات في ليبيا (المفوضية العليا للانتخابات)

وسط ترقب الليبيين لما قد تسفر عنه مشاورات المبعوثة الأممية بالإنابة مع القوى الفاعلة بالبلاد، ستيفاني خوري، يتجدد الحديث داخل الأوساط السياسية عن خيار إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور، المنجز منتصف عام 2017، وسط تباين في الآراء حول إمكانية تحقق ذلك.

وجاء الحديث عن الاستفتاء على خلفية الحكم القضائي الصادر من محكمة الزاوية الابتدائية، الأربعاء الماضي، الذي قضى بإلزام المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بطرح مشروع الدستور للاستفتاء العام، من أجل تمكين الليبيين من إبداء رأيهم حوله، بالقبول أو الرفض.

الليبيون يترقبون ما قد تسفر عنه مشاورات المبعوثة الأممية بالإنابة مع القوى الفاعلة بالبلاد لإجراء الانتخابات (البعثة)

ورغم إصدار الهيئة التأسيسية، التي أعدت مشروع الدستور، بياناً تطالب فيه مفوضية الانتخابات بتنفيذ القرار القضائي، فإن نبرة التشاؤم طغت على توقعات بعض أعضائها حيال إمكانية استجابتها للأمر.

وفي هذا السياق، استبعد رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، نوح السيد، استجابة المفوضية لعدة أسباب، وقال إن «الاستفتاء يتطلب دعماً مالياً وترتيبات أمنية في جميع أنحاء ليبيا، إضافة إلى دعم إجرائي من قطاعات ووزارات مختلفة». ورأى السيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «غياب أي من هذه الخطوات قد يكون مبرراً كافياً للمفوضية للتذرع به في إعلان عدم قدرتها على تنظيم الاستفتاء».

ويعد قرار محكمة الزاوية استجابة لدعوى قضائية حركتها الهيئة التأسيسية ضد مفوضية الانتخابات، وآخرين، لإلزامهم بتنظيم الاستفتاء طبقاً للإعلان الدستوري، وقانون الاستفتاء الصادر عن البرلمان.

وفي معرض إجابته عن تساؤل حول الجهة التي تتحمل مسؤولية عرقلة إتمام الاستفتاء طيلة السنوات السبع الماضية، قال السيد: «المسؤولية تتحملها الأجسام والقوى المتصدرة للمشهد السياسي بالبلاد، وأطراف أخرى عديدة، من بينها بعض أعضاء الهيئة التأسيسية، وأرجع ذلك إلى (افتقاد لغة الحوار الموضوعي)».

ولم تبتعد عضوة الهيئة التأسيسية، نادية عمران، عن الطرح السابق، وتوقعت عدم استجابة المفوضية لإجراء الاستفتاء على الدستور، ورأت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن أعضاء المفوضية، ومجلسي النواب و«الأعلى للدولة» والبعثة الأممية «يعرقلون هذه الخطوة»، مبرزة أن إجراء الاستفتاء «قد يكون الحل الرئيسي لإنهاء حالة الجمود والإخفاقات المتكررة في معالجة الأزمة السياسية للبلاد، كما أنه يُمهد لإجراء الانتخابات العامة».

صالح وعماد السائح رئيس المفوضية الليبية للانتخابات في لقاء سابق (المكتب الإعلامي لصالح)

وأضافت نادية عمران متسائلة: «لماذا لا يحاولون تجربة خيار الاستفتاء على مشروع الدستور، الذي إذا ما تمت الموافقة عليه فإنه قد يوفر لليبيين آلية تحظى بالشرعية، وتمهد لإجراء الانتخابات العامة وفقاً لقواعد سليمة ومتوافق عليها، بعد تحديد معالم الدولة ومفاصلها».

ولفتت نادية عمران إلى أن إجراء الانتخابات حينذاك «سينتج عنه تشكيل حكومة قوية موحدة بعموم البلاد، وتنتهي بذلك حالة الانقسام الحكومي والمؤسسي الراهنة»؛ لكنها انتقدت في المقابل توجه ستيفاني خوري، كسابقيها من المبعوثين الأمميين، لإجراء مفاوضات مع القوى الفاعلة بالبلاد، دون محاولة التطرق لمشروع الدستور للتعرف على ما يتضمنه، وفق قولها.

من جانبه، رأى عضو مجلس النواب الليبي، جلال الشهويدي، أن دولاً خارجية متنفذة بالساحة الليبية وراء عرقلة الاستفتاء منذ البداية، نافياً أي دور لمجلسه بهذا الصدد. وذكر الشهويدي لـ«الشرق الأوسط» قيام مجلس النواب بإصدار قانون الاستفتاء على مشروع الدستور في سبتمبر (أيلول) 2018، وتسليمه للمفوضية.

رئيس المفوضية العليا للانتخابات الليبية في لقاء سابق مع وفد فرنسي لبحث إجراء الانتخابات الليبية (المفوضية)

ورفض الشهويدي ما يتردد عن أن مجلس النواب قد يكون منحازاً لمخرجات اللجنة المشتركة لأعضاء مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» (6+6)، والتي قام البرلمان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بإقرارها بوصفها قوانين انتخابية. وقال موضحاً: «لا تعارض بين ما أقره البرلمان من قوانين تنظم إجراء الانتخابات والدستور، الذي هو عقد مجتمعي بين جموع الليبيين»، مضيفاً: «من دون دستور للبلاد، فإن أي حكومة جديدة ستكون مجرد مرحلة انتقالية جديدة؛ ونحن بوصفنا برلمانيين لا نسعى لذلك، وفي ظل إدراكنا بوجود (فيتو) خارجي على الاستفتاء، فقد يكون الخيار المتاح هو استقدام حكومة جديدة موحدة، تمهد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية».

ولفت الشهويدي إلى مخرجات لقاء عقد في مصراتة نهاية الأسبوع الماضي، ضم أعضاء من مجلسي النواب و«الدولة» وقيادات حزبية ومدنية، تضمنت القبول بالقوانين التي أقرها البرلمان، والتأكيد على ضرورة وجود «حكومة جديدة».

من جهته، وعلى الرغم من تقديره لإعداد مشروع الدستور من قِبل لجنة منتخبة شعبياً، فإن عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، أعرب عن قناعته بأن إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور راهناً بات صعباً، وأرجع ذلك لما شهدته ليبيا خلال السنوات الأخيرة من صراعات مسلحة، وانقسامات سياسية عميقة «قد لا تستعد إلى إتمام مثل هذا الاستحقاق».

ودعا بن شرادة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى التركيز على خيار تشكيل «حكومة موحدة» تمهّد لإجراء الانتخابات، «بحيث توفر الحكومة، التي ستتشكل بعد الاستحقاق، بيئة تُمكن المواطن الليبي من دراسة مشروع الدستور الدائم للبلاد بشكل أفضل، ومن ثم إبداء الرأي حوله».


مقالات ذات صلة

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

شمال افريقيا وزير الخارجية التركي مستقبلاً بلقاسم نجل حفتر في أنقرة (صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا)

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

خلَّفت زيارة بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، إلى تركيا، نهاية الأسبوع الماضي، التي التقى خلالها وزير الخارجية، هاكان فيدان، قدراً من التساؤلات.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا صورة نشرتها سلطات جنوب أفريقيا لعدد من الليبيين الذين اعتقلتهم (أ.ب)

تباين بين «الوحدة» و«الاستقرار» حول الليبيين المعتقلين في جنوب أفريقيا

أكدت حكومة الوحدة، في بيان مساء الجمعة، أنه «لا صلة لها بإجراءات إرسال 95 شخصاً من حملة الجنسية الليبية»

خالد محمود (القاهرة )
المشرق العربي 
من مخلفات اشتباكات عنيفة بين ميليشيات مسلحة وسط طرابلس (أ.ف.ب)

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

هزّت انفجارات ضخمة مدينة زليتن الساحلية، الواقعة غرب ليبيا، إثر انفجار مخزن للذخيرة، تملكه ميليشيا «كتيبة العيان»، وسط تضارب الروايات حول أسباب الحادث، الذي.

شمال افريقيا عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من ليبيا إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية)

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

اشتكى مصدر ليبي مسؤول من أن «منطقة أغاديز بوسط النيجر أصبحت نقطة انطلاق ومحطة عبور لتهريب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر بلده».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا انفجارات زليتن أعادت مطالبة الليبيين بإخلاء المناطق السكنية من التشكيلات المسلحة (أ.ف.ب)

انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن الساحلية الليبية

هزّت انفجارات ضخمة متتالية مدينة زليتن الساحلية بغرب ليبيا إثر انفجار مخزن للذخيرة تمتلكه ميليشيا «كتيبة العيان» بمنطقة كادوش، وسط تضارب الروايات.

جمال جوهر (القاهرة)

تحقيقات تؤكد تسبب «ماس كهربائي» في حرائق أسواق بالقاهرة

مصري يسير بالقرب من المتاجر المتضررة في الحريق الذي شهدته منطقة «الموسكي» (رويترز)
مصري يسير بالقرب من المتاجر المتضررة في الحريق الذي شهدته منطقة «الموسكي» (رويترز)
TT

تحقيقات تؤكد تسبب «ماس كهربائي» في حرائق أسواق بالقاهرة

مصري يسير بالقرب من المتاجر المتضررة في الحريق الذي شهدته منطقة «الموسكي» (رويترز)
مصري يسير بالقرب من المتاجر المتضررة في الحريق الذي شهدته منطقة «الموسكي» (رويترز)

حلّ الماس الكهربائي بوصفه «متهماً أول» في الحرائق التي اندلعت أخيراً بأسواق تجارية «شهيرة» في وسط القاهرة، بعدما أفادت تحقيقات أولية، السبت، بأن «الماس الكهربائي أحد الأسباب المسؤولة عن اشتعال النيران في حادثي (الموسكي) و(حارة اليهود)»، وهما الحريقان اللذان تسببا في سقوط 7 قتلى، إضافة إلى 6 مصابين، فضلاً عن خسائر مالية كبيرة.

وأشارت التحقيقات في الحادثين إلى أن الشرارة الأولى للنيران نتجت عن «ماس كهربائي»، قبل أن تمتد النيران لأماكن أخرى بسبب «وجود مواد قابلة للاشتعال نتيجة البضائع المخزنة في بعض العقارات».

وأخلت النيابة المصرية، السبت، سبيل صاحب مخزن الأحذية، الذي اشتعلت فيه النيران بعد توقيفه، الجمعة، عقب اندلاع حريق في بنايتين بمنطقة العتبة في حي الموسكي. وتبيّن لسلطات التحقيق «عدم حصول صاحب مخزن الأحذية على تصريح بتحويل شقته إلى مخزن للأحذية».

و«الماس الكهربائي أو الشرر الاحتكاكي مسؤول عن 18.4 في المائة من إجمالي مسببات الحرائق بمصر العام الماضي»، وفق «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء»، الذي رصد في تقريره السنوي، الصادر في فبراير (شباط) الماضي، تراجع معدلات الحرائق في مصر من «51963 حريقاً عام 2020 إلى 45345 حريقاً في 2023»، وبنسبة انخفاض عن عام 2022 الذي شهد اندلاع «49341 حريقاً».

سيارات الإطفاء عقب إخماد حريق كبير أدى إلى تدمير متاجر «شهيرة» في وسط القاهرة (رويترز)

وأرجع الخبير الأمني المصري، محمد عبد الحميد، تكرار وقوع حوادث «الماس الكهربائي» لـ«عدم الالتزام بضوابط الحماية المدنية، في حين يتعلق بالأكواد المنظمة لعمليات التشغيل والحمل الكهربائي، مع وجود محال ومخازن تحتاج إلى تغيير العدادات، ووصلات الكهرباء الخاصة بها، نتيجة زيادة الأحمال بإضافة أجهزة وتشغيلها بشكل مستمر»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «غياب الرقابة والتفتيش الدوري على هذه الأماكن يعزز من فرص زيادة المخالفات المرتكبة».

وبحسب الخبير الأمني المصري، فإن «شبكات الكهرباء في المنازل تختلف عن المخصصة للمخازن، إضافة إلى أن بعض السلع والأدوات التي يجري تخزينها تكون بحاجة إلى درجة حرارة معينة»، لافتاً إلى أن بعض الأجهزة الحديثة، التي يجري استخدامها على غرار «غلايات المياه»، أو أجهزة تسخين الطعام، تكون بحاجة لضغط كهربائي عالٍ، الأمر الذي يؤدي لحدوث «شرارات»، ومع وجود مواد قابلة للاشتعال بجوارها «يتحول الأمر لحريق لا يمكن السيطرة عليه عن طريق الشخص؛ لكن يتطلب قوات الإطفاء المدربة».

ورأى عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب أيمن محسب، أن «الحرائق تزداد عادة خلال الأيام التي ترتفع فيها درجات الحرارة بشكل كبير»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» ضرورة «تنفيذ ضوابط مراقبة، ومتابعة التزام جميع المواقع بإجراءات الحماية المدنية». وأضاف عضو «النواب» أنه قدّم إحاطة برلمانية في مارس (آذار) الماضي لرئيس مجلس الوزراء عن «خطة الحكومة بشأن توافر وسائل الأمان لإخماد حوادث الحرائق، من دون حدوث أضرار ضخمة، وذلك بعد الحريق الذي نشب في استوديو (الأهرام) بالجيزة».

وتسبب «ماس كهربائي» في حريق هائل باستوديو «الأهرام»، أسفر عن تدمير بلاتوهات تصوير عدة داخل الاستوديو، إضافة إلى امتداد النيران للعقارات المجاورة، وتدمير عدد من الشقق السكنية.

سيارة إطفاء خلال إخماد حريق «الموسكي» الجمعة (رويترز)

عودة إلى الخبير الأمني المصري، الذي أكد وجود أسباب عدة لحدوث «الماس الكهربائي»، من بينها «عدم انتظام تيار الضغط الكهربائي لأي سبب من الأسباب، أو انصهار أسلاك بسبب تهالكها، وعدم تجديدها، خصوصاً في المباني القديمة بوسط القاهرة، التي لا تشهد عادة إعادة تأهيل، بما يتناسب مع طبيعة الأنشطة التي تمارس داخلها»، مشدداً على «ضرورة الالتزام بوجود التجهيزات اللازمة لإطفاء الحرائق حال حدوثها، وبما يتناسب مع المواد القابلة للاشتعال التي تكون موجودة بهذه الشقق».

كما شدد النائب البرلماني على «تطبيق الاشتراطات الخاصة بالأمن الصناعي في مختلف الأسواق، وعدم الاكتفاء بتحرير محاضر مخالفات من دون متابعة ما يجري بعد ذلك من إجراءات».