كيف تحولت الزاوية الليبية إلى مسرح لـ«جرائم الميليشيات»؟

سكانها يشتكون من عصابات التهريب والاشتباكات المتكررة والصراع على النفوذ

عناصر تابعة لمديرية أمن الزاوية بغرب ليبيا (مديرية الأمن)
عناصر تابعة لمديرية أمن الزاوية بغرب ليبيا (مديرية الأمن)
TT

كيف تحولت الزاوية الليبية إلى مسرح لـ«جرائم الميليشيات»؟

عناصر تابعة لمديرية أمن الزاوية بغرب ليبيا (مديرية الأمن)
عناصر تابعة لمديرية أمن الزاوية بغرب ليبيا (مديرية الأمن)

طرحت الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها مدينة الزاوية، الواقعة غرب ليبيا، بين مجموعات مسلحة، وإن تم تطويقها سريعاً بوساطة محلية، تساؤلات عدة عن أسباب تكرارها بوتيرة متسارعة، وذلك بعد أن باتت المدينة الواقعة غرب العاصمة طرابلس، مسرحاً لـ«جرائم الميليشيات المتصارعة على بسط النفوذ، والاستفادة من سياسة الأمر الواقع»، في ظل شكاوى المواطنين الذين طالتهم نيران اشتباكات المسلحين.

ويرى كثير من المراقبين أن أوضاع هذه التشكيلات تزيد من تعقيد المشهد مع تعدد توجهاتها، حيث يدين بعضها بالولاء لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، فيما تدين مجموعات أخرى بالولاء لحكومة أسامة حماد في شرق ليبيا.

يشتكي غالبية سكان الزاوية من انتشار عصابات تهريب البشر (الشرق الأوسط)

في هذا السياق يعدد المحلل في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، جلال حرشاوي، ما تملكه المدينة من منشآت للطاقة، وفي مقدمتها مصفاة الزاوية التي تعد واحدة من أكبر مصافي تكرير النفط بليبيا، مما يكسب المدينة أهمية استراتيجية بالغة.

وقال حرشاوي لـ«الشرق الأوسط» إن القبائل الكبرى بالزاوية هي مثل الميليشيات المسلحة، حيث يتوزع ولاؤها بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة في البلاد، عادّاً أن هذا الوضع يُشكل في ظل ارتفاع عدد سكان الزاوية لأكثر من 200 ألف نسمة، وسيطرة بعض القبائل غير الموالية لحكومة الدبيبة المؤقتة على منشآت الطاقة، عاملاً مساهماً في ارتفاع مستوى التوترات بالمدينة. مضيفاً أنه «عندما يتعرض أحد الأفراد للخطف أو الأذى، فإن قبيلته بأكملها تسعى للانتقام له. وبسبب هذا المنطق، لا يتم حل أي مشكلة».

حكومة الوحدة عمدت لنشر عناصر أمنية داخل شوارع الزاوية بعد الاشتباكات الأخيرة (الشرق الأوسط)

ويضيف حرشاوي عاملاً آخر في تكرار الاشتباكات بين المسلحين بالزاوية، ألا وهو «ارتفاع معدل الجريمة بالمدينة، المتمثل في تهريب الوقود والبشر والاتجار بالمخدرات»، محملاً سلطات العاصمة مسؤولية تكرار الاشتباكات، وعادّاً أن حكومة طرابلس «غير محايدة في علاقاتها مع المجموعات المسلحة بالزاوية، فالبعض مقرب منها، والآخر تعده خصماً».

بعض سكان الزاوية عدّوا حكومة الدبيبة «غير محايدة في علاقاتها مع المجموعات المسلحة بالمدينة» (الوحدة)

وقبل عام تقريباً خرج أهالي الزاوية في مظاهرات غاضبة للتنديد بتدهور الوضع الأمني لمدينتهم، وارتفاع معدلات جرائم القتل والخطف بها، مؤكدين أنهم باتوا يكتوون بنار هذه التشكيلات، وطالبوا حكومة الدبيبة بالتحرك لمعالجة الأمر، والقضاء على الميليشيات والعصابات الإجرامية، مهددين حينذاك باتخاذ إجراءات إغلاق مصفاة النفط وإعلان العصيان المدني.

ونهاية مايو (أيار) 2023 نفذت وزارة الدفاع بالحكومة ضربات جوية وصفت بـ«الدقيقة»، استهدفت مواقع عصابات تهريب المهاجرين غير النظاميين والوقود وأوكار تجار المخدرات، على ساحل مدينة الزاوية.

في هذا السياق، يشير بعض المراقبين إلى أنه رغم ازدياد نسبة التوترات بالمدينة بين المجموعات المسلحة بشكل لافت للنظر منذ بداية العام الماضي، فإن أغلبها تُرك لمعالجات جهود قبلية ومدنية وليس حكومية.

ويتوافق هذا الطرح مع ما أعلنه محمد أخماج، رئيس مجلس حكماء وأعيان الزاوية، من أن توقف الاشتباكات الأخيرة التي استخدمت فيها أسلحة متوسطة وثقيلة «تم بجهود أعيان وشيوخ المدينة، رغم محدودية تأثيرهم بالمشهد».

من مخلفات الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها مدينة الزاوية (الشرق الأوسط)

من جانبه، وصف قيادي محلي من مدينة الزاوية الضربات الجوية التي استهدفت الزاوية بكونها «محاولة لتصفية أوكار التهريب التابعة لخصوم الدبيبة السياسيين فقط»، لكن الأخيرة نفت ذلك، وقالت إنها استهدفت القضاء على التهريب في المدينة.

وأوضح القيادي، الذي رفض ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط»، أن «الضربات وجهت لمنطقة أبو صرة المعروفة بكونها منطقة تمركز قوات حسن أبو زريبة، شقيق البرلماني علي أبو زريبة، وكلاهما بالطبع مؤيد لحكومة حماد».

وقال إنه بسبب اعتراض أهالي وأعيان المدينة على هذا النهج قامت وزارة الدفاع، التابعة لحكومة الدبيبة، بتوجيه ضربات أخرى لبعض أوكار التهريب المعروفة بالمدينة، «لكن ذلك كان لفترة محدودة، ومع ذلك تحسن الوضع الأمني لعدة أشهر».

وحمّل القيادي الانقسام الحكومي الراهن مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية بمدينته، قائلا إن هناك «انعكاساً واضحاً لهذا الانقسام بالزاوية، فالقتال يدور بشكل رئيسي بين قوة الإسناد الأولى، التي يقودها محمد بحرون، الملقب بـ(الفار) الموالي للدبيبة، وبين قوات حسن أبو زريبة».

ولم يبتعد عضو «ملتقى الحوار السياسي»، أحمد الشركسي، عن الآراء السابقة، حيث انتقد بدوره غياب سياسة أمنية واضحة من قبل حكومة الدبيبة، فضلاً عن غياب أي أثر لبرامج المصالحة الوطنية المطروحة منذ سنوات.

وقال الشركسي لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف حكومة الوحدة الوطنية تحولت لحكومة إطفاء حرائق؛ وبالتالي فهي ما إن تخمد قتالاً بمنطقة إذا ما تدخلت بالأساس، حتى تفاجأ باندلاع قتال آخر».

ووجهت نخب سياسية انتقاداتها لنائب رئيس المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، لعدم تطرقه لما تعانيه مدينته ومسقط رأسه الزاوية، فضلاً عن مسؤوليته بوصفه معنياً بملف «المصالحة الوطنية بالمجلس» الرئاسي.

وانتهى الشركسي إلى أنه «مع تراجع الآمال بشأن إجراء الانتخابات، ووجود حكومة تفرض سيطرتها على عموم البلاد وتحقق الأمن، فإن أهالي مدينة الزاوية سيظلون رهينة لأهواء قادة المجموعات المسلحة وصراعاتهم، وإن اختلفت خريطتها من حادث لآخر».


مقالات ذات صلة

«العليا للانتخابات» الليبية تعلن نتائج «المحليات» الأحد

شمال افريقيا المفوضية العليا للانتخابات حسمت الجدل حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)

«العليا للانتخابات» الليبية تعلن نتائج «المحليات» الأحد

حسمت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا الجدلَ حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

تتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

خاص دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

بعد إعلان السلطة في غرب ليبيا عن إجراءات واسعة ضد النساء من بينها "فرض الحجاب الإلزامي"، بدت الأوضاع متجه إلى التصعيد ضد "المتبرجات"، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
TT

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

استعادت قوات الجيش السوداني، السبت، مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار في جنوب شرقي البلاد، ما يسهل على الجيش السيطرة على كامل الولاية. وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، مئات الأشخاص يخرجون إلى الشوارع احتفالاً باستعادة المدينة التي ظلت لأكثر من 5 أشهر تحت سيطرة «قوات الدعم السريع».

وقال مكتب المتحدث الرسمي باسم الجيش، في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن «القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى دخلت رئاسة الفرقة 17 مشاة بمدينة سنجة». ولم يصدر أي تعليق من «قوات الدعم السريع» التي كانت استولت في مطلع يوليو (حزيران) الماضي، على مقر «الفرقة 17 مشاة» في مدينة سنجة بعد انسحاب قوات الجيش منها دون خوض أي معارك. ونشر الجيش السوداني مقاطع فيديو تظهر عناصره برتب مختلفة أمام مقر الفرقة العسكرية الرئيسة.

بدوره، أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير الثقافة والإعلام، خالد الأعيسر، عودة مدينة سنجة إلى سيطرة الجيش. وقال في منشور على صفحته في «فيسبوك»، نقلته وكالة أنباء السودان الرسمية، إن «العدالة والمحاسبة مقبلتان وستطولان كل من أسهم في جرائم، وستتم معاقبة المجرمين بما يتناسب مع أفعالهم».

وأضاف أن «الشعب السوداني وقواته على موعد مع تحقيق مزيد من الانتصارات التي ستعيد للبلاد أمنها واستقرارها، وتطهرها من الفتن التي زرعها المتمردون والعملاء ومن يقف خلفهم من دول وأطراف متورطة».

وفي وقت سابق، تحدث شهود عيان عن تقدم لقوات الجيش خلال الأيام الماضية في أكثر من محور صوب المدينة، بعد أن استعادت مدينتي الدندر والسوكي الشهر الماضي، إثر انسحاب «قوات الدعم السريع». وقال سكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، إن قوات الجيش وعناصر المقاومة الشعبية انتشروا بكثافة في شوارع سنجة، وإنهم فرحون بذلك الانتصار.

مسلّحون من «قوات الدعم السريع» في ولاية سنار بوسط السودان (أرشيفية - مواقع التواصل)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خاض الجيش معارك ضارية ضد «قوات الدعم السريع»، نجح من خلالها في استعادة السيطرة على منطقة «جبل موية» ذات الموقع الاستراتيجي التي تربط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض. وبفقدان سنجة تكون «قوات الدعم السريع» قد خسرت أكثر من 80 في المائة من سيطرتها على ولاية سنار الاستراتيجية، حيث تتركز بقية قواتها في بعض البلدات الصغيرة.

يذكر أن ولاية سنار المتاخمة لولاية الجزيرة في وسط البلاد، لا تزال تحت سيطرة «قوات الدعم السريع»، التي تسيطر أيضاً على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم ومنطقة غرب دارفور الشاسعة، إضافة إلى جزء كبير من ولاية كردفان في جنوب البلاد.

ووفقاً للأمم المتحدة نزح أكثر من نحو 200 ألف من سكان ولاية سنار بعد اجتياحها من قبل «قوات الدعم السريع».

واندلعت الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بعد خلاف حول خطط لدمج «الدعم السريع» في الجيش خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات للانتقال إلى حكم مدني، وبدأ الصراع في العاصمة الخرطوم وامتد سريعاً إلى مناطق أخرى. وأدى الصراع إلى انتشار الجوع في أنحاء البلاد وتسبب في أزمة نزوح ضخمة، كما أشعل موجات من العنف العرقي في أنحاء البلاد.